عادة يكون الانقلاب عسكرياً او لا يكون. الا ان الجمهورية الاسلامية في ايران خالفت هذه القاعدة، وقدمت استثناء فريداً من نوعه. رحيم صفوي قائد "الحرس الثوري"، قال: "ان محاولة انقلابية برلمانية تجري حالياً في البلاد". والمقصود بمحاولة الانقلاب، نشاط "الاصلاحيين" للفوز بالانتخابات التشريعية التي ستجرى قبل مطلع السنة الشمسية الايرانية في 20/3/2000. قطب بارز في الحملة الانتخابية في جبهة "الاصلاحيين" قال ل"الوسط": "ان تعمل على الفوز بالانتخابات التشريعية، امر بديهي، فهو شرط أساسي وضروري لنجاح الحركة الاصلاحية التي يقودها الرئيس محمد خاتمي. لكن ان تحاول عن طريق هذا الفوز الغاء الآخرين، كما يحصل في الانقلابات العسكرية، فهذا معاكس لكل حركتنا السياسية وللنهج الاصلاحي الذي نسير عليه منذ ملحمة 2 خرداد تاريخ فوز الرئيس محمد خاتمي 23/5/97 فما نسعى اليه هو الفوز وايضاً بقاء واستمرار الطرف الآخر وهو جبهة "المحافظين" في السلطة، شرط ان يكون تمثيلها النيابي موازياً لحجم شعبيتها لا اكثر ولا اقل". والأخذ بهذه المعادلة التي يعتبرها اقطاب جبهة الاصلاحيين جزءاً من مسار الحركة الديموقراطية يعني الترجمة الميدانية لشعبية الجبهتين اي حصول "الاصلاحيين" على 70 في المئة من مقاعد المجلس الشورى، وذلك بما يعادل شعبيتهم وربما اقل واستمرار المحافظين ممثلين لحوالي 30 في المئة من المقاعد وهو ما يزيد قليلاً عن شعبيتهم. والسؤال الكبير، هو حول امكانية حصول هذا "الانقلاب الديموقراطي" في ظل موازين القوى الحالية داخل السلطة، وامساك المحافظين "بمفاتيح" السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية الى جانب وجودهم القوي داخل المؤسسة الدينية. يؤكد احد اقطاب الآلة الانتخابية ان هذا الفوز ممكن حتى في ظل كل التعقيدات القائمة وابرزها مجلس صيانة الدستور وعمليات شطب الاقوياء عبر محاكمات مفتعلة، على غرار ما حصل مع عبدالله نوري الرجل القوي والمؤهل الشرعي شعبياً لخلافة ناطق نوري في رئاسة مجلس الشورى. الى جانب الحملات القضائية ضد الصحف الاصلاحية واقفالها. وعن آلية هذا النصر او الفوز الممكن، يقول المصدر نفسه: "لن نستطيع حالياً وقبل الانتخابات احداث تغيير حقيقي في القوانين التي تتحكم بطبيعة الانتخابات التشريعية، لذلك فان مجلس صيانة الدستور سيبقى "مصفاة" للمرشحين الاقوياء من الصف الاول والثاني، وسيجد لكل واحد منهم سبباً لمنعه من الترشيح. لكن الحركة الشعبية الداعمة للاصلاح اصبحت عميقة الجذور وقوية الى درجة ان بإمكانها تقديم العشرات من المرشحين من الصف الثالث والرابع الذين لا يمكن لمجلس صيانة الدستور العثور على اسباب تمنعهم من ترشيح انفسهم تمهيداً للفوز بالانتخابات. وهذا التطور سيؤدي الى تقديم العدد على النوعية، لكنه ايضاً سيقود حتماً الى ظهور شريحة جديدة في الطبقة السياسية الايرانية تساهم في اغناء الحركة "الاصلاحية". واذا كان الاصلاحيون لا يريدون الغاء وجود المحافظين وانما فرض التوازن بين التمثيل والشعبية، فان