حينما تلفحني رياح الغربة - والغربة متعددة ورياحها عاتية دائماً - أمنّي نفسي من جملة ما أمني، بالحصول على صحافة حرة غير "منهوشة" بالمخالب والمقصات النهمة. على أنني هنا صُفعت بخلو ضاحية قريبة من العاصمة الفرنسية من صحافة الضاد. نمنا بلا صحافة في العاصمة التي لا تنام، دون أن تكون مقاص الرقابة مذنبة، فمبارك عليها وعلينا حيادها... مع التمني بأن تحال هذه المهنة العريقة في مشرقنا الى التقاعد. بالحاصل... "بتبويس الأيادي واللحى" حصلت على بعض أعداد "الوسط" التي ألهث وراءها أينما كنت وفاتتني بعض أعدادها. اجتاحتني نشوة بهجة المعرفة أثناء وبعد قراءتي مقالة نبيل خليفة القيمة جداً عن خلفيات زيارة شارون لباحة المسجد الأقصى العدد 454. المقالة تلك وما اتصفت به من لغة تحليلية موضوعية دقيقة، وباختصار لا يخل بالأمانة العلمية، وباستفاضة بدون الوقوع في شرك الانشائية أو التكرار أو المزايدات، كشفت جانباً جديداً عن استثنائية وفرادة وضع مدينة القدس. جانب يتجاوز الوجدانيات - على أهميتها - العميقة والمتأصلة منذ قرون لدى كل الأطراف المعنية، يهوداً ومسيحيين ومسلمين، وصولاً الى كونها مدينة داخلة في حسابات استراتيجية دقيقة على أرض الواقع خط تقاسم المياه، الخط الوسطي بين النهر والبحر، أهميتها الجغرافية في التلال المحيطة بها، قلب المدينة القديمة. وهكذا كبرت القدسالمدينة - الرمز أكثر بعد تلك المقالة الجامعة الكاشفة. لكن... أبوسع مقالة أن تكبِّر القدس أكثر مما هي عليه في القلوب والعقول معاً؟ نعم... أقله على صعيدي الشخصي طالما أنها أنارت جانباً من الأهمية جديداً، والأهم انها عممت هذا الكشف ولم يعد حكراً على الخاصة ان كانت تعلم! وهذا يدل على الأهمية الخاصة للمقروء. كورين أورتشانيان فرنسا