"عاوزه راجل يفرض شخصيته عليّ"... عبارة شائعة بين الفتيات المقبلات على الزواج، تعكس أحلامهن بزوج المستقبل. وهي العبارة نفسها التي تتحول الى ""وإيه يعني لو زوجي ضربني؟ هو راجل البيت ومن حقه أن يؤدبني"! العنف الذي يمارسه الزوج ضد زوجته شكل من أشكال عدة للعنف الذي تتعرض له المرأة المصرية، وكثير من تلك الأشكال غير مسجل رسمياً. ويشير صندوق الأممالمتحدة الانمائي للمرأة يونيفيم الى أن المعلومات المتاحة عن العنف ضد المرأة في دول المنطقة شحيحة ومحدودة، إذ أن حالات العنف التي ترتكب ضد المرأة لا يتم التبليغ عنها. ويؤكد "يونيفيم" ان أغلب النساء من ضحايا العنف يُحجمن عن الإبلاغ عما تعرضن له، خوفاً من العار أو الطلاق أو فقدان الدعم الاقتصادي من رب الاسرة، كما ان المؤسسات الوطنية تفتقر الى الطواقم المدربة والاجراءات الخاصة بالتعامل مع العنف ضد النساء. ويشير بحث عنوانه "العنف ضد المرأة" - قام به عدد من الباحثين في إطار مشروع الدعم المؤسسي والفني للمنظمات غير الحكومية لتنفيذ توصيات مؤتمر بكين برعاية صندوق الأممالمتحدة لرعاية الأمومة والطفولة يونيسيف في عام 1999 - إلى قضية العنف ضد المرأة في العالم العربي باعتبارها تتسم بحساسية خاصة. الذكر أولاً ولا يزال إنجاب طفل ذكر أملاً يساور الرجال والنساء من مستويات اقتصادية واجتماعية متفاوتة، فهو يحافظ على كيان الأسرة واسمها، اضافة إلى تحمله العبء الاقتصادي في المستقبل. وينعكس عدم الترحيب بإنجاب الأنثى على عوامل التنشئة الأسرية التي تزرع بذور التفرقة بين الجنسين، وهي التي تسلب الفتاة القدرة على التفوق في القدرات العقلية التي تولد بها. وهناك تفسيرات كثيرة للعنف، إلا أن الاعلان العالمي للقضاء على "العنف ضد المرأة" عرّفه بأنه "أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية او جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل، او الإكراه او الحرمان التعسفي من الحرية، سواء وقع ذلك في الحياة العامة او الخاصة". صحيح أن المجتمع المصري يشهد تغيراً ايجابياً بطيئاً في شأن الترحيب بالطفلة الانثى، إلا أن عوامل التنشئة الاجتماعية كثيراً ما تؤدي الى احداث تفاوت بين قدرات الاناث وأدائهن. واستهجان المجتمع بشكل عام للانثى يؤثر سلباً على قدرتها على التعبير عن ارادتها ومحاولة التفوق، حتى لا تتهم بنقص الأنوثة أو بالخروج عن المعايير السائدة في المجتمع. يقول استاذ العلوم السلوكية عضو اللجنة الدولية الأهلية لإنهاء التمييز ضد النساء الدكتور عادل أبو زهرة إن معظم ما كان يعتقد أنه طبيعي في الفرد أو الجماعة هو في الواقع محصلة لظروف اجتماعية وثقافية "فالمجتمع لا يقبل بأن تكون النساء مثيلات للرجل ودائماً نسمع عبارات مثل "فين رقتها؟ فين حساسيتها؟ فين نعومتها؟" في إشارة الى المرأة الجادة المنخرطة في عملها". ويشير ابو زهرة ان مثل هذا التفكير شكل من أشكال العبودية، ونوع من الاستلاب للمرأة. هذا الاستلاب لا يقتصر على النواحي الفكرية، بل يمتد الى جسدها، فهناك الانتهاك البدني الذي تتعرض له الفتيات الصغيرات من خلال عملية الختان. وينتقد عدد أكبر من الاطباء وعلماء النفس والاجتماع عمليات الختان التي لا تعد عنفاً جسدياً ونفسياً فقط للانثى الصغيرة، لكنها تقع تحت سمع وبصر المجتمع الذي يقبل بل يرحب بها. ويقدِّر بحث "العنف ضد المرأة" نسبة النساء المختونات في مصر بنحو 80 في المئة وهي نسبة في المناطق الريفية والشعبية الفقيرة حيث تسود الأمية. وقد حدثت حالات وفاة عدة كتبت عنها الصحف في السنوات الاخيرة، تمت غالبيتها على أيدي "حلاقي الصحة" باستخدام أمواس الحلاقة القذرة. أما الآلام النفسية التي تتعرض لها الفتاة المختونة، فهي تبدأ مع إجراء العملية وتستمر معها الى وفاتها، اضافة الى الآثار الجسدية. وعلى رغم المعارك الجدلية التي شهدتها مصر في السنوات الماضية، وتجريم الختان، إلا أن جانباً لا يستهان به من علماء الدين واحياناً الاطباء أنفسهم يدافعون عن ختان الفتيات من منطلق ديني. كما أن الغالبية العظمى من المصريين - مسيحيين ومسلمين - يؤمنون بأن ختان الفتيات ضرورة لأسباب اخلاقية. وهنا مكمن الخطر. وتبنت منظمة "يونيسيف" مشروعاً لمناهضة الختان بالتعاون مع وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية، والآمال تنعقد على مثل هذه الجهود لتنمية الوعي العام ضد تلك الممارسة. ومثلما يعد ختان الفتيات شكلاً من أشكال العنف ضد الاناث، فإن الزواج المبكر ايضاً يمثل نوعاً آخر من العنف. وعلى رغم تحجيم هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة إلا أنها لا تزال موجودة بدعوى أن "زواج البنت سترة". فكيف تتحمل ابنة ال11 أو 12 عاماً مسؤولية العلاقة الزوجية؟ وما مدى اهليتها النفسية والجسدية لتحمل تبعاتها؟ تشير مديرة إدارة المرأة في "يونيسيف" الدكتورة فاطمة خفاجي الى ان المنظمة تعمل ايضاً على مكافحة تلك الظاهرة الضارة من خلال الأبحاث والعمل الميداني، مثلما حدث في كل من قريتي الحوامدية والبدرشين حيث تنتشر ظاهرة زواج الفتيات الصغيرات من رجال عرب متقدمين في العمر. ومن التفرقة في معاملة الطفل والطفلة، الى ختانها، الى تزويجها في سن مبكرة، الى تعرضها كزوجة لما يسمى ب"العنف المنزلي" وهي الظاهرة المخيفة التي تنطوي على مفاهيم وتقاليد وأفعال وردود أفعال تحتاج الى جهود مضنية لحل طلاسمها ومن ثم مواجهتها. اخطبوط العنف المنزلي وقدمت دراسة مصرية الى الموتمر الدولي الرابع للمرأة في بكين شملت 500 سيدة ومئة رجل ينتمون الى مستويات اجتماعية واقتصادية متفاوتة، تناولت أشكال العنف ضد المرأة في العمل والمنزل والشارع. وتربع العنف المنزلي - لا سيما على يد الازواج - على القمة. وحددت الزوجات أشكال السلوك العنيف الذي يتعرضن له في: رغبة الزوج الدائمة في طاعته 87 في المئة والعراك 70 في المئة، وسوء المعاملة 61 في المئة والتهديد بالضرب أو استخدامه 31 في المئة والصفع على الوجه 21 في المئة والضرب المبرح 16 في المئة والاجبار على ممارسة الجنس 27 في المئة والتخويف 50 في المئة والاهانة أمام الآخرين 65 في المئة والاهانة أمام الابناء 17 في المئة. ويشعر قارئ الصحف المصرية اليومية بأن حوادث اعتداء الازواج على الزوجات بالضرب المبرح أو الحرق