تقول علماش غبريلول والدة رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي في حديث اجرته معها مجلة "آسِر" التغرينية الاثيوبية العام 1996 عن إبنها الذي انقطعت اخباره لفترة عامين في بداية ظهور "الجبهة الشعبية لتحرير تغراي" التي تزعمها لاحقاً : "ذهبت للبحث عنه في بلدات شيرارو وباديمي وشيمبيكو التابعة لمنطقة شيري التي كانت تُستخدم قاعدة عسكرية للجبهة الشعبية لتحرير تغراي ضد جيش منغيستو هايلي مريام، لكنه تعمد عدم الالتقاء بي هناك. ارسل إلي رسالة بعد عودتي الى منزلي، إذ لم يكن يرغب ان يضع نفسه في موقف عاطفي ربما يضطر معه لمرافقتي الى بيتنا في عدوا الامر الذي لم يكن يرغب به ...". ويقول اثيوبيون واريتريون من البلدات الثلاث نفسها، ان ثوار "الجبهة الشعبية لتحريراريتريا" التي كان يتزعمها آنذاك الرئيس الاريتري الحالي اساياس افورقي، كانوا يستخدمون المنطقة مخبأ يلجأون اليه أيام الحرب التي استمرت ثلاثين عاماً ضد نظام كل من الامبراطور هيلا سيلاسي ومن بعده الكولونيل منغيستو. هكذا كانت منطقة باديمي وشيرارو تحتضن الثوار الاثيوبيين والاريتريين الذين لم يختلفوا يوماً على حدود بل كانوا يتقاسموها كما يتقاسمون الإنجيرا الخبز الشعبي والعتاد العسكري والمعلومات الاستراتيجية في الحرب ضد نظام منغيستو. وصارت اخيراً إحدى المحطات الكثيرة التي التقى فيها زعيما الثوار الاريتري افورقي والاثيوبي زيناوي فقادت الاول الى تحرير عاصمة بلاده اسمرا، كما قادت الثاني إلى عاصمته اديس ابابا في ايار مايو 1991. والمفارقة اللافتة ان المنطقة نفسها كانت المكان الذي اندلعت فيه شرارة النزاع الحدودي بين البلدين منتصف الشهر الماضي الذي صادف ايضاً الذكرى السنوية السابعة لاطاحة نظام منغيستو على ايدي قوات افورقي وزيناوي. فما الذي أدى بالرفيقين الماركسيين سابقاً، اللذين صارا معاً ليبراليين لاحقاً، إلى التحول من رفاق سلاح ليوجّه كل منهما سلاحه نحو الآخر؟ المُتابع لتطور العلاقات بين دول القرن الافريقي عموماً وبين اريتريا واثيوبيا تحديداً، ربما لا يقتنع بإن الخلاف على مناطق حدودية بين هاتين الدولتين هو وحده الذي تسبب باندلاع معارك بين البلدين، وإرسالهما بعد ذلك تعزيزات عسكرية الى مناطق النزاع. والخلاف الحدودي، من منظور العلاقات ايضاَ، لا يبرر إصرار اديس ابابا على رفض اي وساطة او تفاوض قبل انسحاب القوات الاريترية من ما تعتبره اراض اثيوبية، كما لا يبرر عدم انسحاب هذه القوات من الاراضي المتنازع عليها، حتى لوكانت اريترية في اعتقاد اسمرا. وذلك لاحتواء الازمة سلمياً. وإذا وضعنا الخلاف في إطار الحدود الجغرافية فقط، فإن الجانبين اعلنا في مناسبات عدة منذ بداية النزاع ان الحدود ليست محددة ومُرسمة بالكامل، وان المشاكل الحدودية ليست جديدة وتحصل باستمرار. وقال افورقي ان القوات الاثيوبية كانت تخترق الحدود على مدى العام الماضي، في حين عكس وزير الخارجية الاثيوبي سيوم مسفين الاتهام وقال ان الإختراقات كانت تحصل