اصبحت 14 دولة عربية اعضاء في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، واذا كان بعض هذه الدول لا يزال يتعثر في تطبيق البرنامج التنفيذي للمنطقة، خصوصاً لجهة الاعفاء التدريجي من الرسوم الجمركية بنسبة 10 في المئة، وذلك على رغم مرور اكثر من سنة على بدء التطبيق، فإن لبنان بدأ فعلاً اجراءات التنفيذ وبنسبة تخفيض 20 في المئة ابتداء من اول العام 1999. ولوحظ ان حصة الدول العربية الاربع عشرة الاعضاء، تزيد عن 90 في المئة من التجارة الخارجية العربية ونسبتها تصل الى 96 في المئة من التجارة العربية البينية، الامر الذي يبرز اهمية الانجاز الكبير الذي حققه العرب خلال السنة الاولى، وقد وصف الدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية هذا الانجاز بأنه "دليل على مدى الجدية في التعامل مع هذا المشروع القومي المهم"، وأكد في الوقت نفسه أنه "لا خوف من موضوع الاستثناءات على بعض السلع، لأن هذه الاستثناءات مؤقتة ومرتبطة بفترة زمنية محددة. وكان المجلس الاقتصادي العربي قد اعرب في اجتماعه الأخير في القاهرة عن ارتياحه للخطوات المتخذة من قبل الدول العربية باتجاه استكمال اجراءات التنفيذ لتطبيق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، ورأى ضرورة شمولية هذه الاجراءات لكافة الجوانب المرتبطة بالتنفيذ مع التوسع في انشطتها لتشمل الجوانب المرتبطة بكفاءة التجارة حتى تزداد مكاسب الدول العربية وتمتد الى الاستثمار والمشروعات المشتركة وزيادة فرص العمل والتخصيص الامثل للموارد الاقتصادية. وتبين للجامعة العربية ان الدول التي لم تبدأ بعد اجراءات التنفيذ هي ثماني دول عربية منها سبع دول هي الاقل نمواً وتحتاج الى معاملة خاصة لتتمكن من الانضمام الى منطقة التجارة الحرة العربية، بينما الدولة الثامنة الجزائر تمر في مرحلة اصلاح اقتصادي. ورأت الامانة العامة لجامعة الدول العربية ضرورة اجراء مسح لما تم انجازه على مستوى الدول العربية، وما لم يتم، وبيان العقبات التي واجهت عملية التطبيق على المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في اجتماعه المرتقب في أيلول سبتمبر المقبل. وكأي انجاز لا بد من ان يواجه في بدايته عقبات في التنفيذ فإن منطقة التجارة الحرة العربية تواجه عقبات عدة، لخصتها الامانة العامة للجامعة العربية على الشكل الآتي: 1 - الإستثناءات التي تتخذ من جانب واحد من قبل دولة عربية معينة وتطبقها على السلع العربية المستوردة في اطار منطقة التجارة الحرة العربية من دون الحصول على موافقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي. ولقد وردت مثل هذه الاستثناءات في بلاغات التنفيذ الموجهة الى المنافذ الجمركية في الدول العربية الاعضاء. ومارست معظم الدول العربية مثل هذا النوع من الاستثناءات، ولا بد للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ان يبحث عن حلول ملائمة لمعالجة هذه الاستثناءات عبر اصدار قرار بوقف العمل بها باعتبارها مخالفة لأحكام البرنامج التنفيذي ولاتفاقية تيسير التبادل التجاري وتنميته بين الدول العربية. قيود وتعقيدات 2 - فرض قيود غير جمركية تطبقها الدول العربية على السلع العربية المستوردة من الدول الاعضاء في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، فلا زالت السلع العربية المستوردة تخضع لرخص