نقد الخضر الحركات البيئوية والخضراء لم تُعدم الانشقاقات. إلا أن "خيانة" باتريك مور تحتل في تاريخها أهمية خاصة. فمور لعب الدور الأبرز في تأسيس "غرين بيس" وكان موجّهها طوال 15 عاماً، كما شارك في العمل المباشر ضد التجارب النووية وعمليات قتل الحيتان، وسُجن وضُرب. لكن مور الذي يصرّ على كونه لا يزال بيئوياً، يبدي قلقاً مرتفع النبرة في صدد السياسات الراهنة للخضر. وقلقه هذا ما يحمل رفاقه السابقين على تسميته "يهوذا الاسخريوطي الخائن"، وعلى اتهامه بالارتباط بمصالح صناعية مشبوهة. ف"غرين بيس" في نظره "لا تزال تقوم بأدوار عظيمة، لكن معظم القضايا الكبيرة التي طُرحت مبكراً تم التطرق إلى حلها. إننا نعيش تحسناً في نوعية الهواء والماء، والنمو السكاني يتباطأ، وفي العالم النامي تتزايد الغابات". وهذا وغيره ما كانا ليتحققا لولا نجاح الناشطين البيئويين، في السبعينات والثمانينات، في دفع هذه القضايا إلى رأس الأجندة السياسية. هكذا أمكن التأثير في الرأي العام، وتحريك السياسيين وإثارة اهتمامهم. بيد ان الذين يستمرون في خوض "ثلاث أو أربع معارك في اليوم الواحد"، يحبّون القضايا أكثر مما يحبّون الحلول، بحسب مور. وتسمّرهم في مواقفهم القديمة يضعهم "في مواجهة العلم والبيزنس والحضارة، لا بل في مواجهة البشر أنفسهم. والنتيجة في النهاية هي أن يقفوا ضد البيئة. إنها الدوغما فحسب، حيث لم تعد هذه الحركة تناقش مسائل ثقافية وفكرية اطلاقاً. لقد توقفت التجارب النووية في المحيط الهادئ، أما القذارات النووية فلم تعد تُطمر في البحر، كما لم تعد الحيتان معرضة للانقراض. لقد صارت وسيلة الحركة البيئوية للبقاء على قيد الحياة أن تمضي في اختراع سيناريوات كارثية". بعض نتائج الثورة الجنسية في 1976 نشرت الباحثة النسوية الأميركية شير هايت كتاباً أقام الولاياتالمتحدة الاميركية ولم يُقعدها. كتابها حمل عنوان "تقرير هايت عن الحالة الجنسية عند النساء - شرح للمشاعر الجنسية السرية لدى النساء الأميركيات". الكتاب هذا الذي دخل الى العالم الحميم للمرأة في البلد المذكور، باع مذّاك 20 مليون نسخة. لكنه مهّد أيضاً لكتاب ثانٍ لشير هايت يُفترض ظهوره بعد أيام قليلة في اميركا وبريطانيا. وفي هذا الاخير الذي يحمل عنوان "تقرير هايت الجديد"، تجري الباحثة عدداً من المقارنات الجريئة بين النساء الأميركيات والبريطانيات والاستراليات والنيوزيلنديات في ما خصّ العلاقة بالجنس. ومن النتائج التي تتوصل إليها أن البريطانيات هنّ أكثر اللواتي "تعاطين بايجابية" مع الثورة الجنسية للستينات والسبعينات، و"أكثر من استفاد من نتائجها". ذاك ان 14 في المئة فقط منهن هن اللواتي يعتبرن ان التحرر الجنسي يجعل الجنس "رخيصاً"، في مقابل 21 في المئة في استراليا و17 في نيوزيلندا. وفيما صرّحت 29 في المئة من النساء البريطانيات بأنهن يرغبن في ممارسة الجنس يومياً، اقتصرت النسبة على 22 في استراليا و24 في نيوزيلندا. وإذ اعتبرت 12 في المئة فقط من الانكليزيات و24 في المئة في اسكتلندا ان اعضاءهن الجنسية "أمر محرج"، ارتفعت النسبة إلى 18 في استراليا و30 في الولاياتالمتحدة. وإذ رأت 17 في المئة من البريطانيات أن أزواجهن يجيدون التعامل مع أجسادهن ويعرفونها حق المعرفة، ارتفعت النسبة إلى 21 في استراليا و25 في نيوزيلندا. مراجعة أخرى لفرويد فرنسا تشحذ سكاكينها على سيغموند فرويد على رغم انقضاء أكثر من نصف قرن على رحيله، ومرور قرن على كتابه الشهير "تفسير الأحلام". والنظرية الفرنسية هي أن عالم النفس النمسوي اخترع "عقدة أوديب" لأنه لم يكن يستطيع مواجهة وضعه وتجربته الخاصين. الطبيب والمحلل النفسي ميشال جوفييه هو الذي يقود الحملة. ففي رأيه أن تفسير فرويد لقصة سوفوكل 400سنة ق.