من الجانب الاريتري. لكن الابرز في هذا الاطار ان الجانبين ادركا من العام 1993 وجود هذه المشكلة وشكلا لجنة مشتركة لترسيم الحدود وحل المشاكل الناتجة عنها من دون ان يُعلنا عن هذه اللجنة او حتى عن وجود نزاع في هذا الشأن. ويعني ذلك من بين أمور كثيرة انه كانه هناك نيات من الطرفين لحل النزاع سلمياً وبهدوء، وربما كان في الامكان مواصلة عمل اللجنة لانجاز مهمتها، لكن اندلاع الاشتباكات المسلحة فجأة منتصف الشهر الماضي يوحي بأن ثمة خلافات كثيرة كانت تتراكم بين الدولتين وان باديمي وشيرارو لم تكن سوى المكان الأنسب لتفجرها. فما هي هذه الخلافات ولماذا قرر الطرفان إظهارها الى العلن الآن؟ اللافت ايضاً في النزاع، ان البيان الاثيوبي الاول في 13 ايار مايو اعلن حصول "عدوان" اريتري، لكنه لم يذكر تاريخ حصول الاشتباكات، في حين نفت اريتريا الاتهام الاثيوبي في بيان اصدرته في اليوم التالي وقالت ان القوات الاثيوبية هاجمت قواتها في 6 ايار مايو. وبعد ستة ايام من بيانها الاول، اعلنت اثيوبيا ان "العدوان" الاريتري بدأ في 12 ايار. وربما كانت العودة بسرعة الى تاريخ العلاقات بين الدولتين توضح بعض جوانب النزاع الجاري، فاريتريا كانت مُستعمرة ايطالية منذ 1890 وحتى 1941، بعد ذلك صارت تحت الانتداب البريطاني في بداية الحرب العالمية الثانية. وإثر نهاية الحرب وقعت ايطاليا معاهدة صلح مع الحلفاء تنازلت بموجبها عن كل مُستعمراتها في افريقيا، ونالت هذه المستعمرات استقلالها لاحقاً باستثناء اريتريا التي اختلفت الدول الاربع الكبرى الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا على تقرير مصيرها، ثم احالت قضيتها الى الاممالمتحدة التي اصدرت قرارها الرقم 390 العام 1950 الذي وضع اريتريا في اتحاد فيديرالي مع اثيوبيا. واُعتبر القرار حلاً وسطاً يضمن لاثيوبيا منفذاً على البحر الاحمر، وكان ذلك ضد رغبة الاريتريين الذين اعترضوا على القرار. وانتهى الانتداب البريطاني العام 1952، ثم تحول الاعتراض السلمي الى حرب عندما حل الامبراطور هيلاسيلاسي الاتحاد عام 1962 وضم اريتريا الى حكمه تحت التاج الاثيوبي لتصبح الاقليم الاثيوبي الرابع عشر. واستمرت الحرب بعد سقوط نظام هيلاسيلاسي العام 1974 ومجيء نظام منغيستو هايلي مريام الذي اطاحه زيناوي وافورقي في ايار مايو 1991. وبعد تسلم زيناوي السلطة في اديس ابابا استطاع بذكاء وحنكة سياسية تجنب حروب آخرى كانت كامنة في مجتمعه الذي يطلق عليه اسم "متحف القوميات"، إذ يضم نحو مئة قومية وإتنية مختلفة لديها نحو 80 لغة مشتقة من أربع لغات هي الاثيو سامية والكوشية والاوموتية والنيلوتيكية. وكان منغيستو استطاع إخماد مُعظم الحروب التي قادتها القوميات من خلال الحكم العسكري الديكتاتوري. وعلى رغم ان بداية عهد زيناوي 1991 -1992 شهدت حوادث تمرد عدة في اقاليم العفر والاورومو وعيسى وغرغورة سقط فيها آلاف القتلى، إلا انه عمد سريعاً الى منح الحكم الذاتي لكل من القوميات الكبيرة الاساسية. وفي