مع اقتراب انتخابات المجالس المحلية والاستفتاء على التعديلات الدستورية في 20 شباط فبراير المقبل، ظهرت هذه القضية كأنها أول انتخابات تجري في اليمن من حيث خلافات الأحزاب حولها وتعدد المواقف والآراء فيها، وما احيط بها من شروط ومحاذير وتحفظات. وكان مسؤولو اللجنة العليا للانتخابات أكدوا، حسب ما تلقوا من بلاغات، ان الأحزاب والتنظيمات السياسية ستشارك كلها في الانتخابات المحلية والاستفتاء، بما فيها أحزاب المعارضة، ومنها الحزب الاشتراكي. وعلى رغم معارضة هذه الكتلة للتعديلات، إلا أن قياديين من أحزابها أوضحوا ل"الوسط" أن مشاركتهم ضرورية وايجابية للتعبير عملياً عن رفض التعديلات. فيما ظهر موقف التجمع اليمني للاصلاح الذي يتزعمه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب، معارضاً للتعديلات في البداية، ثم أرجأ قراره النهائي لاتاحة الوقت الكافي لمناقشتها ودراستها واستطلاع آراء أعضاء التجمع والمواطنين عبر ممثليهم في مجلس النواب، ثم اصدر بلاغاً عن "مجلس شورى الاصلاح" اللجنة المركزية أوضح فيه أن نتائج الحوارات التي أجراها مع المواطنين في مختلف المحافظات، أكدت أن "توقيت طرح التعديلات لم يكن مناسباً، وان الجميع يرون تأجيل النظر فيه حتى تتهيأ الظروف". وظهر مبرر وسبب جديد - قديم في موقف الإصلاح، إذ أوصى في دورته الثانية لمؤتمره العام الثاني الذي عقد في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، بعدم الدخول في انتخابات أو استفتاء حتى تصحح جداول الانتخابات الخاصة بأسماء الناخبين، لأن فيها، كما يؤكد مختلف أحزاب المعارضة منذ ما قبل انتخابات مجلس النواب في نيسان ابريل 1997، كثيراً من الأسماء بلغت في بعض الاحصاءات مئات الآلاف مكررة وغير صحيحة وغير موجودة ودون السن القانونية 18 سنة وأسماء متوفين. وربما ظهر هذا المبرر أكثر تأثيراً وقبولاً لدى قادة المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم ولدى عامة الناس، خصوصاً أنه يشمل بسلبيته الموقف من التعديلات بصفة غير مباشرة، كون التعديلات ستجرى مع انتخابات المجالس المحلية في يوم واحد بموجب قرار الرئيس علي عبدالله صالح الصادر في كانون الأول ديسمبر الماضي والقاضي بدعوة الناخبين إلى الانتخابات. وقال قادة إصلاحيون ل"الوسط" إن حزب الاصلاح أعطى أهمية خاصة للموضوع، وأجرى قادته مناقشات واسعة اقترنت في الوقت نفسه بحوارات مع قادة حزب المؤتمر الشهر الماضي، نظراً إلى أن قادة الحزب الحاكم، كما تقول المصادر، يولون موقف الاصلاح اهتماماً خاصاً وغير عادي. وهذا الاهتمام من الجانبين ظهر في الدورة الاستثنائية الأولى للمؤتمر العام الثاني لحزب الاصلاح، التي عقدت في 3 كانون الثاني يناير الجاري، وحضرها الرئيس اليمني، على غير عادته في حضور مؤتمرات الأحزاب، إضافة إلى أن الدورة كانت خاصة بموضوع موقف الاصلاح من التعديلات والانتخابات المحلية في ظل مبرر تصحيح الجداول باسماء الناخبين. وفي البلاغ الصحافي الذي صدر عن الدورة في اليوم نفسه، أقر المؤتمر العام للاصلاح تفويض الهيئة العليا المكتب السياسي اتخاذ قرار في شأن مشاركة الاصلاح في الانتخابات والاستفتاء على التعديلات الدستورية. وعلى الهيئة العليا أن تواصل جهودها وحواراتها مع مختلف القوى السياسية بالتعاون مع الجميع لايجاد سجل انتخابي يوثق به مستقبلاً. وكان الشيخ الأحمر أكد، بعد تبريره لعقد الدورة الاستثنائية، أن حزبه رفض وما زال يرفض المشاركة في الانتخابات والاستفتاء ما لم تصحح جداول الناخبين، مشيراً إلى أن مناقشات جرت مع اللجنة العليا للانتخابات، بعضها بحضور الرئيس، وأن اللجنة ألغت الأسماء التي صدرت أحكام قضائية بشطبها من الجداول. وحول هذه النقطة التي كانت محور المناقشات، أوضح الرئيس صالح أن الاتجاه كان نحو اجراء انتخابات محلية في عواصمالمحافظات، وعندما ظهر أن عملية الاستفتاء تكلف 900.3 مليار ريال "قلنا لماذا لا تكون هناك انتخابات محلية كاملة؟ ولعلاقة الانتخابات المحلية بالتقسيم الإداري نحن نقول بصوت عالٍ: لماذا لا يعاد النظر في التقسيم الإداري خلال السنتين المقبلتين؟". ولعل هذه العبارة إشارة إلى اخفاق المحاولتين السابقتين في 1990 و1995 لإعادة التقسيم الإداري، ثم ما واجهه مشروع 1997 من معارضة قوية من قبل بعض أحزاب المعارضة واللجان الشعبية في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية، خصوصاً في حضرموت التي وقف ممثلو الأحزاب والتنظيمات السياسية والشخصيات الاجتماعية ضد تقسيمها إلى محافظتين، مما أدى إلى تجزئة المشروع. وطرح الرئيس صالح في كلمته ما وصفه مراقبون في صنعاء بارهاص لتوسيع عدد المجالس المحلية إلى 301 مجلس، مساواة لها بعدد الدوائر الانتخابية لمجلس النواب. وطمأن صالح حزب الاصلاح في ما يتعلق بالنقطة المحورية للخلاف: تصحيح جداول الناخبين، إلى أن اللجنة العليا للانتخابات صححت حتى الآن 137904 أسماء، ولكنه حسم المسألة من جانب آخر، بالتأكيد على أن عملية تصحيح الجداول كبيرة وشاقة، وأنها لا تستغرق شهراً أو شهرين، بل تحتاج إلى وقت أكثر، أي أن على الاصلاحيين وغيرهم ان لا ينتظروا تصحيح الجداول التي ظلت مصدر خلاف حاد بين السلطة والمعارضة مند العام 1997، بل عليهم أن يعلنوا مشاركتهم في الانتخابات من دون التمسك بهذه النقطة شرطاً للمشاركة. ولم ينس الرئيس اليمني أن يؤكد أنه يتمنى لمؤتمر الإصلاح التوفيق والنجاح. ويشار إلى أن انتخابات المجالس المحلية المقبلة هي الأولى في اليمن في ظل دولة الوحدة، وان الاتجاه نحوها عن طريق تأصيلها في الدستور والدعوة إليها والعمل لتحقيقها بدأت منذ إعلان الوحدة في أيار مايو 1990، بوصفها وسيلة لتحقيق هدفين من أهداف دستور الوحدة في إطار التعددية السياسية، وهما توسيع المشاركة الشعبية في السلطة وقيام اللامركزية الإدارية والمالية. كما ان هذه الانتخابات ستتم لمدة سنتين فقط كفترة انتقالية، ثم تبدأ الفترة الطبيعية وهي أربع سنوات لتتزامن مع فترة مجلس النواب. وإذا أقر الاستفتاء الشعبي التعديلات الدستورية التي تضمنت تمديد فترة مجلس النواب من 4-6 سنوات، فإن فترة المجالس المحلية ستُمدد معها إلى 6 سنوات، ويترتب على ذلك تعديل قانون السلطة المحلية، ويبدأ اجراء الانتخابات المحلية والنيابية في يوم واحد، من انتخابات نيسان ابريل 2003، لأن التعديلات الدستورية في حال إقرارها، سيجري تطبيقها على مجلس النواب الحالي بحيث تضاف إلى السنوات الأربع المنتهية في نيسان المقبل، سنتان أخريان تكمل الست سنوات بموجب التعديلات. من جانب آخر، أثار حضور الرئيس صالح الدورة الاستثنائية لمؤتمر حزب الإصلاح وكلمته فيها، كثيراً من التعليقات والتفسيرات، فذهب مراقبون سياسيون في صنعاء إلى أن الغرض الرئيسي كان الضغط على قادة الاصلاح للموافقة على الدخول في الانتخابات "لما يتوقعه حزب المؤتمر الحاكم من اثر سلبي على الانتخابات لو قاطعها الاصلاحيون"، طبقاً لمراقب صحافي تحدث ل"الوسط". ورأى قياديون في المعارضة ان اللقاء كشف "عمق العلاقات وحجم الخلاف بين الحزبين وان الخلاف لن يحل إلا بحضور الرئيس"، كما قال الأمين العام للحزب الوحدوي الناصري عبدالملك المخلافي ل"الوسط" إن اللقاء أفاد الاصلاح لأنه جاء في فترة ضعفت فيها علاقته بحليفه حزب المؤتمر، خشي خلالها أن يؤدي هذا إلى اضعافه شعبياً، خصوصاً أن قادته يحسون بأنهم قد يضطرون إلى تقديم مزيد من التنازلات لحزب المؤتمر من دون أن يحصلوا منه على شيء. وأكد أن أحزاب المعارضة، بما فيها حزبه، تشارك في الانتخابات والاستفتاء، "سنقول لا للتعديلات كما قلناها في مجلس النواب". من جانب آخر، أوضح قادة حزب الاصلاح ان قرار الهيئة العليا المكتب السياسي في شأن المشاركة في الانتخابات المحلية "لا بد أن