في العدد 401 من "الوسط" كتب السيد تيسير خلف من دمشق مقالة عرض فيها مذكرات الفنان القدير رفيق سبيعي المنشورة تحت عنوان "ثمن الحب"، وفيه يحمّل فناننا المحبوب المخضرم الاستاذ رفيق سبيعي الفنان دريد لحام مسؤولية إفشال الثلاثي دريد والمرحوم الفنان الكبير نهاد قلعي ورفيق سبيعي، بل يتهمه بمحاربته للثلاثي بشتى الطرق، إضافة إلى تهم أخرى. وطالما ان كاتب المقالة تلك ترك للقارئ في الخاتمة حرية تحديد موقفه من تلك الاتهامات، وهل هي اعترافات مريرة من قلب جريح، أم تصفية حسابات بين فنان انحسرت شعبيته وآخر ما زال في ذروة النجاح، لذلك ارتأيت ان ارسل إليكم هذه الرسالة. أيام كنا نتقافز كالشياطين ونملأ الدنيا بهجة وسروراً وصخباً وحماسة بألعابنا والاعيبنا، وحيث صيحات الامهات تعجز عن جرّنا إلى بيوتنا، كانت شارة مسلسل "صح النوم"، أو أي عمل من أعمال الفنانين دريد لحام والمرحوم نهاد قلعي "تشفطنا شفطاً" إلى منازلنا لنتحلق حول التلفزيون بلونيه الأسود والأبيض في جلسات أسروية دافئة لنتابع وقائع "صح النوم" بشغف ما بعده شغف. كان المسلسل قادراً على اضحاكنا وابكائنا بآن، مما يدل على عمق تفاعلنا مع العمل، فالكل كان متألقاً فعلاً بدوره وفيه، من غوار الطوشة وحسين البوروظان المرحوم نهاد قلعي وبدري أبو كلبشة المرحوم عبداللطيف فتحي وأبو عنتر ناجي جبر وياسين بقوش والفنانة القديرة المحبوبة فطوم حيص بيص نجاح حفيظ وآخرين. الفنان دريد لحام لم يكن محبوبنا فحسب، بل كان معشوقنا في كل أعماله في تلك الفترة من "صح النوم" و"مقالب غوار" و"حمام الهنا" و"ملح وسكر"... ودارت الأيام واتخذ النجم اللامع دريد لحام خطاً جديداً لمسيرته الفنية وتألق كالعادة في مسرحيات "ضيعة تشرين" و"غربة" و"كاسك يا وطن"، إضافة إلى فيلميه السينمائيين "الحدود" و"التقرير"، جزاه الله خيراً. الشيء المهم الذي أريد أن أورده هنا هو نقل حرفي دقيق إن شاء الله لكلام الفنان دريد لحام، حيث قال في مقابلة تلفزيونية أجريت معه منذ سنوات طويلة بعد الزوبعة التي عقبت أعماله الفنية الجديدة آنذاك، قال حرفياً بالعامية السورية: "أنا لا أحب أعمالي القديمة، ولا اعتبرها أعمالاً ناجحة..."! هذا التصريح قد يعطي لكلام الفنان القدير رفيق سبيعي بعداً أو مغزى آخر يتجاوز بكثير مجرد تصفية حسابات... على أية حال، لست اعتقد انه بقلبه الكبير الجريح الممتلئ مرارة يرنو فقط إلى تصفية حسابات لمجرد أن شعبيته في انحسار والآخر في ذروة النجاح، بل اعتقد أنه يربأ بنفسه عن هذا. هو بلا شك فنان قدير محبوب، سمعته طيبة وشعبيته كبيرة، وأما غيابه عن الساحة الفنية فقد يكون أمراً له تشعباته العديدة، وقد يكون مرتبطاً باشكالات الحركة الفنية في سورية عموماً، نصاً واخراجاً وانتاجاً... وكل هذه المجالات لا قبل لي في خوض غمارها، لأنني أجهل تفاصيل الحياة الفنية في وطني، كما أجهل أشياء أخرى كثيرة، ولا بأس فهذا شيء طبيعي من مستلزمات مغاليق وسراديب وأحاجي الحياة في العالم الثالث. أما الفنان القدير دريد لحام فليسمح لي، لمواطنه، للطفل الذي عشقه وتربى على أعماله بهذه الكليمات التي اخطها إليه بيد راعشة فهو محسوب على الذين فوق من الكبار، وأتمنى ان يتكرم ويتنازل لقراءتها. في كتابه الأدبي الجميل "داغستان بلدي" يورد الشاعر الكبير رسول حمزاتوف مقولة من تراث بلده وهي: إذا اطلقت نيران مسدسك على الماضي اطلق المستقبل نيران مدافعه عليك. وقال السيد أنور الجندي بوضوح وكان يسارياً تحول إلى الفكر الاصولي الإسلامي: أنا لا استطيع ان ابصق على شبابي وقال الشاعر محمود درويش: أنا لا اخجل من مراهقتي الشعرية. وعندما سئل الكاتب الكبير "المهضوم" جورج برنارد شو: من أكبر، أنت أم شكسبير؟ أجاب على الفور: بالتأكيد أنا لأنني أقف على كتفيه. ولست اقصد من الجملة الأخيرة انك استاذ دريد كبرت بوقوفك على أكتاف الآخرين، بل قصدي انك كبرت بتراكم تجاربك السابقة وتعملقت قامتك بسبب نجاحاتك السابقة التي كان للكثيرين دور ملحوظ فيها ومنهم نجمنا المحبوب الفنان القدير رفيق سبيعي و"تسلملي شواربك" أبو صياح وأمد الله في عمرك. واجعل مسك ختام، رسالتي وسطوري الأخيرة لك استاذ رفيق، كلام سيد البلغاء والفصحاء وإمام المتقين العارفين أمير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه وارضاه، إذ يقول: "كن حلو الصبر عند مرّ الأمر" و"لا عز أرفع من الحِلم" و"مَنْ حَلِمَ أُكرم". و"إذا جُني عليكَ باغتفر".. لك مني تحية مودة ومحبة وتقدير. كورين اورتشانيان حلب - سورية