من بين الفنون المسرحية العريقة في اليابان، يعرف العالم الخارجي مسرحي "النو" و"الكابوكي". غير أن مناسبة الاحتفال هذا العام بالذكرى الثالثة عشرة لرحيل الفنان الياباني تاتسومي هيجيكاتا، ستتيح التعرف على تجربة مسرحية أخرى، أكثر جذرية وتمرداً، هي تجربة "رقص الظلام" التي تعتبر، رغم هامشيتها، الاضافة الوحيدة التي جاء بها القرن العشرون، على هامش فن يرتبط بالانسان وبالطبيعة ارتباطاً وثيقاً في بلاد الشمس المشرقة. هيجيكاتا، مبتدع هذه التجربة التي لا تزال هامشية على الرغم من تفرع شجرتها الأساسية الى غصون عديدة، كان بدوره هامشياً واستثنائياً، من هنا كان فنه استثنائياً، ارتبط باليابان الحديثة: يابان الانفتاح على العالم، يابان ميشيما، ويابان القنبلة الذرية وفوضوية التطور الصناعي الحديث. تحيي اليابان ذكرى الفنان المسرحي تاتسومي هيجيكاتا الذي توفي عام 1986 بأحداث وعروض فنية عديدة على مدى العام الحالي تنظمها لجنة "هيجيكاتا 98"، وذلك اتباعاً للتقاليد البوذية التي تلقي أهمية خاصة على الاحتفاء بالميت في العام الثالث عشر على رحيله. وهيجيكاتا هو مؤسس فن ال "أنكوكو بوتوه" رقص الظلام، أو ما يعرف اختصاراً ب "بوتوه"، والذي يذهب العديد من النقاد الى القول بأنه النوع الفني الوحيد الذي ولد في اليابان خلال القرن العشرين. راقصو ال "بوتوه" بأجسادهم ووجوههم المطلية باللون الأبيض الشاحب، وبحركاتهم البطيئة المتشنجة وأفواههم المفتوحة التي يسيل منها اللعاب، يقدمون ما هو أشبه بالاحتضار منه بالرقص كما هو متعارف عليه. هذا الرقص السوداوي الغرائبي يعبر عن أزمة يابان النصف الثاني من القرن العشرين: يابان الدمار والكوارث النووية، ومن ثم يابان النهوض الصناعي المتسارع واستنزاف الموارد البيئية، بدلاً من التعايش بانسجام مع الطبيعة كما نصت تعاليم الثقافة اليابانية التقليدية. ولعل عنوان أهم عروض هيجيكاتا: "تمرد الجسد" 1968 يعبر عما أراد البوتوه قوله، حيث جاء ليشكل تمرداً بل ثورة حقيقية شكلاً ومضموناً على السائد والمألوف في الساحة الفنية اليابانية. وإذا كان هذا الفن الجريء قد بلغ مع "تمرد الجسد" نقطة النضوج واكتساب السمات الواضحة، فإنه مر قبل ذلك بمراحل عديدة غنية بالتجريب على أيدي هيجيكاتا وزملائه منذ أوائل الخمسينات، وبالتحديد منذ عام 1951 عندما قدم هيجيكاتا عرضه الراقص الأول عن نص للكاتب الياباني يوكيو ميشيما بعنوان "ألوان محرمة". العرض قدم في مهرجان الجمعية اليابانية للرقص لذلك العام وتضمن مشاهد فضائحية وصادمة من أكثرها قسوة قيام هيجيكاتا بتمزيق جسد ديك حي على خشبة المسرح. بعدها طرد هيجيكاتا من الجمعية وفرض حظر عليه باعتباره "شخصاً خطيراً". ولد تاتسومي هيجيكاتا عام 1930 في منطقة توهوكو في شمال اليابان لأسرة فقيرة وكبيرة العدد، وقد كان لنشأته في تلك البيئة الباردة والقاسية على جميع الصعد مركز الصدارة بين مصادر إلهامه الفني. عام 1972 قدم هيجيكاتا في أحد عروضه ما عرف في ما بعد باسم "وقفة الانسان المأزوم"، حيث يقف الممثلون على الجوانب الخارجية لأقدامهم ما يجعل الساقين في وضع متشنج والجسد في حال من عدم التوازن. بالاضافة الى الناحية الرمزية لهذه الوقفة، والمتعلقة بانعدام التوازن الروحي وسط