سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تأثر بهمنغواي ودوستويفسكي وكافكا ويعتبر الكتابة مرضاً مزمناً . ابراهيم سعدي يتحدث عن الرواية الجزائرية وسنوات الموت : كنت متيقناً أن وقف المسار الديموقراطي سيؤدي الى كارثة
قد لا يكون ابراهيم سعدي معروفاً على المستوى العربي مثل مواطنيه البارزين واسيني الأعرج والطاهر وطّار ورشيد بوجدرة والآخرين، لكنّ هذا الأديب الجزائري لا يقلّ عن زملائه أهميّة وموهبة، كما أن تجربته تحمل ملامح خصوصيّتها، وتمتاز بعمقها الفكري ونضجها الفنّي. آخر روايات سعدي صدرت عن "منشورات الجاحظيّة" في الجزائر بعنوان "فتاوى زمن الموت"، ويتوقّع صدور روايته الجديدة "من يتذكر عبد الحميد طابلوط؟" عن "اتحاد الكتاب العرب" في سورية. في هذا الحوار يتوقّف أستاذ مادة "التيارات الفكرية" في جامعة تيزي وزو، عند تجربة السنوات الصعبة، محللاً ظاهرة الارهاب التي يتطّلب التخلّص منها "مكافحة الفساد وحل المشاكل الاقتصادية". كما يتطرّق إلى "مأساة النشر في الجزائر"، معبّراً عن أسفه لكون الكتاب لا يدخل الجزائر خلافاً للسلع الاستهلاكية الاخرى. على الغلاف الأخير لرواية "فتاوى زمن الموت" الصادرة في الجزائر عن منشورات "الجاحظية"، يكتب الروائي الطاهر وطار في معرض تقديم زميله ومواطنه ابراهيم سعدي، صاحب الرواية، قائلاً: "إنني اتردد في نعته: قديس الأدب الجزائري أم متصوف الثقافة الجزائرية؟ فأنا أشبّهه بصنع الله ابراهيم من حيث الصرامة في الكتابة، واحترام غيره". وابراهيم سعدي، الذي يعمل أستاذاً جامعياً في تيزي وزو، أديب معروف في الجزائر، اذ نشر حتى الآن ثلاث روايات، والرابعة ربما تصدر في الصيف المقبل. وهذا الأديب يستحق ان تطلق اعماله عربياً، فهو يكتب عما يعرفه ويَخبره بشكل عميق. روايته الأولى "المرفوضون" التي ظهرت في بداية الثمانينات، أي بعد عودته الى البلاد من فرنسا، حيث حصل على دكتوراه في الفلسفة من جامعة ستراسبورغ، تدور حول مهاجر جزائري مقطوع الصلة ببلده وأهله، وفي الآن نفسه، مستبعد عن الوسط الذي يعيش فيه. انه رجل ضائع، او تائه، من دون اي احساس بالانتماء. بينما روايته الثانية "النخر" التي ظهرت في نهاية الثمانينات، فيرصد فيها التصدع الذي يجتاح المجتمع الجزائري، من خلال الصراعات الدموية التي تنشأ بين افراد الأسرة الواحدة بحيث ينتهي مصير كل فرد فيها الى نهايتها المأساوية، وهذا لاعمل يقدّم استقراءً لما سيصيب الجزائر في التسعينات. وفي "فتاوى زمن الموت" روايته الثالثة التي صدرت في 1999، يسرد ابراهيم سعدي، على لسان بطله موح، حياة مجموعة اشخاص يقيمون في حي صغير في الجزائر. فقدّور، وهو ابن امام المسجد، له سبع اخوات، ولا احد يتقدم لطلبهن، لأن قدّور هذا شخص شرير، وزنديق على علاقة بزوجة عمار تاجر الخردة، وهذا الأخير له دزينة من الاولاد السيئي التربية. ذات يوم تنشب معركة عنيفة بين قدور وعنتر الذي يهوى الموسيقى والغناء، يضطر بعدها قدور الى الاختفاء، ومن ثم الظهور كرجل تقي يطلب مغفرة الناس ويدعوهم الى التقوى، وعندها تنهال طلبات الزواج