اعتبر المراقبون أن جولة الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء السعودي التي شملت مصر وسورية ولبنان "تصب في اتجاه التحركات الداعمة للتضامن العربي". وجاءت محادثات الرئيس حسني مبارك والأمير عبد الله تمهيداً جيداً لطريق لم تعد سالكة منذ التحركات التي تمت العام 1996 وافضت الى انعقاد آخر قمة عربية موسعة في القرن الماضي. ففي بيروت التي كانت المحطة الاخيرة في جولة الامير عبدالله اعتبرت مختلف الاوساط السياسية الزيارة لفتة استثنائية من جانب المملكة العربية السعودية الى لبنان الذي يجتاز ظروفاً استثنائية، بعد اعتداءات اسرائيل وتهديدات وزير خارجيتها دايفيد ليفي. اما في القاهرة فبدا الشعور الرسمي اثناء زيارة الامير عبد الله وبعدها مفعماً بالتفاؤل بأن إعادة الاعتبار للعمل العربي المشترك من خلال التشاور بين القيادة السياسية في مصر والمملكة العربية السعودية من شأنها أن تقوم بدور كبير في إحياء أجواء التضامن العربي، خصوصاً أن الشارع المصري رأى في الزيارة فتحاً لخيارات عربية قادرة على التجدد في الوقت المناسب، في ما يتعلق بالتعامل مع الطرح الإسرائيلي المتعنت الذي لم يعد مقبولا أو حتى محتملاًَ. وثمنت الأوساط المصرية الرسمية والشعبية جولة الأمير عبد الله بعدما بدت إسرائيل قادرة على استقطاب أكثر المواقف الدولية الصديقة تقليدياً للحق العربي مثل فرنسا. وكذلك كون الجولة تمت وسط اجواء لم تحرك فيها واشنطن ساكنا لادانة إسرائيل صراحة على اعتداءاتها على المدنيين في لبنان، وصمت مجلس الأمن وكأنه ينتظر "قانا" أخرى ليخرج عن صمته. وعكس التعبير الذي اطلقه وزير الخارجية المصري عمرو موسى عن جولة الأمير عبد الله بأنها "جاءت في وقتها تماماً" حرص مصر على تحرك عربي في اتجاه دعم لبنان ومقاومته الشرعية، لتلبية حاجات عربية ملحة ربما عبرت عنها ايضا اليمن بدعوتها الى "تقنين آلية عربية لعقد القمة سنويا"، وكذلك دعوة رؤساء البرلمانات العربية في مؤتمرهم الأخير الذي عقد في الجزائر الى ضرورة عقد القمة. ويضاف الى ذلك قرار الدول العربية توقيع رسالة تضامن مع لبنان من خلال تكليف وزراء خارجيتها ليجتمعوا خارج مقر الجامعة العربية، وتحديداً في بيروت التي تواجه تهديدات. كما أن إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود باراك بأنه سيسحب قواته المحتلة من جنوبلبنان في غضون أشهر، كل ذلك الزخم لا يمكن أن يعبر في سماء المنطقة من دون أن يعود مثلث القاهرة - دمشق - الرياض الى العمل والفعالية التي كان له السبق في طرحها بنجاح، مما جعل زيارة الأمير عبد الله للقاهرة تأتي في موعدها تماماً كما قال وزير الخارجية المصري. ولعل ذلك يعني أن غالبية العواصم العربية التي كان يراودها حلم السلام الوشيك أخذت تشعر - جراء التعنت الإسرائيلي - بالاحباط، الأمر الذي حدا بوزير الإعلام المصري صفوت الشريف الى التشديد على أن المحادثات بين الرئيس مبارك والأمير عبد الله "ركزت على التحرك المستقبلي من أجل التوصل الى صيغة مناسبة في وقت دقيق تمر به المنطقة"، لافتاً الى أنه تم الاتفاق "على ضرورة مساندة لبنان في مواجهة الظروف الصعبة التي يتعرض لها". وكان الشعور الغالب لدى المراقبين غداة وصول ولي العهد السعودي الى دمشق أن زيارته استهدفت تقديم دعم سعودي على أرفع المستوىات للمواقف السورية في عملية