وغيرها تكاد تكون من الأبواب الثابتة. فهذا زوج فقأ عيني زوجته لأنها طالبته بمصروف البيت، وآخر اشعل النيران في زوجته لأنها تأخرت في إعداد طعام العشاء، وثالث هشم رأسها لأنها أصرت على زيارة والدتها. بالطبع تلك حالات شاذة ونادرة، إلا أن ضرب الزوج لزوجته ظاهرة منتشرة. تقول الدكتورة أمل شفيق طبيبة الصحة العامة والعضوة النشطة في جمعيات مناهضة العنف ضد المرأة التي عملت مستشارة لدى منظمة "يونيسيف": "إن عينة بحثية لاستقراء موقف النخبة من ضرب الازواج لزوجاتهم شملت اطباء ورجال دين مسيحيين ومسلمين واعضاء مجلس الشعب والشورى أسفرت عن مفاجأة تتمثل في أن موقفهم 94 في المئة منهم لا يختلف كثيراً عن العامة، وهو قبول حق الأزواج في تهذيب زوجاتهم". وتقول شفيق: كلما زادت نسبة التعليم زاد الرفض للعقاب البدني مع الاستعاضة عنه بالعقاب النفسي". وتنبه الى حقيقة أخرى مثيرة للدهشة، اذ أن غالبية نساء الريف والحضر توافق على أن من حق الزوج أن يعاقب زوجته، كما ان غالبية المصريين توافق على حق الزوج في معاقبة زوجته وعلى عدم النظر إليه باعتباره عنفاً ضد المرأة 92 في المئة. وترتفع النسبة لدى الريفيين لتصل الى 98 في المئة. وعلى رغم أن النساء أقل اقراراً لهذا الحق، فإن نسبة اقرارهن له تظل مرتفعة 86 في المئة. المشكلة إذن واضحة... الضارب يرى أنه يمارس حقه. والمضروبة تؤمن بأنه يجب تأديبها! وتؤكد الدكتورة خفاجي "أن ضرب الزوجات جزء من المشكلة التي تبدأ منذ التمييز لمصلحة الطفل الذكر على حساب الانثى، ومنع هذه الظاهرة لن يحدث إلا إذا تولد شعور لدى المرأة برفضها التعرض للضرب أو الإهانة، وهذا يرتبط بغرس قيم المساواة منذ الصغر، مع مساندة وزارة التربية والتعليم في إدخال تلك المفاهيم في المناهج الدراسية، وهو ما يحدث حالياً". أما الدكتورة أمل شفيق فتفند المشكلة بقولها ان القانون يعاقب على الفعل فقط، "فلو قتل الزوج زوجته نفسياً لا يعتبره القانون مخطئاً، مما يعني ان العنف النفسي واللفظي والتهديد باستعمال العنف أمور لا تدخل تحت طائلة القانون". ويبدو أن الزوج الذي يعتاد ضرب زوجته يدخل علاقته الزوجية في حلقة مفرغة ينجم عنها نشوء علاقة غريبة بينهما. تقول الدكتورة شفيق: "هناك ما يسمى متلازمة ستوكهولمStockholm Syndrome... في السبعينات سطت مجموعة من المسلحين على بنك، واحتجزوا عدداً من الرهائن لمدة شهر مهددين بقتلهم، خلال تلك المدة شعر الرهائن بأن حياتهم مرتبطة بالعصابة، حتى أنه بعد تدخل الشرطة والقبض على اعضائها، رفض الرهائن التخلي عنهم. ووصل الامر الى درجة أن احدى الرهائن تزوجت أحد افراد العصابة بعد سجنه". وتتابع: "تتولد لدى الزوجات اللائي يضربهن ازواجهن بشكل متكرر أعراض مشابهة، فهن يعتدن هذا الاسلوب، وغالبيتهن لا يحاولن الخروج من تلك العلاقة الزوجية، حتى لو كن متعلمات ومستقلات تماماً". ويؤكد أبو زهرة أن العنف يسري الى شعور الرجل بأنه أمام كائن أضعف، "وهو دائم الاحساس بأنه أقدر وأحكم من زوجته، فهو وحده المؤهل ليحدد لها الصالح من غير الصالح". ويضيف: "في مجتمعاتنا تعامل المرأة على أنها قطعة من الممتلكات