الاستيراد وفي بعض الاحيان تحت مسميات اخرى مثل استمارة او شهادة. وهناك ايضاً القيود النقدية التي تطبق وتعقيدات الاجراءات المصرفية لفتح الاعتمادات لتمويل التجارة العربية. كما لا زال بعض الدول العربية يطبق قوانين تمنع الاستيراد، وتطبق ذلك على الاستيراد من الدول العربية. وتشمل عمليات منع الاستيراد السلع الصناعية والزراعية، وتتم عمليات المنع تحت مبررات حماية الانتاج المحلي او لأسباب بيئية أو صحية أو أمنية وغيرها، بينما هناك قائمة السلع التي لا تسري عليها احكام البرنامج التنفيذي للأسباب الواردة فيه الدينية، البيئية، الأمنية، الصحية وهذه القائمة اقرها المجلس الاقتصادي، ومن ثم فإن أي منع خارجها يعتبر مخالفاً لأحكام البرنامج التنفيذي. 3 - التعسف في استخدام الاشتراطات إذ تقوم بعض الدول العربية بالمبالغة في الاشتراطات التي تطلبها عند التخليص على السلع العربية المستوردة بطريقة تؤدي الى عرقلة تنفيذ منطقة التجارة الحرة العربية. وتفرض دول عربية مواصفات مبالغ فيها للتعبئة والتغليف. وهناك أيضاً تعددية الجهات والاختبارات التي تخضع لها السلع. فالمبالغة في تطبيق مثل هذه الاشتراطات لا ينسجم مع مبدأ المعاملة الوطنية، وتحصل سلع معينة في معظم الوقت على اعفاءات من الرسوم والضرائب في مقابل تقديم مثل هذه الخدمات، بينما لا تحصل السلع العربية المستوردة على اعفاءات مماثلة بل تتعرض بفرض رسوم وضرائب، وأحياناً بنسب مرتفعة لا تتفق ومبدأ المعاملة الوطنية الذي اقره البرنامج التنفيذي. 4 - الرسوم والضرائب ذات الاثر المماثل التي تفرضها عند بعض الدول العربية وهي غير جمركية، مثل رسم الترخيص للاستيراد او رسوم مكملة للاستيراد، وقد تزيد هذه الرسوم في بعض الدول العربية عن عشرة انواع مختلفة. ولتحقيق مبدأ المعاملة الوطنية في الرسوم والضرائب ذات الاثر المماثل واخضاعها للتخفيض المتدرج، لا بد ان تقوم الدول الاعضاء بإصدار القوانين او القرارات التي تحقق ذلك.. 5 - إعادة التقييم لغايات جمركية، إذ تختلف الدول العربية في نظم تطبيق الرسوم الجمركية على السلع المستوردة. فبعض الدول العربية، من أعضاء منظمة التجارة العالمية، ملتزم اتفاقية التقييم ومن ثم عليه تسوية اوضاعه لاستخدام قيمة الفاتورة كقيمة معتمدة لأغراض الرسم الجمركي. وهناك دول عربية اخرى تتبع نظام بروكسيل، وهي الدول العربية التي لم تدخل بعد منظمة التجارة العالمية. ويمكن للدول العربية الاعضاء في منطقة التجارة الحرة تطبيق نظام قيمة فاتورة الاستيراد المطبق من قبل منظمة التجارة العالمية، على السلع المستوردة في اطار منطقة التجارة الحرة العربية، إذ أن ذلك يسهل الأمور على المستوردين والمنتجين العرب ويعطيهم ثقة اكبر في منطقة التجارة الحرة العربية، وامكانية توقع الاسعار في اسواق الدول العربية من دون الخوف من التقلبات السعرية. اعفاءات وامتيازات 6 - تطبيق القوائم السلعية حيث اعطى البرنامج التنفيذي لإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الدول العربية الاعضاء حق تبادل اعفاءات وامتيازات فيما بينها تفوق ما هو وارد في البرنامج، سواء كان ذلك ثنائياً او متعدد الاطراف، حيث نص على انه يجوز لأي بلدين عربيين او اكثر من اطراف الاتفاقية، الاتفاق فيما بينها على تبادل الاعفاءات بما سبق الجدول الزمني للبرنامج. 