المحافظين يعملون على الغاء خصومهم بكل الوسائل بما فيها العنف. وفي مواجهة هذا التوجه اعتمد الرئيس خاتمي تكتيكاً جديداً يعتمد على توجهين: الاول، القبول والعمل بكل ما هو ناتج عن الدستور وما يقع ضمنه وفي اطاره، حتى ولو كان لغير مصلحة الاصلاحيين، بهدف دفع الطرف الآخر الى العمل بهذا النهج مما ينزع فتيل العنف ودعوى الغاء الآخرين. والثاني، ان الهدوء لا يعني الصمت، لذلك فإن الحركة الشعبية خصوصاً من جانب الحركة الطلابية، تستطيع ان تكون فاعلة ومؤثرة من دون ضجيح ولا مواجهات. وتنفيذاً لذلك اعتمد الطلاب في تظاهرتهم الاخيرة التي طالبوا فيها بإطلاق سراح عبدالله نوري، تكتيكاً مهماً، وهو تشكيل دوائر الطلاب المتظاهرين حول الطلاب من الباسيج ورجال الامن لمنع اي احتكاك بينهم وبين المتظاهرين، سواء رغبوا بذلك او بسبب رغبة المتظاهرين انفسهم. وايضاً تقديم الورود لقوى الامن ورجال الباسيج وزرعها في فوهات البنادق على غرار ما حصل في مطلع الايام الاولى للثورة مع افراد الجيش الايراني. بدورها فان القوى المحركة داخل جبهة الاصلاحيين تعمل على ابقاء قضية عبدالله نوري "حية" وذات حضور يومي لتأكيد "الظلم" الذي لحقه مباشرة ولحق الاصلاحيين بشكل غير مباشر، مع كل ما يحمل ذلك من رمزية حادة في الخطاب الديني في ايران. ويرى مصدر ايراني مطلع ان عبدالله نوري "سيبقى في السجن الى ما بعد الانتخابات، حتى يُحرم من حق ترشيح نفسه مما يجعله حكماً الفائز الكبير والمرشح الوحيد لخلافة ناطق نوري في رئاسة مجلس الشورى" ويضيف "ان حرمان نوري من خوض معركة الانتخابات التشريعية، لن يلغي حضوره السياسي ولا مستقبله الواعد". وفي ظل منع نوري من حق الترشيح، كما اكد وزير الداخلية، بتهمة "الدعاية المناهضة للاسلام"، واستنكاف رئيس المجلس الحالي ناطق نوري - حتى الآن - عن خوض الانتخابات، برز من جديد الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام حالياً ورئيس مجلس الشورى الاسبق. فقد ابدى في مقابلة له مع صحيفة "انتخاب": "عدم رغبته بالعودة الى الساحة السياسية، لكنني مجبر على ذلك". مضيفاً انه بهذه العودة "يستجيب لمطالبة الناس والعلماء والوزراء والنواب والملالي والمعاونين القدامى". ويعمل رفسنجاني على استعادة مواقعه من خلال "الدور" الذي اجاده دائماً وهو مرشح الاجماع الذي يضع الاحزاب والقوى السياسية في "خدمته" بدلاً من ان يكون هو في "خدمتها". والى جانب هذه الخصوصية في حركته السياسية، ذكر رفسنجاني انه "منذ بداية الثورة، لم اهتم ابداً ببلوغ مراكز المسؤولية. ويبيّن تاريخ حياتي السياسية انني حيث كان موقعي حظيت باحترام كل الحركات". ولا شك ان تعريف رفسنجاني بنفسه واقعي وحقيقي، فهو كان دائماً "قلعة" الثورة والدولة معاً، واينما كان موقعه على رقعة الشطرنج السياسية يبقى "القلعة" التي يتحصّن فيها الآخرون ويستقوون بها على خصومهم. وهذا الموقع هو الذي كان يدفع مختلف القوى للالتفاف حوله. الى جانب ذلك يضيف مصدر ايراني مطلع "ان ما يقوله رفسنجاني حول