مقابل ذلك قرر بإتفاق مع هذه القوميات منح اريتريا حق تقرير المصير والاستقلال عبر استفتاء جرى في 23 نيسان ابريل 1993 وادى الى إعلان استقلال اريتريا رسمياً في 24 ايار مايو من العام نفسه. لكن يبدو ان اريتريا، استقلت منذ ذلك التاريخ، على الورق فقط الى حد ما، ولم تستقل كلياً عن اثيوبيا، وكانت اقرب الى ان تكون في وضع حكم ذاتي كالذي حصلت عليه القوميات الاثيوبية، مع بعض الفروقات. فالسياسة الخارجية المستقلة غير ممنوحة للقوميات الاثيوبية التي اعتمدتها دولة اريتريا لم تتمايز كثيراً عن تلك الاثيوبية، بل كانت السياستان تلتقيان في كل القضايا الرئيسة، خصوصاً إزاء السودان والتنسيق مع مجموعة دول منطقة البحيرات والتعاطي مع الولاياتالمتحدة. لكن الذي ميز اريتريا هو استقلال سياستها الدفاعية، في حين اكتفت مناطق الحكم الذاتي الاثيوبي باستقلالية اجهزة الشرطة والامن لديها. أما بالنسبة الى الوضع الاقتصادي المتردي في البلدين فقد كان واحداً يعاني المشاكل نفسها. إذ كان منغيستو ينفق اكثر من 60 في المئة من الموازنة العامة للبلاد على الجيش الذي كان اكبر الجيوش الافريقية وبلغ تعداده 300 الف جندي الى جانب جهاز الشرطة وعدد أفراده نحو مئة الف. وأنفق منغيستو خلال ال 17 سنة من حكمه نحو 4.9 بليون دولار على القوات المسلحة والحروب الاهلية، وكانت نسبة البطالة تزيد عن 25 في المئة. وسُجلت اثيوبيا في عهده افقر دولة في العالم للمرة الاولى في تاريخها، إذ لم تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي 9،0 في المئة بين عامي 1980 و 1987 مع انخفاض نسبة الانتاج الزراعي الرئيسي في البلاد 1،2 في المئة، في مقابل زيادة في عدد السكان بنسبة 1،3 في المئة. وبعد انفصال اريتريا عن اثيوبيا اتجه كل من البلدين الى إعادة بناء اقتصاده من الصفر، فتحولت اثيوبيا من الاقتصاد الاشتراكي الموجه الى إقتصاد السوق بما كان لديها من بنية اقتصادية كانت موجودة في البلاد اساساً. وفعلت اريتريا الشيء نفسه مع فارق ان بنيتها الاقتصادية كانت شبه معدومة باستثاء ميناء عصب الاستراتيجي المُطل على البحر الاحمر. في آب اغسطس 1991وقع افورقي رئيس الحكومة الاريترية الموقتة آنذاك مع زيناوي رئيس الحكومة الانتقالية الاثيوبية بعد اقل من شهرين على تحرير عاصمتيهما، اتفاقاً فُصِلت بموجبه اريتريا نهائياً ورسمياً عن اثيوبيا للمرة الاولى، وأقر تحويل ميناء عصب الاريتري منطقة حرة الأمر الذي يسمح لاثيوبيا بأن يكون لها منفذ على البحر، وتضمن الاتفاق البنود الآتية: 1- تعترف الحكومة الاثيوبية الانتقالية بحق الشعب الاريتري في تقرير المصير على قاعدة الاستفتاء باشراف دولي. 2- ارتأت الحكومة الاريترية الموقتة ارجاء اجراء الاستفتاء لمدة عامين لأسباب فنية، ولاعطاء الحكومة الاثيوبية وقتاً لتنفيذ برنامجها بنجاح وخدمة لمصلحة البلدين وللسلام والاستقرار في المنطقة. 