المادية المفرطة في اليابان الحديثة، فإن الجذور الشكلانية لها مرتبطة مباشرة بذكريات طفولة الفنان في توهوكو. فعندما كان صغيراً كانت أمه تشارك أهل القرية في حصاد الأرز. وكانت العادة عند حلول موسم الحصاد أن تصطحب الأمهات صغارهن الى حقول الأرز في الصباح حيث يحشر أكبر عدد ممكن من الأطفال معاً في سلال كبيرة بحيث لا يستطيعون الحراك، ما يمكن النساء من الانصراف الى الحصاد دون قلق. وعند المغيب تفرغ السلال من محتوياتها البشرية لملئها بالأرز المحصود. ويذكر هيجيكاتا انه كان يبكي مع بقية الأطفال حتى الانهاك من آلام سيقانهم الملتوية ولكن دون جدوى، وأن الطفل حين اخراجه من السلة آخر النهار كان لا يقوى على بسط ساقيه المتحجرتين، ناهيك عن محاولة المشي بتوازن. وفي أسلوبية هيجيكاتا ظواهر عديدة أخرى تعكس طبيعة مجتمع توهوكو الزراعي وارتباط أهله الشديد بالأرض. أحد الأمثلة على ذلك خلو عروض البوتوه من الوثب، والذي يشكل عنصراً أساسياً في ضروب أخرى من الرقص، كالباليه الكلاسيكي مثلاً. يقول هيجيكاتا: "عندما أرقص لا أقفز أبداً، أنا لا أفارق الأرض بل عليها أرقص". وبذلك يشترك البوتوه مع فنون رقص عديدة "غير واثبة" لمجتمعات زراعية أخرى منها رقص الفلامنكو الأندلسي ورقص فلاحي جنوبالهند. ويندرج الرقص ال "بلدي" العربي أيضاً في هذا الاطار. في مواجهة تناقضات طوكيو التي لا ترحم احتمى هيجيكاتا بتوهوكو مسقط رأسه التي قبعت في داخله ورافقته طوال مسيرته الفنية بذكرياتها كما بأساطيرها عن آلهة الرياح وأرواح حقول الأرز. وعندما كان يسأل عن سبب السوداوية المفرطة في "رقص الظلام" كان يقول: "لا نور دون ظلمة، ولا إعمار دون هدم". وكان يشير الى أسطورة أماتيرازو إلهة الشمس التي غضبت لقيام أخيها سوسانو إله العواصف بتخريب حقول الأرز فاحتجبت في كهف وعم الظلام العالم. عندها تجمعت أرواح الحقول عند باب الكهف وعلقت مرآة كبيرة على شجرة ثم أخذت ترقص في العتمة حتى أطلت أماتيرازو ورأت انعكاس صورتها في المرآة مما بعث السرور في قلبها ودفعها الى نشر النور على العالم من جديد. علاقة اشكالية بالغرب شغف اليابانيون بفنون وعلوم أوروبا منذ الانفتاح الكبير على الغرب في عهد ميجي أي بدءاً من العام 1867. وعندما جاءت التأثيرات الغربية الى البلاد، تم تلقيها بالطريقة النمطية التي ميزت الثقافة اليابانية على مدى آلاف السنين: فاليابانيون لا يوصدون الأبواب في وجه تجارب الشعوب الأخرى وهم أيضاً لا يتسرعون في تقليد أعمى لهذه التجارب، وانما هم يدخلون الممارسات الحضارية القادمة من الخارج الى "غرفة عمليات ثقافية" حيث تتم عملية مزج انتقائية ومدروسة بين عناصر واردة وأخرى محلية. النتيجة هي نسخة يابانية المعالم عن أصل غير ياباني. والأمثلة على ذلك في التاريخ الياباني أكثر من أن تحصى، منها القديم كالنسخة اليابانية من الديانة البوذية المستوردة من الصين، ومنها الحديث كأسلوب إدارة الانتاج في مصانع تويوتا المأخوذ والمعدل عن أساليب بريطانية ومن ثم أميركية. وفي ما يتعلق بالرقص الحديث فقد أخذت مدارسه الأوروبية تحظى بشعبية في اليابان منذ مطلع القرن الحالي. وابتداء من العشرينات زار اليابان عدد من أساتذة الرقص الأوروبي الكبار، خصوصاً منه الرقص