تتعرض امرأة واحدة بين كل ثلاث نساء في العالم للضرب او للاغتصاب او العنف بأي شكل من الاشكال. ومنذ التسعينات، شغلت قضية العنف ضد المرأة اهتمام المنظمات العالمية والجمعيات الاهلية والحكومية. وارتبطت قضايا المرأة في العقد الاخير باسم العاصمة الصينية بكين التي استضافت المنتدى العالمي للمرأة في ايلول سبتمبر 1995. ومن بكين الى نيويورك حيث انهت الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للامم المتحدة اعمالها امس، تبوأ الوفد المصري المشارك مكانة مميزة، وذلك للجوانب الايجابية الكثيرة التي طرأت على قضايا المرأة في مصر، إضافة الى تحسن اوضاعها في نواحٍ عدة، وان كانت الصورة لا تخلو من قتامة. وترجمت مصر اهتمامها بالمرأة حين اوردت قضاياها ضمن خطة التنمية الشاملة للدولة بعد انعقاد مؤتمر بكين. وقدم الوفد المصري الى الدورة تقريراً من ثلاثة اجزاء خاصاً بخطة عمل بكين، وتضمن الجزء الاول لمحة عن الاتجاهات الخاصة بتحقيق المساواة بين الجنسين، والتدابير القانونية في هذا الشأن. والقى الجزء الثاني الضوء على السياسات التي تتبناها الحكومة المصرية لادماج المرأة في التنمية، فيما لخص الجزء الثالث ما انجز من قضايا المرأة في مصر، وتحديداً في مجالات التعليم والصحة وحقوق الانسان والاعلام والبيئة والطفلة الانثى والاقتصاد والعنف والتدريب والحكم والمبادرات المستقبلية. وبينت الارقام التقدم في معالجة مشكلات المرأة المصرية. ففي مجال التعليم، ورغم استمرار التفاوت بين الاناث والذكور، فان نسبة الامية بين الاناث انخفضت من 63 في المئة عام 1986 الى 50 في المئة عام 1996. وبلغت النسبة بين الذكور في العام نفسه، 39 في المئة. وعكست نسب مشاركة المرأة في النقابات المهنية، استمرار اقبال المرأة على الوظائف التقليدية التي ينعتها البعض ب"المهن النسوية"، واستمرار ابتعادها كذلك عن المهن الخاضعة لسيطرة الرجال. وبلغت نسبة النساء المشاركات في النقابات المهنية، 28 في المئة. وشهدت نقابة التمريض النسبة الاعلى 92 في المئة في حين كانت النسبة الادنى للنساء من نصيب نقابة المهندسين. ورغم أن هناك خللاً واضحاً في شغل المرأة المناصب القيادية، الا ان حصتها زادت من 7 في المئة عام 1988 الى 15 في المئة عام 1996. واشار التقرير الوطني المصري المقدم الى الاممالمتحدة الى أن المرأة حاضرة في البرلمان اذ تتولى سيدة حالياً منصب وكيل مجلس الشعب، كما ترأس اللجان الدستورية والاشتراعية والثقافية والاعلامية والسياحية ولجان العلاقات الخارجية والاسكان والتعمير. وكان تقرير الحكومة المصرية المقدم الى الاجتماع العربي الثاني لمتابعة مؤتمر بكين الذي انعقد في بيروت نهاية عام 1998 اشار إلى انخفاض نسبة تمثيل المرأة في مجلس الشعب من 9 في المئة عام 1979 الى 2.2 في المئة عام 1990، بسبب الغاء الحصة المخصصة للمرأة، ووصلت النسبة الى اثنين في المئة عام 1995. ووصلت النسبة حالياً إلى 5.1 في المئة فقط، وهنّ النائبات المنتخبات. واكد التقرير المصري ان آلاف النساء اشتركن في العضوية العامة للحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، إضافة الى مشاركة ضئيلة في عضوية الهيئات العليا ولجان الاحزاب المعارضة. ورغم ان نسبة الاسر التي تعيلها نساء تراوح بين 17و22 في المئة، الا ان نسبة البطالة بين النساء ضعف النسبة بين الرجال، فهي 20 في المئة بين النساء، و9 في المئة بين الرجال. وإذا كان الاعتراف بوجود المشكلة هو الخطوة الاولى نحو حلها، فإن الخطوة التالية هي تحديد النقاط التي ينبغي التعامل معها. اما في ما يتعلّق بالفقر وتحديداً بعدما تم تأنيثه، إذ ان ثلثي الفقراء نساء، قالت الامين العام للمجلس القومي للمرأة ميرفت تلاوي ان الحكومة المصرية تبنت برامج لمكافحة