3- تعترف الحكومة الاريترية الموقتة بما لميناء عصب من أهمية حيوية لاقتصاد اثيوبيا، وترى أنه لن يكون أبداً مصدر خلاف أو نزاع بين البلدين، ولذا تقرر أن يكون ميناء عصب ميناء حراً. 4- توصل الجانبان الى اتفاق ينهي الحرب ويكون بداية عهد جديد قائم على التعاون والدفاع المشترك ضد أي عدوان أو عامل عدم استقرار أو تخريب. 5- لا يتورط أي طرف من الطرفين في أعمال من شأنها أن تمس أمن الدولة الأخرى، ويعمل الجانبان على استقرار الأمن والسلام في بلديهما. 6- اتفق الطرفان على انشاء لجان خاصة بالأمن والنشاطات الاقتصادية وحركة المواطنين من دولة الى أخرى ونقل البضائع بين السوقين. 7- وصل الطرفان الى قناعة تامة بضرورة اجتثاث كل أسباب النزاع والعداء والشكوك وخلق أساس لعلاقات صحية ونقية، وتعزيز الثقة المتبادلة بين الشعبين الاريتري والاثيوبي.واتفق الجانبان على أن يوجد في أديس ابابا ممثل اريتري رفيع المستوى لتسهيل الاتصالات بين البلدين. واستكمل هذا الاتفاق بآخر تجاري في الرابع من شباط فبراير 1992 نص على الآتي :"ان اثيوبيا لا تدفع ضريبة لاريتريا لقاء مرور بضائعها الواردة والمُصدّرةعبر ميناء عصب الاريتري ... لكنها تسدد مبلغاً، بالعملة الاثيوبية البِر،تعويضاً للخدمات التي يوفرها ميناء عصب لسفنها ولافراد بحريتها ولبضائعها". واعتمدت الحكومتان "ان يتم التبادل التجاري بين البلدين على اساس قانون السوق، وعلى قاعدة إلغاء الضرائب الجمركية على الحدود ... وإعتماد البِر الاثيوبي في التبادل التجاري بين البلدين" في 30 تموز يوليو 1993 وقع الرئيسان الاثيوبي والاريتري في اديس ابابا، اول اتفاق رسمي بين بلديهما بعد استقلال اريتريا ينص على التعاون في مجالات عدة ابرزها الامن والدفاع والسياسة الخارجية والاقتصاد واستخدام مصادر الطاقة. كما اتفقا على استخدام مشترك لمرفأي مصوع وعصب الاريتريين اللذين كانا المنفذين الوحيدين لاثيوبيا على البحر قبل انفصال اريتريا، وعلى رفع العقبات امام تنقل السكان ونقل البضائع بين البلدين وعلى مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر. وقرر الاتفاق حق مواطني البلدين في امتلاك جنسية مزدوجة اريترية واثيوبية. وفي ايلول سبتمبر من السنة نفسها جرى التوقيع في اسمرا على 25 بروتوكولاً استكمالاً لاتفاق تموز. وبدا البلدان في ظل هذه الاتفاقات كأنهما في شبه اتحاد فيديرالي او على الاقل في تكامل اقتصادي. وبين 1994 و1997 شهد الاقتصاد الاثيوبي قفزة لافتة ارتفع خلالها معدل النمو الاقتصادي سنوياً حتى وصلت نسبته الى ثمانية او تسعة في المئة. وتدفقت الاموال الاجنبية الى هذا البلد على شكل مساعدات وقروض وإستثمارات، في حين وصلت نسبة النمو الاقتصادي في اريتريا الى خمسة او ستة في المئة، وهي نسبة مرتفعة بالنسبة الى دولة وليدة. لكن الفرق في النمو بين البلدين في ظل الاتفاقات الموقعة بينهما كانت تتحمله اثيوبيا. وهنا ظهرت الضغوط من القوميات الاثيوبية على زيناوي، ومُلخصها ان الحكومة الاثيوبية تقتطع من اقتصادها لتنمية الاقتصاد الاريتري، الى جانب وجود نحو 800 الف اريتري