عدم اهتمامه ببلوغ مراكز المسؤولية، صحيح بلا شك، لكن يلزمه الدقة. فرفسنجاني كان ولا يزال "رجل النفوذ"، لذلك فانه وفي ظلال الامام الخميني، كان رجل قرار اكمال الحرب بعد استعادة الايرانيين مدينة خورمشهر المحمرة وكان هو ايضاً الذي دفع الإمام الخميني للقبول بسرعة قياسية بقرار وقف الحرب مع العراق. وفي كل مرة يتطرق الحديث الى الاسباب او الدوافع الكامنة وراء قرار خطير او مصيري، يقول الايرانيون "فتشوا عن رفسنجاني"! اما الجديد في كلام رفسنجاني العائد الى المسرح السياسي، فهو عن "ثروته ودور عائلته، خصوصاً ابناءه في الاستفادة من النشاطات التجارية والاقتصادية. فقد نفى ذلك نفياً قاطعاً مؤكداً ان ثروته هي حصيلة الارث من والديه ورواتبه من مواقعه في السلطة. ويبرز هذا الاتجاه في رفسنجاني نحو الشفافية بعد تزايد الاتهامات الموجهة له ولعائلته خصوصاً لابنائه وليس لابنتيه فائزة وفاطمة في قطاع النفط الى درجة ان صحافياً ايرانياً اختار لتعليقه الساخر حول مفهوم "الاتحاد" بين مختلف القوى السياسية في ايران الاخذ بمثال عائلة رفسنجاني في "الاتحاد" داخل مواقع القرار الاقتصادي في البلاد. ولا شك في ان ترشيح رفسنجاني، وان لم يكن نهائياً حتى الآن، يشكل اضافة اساسية على طبيعة المعركة الانتخابية، وفي الوقت نفسه سيؤدي من خلال نتيجته اذا ما حصلت، الى اضافة محرك جديد على المسرح السياسي. فرفسنجاني اذا ما نجح وعاد رئيساً لمجلس الشورى، فانه قادر على منح موقعه التشريعي حجماً كبيراً يجعل من رئيس الجمهورية الشخص الثالث بدلاً من ان يكون الثاني بعد المرشد آية الله علي خامنئي. وبذلك يستعيد زمام ادارة الحركة السياسية في البلاد ووضع "قطار" الاصلاح على سكّته مع ما يعني كل ذلك من ضربة للمشروع الخاتمي. اما اذا فشل رفسنجاني، سواء في متابعة المعركة الانتخابية لادراكه مسبقاً بالفشل، او بسبب حصول حركة شعبية تقف ضده يوم الاقتراع، فان معنى ذلك وضع نقطة نهاية على فصل طويل من تاريخ الجمهورية الاسلامية، وبدء خاتمي مرحلة جديدة تحمل كل الامكانات لتنفيذ برامجه الاصلاحية. الحملة الانتخابية، بدأت عملياً مع فتح باب الترشيح رسمياً. والمعركة مفتوحة على كل الاحتمالات، لذلك تستخدم كل جبهة من جبهتي الاصلاحيين والمحافظين كل "اسلحتها" للفوز بالانتخابات، واذا كان المحافظون سينجحون في رفع سن الاقتراع من 15 سنة الى 16 سنة مما يفقد الاصلاحيين اكثر من مليون ونصف مليون صوت لانهم مثل كل الشباب "خاتميون، فان الاصلاحيين يواجهون الهجوم ضدهم بالصمود وتدعيم مواقعهم. ومن بين هذه العمليات الدفاعية انه كلما اقفلت صحيفة ولدت اخرى. وبعد اقفال "خرداد" وهي صحيفة عبدالله نوري، فتحت صحيفة جديدة يديرها الجسم الصحافي نفسه برئاسة علي حكمت. وتأكيداً لدور الصحافة في المعركة الحالية والى التفاؤل الذي يسود اوساط الاصلاحيين فقد تمّ اصدار الصحيفة الجديدة تحت اسم "فتح". وبذلك ينتظر الاصلاحيون ان "يفتحوا" الطريق امام "خرداد" التي يعمل المحافظون على سدّ الطريق امامها.