الفقر، منها زيادة المعاشات الضمانية وتخصيص قروض للنساء وغيرها من السبل التي تضمن مردوداً مادياً للمرأة. وضمان هذا المردود لا يكون الا بتنمية قدراتهن ومهاراتهن الانتاجية، وهو ما تعمل مصر على تحقيقه من خلال البرامج المختلفة. واشارت تلاوي كذلك الى الجهود المصرية في مجال الاهتمام بصحة المرأة، وامدادها بالمعلومات الطبية، وتنظيم القوافل الطبية والنوادي الصحية، والاهتمام بحملات التطعيم والقضاء على الممارسات الخاطئة من ختان وزواج مبكر واجهاض. ومن دون الخوض في تفاصيل، اكدت تلاوي ان الدستور المصري كفل المساواة وعدم التمييز على اساس الجنس والدين والاصل واللغة والعقيدة. الا ان الانتقادات كثيرة في هذا الشأن تحديداً، فهناك تمييز صارخ في القوانين دون سند دستوري او ديني، ومنها على سبيل المثال، قانون الاحوال الشخصية والقوانين الخاصة بالزنا وحق المرأة في التنقل والحصول على جواز سفر وحصول ابناء المصرية المتزوجة من اجنبي على الجنسية المصرية. ورغم ان تلاوي اشارت الى ان العنف ضد المرأة في مصر أسري، فان وقفه يتطلب القضاء على فكرة انه شأن من الشؤون العائلية التي لا يجب التدخل فيها. لكن لم ترد اشارة الى اشكال العنف الممارسة ضد المرأة من قبل مؤسسات الدولة واصحاب الاعمال والعامة، الامر الذي يحتاج الى توعية وتثقيف،إضافة إلى اجراءات فعلية. واستجابة لبند الاعلام والمرأة في برنامج عمل بكين، قالت تلاوي ان وزارة الاعلام المصرية قررت توظيف البرامج القائمة في الاذاعة والتلفزيون للنهوض بالمرأة. ورغم ذلك فالتقرير الصادر عن المنظمات غير الحكومية المعنية بمتابعة اتفاق الغاء كل اشكال التمييز ضد المرأة والتي انجزت بالتعاون مع منظمة يونيسف، اتهمت وسائل الاعلام بالتحيز في عرض صورة المرأة وادوارها المختلفة بشكل يمثل عائقاً امام مشاركتها والاستفادة من جهودها في برامج التنمية والتحديث. والحق يقال ان المجتمع المصري يشهد جهوداً حثيثة من اجل النهوض بالمرأة ومساعدتها على ان تكون عضواً فاعلاً ومؤثراً شأنها شأن الرجل قولاً وفعلاً. لكن المهمة صعبة، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة إن لم يكن أكثر. ومن تلك الخطوات انشاء المجلس القومي للمرأة والتعديل الاخير في قوانين الاحوال الشخصية، التي شملت اعطاء المرأة حق الخلع. مشكلات مستمرة... من مؤتمر الى آخر بعد خمس سنوات من دعوة مؤتمر بكين الدولي إلى انهاء العنف ضد النساء، اكدت دراسة صادرة عن منظمة يونيسف ان ما تم انجازه في هذا الصدد لا يكفي خصوصاً في ما يتعلق بالعنف المنزلي. والدراسة التي اعدتها يونيسف لتعرض امام دورة الاممالمتحدة الاستثنائية في نيويورك، ركزت على العنف المنزلي الذي تعتبره ثقافات عدة مشكلة غير قابلة للحل، نظراً إلى وقوعه في اطار الاسرة حيث يترسخ. ودعت الدراسة إلى تدخل فئات مختلفة من كل مجتمع، تشمل الزعماء الدينيين والاجتماعيين، إضافة إلى زيادة احساس النساء والفتيات بالامان، وذلك من خلال محو اميتهن وتعليمهن وتوفير فرص العمل المناسبة لهن. ارقام مزعجة: - بين 20 و50 في المئة من الفتيات والنساء في دول العالم تعرضن للعنف الجسدي على يد شريك او فرد من الاسرة. - نسبة انتحار الفتيات والنساء السريلانكيات بين 15 و24 سنة تجاوزت نسبة الوفيات الناتجة عن الحمل والولادة بنحو 55 مرة. - بين 40 و60 في المئة من الاعتداءات الجنسية التي تحدث في اطار الاسرة في العالم، ترتكب ضد فتيات تقل اعمارهن عن 15 عاماً. - يبلغ عدد النساء المصابات بمرض الايدز نحو 14 مليون امرأة، وهو إلى زيادة. ونسبة كبيرة من تلك الاصابات تحدث بسبب الاتصال الجنسي مع شريك دائم زوج او صديق وتحدث نتيجة علاقة غير متساوية بين الطرفين، ما تجعل مناقشة فكرة "ممارسة جنسية آمنة" صعبة إن لم تكن مستحيلة.