تسبقه مشاورات واتصالات بالأطراف ذات العلاقة" كما قال الدكتور نجيب غانم عضو الهيئة العليا للاصلاح ل"الوسط". تجدر الاشارة إلى أن 22 حزباً تشارك في لجان الاشراف على الانتخابات والاستفتاء التي يبلغ عدد اعضائها زهاء 60 ألفاً، ويجري تدريب قادة هذه اللجان على أعمال الاشراف واستخدام وثائقها. وتولي السلطة عملية الاستفتاء أهمية أكبر لمعارضة أحزاب المعارضة لها. وقال رئيس اللجنة العليا للانتخابات علوي حسن العطاس ل"الوسط" إن احتمال عدم إقرار التعديلات وارد في أعمال اللجنة، وان بإمكان اللجنة، لو حدث هذا ان تعد لانتخابات مجلس النواب بحيث تجرى في موعدها الدستوري، 18 أيار المقبل، أي نهاية فترة السنوات الأربع منذ أول اجتماع للمجلس عقب انتخابه في 27 نيسان 1997، إلا أن كل الأطراف والمراقبين في صنعاء يؤكدون ان إقرار التعديلات أرجح الاحتمالين في كل التوقعات تفجيرات عدن تهدد المعارضة وتحرج السلطة عادت الانفجارات من جديد الى محافظتي عدن والضالع بعد ان توقفت شهوراً، وجاءت عودتها مقترنة بمطلع السنة الجديدة 2001، مع اختلاف مصادرها وأهدافها ونوعها الى حدّ ما. استهدفت الانفجارات الثلاثة التي وقعت في 1 و2 و7 كانون الثاني يناير الجاري فندق "يمن كونتننتال" و"كنيسة المسيح" و"مقر وكالة الانباء اليمنية" في عدن، ومبنى الحزب الاشتراكي اليمني في مديرية الشعيب في محافظة الضالع 120 كيلومتراً غرب عدن ووقع انفجار آخر اليوم نفسه في الضالع. وذهب المراقبون الى القول باختلاف هذه الانفجارات عن سابقاتها من حيث مصادرها واختلاف أهدافها ودقتها حتى ان الاجهزة الأمنية اليمنية لم تتمكن من كشف عناصرها حتى الآن، اضافة الى قوة هذه المتفجرات بالنسبة الى ما سبقها، فضلاً عن توقيتها، اذ استهدفت الى جانب الكنيسة فندقاً أقام حفلاً ساهراً ليلة رأس السنة الميلادية، كما ان مواد التفجير أحدثت أضراراً قياسية. وبرزت عناصر التنظيمات الاسلامية المحظورة وفي مقدمها "الجهاد" أهم الجهات وربما الوحيدة المتهمة بتنفيذ التفجيرات. ويدعم هذا الاحتمال اشارات وردت في تصريحات بعض مسؤولي الأمن في عدن بالقول أن من أراد محاربة الأديان ليست بهذه الطريقة وانما بإبداء التسامح الذي يحث عليه الدين الاسلامي. واعادت التفجيرات الى الأذهان حادثاً مماثلاً تعرض له فندق "الساحل الذهبي" في عدن ليلة رأس السنة 1993، اسفر عن مقتل يمني ونمسوي واصابة شخصين، وانفجرت في الوقت ذاته، عبوة في ساحة الفندق في سيارة أثناء اقتراب رجل أمن منها، وأوضحت اجهزة الأمن انها عثرت في السيارة على ألغام ومتفجرات وكاميرا وجهاز تفجير، وقالت انها قبضت على عناصر من مدبري الحادث ينتمون الى ما يسمى "منظمة الجهاد الاسلامي". ويشار الى ان الحزب الاشتراكي اليمني، أصدر في صنعاء عقب تفجير مقره في الضالع، تصريحاً جاء فيه ان مقره تعرض لاعتداء بعبوة ناسفة تم توقيت انفجارها مع موعد انعقاد اجتماع موسع لاعضاء الحزب في هذا المقر. وأضاف، في ما اعتبره مراقبون اشارة بالتهمة الى الحزب الحاكم أو احد الاحزاب الموالية له، ان ما حدث لن يثنيه عن موقفه السياسي المعلن الرافض للتعديلات الدستورية. فيما يرجح مراقبون وسياسيون، بعضهم من المعارضة، انتماء هذا الانفجار الى مصادر انفجارات عدن ذاتها "في نطاق خلافات وثأرات سابقة بين هذا الحزب وكثير من قيادات وعناصر الجماعات الاسلامية في محافظاتعدن وأبين ولحج والضالع" حسب قيادي ناصري تحدث الى "الوسط"، وعبر عن مخاوف أوساط سياسية وحزبية في المعارضة من ان تتكرر أعمال التفجيرات وتطاول مواقع وأحزاباً اخرى، خصوصاً انها تأتي في وقت تقترب فيه انتخابات المجالس المحلية والاستفتاء على التعديلات الدستورية الشهر المقبل. وكان طبيعياً ان تدفع التفجيرات اجهزة الأمن الى استئناف حملات التفتيش واعتقال من تشتبه بهم من العناصر الاسلامية وغيرها في عدن والضالع وغيرهما.