التعبيري الألماني. وعندما قدم هيجيكاتا الى طوكيو أواخر الأربعينات أخذ ينهل مبهوراً من هذه المدارس الغربية فباشر بتعلم الفلامنكو والفالس. وشكلت بداياته الفنية سيراً على الخط النمطي الياباني السابق الذكر إذ مزج في عروضه بين عناصر ذات أصول متباينة منها الغربي والياباني والشاماني - الطقوسي. وفي عام 1957 شاهد هيجيكاتا الممثل الياباني توشيرو ميفونه في فيلم له يرقص مرتدياً بزة بيضاء في احدى قاعات الرقص الغربي الكبرى في طوكيو، سحرته هذه الصورة وأخذ يدخر النقود من عمله في مصبغة حتى اشترى بزة بيضاء فاخرة وذهب بدوره الى القاعة الراقصة ذاتها. ولكنه رأى في تلك الليلة على أرض الواقع أكثر بكثير من الرقصات الحالمة التي شاهدها على شاشة السينما وأراد أن يجربها: لقد رأى كبرياء وطنه محطماً على أيدي من أحاط بالضباط الأميركان الكثر في تلك القاعة من "صفوة" المجتمع الياباني: نساء يتهافتن ورجال يتملقون. شهدت السنوات العشر التي تلت ذلك ابتعاداً متزايداً لهيجيكاتا عن مدارس الرقص الأوروبي وبحثاً دؤوباً عن أسس يابانية صرفة لبناء نوع راقص جديد. ويجمع النقاد أن ذلك قد تأتى لهيجيكاتا عام 1968 في عرضه "تمرد الجسد"، الذي شكل الولادة الحقيقية لفن البوتوه. الجسد حين يتمرد جاء عرض "تمرد الجسد" في أواخر عقد الستينات الذي كان عقد التمرد الاجتماعي والثقافي في اليابان كما في الغرب. والتقت مواقف هيجيكاتا الرافضة للمفاهيم الفنية السائدة آنذاك مع مواقف مبدعين آخرين داخل اليابان وخارجها. فقد قدم عروضاً عديدة مبنية على نصوص كتاب غربيين حوربوا في بلادهم كما حورب هو في اليابان كجان جينيه والماركيز دي ساد. كما لقيت أفكار المسرحي الفرنسي أنطوان أرتو صدى حسناً لديه. وكان أرتو قد شاهد في معرض باريس الدولي عام 1931 عرضاً راقصاً لفرقة من القبائل الشامانية القاطنة لجزر بالي في جنوب شرق آسيا وأبدى حماساً شديداً له. لقد رأى أرتو المسرح الأوروبي ال "متحضر" أسيراً للغة، وفضل عليه مسرحاً يطلق الحرية للجسد. وبين المبدعين اليابانيين كان الروائي المعروف يوكيو ميشيما هو الأقرب الى هيجيكاتا وقد نشأت بينهما صداقة شخصية عميقة. ميشيما الذي أمضى حياته الأدبية في محاولة لكسر قوالب اللغة ولتجاوز الفاصل بين الكلمة والفعل وجد في البونوه القدرة على تجاوز هذا الفاصل. وحمل المبدعان هيجيكاتا وميشيما سوياً هاجس التعبير عن الجسد. فهيجيكاتا يقول: "لقد قامت التربية بقمع أجسادنا وسمحت بالحركات ال "عملية" فقط". بينما يقول ميشيما: "ان أجسادنا هي أكثر الأشياء وقوعاً في قيود العادة، أكثر حتى من كلماتنا". بقي هيجيكاتا بحاجة الى صياغة الاطار الفني الملائم للتعبير عما يريد. وفي عام 1965 جاءه المصور الفوتوغرافي إيكو هوسوه بفكرة مشروع فني مشترك كان له أن يهديه الى ضالته. هوسوه أراد أن يحقق مشروعاً درامياً غريباً باستخدام الصورة الفوتوغرافية على أن يتم التصوير في توهوكو مسقط رأس هيجيكاتا الذي يلعب في العمل دور مجنون بريء هائم على وجهه بين القرى والحقول. ذهب الاثنان في رحلة تأملية مطولة في أعماق توهوكو نفذا خلالها العمل الفوتوغرافي الرائع "كامايتاتشي". وكانت تلك أيضاً رحلة في أعماق الذات بالنسبة لهيجيكاتا الذي أعاد اكتشاف جذوره