الشخصية، وليس أدل على ذلك من تلقيها "الحرم المصون"، فهو تشبيه لها بالممتلكات، و"الدرة المكنونة" كأنها جوهرة للتباهي. والمؤسف ان نساء كثيرات يدافعن عن عبوديتهن، فالمرأة تفعل كل ما يرضي الرجل". لكن الدكتورة فاطمة خفاجي ترى أن تلك المفاهيم أخذت تتغير، وان كان التغيير يحدث ببطء، "فقد صارت نساء الصعيد - وهن أكثر تحفظاً في الحديث عن مثل تلك القضايا - يتكلمن عن تعرضهن للعنف. ولدينا مراكز للمساعدة القضائية، اضافة الى وجود اختصاصيين اجتماعيين يمكنهم تقديم المشورة للنساء". إلا أن الدكتورة فاطمة خفاجي تؤكد أن مهمة "يونيسيف" او الجمعيات العاملة في مجال المرأة والاسرة ليست "خراب البيوت"، اي دفع المرأة للطلاق من زوجها، بل تقديم العون والمساعدة، وفي حال اقدام المرأة على الانفصال فيمكنها أن تجد المساعدة القانونية والقضائية. والراغبات في الخروج من الدائرة المفرغة قد يسعين الى الطلاق، لكن اخريات يفيض بهن الكيل الى درجة الانفجار. تقول أمل شفيق: "هناك ما يسمى العنف المضاد. وقد خرج بعضهم علينا في الآونة الأخيرة ليعلن أن المرأة المصرية اضحت أكثر عنفاً، مستنداً الى زيادة حوادث قتل الازواج والتنكيل بجثثهم. والحقيقة ان المرأة اصبحت اكثر تعبيراً عن نفسها، واكثر احباطاً وتعرضاً للضغوط النفسية والمادية ... 20 في المئة من الزوجات يعانين، لأن الزوج عاطل أو مدمن او مقامر أو غير ذلك. وأزواج كثيرات منهن يسلبون زوجاتهم حقوقهن وأموالهن. فطبيعي اذن أن تقتل الزوجة زوجها مستخدمة سلاحاً أبيض، مما يعني ان هناك نسبة لا يستهان بها من الغل في قلب الزوجة تدفعها الى المواجهة بهذا الاسلوب". الاغتصاب سببه المرأة؟! والعنف المنزلي ليس حكراً على الرجل، لكنه يمتد الى الأب والأخ وزوج الأم. ولعل اسوأ انواعه هو اغتصاب المحارم، وهي جريمة لم يكن لها وجود في المجتمع المصري، سواء لعدم حدوثها، أو لعدم الابلاغ عنها. وقد افادت الدراسة التي قدمت الى مؤتمر بكين ان 64 في المئة من عينة الرجال سمعت عن عدد من تلك الحالات، ما يعني ان الظاهرة ليست نادرة، وغالبيتها يحدث من زوج الأم أو الأب أو الأخ. ومن داخل المنزل الى خارجه، حيث تخضع المرأة أيضاً للعنف الذي يراوح بين المضايقات اللفظية والتحرش الجنسي والاغتصاب، وهي الجريمة التي تتهم فيها الضحية بالقدر نفسه الذي يتهم به الجاني أو يزيد. وأكدت أبحاث ودراسات أن الجمهور العام يحمّل الفتاة القدر الأكبر من تعرضها للاغتصاب، معللين ذلك بأن تصرف الرجل يأتي استجابة لإثارة الفتاة له، على رغم أن المغتصبة قد تكون محجبة أو عجوزاً. ومن جهة أخرى، فإن الحصول على احصاءات قريبة الى الحقيقة بعدد حالات الاغتصاب أمر شبه مستحيل، إذ لا يتم الابلاغ عن تلك الحوادث إلا نادراً، خوفاً من "الفضيحة". وعلى رغم أن تعرض المرأة للعنف في مجال العمل او حتى العنف المؤسسي لا يدخل في إطار "الفضحية"، إلا أنه نادراً تلجأ المرأة الى الاعلان عنه. وتشير دراسة ميدانية الى نسبة مفزعة، تؤكد تعرض 66 في المئة من النساء للعنف في أماكن عملهن. وذكر ان العنف يأخذ طابعاً جنسياً يتراوح بين المعاكسة بالكلام، او الالفاظ ذات الايحاءات الجنسية 30 في المئة او التحرش باللمس 17 في المئة او الغزل غير المقبول 20 في المئة. ويترتب على تلك المضايقات الاحساس بالارتباك والخوف والاحباط، وهو ما يؤدي الى الشعور بالاهانة والسلعية والغضب والرغبة في الانتقام والمواجهة. وعلى رغم ذلك فإن الغالبية العظمى لا تقدم على التعبير عن المعاناة التي يشعرن بها، لأنهن لا يستطعن ترك العمل لأسباب اقتصادية. اما العنف المؤسسي فيكون احياناً نوعاً من التمييز ضد المرأة في مجال العمل، مثل احتكار الرجل لوظائف بعينها، وفرص الترقية للمناصب القيادية. وفي تقرير صدر عن المنظمات غير الحكومية المعنية بمتابعة اتفاقية الغاء التمييز ضد المرأة صدر في نيسان ابريل الماضي، ثبت أن الاحصاءات تعكس خللاً واضحاً، ولا تزال نسبة الزيادة في الوظائف الإدارية العليا الحكومية منخفضة للغاية، لا سيما الارتقاء في سلم التدرج الوظيفي. ففي 1996 بلغت نسبة النساء في درجة وزير 6،2 في المئة، ونائبة وزير 2،3 ووكيلة وزارة 3،3 في المئة، ومديرة عامة 5،17 في المئة. ولا تزال المرأة المصرية محرومة من تولي القضاء، على رغم أنها وصلت الى منصب رئيس النيابة الإدارية في 1998 المستشارة هند طنطاوي. ويؤكد التقرير أن استبعاد المرأة من منصب القضاء يفتقر الى اي سند قانوني او دستوري. ويشير الدكتور عادل ابو زهرة إلى أن مثل هذا التمييز يعد اهداراً لثروة المجتمع، إذ يدفع المجتمع المرأة الى القيام بأعمال بسيطة تقيد قدرتها على الابداع. ويقول: "ان إعداد طبق شهي من الملوخية والتجمّل لحين عودة الفارس المغوار امور لا تحتاج الى قدرات عقلية فذة. نحن ندافع عن طاقة المجتمع المهدرة بسجنها في أدوار تقليدية". ويستطرد ابو زهرة في دفاعه عن المرأة وسخطه على وضعها في قوالب جامدة: "اشهر طهاة العالم رجال، واشهر صانعي الملابس رجال أيضاً، لذا فإن محاولة قصر ادوار المرأة على الطهي والحياكة ورعاية الابناء بحجة أنها أدوارها الطبيعية ليس صحيحاً". وتخلص الدراسات التي تجرى في مجال العنف ضد المرأة الى أنه سلوك منتشر في البيئات الحضرية والريفية على حد سواء، كما ان المستوى الاقتصادي لا يمثل متغيراً ذا حيثية في ممارسة العنف ضد المرأة. وتبدو من نتائح الابحاث ان المواقف التي تمس القيم الاخلاقية مثل التعرض للمرأة جنسياً او خدش حيائها لفظياً تصنفها العامة بأنها عنف شديد، ولعل السبب في ذلك أنها تمس كرامة الرجل وعرضه! ويأتي منع المرأة من العمل أو من الخروج من المنزل - وهي مواقف تتعلق بذاتها واستقلالها وطموحاتها بالنسبة الى الغالبية في المرتبة الدنيا للمضايقات التي تتعرض لها النساء. وعلى رغم ان اقتران الزوج بأمراة أخرى او هجره المنزل من دون مبرر قد يبدو عنفاً شديداً، فإن غالبية افراد العينات - رجالاً ونساءً - لا تعتبرها كذلك. والنظرة نفسها تسري على ختان الاناث. وعلى عكس الانطباع الذي يشير الى أن المرأة اكثر تعرضاً للعنف في المنزل من قبل الزوج والأب والأخ، فإن الواقع يدل على أن الشارع هو أكثر مكان تتعرض فيه المرأة للعنف، كما تستحوذ وسائل المواصلات على نسبة عالية من تلك الممارسات. وأولى بعضهم