السلام، وقطع الطريق على اي تصعيد اسرائىلي محتمل في جنوبلبنان، اضافة الى البحث في احتمالات عقد القمة العربية. وقال مسؤول سوري ل "الوسط" ان الزيارة جاءت في وقت تشهد المنطقة العربية "تضامناً هو الاهم منذ سنوات"، في اشارة الى التأييد الشعبي والتظاهرات التي خرجت ضد العمليات الاسرائىلية ووصف رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان عمليات "حزب الله" ضد قوات الاحتلال الاسرائىلي بأنها "ارهابية". واشار الى انها جاءت بعد يومين من اجتماع اللجنة العليا السورية- السعودية برئاسة وزيري الخارجية السوري فاروق الشرع والسعودي الامير سعود الفيصل. ولقيت مواقف الامير عبد الله في دمشق ارتياحاً عميقاً لدى المسؤولين، نظراً الى عمق الدعم الذي قدمه علناً للموقفين السوري واللبناني، اذ اكد دعم المملكة العربية السعودية للحق المشروع في مقاومة الاحتلال الاسرائىلي، وشدد على "ضرورة المقاومة والصمود والصبر" أمام أعظم التحديات والمخاطر والاستفزازات". لكن ولي العهد السعودي أشار، في الوقت نفسه، الى ان قطار السلام في الشرق الاوسط سيمضى على رغم العقبات التي توضع امامه، وعلى رغم غشاوة رؤية رئيس الوزراء الاسرائىلي ايهود باراك. كما أن مجيء الجولة بعد ايام من إقرار باراك بتعهد رئيس الوزراء السابق اسحق رابين الانسحاب من الجولان الى خط 4 حزيران يونيو 1967 من جهة، وقرار الكنسيت الاسرائىلي البرلمان تعقيد إجراءات الاستفتاء على الانسحاب من الجولان من الجهة الثانية، اعطى بعداً اضافياً لمحادثات الامير عبد الله مع الرئيس الاسد. اذ ان اقرار باراك على رغم اهميته، لم يلق ترحيباً كبيراً في دمشق، وقابله المسؤولون السوريون بحذر شديد. وذكرت مصادر مطلعة ل "الوسط" ان "الحذر السوري" يعود الى اسباب عدة، منها التجربة السابقة مع باراك، سواء في اجتماعات "بلير هاوس" في 15 و16 كانون الاول ديسمبر 1999، او في شيبردزتاون خلال الفترة من 3 الى 9 كانون الثاني يناير الماضي. اذ ان رئيس الوزراء الاسرائيلي تراجع مرات عدة عن التزامات سابقة قدمها الى الاميركيين، ومنها تراجعه عن مبدأ التزامن في اجتماعات اللجان الاربع، المتعلقة بالحدود والمياه والامن والسلام، وكذلك تراجعه عن مبدأ استئناف المفاوضات من حيث توقفت بداية العام 1996"، وهو ما طالب به أساساً الرئيس بيل كلنتون. السبب الثاني للحذر السوري يتمثل في أن الهدف الاساسي من الاقرار الإسرائيلي المشار إليه قد يكون الالتفاف على "التضامن العربي" مع لبنان وسورية على المستويين الشعبي والرسمي، او ان يكون الهدف داخلياً لتحديد اتجاه اجراء استفتاء على الانسحاب من الجولان. ومن أسباب الحذر الذي اتسم به الموقف السوري حيال إقرار باراك أنه اقر - في الواقع - بوجود "وديعة رابين"، لكنه لم يعلن انه سيلتزمها. ومن المنطقي أن ترى سورية ان الخطوة الجوهرية ينبغي أن تتمثل في التزام تنفيذها وليس الإقرار بوجودها فحسب. كما ان ما قيل في هذا الشأن - بوجه عام - كان "تسريبات صحافية وليس كلاماً رسميا"، لذلك فان دمشق تنتظر بلاغاً رسمياً عبر الاميركيين بهذا الموقف. ومن ناحية أخرى، يعتبر السوريون أن جدية باراك تقاس بمدى التزامه "ترسيم" حدود 4 حزيران والموافقة على عقد لجنة ترسيم الحدود، الامر الذي يفتح الباب امام استئناف المحادثات المجمدة منذ منتصف كانون الثانييناير الماضي