وأوقظ ذكريات طفولته التي سيكون لها - كما ذكرنا - الدور الأساسي في التشكيل الفني للبوتوه. بعدها، وتحضيراً لعرض "تمرد الجسد"، دخل هيجيكاتا في عزلة شبه تامة في محترفه الصغير "أسبستوس كان" لمدة عام كامل حيث كان لا يخرج إلا ليمارس العدو كجزء من تدريب جسدي قاس فرضه على نفسه، كما اقتصر غذاؤه طوال ذلك العام على الحليب وحساء الميسو. وفي الفترة التي سبقت العرض مباشرة قام بتعريض جسده لحمامات شمس اصطناعية حتى اكتسب سمرة شديدة. من يعرف هيجيكاتا ممن حضر "تمرد الجسد" لاحظ انه بدا أصغر من عمره الحقيقي 39 عاماً آنذاك بعشر سنوات على الأقل. وذلك ما أراده الفنان. فالعرض هو عبارة عن رحلة عكس الزمن يعود فيها هيجيكاتا على خشبة المسرح شاباً يافعاً فمراهقاً فطفلاً حتى يصل الى المرحلة الجنينية، معبراً عن كل فترة بطريقة متفردة. أذهل عرض "تمرد الجسد" الحضور الذين شاهدوا لأول مرة تلك الحركات المتشنجة البطيئة والأوضاع الجسدية غير المألوفة كالوضع الجنيني، والتي ستصبح علامات البوتوه الفارقة. وبالاضافة لما اتسم به العرض من ابتكار على صعيد الأداء فإنه اكتسب أيضاً بعداً رمزياً غاية في الأهمية. فهيجيكاتا في عرضه الذي يعالج مواضيع الولادة والموت والعودة الى الرحم يجمع بين بعد ذاتي - وجودي وبين بعد وطني - حضاري يدعو فيه اليابانيين للعودة الى جذورهم، ومن هنا جاء العنوان الكامل للعرض وهو: "تمرد الجسد: تاتسومي هيجيكاتا واليابانيون". فن هامشي بالضرورة؟ رغم الشهرة التي حظي بها البوتوه فقد حرص هيجيكاتا على عدم تحويله الى مسرح تجاري فأصر على رفض العروض المغرية مادياً والتي انهالت عليه ليس من داخل اليابان فقط بل من أنحاء العالم للقيام بعروض أو ورشات تدريبية في مؤسسات فنية ضخمة. واستمر في العمل مع تلامذته في محترفه المتواضع "أسبستوس كان" الواقع في شارع خلفي ضيق في طوكيو، وفي تقديم عروضه في مسارح صغيرة كانت تعج حتى الاختناق بالمتشوقين لرؤية آخر ما تمخضت عنه تجارب هذا العبقري الساعي أبداً الى سبر أغوار الجوانب المجهولة من النفس البشرية. وقد كان لهيجيكاتا ما أراده، إذ بقيت عروضه الطليعية حتى النهاية تعيش على هامش المشهد الثقافي الياباني الذي ثارت عليه. ولم يقتصر البوتوه على هيجيكاتا لزمن طويل بعد نشأته، إذ أخذ عدد من تلامذته في تأسيس فرقهم المستقلة منذ بداية السبعينات. وفي الثمانينات أصبحت شجرة البوتوه متعددة الفروع داخل اليابان وخارجها بدخول فرق غربية عديدة عالم "رقص الظلام". وقد التزم عدد من تلامذة هيجيكاتا بأفكاره وهواجسه، كما بجرأته وتطرفه. منهم على سبيل المثال مين تاناكا الذي عبر عن شعوره بالتماهي مع الطبيعة والتوحد مع الوسط الفيزيائي المحيط قائلاً: "أنا لا أرقص في المكان، بل اني أرقص المكان". قرر تاناكا أن يعبر البلاد "راقصاً" فأخذ يتجول في طول البلاد وعرضها ويرقص عارياً في شوارع المدن والقرى التي حل بها. وبعد توجيه الإنذارات إليه ثم اعتقاله أكثر من مرة صدر عليه حكم قضائي بالسجن، ولكنه استمر في الرقص عارياً وراء القضبان. رفيق آخر لهيجيكاتا هو "أونو" الذي بدأ بممارسة الرقص الحديث منذ الثلاثينات ولا يزال يقدم عروضه حتى الآن بعد ان تجاوز الثانية والتسعين من العمر. وقد شارك أونو