أهمية للعنف الموجه ضد المرأة داخل أقسام الشرطة. وهنا تشير الدكتورة أمل شفيق الى أن الفتاة أو المرأة التي تصمم على تحرير محضر ضد من يتحرش بها في الشارع باللفظ أو باللمس كثيراً ما تتعرض لمضايقة مماثلة داخل أقسام الشرطة نفسها. ومن النتائج الغريبة التي وصل اليها بحث "العنف ضد المرأة" ان نسباً عالية من العينات اشارت الى ان المرأة تستحق العنف بأشكاله المختلفة، عدا العنف المعنوي. وركزت الآراء على سلوك بعينه يتمثل في ارتدائها ملابس لا يوافق عليها زوجها، وأصرارها على رأيها المخالف لرأي الزوج. ولا توجد فروق نوعية بين الرجال والنساء في هذا الصدد، لكن الفرق الواضح في ميل النساء الى قبول العنف اللفظي. كما بدت موافقة النساء على قبول النوعين من المعاقبة في حالتين: اهمالها في شؤون المنزل ورعاية الابناء. ولعل ذلك المنطق له أصول اجتماعية راسخة، فإذا تطاول زوج على زوجته - مثلاً - اثناء سيرهما في الشارع، باللفظ او الضرب، فإن غالبية المارة يمتنعون عن التدخل لأنهم يرون "ان الرجل حر مع زوجته". وينبه بحث "العنف ضد المرأة" الى أن وسائل الاعلام يمكن أن تكون سلاحاً ذا حدين، إذ يمكن أن تلعب دوراً في استهجان العنف ومحاربته، ويمكنها - بالتناول الخاطئ - ان تجعله امراً مقبولاً. واتهم بحث، عنوانه "المرأة العربية ووسائل الاعلام" أعدته الدكتورة نادية حسن سالم، الاعلام المقروء والمرئي بتعزيز النظرة التقليدية الى المرأة، والتركيز على ادوارها التقليدية على حساب ادوارها شريكة في القرار والانتاج وتقديمها كأنثى في المقام الأول تابعة للرجل وتفضل انجاب الذكور كأنها المسؤولة عن المشكلة السكانية. كما يقدم الاعلام المرأة بمواصفات محددة، فهي عاطفية الشخصية، وسلبية السلوك، وغير قادرة على مواجهة المشاكل بعقلانية. أما خروجها للعمل فيكون إما للحاجة الاقتصادية، او الهروب من فشل عاطفي، أو للبحث عن زوج، ناهيك عن التركيز علىها كمستهلكة مع الامعان في ابراز مفاتنها تحفظات مصرية عن اتفاقية القضاء على التمييز وقعت مصر على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في 16 تموز يوليو 1980، وصادقت عليها في 18 ايلول سبتمبر 1981، لكنها تحفظت حيال المواد الاربع الآتية: - المادة 2: حظر التمييز في الدساتير والتشريعات الوطنية. أبدت الحكومة المصرية رغبتها في الالتزام بالمادة شرط الا تتعارض وأحكام الشريعة الاسلامية. - المادة 9: قوانين الجنسية. تمنح هذه المادة المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل في ما يتعلق بجنسية اطفالها، وعلقت مصر بأن حمل الطفل جنسيتين قد لا يكون في مصلحته. ويقضي العرف المتبع بأن يكسب الطفل جنسية والده، علماً بأن الزوجة توافق ضمنياً على هذا الاجراء عند زواجها بأجنبي. - المادة 16: الزواج والعلاقات الاسرية. رأت مصر أن احكام الشريعة الاسلامية كفلت حقوقاً وواجبات متوازنة اثناء الزواج وعند فسخه. المادة 2: تمنح المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل في شأن جنسية اطفالها. واعتبرت مصر نفسها غير ملزمة ذلك، رغبة منها في تجنب القيود التي يعرضها التحكيم.