على اخواته، بدءا من أصغرهن سناً. في جمعيّة "الجاحظية" التي تشتمل على دار نشر واستديو تسجيل وغاليري ومقهى أدبي، إلتقينا ابراهيم سعدي، الذي كان قادما من تيزي أوزو لبضع ساعات. "ان ابراهيم هو أفضل روائي جزائري حاليا" قال لنا الأديب المعروف الطاهر وطار، رئيس الجمعيّة، وهو يتكئ على مدخل الجاحظية ويديه تداعبان حمالتي بنطاله، وقبل ان نتركه أضاف وطار ضاحكاً "طبعا، من بعدي"... ضحكنا، ابراهيم سعدي وأنا ونحن نقطع شارع رضا حوحو المليء بالمارة والسيارات والضجيج والحُفر. ونزلنا باتجاه شارع الشهيد وجلسنا في احد المقاهي. بدأ الحديث عن رواية الطاهر وطار الاخيرة "عودة الولي الطاهر الى مقامه الزكي" راجع العدد 426 من "الوسط"، قلنا لابراهيم سعدي إننا وجدناها غريبة عن اعماله السابقة. أجاب ابراهيم: - في الحقيقة، لقد تغير الطاهر وطار، وان كان هو ينكر ذلك. غير ان المتأمل لاعماله الاولى "اللاز" و"الزلزال"، يلاحظ ان هذه الاعمال متميزة بطابع سياسي، وتنطلق من نزعة ايديولوجية اشتراكية. ولكن الاحداث التي عرفتها الجزائر، منذ التراجع عن المسار الانتخابي وما أفرزه من اعمال عنف، وما ترتّب عن ظهور التيار الاسلامي، جعلت اعمال الطاهر وطار تتخذ مسحة ايديولوجية جديدة، يظهر فيها نوع من التعاطف مع الحركة الاسلامية. وفي روايته "الشمعة والدهاليز" حاول ان يبرز ذلك بالرجوع الى ماركس نفسه، بمعنى انه يتفهم الحركة الاسلامية انطلاقا من ايمانه بالماركسية نفسها، معتبرا ان الحركة الاسلامية هي العودة الحالية للحركات الشعبية". هذا لسان حال بطل روايته الجديدة أيضاً... - صحيح. إن بطل "عودة الولي الطاهر الى مقامه الزكي" شخصية صوفية اسلامية وهذا في الحقيقة شيء جديد في الرواية الجزائرية بشكل عام، وهذا يعني ان البطل الحقيقي في الجزائر الجديدة، على الاقل حسب ما فهمت أنا، من رواية وطار الاخيرة، هو ان المناضل الاسلاموي قد حلّ محل زيدان بطل رواية "اللاز". خطاب وطّار بهذا المعنى مناقض تماماً للخطاب الذي تنطوي عليه روايات كاتب جزائري آخر هو واسيني الاعرج؟... عفواً اذا كنت اجرك للحديث عن الاخرين ! - لا تهتم، فاننا نتحدث في الأدب، ومن تسألني عنهم زملاء وأكن لهم كل المحبة والتقدير. يمكنني القول إن واسيني الاعرج، تطور تطورا يستحق التوقّف عنده. خصوصاً بعدما تحول الى الكتابة باللغة الفرنسية... مع العلم أن السمات الجوهرية لأدبه لا تزال قائمة في اعماله الاخيرة : حيث لا زلنا نشهد هيمنة العامل الايديولوجي على روايته. ولا يزال ادبه يتسم بطابع الالتزام، وهو أدب مناهض للاصولية الاسلاموية. ويمكن القول ان واسيني من أبرز الروائيين الجزائريين وأغزرهم انتاجاً. أنت تكتب بالعربية. ما رأيك بالرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية؟ - اعتقد انها تقهقرت تقهقرا شديدا، والسبب في ذلك يعود الى صعوبات النشر، في الجزائر وكذلك في البلدان العربية. والكتب الجزائرية التي تطبع في دول المشرق العربي، لا تدخل الى الجزائر. لنقل إن الرواية الجزائرية الوحيدة التي دفعت بالرواية العربية في الجزائر الى الامام، هي رواية احلام مستغانمي "ذاكرة الجسد". أما الأعمال الروائية الجزائريّة المكتوبة بالفرنسية فشهدت تطوراً كبيراً، نظراً الى اقبال دور النشر الفرنسية على طبعها. وهذا ما جعل الكفة على الصعيد الابداعي تميل لمصلحة "الرواية الفرنكوفونية". وهذا هو الواقع المر. ما رأيك بأدب احلام مستغانمي؟ - قرأت روايتها"ذاكرة الجسد" واعجبت بها كثيراً، خصوصاً انها روايتها الاولى. ويبدو لي ان تجربتها مع الشعر خدمتها كثيرا، فعندما تحولت الى الرواية جاءت هذه الاخيرة طافحة بالشعر والحنين. واعتقد ان تجربة الهجرة بين باريس وبيروت ساهمت في اثراء هذا العمل الروائي الذي يلعب فيه الحنين الى الوطن والذاكرة دوراً اساسياً. كما اعتقد ان هذه الرواية لا تتحدث فقط عن الجزائر، وان كانت احداثها تدور حول قسنطينة، لكنها كتجربة تنطبق على مجمل الوطن العربي . كيف بدأت الكتابة ؟ متى قررت ان تكون كاتباً؟ وهل فكرت في أن تكون شيئاً آخر؟ - ربما نشأ لدي الدافع الى الكتابة يوم كتبت موضوعاً انشائياً فقبّل استاذي المصري، رأسي اعجابا او رغبة منه في تشجيعي ليس إلا. وأول نص أدبي لي، نشرته في تونس وأنا في السادسة عشرة : كانت قصّة قصيرة نُشرت في ركن مفتوح للقراء. والحقيقة انني لا اتذكر انه راودني في يوم من الايام شيء آخر غير ان أكون روائياً. لمن قرأت وبمن تأثرت؟ - قرأت بالطبع لكل الكتاب الجزائريين، لانه لا يعقل ان يجهل الكاتب أدب أبناء بلده. وكذلك الكتاب العرب مثل نجيب محفوظ، جمال الغيطاني، صنع الله ابراهيم، حنا مينا، وغيرهم. مثلما قرأت الكثير من الادب العالمي، لكن أبرز الذين أثروا فيّ همنغواي بنثره السهل الممتنع ودوستويفسكي بشخصياته الحائرة القلقة، مثلي، وكافكا بعزلته الميتافيزيقية. القارئ العربي لا يعرفك جيّداً. حدثنا عنك قليلاً... أم انك بدأت تشعر بالجوع؟ - ضاحكاً ليس بعد، دعنا نواصل الآن. ولدت في قرية تكامرا منطقة القبائل الصغرى في العام 1950، وقد تركتها وأنا صغير السن مع أهلي وكل سكان القرية، وذلك بأمر من القوات الفرنسية التي قامت بتدميرها بعد خروجنا. فقد كانت قرية تكامرا مركزا تموينيا مهماً للمجاهدين بحكم موقعها وسط الجبال. بدأت دراستي هناك في مدرسة حرة، اي في احدى المدارس التي يعود الفضل في وجودها الى جمعية العلماء الجزائريين التي أنشأها عبد الحميد بن باديس. وأتممت تعليمي في تونس في اطار بعثة من وزارة الشؤون الدينية. ثم سافرت الى فرنسا، وحزت على دكتوراه في الفلسفة من جامعة ستراسبورغ للعلوم الانسانية. وحاليا اعمل استاذا في جامعة تيزي وزو في معهد اللغة والأدب العربي، والمادة التي ادرسها تسمى "تيارات فكرية"، وهي مادة يغلب عليها الطابع الفلسفي، وعلاقتي مع الطلبة طيبة وان كان يشوبها نوع من التشاؤم بالنسبة إلى المستقبل نظراً إلى انتشار البطالة. خوف وكوابيس... كيف عشت سنوات المرحلة السوداء؟ - دعني أروى لك بعض ما عشناه في سنوات "الموت"، حيث كنت أدرّس مادة "التيارات الفكرية" بقلق مستمر ذلك انني كنت أتطرق الى مواضيع حساسة بالنسبة إلى تلك الفترة مثل النقاش بين النقل والعقل، اي بين الشريعة والفلسفة، وبين الأنا والآخر، في الفكر الاسلامي. وكان من الصعب جدا التطرق الى هذه القضايا من دون محاولة الدخول عبرها الى الحاضر. ولهذا كنت أتوجس في كل مرة ان يقف أحد المستمعين ويطلق عليّ النار او يدخل شخص من الخارج ويغتالني. كنت اقول في نفسي "ما أدراني بأنه لا يوجد في القاعة من قد تسول له نفسه ان يردد على مسامع القتلة بان الاستاذ الفلاني ينشر بيننا فكر ماركس المادي، ومذهب سارتر الوجودي؟ كان شبح الموت يحدق طوال المحاضرة وحتى بعدها في الحقيقة. لكن مثل هذه الهواجس والمخاوف كانت عادية في الواقع في ذلك الوقت. فقد قتل العديد من الاساتذة، منهم على سبيل المثال المرحوم رابح سطنبولي الذي كان في فترة من الفترات مديراً للمعهد الذي انتمي اليه، والاستاذ حمبلي الذي اغتيل عند مدخل جامعة تيزي وزو التي لا ازال اعمل فيها، وقد اعطي اسمه لاحدى المدرجات الجامعية. في تلك الفترة التي كانت الاغتيالات تستهدف المثقفين بالدرجة الاولى، وكان الخوف من الموت على أشده. لكن كل واحد كان يكتم الأمر، لان الاعلان عن ذلك كان سيبدو نوعا من المباهاة بالنفس. نعم!، لقد عرفنا تلك الفترة التي كان فيها قتل مثقف ما دليلاً على أهميته : أنت مثقف معروف اذن تُقتل! هكذا اصبح الاعراب عن الخوف من القتل نوعا من الادعاء. كان التقدير لزملائنا المغتالين يجعل المرء يخجل ان يكشف عن خوفه، حتى لا يوهم بانه يعتبر نفسه في مستوى هؤلاء الأعزاء. لكن، في الوقت نفسه، كان كل واحد يحرص على العودة الى البيت قبل السادسة مساء، ويدعم باب منزله بعدة أقفال سميكة، ويحس بالرعب كلما سمع وقع خطوات في الدرج اثناء الليل، ويرى في احلامه كوابيس يذبح فيها هو وذووه ويرى في كل شخص لا يعرفه شخصاً مشبوها، اي قاتلا محتملا له. هذه المخاوف، أو الهواجس كما تسميها، تصلح لعمل روائي... - بالتأكيد، هذه الاجواء موجودة في روايتي الاخيرة التي أتوقّع صدورها عن "اتحاد الكتاب العرب" في سورية، وعنوانها "من يتذكر عبد الحميد طابلوط؟". لقد كان الجو أشبه ما يكون بجو الطاعون. كنت، شخصياً، متيقنا ان وقف مسار الانتخابات سيؤدي الى كارثة، لكن ليس بهذا الحجم. والآن ماذا يحدث في الجزائر؟ - في الحقيقة الشعب ملّ من القتال والذبح، واصبح يحن الى الماضي. حين كان المواطن الجزائري يعيش في شبه أمان، يتجول من مدينة الى اخرى من دون خوف على حياته. وعلى رغم بشاعة الاعمال التي ارتكبها الارهابيون، فإن الجزائري مستعد الان للصفح واختيار السلم، لانه في الحقيقة ليس له خيار آخر. وشخصياً اعتقد اننا ضيّعنا الكثير من الوقت، فهناك من الاحزاب والشخصيات السياسية من دعا الى الوفاق السياسي في بداية التسعينات، بدلاً من الارهاب... والآن الدولة لم تجد حلا اخر سوى الدعوة الى السلم، ولكن بعد مئة ألف قتيل. ولو انهم اصغوا الى الاصوات التي نادت بالسلم في بداية التسعينات، لوفرنا تلك الخسائر البشرية والمادية الفظيعة... الشيء المهم في الوئام المدني هو ان الارهاب لن يمكنه ان يتجدد، ويعيد تشكيل نفسه، لأنه فقد قواعده عند الشعب الذي يرفضه الآن. فقبل عشر سنوات كان بامكان الفصائل الارهابية ان تعبئ الشباب، وهذا لم يعد الان ممكناً... لكنّ حل المشكلة الارهابية بصورة جذرية يتطلب ايضاً حل المشاكل الاقتصادية، ذلك ان البطالة التي تضرب الشباب بالأساس، وغير ذلك من العوامل الاجتماعية السلبية كالتعسف الاداري والفساد القضائي والرشوة، كلها عوامل مغذية للارهاب. كيف تنظر الى الادب الجزائري اليوم؟ - الوضع الأدبي، أو مستوى القصة والرواية في الجزائر سيّء جدا في الحقيقة. فبعد التحول الى اقتصاد السوق، وتخلي الدولة عن دور النشر، أصبح النشر صعبا بالنسبة إلى أي مبدع. انتهى النشر الذي تتكفل به الدولة، واصبح النشر على حساب المؤلف. واذا اخذنا بعين الاعتبار ان المبدعين ينتمون في معظمهم الى الطبقة المتوسطة فقد اصبح النشر، بالتالي، شبه مستحيل. والحجة ان الكتب الابداعية لا تباع، بينما الكتب الاخرى خصوصا السياسية والدينية لها حسب ما يبدو سوق. ولذلك فان دور النشر تُقبل على نشرها على حسابها الخاص. ويبدو من ناحية اخرى، ان الاقبال على الكتاب الفرنسي يتجاوز إلى حدّ بعيد الاقبال على الكتاب العربي. كما أن جزءاً أساسياً من المبدعين الجزائريين ينشر في باريس، بالنسبة إلى من يكتب بالفرنسية، أو في البلدان العربية بالنسبة إلى من يكتب بالعربية. وهناك أعمال ابداعية كثيرة تصدر في باريس، ولكن القارئ الموجود داخل الجزائر لا يعرف عنها شيئاً، لأن الكتاب بصورة عامة لا يدخل الجزائر بخلاف المنتوجات او السلع الاستهلاكية الاخرى. ما أريد ان أقوله ان هناك أدباً جزائرياً في الخارج يجهله الجزائري في الداخل. ولا شك في أن مأساة النشر في الجزائر حالت دون تحقيق مطامح الأدباء الجزائريين، وأنا من ضمنهم. لكن الكتابة عموماً كالمغامرة، قد تنجح وقد تفشل. وأنا شخصياً أضع نصب عيني احتمال الفشل. غير ان الانسان يحمل في نفسه الحاجة الى الكتابة الابداعية كما يحمل مرضا مزمناً، لا شفاء منه ولا رغبة في الشفاء منه ايضاً. وكما يقول سارتر، طالما ان الانسان حي فهو دائماً مشروع. ما سرّ ضعف الاهتمام بالأدب في الجزائر اليوم؟ - الأزمة التي تضرب المجتمع ككل أدت الى ضعف الاهتمام بالأدب من قصة ورواية وشعر. وسعر المؤلفات والأعمال الابداعية لم يعد في متناول الجمهور، بسبب انهيار القدرة الشرائية وغلاء المعيشة. ولذلك صار الأدب الجزائري ينشر بالأساس في فرنسا وأنا أعني هنا بطبيعة الحال المكتوب منه بلغة فولتير. أما ما يكتب منه بالعربية، فينشر في دول المشرق او ينشر في الجزائر، إنّما على نفقة المؤلف، وهو بشكل عام "يوزّع مجاناً". ماذا تتمنى للأدب الجزائري؟ - بصدق، أريد لهذا الأدب ان يظل في مستوى شموخ وأنفة كاتب ياسين ومحمد ديب وعبد الحميد بن هدوقة... يؤلمني اليوم أن أقرأ اعمالاً، كرواية بوعلام صنصال المنشورة عند "غاليمار" وغيرها، فقد بلغ الانحطاط الايديولوجي بهذا الكاتب إلى حدّ الاعجاب بمرحلة الاستعمار الفرنسي في الجزائر. إن الشهداء أبرياء مما صنعنا نحن ببلادنا التي حرروها لنا، ولا مسؤولية للمليون ونصف المليون شهيد في ما يقع لنا اليوم