مع هيجيكاتا في تأسيس البوتوه وأخلص لمعظم أفكاره رغم احتفاظ أسلوبه بمؤثرات غربية آتية خصوصاً من الفلامنكو. إلا أن العديد ممن رافقوا نشأة البوتوه عبروا عن سخطهم، إزاء التطورات التي لحقت بهذا الفن على أيدي بعض الفرق التي جردته من نكهته الأصلية المتمردة وحولته الى فن تجاري يعتمد فقط على ملل المشاهدين من العروض الأخرى التي اعتادوا مشاهدتها. ولا شك ان البون شاسع بين العروض التي كان هيجيكاتا يقدمها في أقبية طوكيو أمام جمهور صغير يتفاعل بكل كيانه مع العرض، وبين تلك التي تقدمها على مسارح كبرى سواء في طوكيو أم في نيويورك فرق مختصة بالبحث عما يرضي جمهور لا يبتغي سوى الترفيه عبر مشاهدة عروض "إكزوتيكية" ليس بينه وبينها أي تواصل حقيقي. وقد تختلف الآراء في تقييم التجارب الفنية وغير الفنية الحاملة لمؤثرات تاتسومي هيجيكاتا، إلا ان المتفق عليه هو ان هذا الرجل - الظاهرة وطئ أرضاً بكراً لم يسبقه أحد إليها وفتح آفاقاً للتجريب الفني والبحث الانساني غاية في الجدة والأهمية. احتفالات العام 13 ولم يقتصر تأثير هيجيكاتا على الرقص كعرض فقد وجد باحثون نفسيون في البوتوه وما يطلقه من حرية للجسد ما يمكن استخدامه ضمن ما يسمى بالعلاج بالفن. وقد باشرت عيادات نفسية في بلدان عدة باتباع طرائق علاجية مستلهمة من تقنيات هيجيكاتا وبمشاركة بعض من راقصي البوتوه أحياناً ومنهم مين تاناكا الذي شارك بعد خروجه من السجن في جلسات علاج بالرقص للمعوقين. لتاتسومي هيجيكاتا 1930 - 1986 علاقة حميمة بالموت والفقدان. فهو يذكر كيف تجمع أربعة من اخوته حين كان صغيراً لوداع العائلة قبل الذهاب الى الحرب، ويذكر العلب الخشبية التي حملت رماد جثثهم الى البيت. كما يذكر انتهاء عدد من اخواته الى مصير مجهول بعد اضطرار الأب الى بيعهن تحت ضغط الفقر المدقع. وفي عام 1973 تمخضت تلك الذكريات عن عرض قاتم الاجواء بعنوان "البيت الهادئ" عن منزل يسكنه الموتى، قد يكون أكثر عروض هيجيكاتا سوداوية. ويبدو ان هيجيكاتا الذي تعرض لهذه الصدمات المأسواوية وجد عزاء في المعتقدات البوذية عن الاتصال بالموتى، وفي أفكار عالم النفس التحليلي كارل يونغ عن "الذاكرة الموروثة". وصف الفنان نفسه بأنه، كأحد أنواع السمك، ذكر وأنثى في جسد واحد وكان يقول: "لدي أخت ميتة، وهي تسكن في جسدي". كما تحدث مراراً عن رغبته في التواصل مع موتاه من خلال الپ"بوتوه" وفي استرجاع ذاكرة خلاياه وصولاً الى الحيوانات والكائنات البسيطة التي كانت أجداداً له قبل البشر. في السابع عشر من يناير كانون الثاني عام 1986 رحل هيجيكاتا بعد صراع مع السرطان، وفي اليوم ذاته من العام الحالي انطلقت كوكبة من عشاق "رقص الظلام" باسمالهم ومساحيقهم في شوارع طوكيو لتحيي ذكرى "المعلم" غير آبهة بالبرد القارس. وقد شارك في الحدث بعض من رفاق درب هيجيكاتا، ومنهم زوجته، كما شارك عدد من الجيل الجديد من راقصي البوتوه الذين لم يعرفوا مؤسس هذا الفن، الا عن طريق الصور الفوتوغرافية أو أشرطة الفيديو. وبالإضافة الى الرقص فقد ألقيت بعض الكلمات التأبينية رغم اعتراف الجميع ببغض المبدع الراحل للكلمات وإيمانه بعجزها. وهو الذي اختار ان يستجمع قواه الواهنة قبيل رحيله ليقدم لأصدقائه رقصة الوداع من على فراش الموت