كلما رأيت التجاعيد في وجه جدتي وهي تحمل هموم 90 سنة مرّت عليها، اختزل فيها تاريخ الشعب الأرمني، وكلما سمعتها تتكلم على فظائع المجازر التركية بحق أهلها، اختزل فيها مأساة الشعب الأرمني، وكلما تروي لي حكاية نجاتها من المجازر التركية وهي لم تتجاوز ال6 سنوات آنذاك والصعوبات والظروف التي واجهتها، اختزل فيها كفاح الشعب الأرمني من اجل العيش بكرامته، وكلما كلمتني عن فرحتها وفخرها بأحفادها الذين حافظوا على إرث أجدادهم ويواصلون مسيرة الحياة بثقة، اختزل فيها أمل ومستقبل الشعب الأرمني، نعم هذه هي جدتي، آه لو تسمعها حين تحكي لنا القصص والأحداث التي عايشتها أثناء المجازر التركية التي ارتكبت بحق الشعب الأرمني في العام 1915، قصص وحشية وفظيعة لا تمت للانسانية بأي صلة، قصص تطول ذكراها، ولكنني سأكتفي بسرد قصة قتل والدتها كمثال، حيث تقول جدتي: عندما هاجم الجنود الاتراك قريتنا الواقعة في منطقة "ديكرانا كيرد" القريبة من الحدود مع سورية، قاموا بجمعنا في وسط الساحة وبدأوا بقتل أهل القرية، وبينما كنت ممسكة بيد أمي ننتظر دورنا، سقطت احدى أسناني فنظرت اليّ أمي وقالت: هذا هو نذير الشؤم، وعندما حان دورنا رأيت المشهد الذي ما زال محفوراً في ذاكرتي، أمي تضع رأسها على المقصلة وهي تجمع شعرها الطويل بيدها اليمنى الى الأمام لتبان رقبتها وبيدها اليسرى تدفعني لأبتعد عنها وهي تصرخ: "إذهبي بعيداً من هنا" وعندما نزل السيف على رقبة أمي لم أع ماذا حصل من شدة هول الفاجعة، كل ما أعرفه انه أغمي عليّ ثم وجدت نفسي في مكان آخر عندما أفقت من غيبوبتي. وهنا تغرورق عينا جدتي بالدموع ولا تستطيع ان تتمالك نفسها أو تكمل حديثها، فنحاول مواساتها والتخفيف عنها ونذكرها في مقابل تلك المجازر التركية الرهيبة كيف كانت الدول العربية تستقبل الناجين والهاربين من المجازر - وهي واحدة منهم - بكل حب وكرم وضيافة وشهامة عربية، وتقدم لهم كل مساعدة ممكنة مؤكدة القيم العربية النبيلة المتأصلة في الشعب العربي، ونؤكد لها من ناحية اخرى بأننا لم ننس تلك الاحداث ولن ننساها ونحاول بكل الطرق المشروعة اظهار الحقائق واحقاق العدل واسترجاع الحقوق .... بيرج كينجويان الكويت