7 - الاجراءات الحدودية، فعلى رغم أن موضوع تعقيد الاجراءات الحدودية ما بين الدول العربية يندرج في اطار كفاءة التجارة اكثر مما يندرج تحت تحرير التجارة العربية البينية، الا ان تعقيدات الاجراءات الحدودية، خصوصاً أن معظم التجارة العربية البينية يتم عبر الحدود البرية، يؤثر سلباً في تحرير التجارة العربية ويؤدي الى تهميش الاعفاءات والامتيازات الممنوحة للسلع العربية، ومن ثم يؤدي الى نقص قدرتها التنافسية امام السلع غير العربية. ومن الضروري العمل على تنشيط دور اللجنة الفنية المشرفة على تنفيذ اتفاقية تنظيم النقل بالعبور "الترانزيت" واعتبارها من ضمن اللجان الفنية التابعة لمنطقة التجارة الحرة العربية نظراً إلى ارتباط مهامها مباشرة بأنشطة المنطقة. تراجع نمو الصادرات 8 - غياب آليات متابعة ميدانية للتطبيق لدى الدول الاعضاء، فمنطقة التجارة الحرة العربية تخلق مصالح اقتصادية متجددة داخل الدول العربية، وممارسة النشاط التجاري والعمليات التجارية تتم بشكل يومي مما يحتاج الى آلية متابعة مستمرة داخل الدول الاعضاء والمتابعة الذاتية النابعة من ادراك الاقتصاد العربي بنجاح هذه المرحلة من مرحلة التكامل تعتبر اساسية لتحقيق النجاح. وهنا يمكن اقامة مكاتب في الغرف التجارية مخصصة لمتابعة تنفيذ التجارة الحرة العربية. وأن يتم تسمية بعض العاملين بالغرفة للقيام بهذه المهمة على ان يتم ترتيب تدريبهم من قبل الامانة العامة للجامعة، بحيث تتحقق المتابعة داخل البلد ومع البلدان الاخرى الاطراف في منطقة التجارة الحرة العربية. لا شك في ان منطقة التجارة العربية الحرة، ستساهم في تنمية الصادرات العربية، وهو هدف رئيسي من اهدافها، خصوصاً بعدما اخذت تتراجع حصتها في التجارة العالمية بسبب تدهور اسعار النفط. ولوحظ تخلف نمو الصادرات العربية خلال الفترة 1992 - 1995 حيث بلغ متوسط هذا النمو 3.6 في المئة، مقابل 4.10 في المئة للصادرات العالمية، وشهد عام 1996 نمواً بلغ 3.3 في المئة للصادرات العربية، مقابل 8.3 في المئة للصادرات العالمية. وأدى اعتماد بعض الدول العربية على الخارج لتغطية العجوزات بواسطة القروض والتحويلات الرأسمالية، الى جعلها عرضة لضغوطات تهدف الى تبني سياسات تخدم انكشاف الدول العربية على الخارج. وقد رافق هذا الامر ازدياد اهمية الميزة التنافسية للمنتجات العالمية وقيام التكتلات، مما وضع التجارة العربية في موقع بات يتطلب منها تحسين اداء تجارتها الخارجية للمحافظة على تنافسية منتجاتها في الاسواق العالمية. وقد اصبحت اي زيادة في صادرات الدول العربية تعتمد على مدى النجاح في جذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة، لا سيما ذات المحتوى التكنولوجي. وهكذا تكون الصادرات العربية قد واجهت ولا تزال تحديات كبيرة. وسيتحكم بها الى حد بعيد عوامل خارجية تمليها التطورات الاقتصادية العالمية، وعوامل داخلية تتصل بسياسات الدول العربية في مجال التنمية الاقتصادية والتكامل الاقتصادي العربي. ويمكن تبويب هذه المؤثرات تحت عنوانين رئيسيين، هما: أولاً، التوجه التاريخي نحو العولمة وما يرافقه من طغيان للتكتلات الاقتصادية ومن انتظام في قواعد التجارة العالمية ومن انفجار لأزمات دورية قصيرة الاجل ذات آثار كونية شمولية. وثانياً، الخيارات السياسية والاقتصادية التي ستتخذها الدول العربية في تعاملها مع هذه المتغيرات