م هو ما ينبغي اسقاطه وإبداله بالتركيز على ذنب والدي اوديب، أي جوكاستا ولايوس. فحسب اسطورة أوديب الملك أن لايوس، ملك طيبا، قد حُذّر من أن ابنه سيقتله كي يتزوج جوكاستا: أمه وزوجة لايوس. هكذا ما ان وُلد أوديب حتى أُبعد إلى جبل ناءٍ، لكن راعياً عثر عليه ونقله إلى عهدة الملك بوليبوس، ملك كورينث، الذي تبناه. وفي النهاية تحققت "النبوءة"، وقتل أوديب لايوس وتزوج جوكاستا. إلا أنه، وقد علم بما فعله، أعمى عينيه فيما انتحرت أمه بعدما كانت أنجبت منه أربعة أبناء. أما جوفييه فرأى ان فرويد أخطأ بتحميله المسؤولية لحوافز ورغبات أوديب التي لا تُقاوم، والتي أجبرته على قتل أبيه والاقتران بأمه. فأوديب، عنده، كان جاهلاً بأن لايوس وجوكاستا أبوه وأمه، وبهذا فهو كان بريئاً تماماً. والذنب الحقيقي انما هو ذنب ملك طيبا وزوجته: فالأخيرة كانت تعلم أنها تتزوج ابنها لأنها، هي وزوجها، ثقبا قدميه عند تخليهما عنه طفلاً. اي ان أوديب لم يكن الا ضحية السلوك الاجرامي للأب والأم. والمعروف ان تفسير فرويد للتراجيديا اليونانية هذه صدر بعد قيامه بتحليله النفسي الذاتي حيث اكتشف اصابة اخوته وشقيقاته بالهيستيريا، واصفاً أباه بالتضعضع والغرابة النفسيين. لهذا رأى جوفييه أن عالم النفس النمسوي لم يستطع المضي في استنتاجاته إلى خلاصتها المنطقية. فهو لم يتقبّل كون الأهل، بمن فيهم أهله، مسؤولين عن المشاكل السيكولوجية التي يعانيها الأبناء. ولهذا مارس الرقابة واللجم على كشوفاته وأحال التهمة إلى "عقدة أوديب". فالحال، كما يرى الطبيب الفرنسي، ان المسؤولية جماعية يشترك فيها أكثر من جيل واحد. وفقط حين ندرك هذا يمكن أن نصلح اخطاءنا وأخطاء أهلنا معاً، ونحدّ من استمرار هذه الأخطاء في الأجيال اللاحقة. ضمور المهنة يلاحظ عدد من الدارسين الاجتماعيين في الغرب ان "المهنة" بدأت تتراجع في المجتمعات الحديثة الصناعية وما بعد الصناعية. فاصحاب المهن الثابتة تراجعت نسبتهم في معظم تلك البلدان، ما بين 1995 واليوم، من 50 في المئة الى 39. وهذا عائد اساسا الى انكفاء الحضارة الصناعية وتضاؤل مداخيلها، هي الحضارة التي دارت حول مهن كالقانون والطبابة والصحافة والوظيفة الحكومية وغيرها. اما الطرف الذي يرسم اليوم التحولات ومسارها فقطاع الخدمات المتضخم ووظائفه الموقتة، فضلا عن قيام افراد كثيرين، في الخدمات وفي غيرها، بشغل اكثر من عمل في وقت واحد. وتحول من هذا القبيل لا بد ان يترك تأثيراته على اخلاق العمل وعادات المهن، لا سيما في ظل تكاثر ادوات التعلّم المهني الذاتي والتعلّم "من دون معلم"، فضلاً عن دور الانترنت في انماء وعي فردي ضعيف الصلة بالوعي الذي يمتلكه فرد آخر يقوم بالعمل نفسه. اما سياسياً، وبعد تردّي النقابات في معظم البلدان المتقدمة، فيُخشى ان تكون النتيجة تصدعاً لاحزاب الطبقة الوسطى، من يمين وسط ويسار وسط، والتي استندت غالبا الى قواعد عريضة من المهنيين. وما يزيد الخشية ان الاعمال العابرة او الجزئية يمكن ان تصبح، في ظل ادنى ازمة اقتصادية، سبباً لقلق وتوتر تستفيد منهما الاحزاب المتطرفة المعروفة بقدرتها على استثمار حالات القلق والتوتر. ثورة في الموضة بغضّ النظر عن الطريقة السطحية في النظر إلى الموضة والتي جعلتها مرادفاً للتقلّب المزاجي الذي لا مبرر له، فإن الموضة من أكثر الأمور الديموقراطية في عصرنا. فالتقليدي و"العريق" ليس بحاجة إليها لأن الألبسة التي يلبسها لا تتغير مع الزمن. أما الجميل والجميلة على نحو خارق فليسا بحاجة إلى الموضة كي تجمّلهما. وأما الغني والغنية فهما يلبسان ما يحلو لهما وقد يصبح زيّهما، من ثم، هو الموضة. إذن الموضة هي لمن يريد أن يغيّر وضعه قليلاً بما يظهره على حال أفضل، او حال يقوم التسليم الاجتماعي على انها افضل. مع ذلك تبارت شركات صناعة الموضة في السنوات الأخيرة على أرض يصعب وصفها بالنقاء. أو هذا، على الأقل، ما سبق ان كشفه برنامج عرضته قبل أشهر قليلة محطة "بي. بي. سي" البريطانية التي أظهرت درجة الاستغلال الجنسي والاخلاقي والصحي الذي تتعرض له عارضات الأزياء في المراحل الأولى من عملهن. وهناك الآن ثورة على شكل آخر من الاستغلال الذي يتعدى العارضات إلى صورة المرأة عموماً. ففي السنوات الأخيرة بات المطلوب من عارضة الأزياء الناجحة أن لا يتجاوز وزنها ال55 كيلوغراماً حتى لو كان طولها يتعدى ال180 سنتمتراً. لهذا شرعت مجلات نسوية توجّه نيرانها إلى هذا السلوك القاتل الذي يسيء إلى الأفراد بقدر ما يشيع قيماً جمالية تشبه الجريمة. إذ وحدها التي تتضوّر جوعاً بمحض ارادتها هي المقبولة. وهذا ما لا يليق بأحد طبعاً، فضلا عن كونه يلحق الضرر، الجسماني والنفسي، بالكثيرات.