يعيشون ويعملون في اثيوبيا، وما يزال عدد كبير منهم يحمل الجنسية الاثيوبية ويعمل في الدوائر الحكومية. وربما كان في إمكان زيناوي وافورقي معالجة هذه الاعتراضات لو أعادا تعديل الاتفاقات واستبقا تأثيرات قرار اريتريا إصدار عملتها الخاصة بها "نقفة" في تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي. لكن النقفة صدرت من دون تنسيق عملي مُسبق، فردت الحكومة الاثيوبية بقرار يفرض استخدام الدولار الاميركي، اواي عملات صعبة مُعترف بها، في التبادل التجاري بين البلدين. وألغى القرار الاثيوبي اتفاقات سابقة في هذا الشأن، وكانت تأثيراته شبه حرب اقتصادية مميتة بين البلدين. اكثر المُتضررين كان التجار الصِغار الذين يعملون عبر الحدود وسكان المناطق الحدودية، خصوصاً الذين لا يملكون عملة صعبة ولم يسبق لهم ان تعاملوا بها. وتلا ذلك قرار اثيوبيا استخدام ميناء جيبوتي وميناء بربرا في شمال الصومال بدلاً من ميناء عصب، وعقدت في هذا الشأن اتفاقات مع المعنيين في المرفأين واجرت تحسينات على خط السكة الحديد الذي يربط اديس ابابابجيبوتي طوله 781 كيلومتراً، 681 منه في الاراضي الاثيوبية. وادى ذلك الى حرمان اريتريا من مداخيل كبيرة من العملة الصعبة، إذ كان 75 في المئة من وارادات اثيوبيا تمر عبر عصب. وخفضت اريتريا الى النصف تقريباً قيمة الرسوم التي كانت تفرضها على مُستخدمي ميناء عصب، لكن المصارف الاثيوبية فرضت على التجار الاثيوبيين التوقف عن استخدام هذا الميناء. ومع تعرض الاقتصاد للاهتزاز، وهو عصب الحياة لشعبي البلدين، اهتزت معه كل الاتفاقات السابقة وتاريخ الكفاح المسلح المشترك بين زعيمي الدولتين. وكانت مشكلة ترسيم الحدود المشتركة قضية عابرة لولا "قضية الدولار الاميركي". وسارع رئيس جيبوتي حسن غوليد ابتيدون إلى التوسط، فيما كان ميناء بلاده مليئاً بالبضائع الاثيوبية، فعمل على توسيعه وزيادة منشآت التخزين غير المستخدمة للسلع الاثيوبية، بما في ذلك 5300 متر مربع لتخزين 35 الف طن من البن. اما الوسيط الثاني فكان من بلاد الدولار، إذ اوفدت وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت مساعدتها للشؤون الافريقية سوزان رايس التي قامت بجولات مكوكية بين اديس ابابا واسمرا. اما المبعوث الثالث فكان نائب رئيس رواندا بول كاغامي، وبلاده من بين دول منطقة البحيرات الحليفة لكل من اثيوبيا واريتريا. وطالت الخسائر الاقتصادية والسياسية التي تعرض لها الطرفان بسبب نزاعهما حلفاءهما في دول منطقة البحيرات وفي الولاياتالمتحدة. وزاد في الخسائر السياسية الحملات العنيفة التي يطلقها زعيما البلدين ضد بعضهما البعض، ومن بينها اتهام زيناوي لافورقي بانه يتبع استراتيجية عدوانية "تجلت في نزاعاته الحدودية مع جيبوتي واليمن وستؤثر في امن المنطقة واستقرارها". وكذلك تحذيره من ان النزاع "قد يتطور الى صراع واسع النطاق". وكان افورقي اقل عدائية في حملته على رغم تأكيده "لن نسلم ابداً اراضينا ولن نأخذ اراضي احد". واعتبر النزاع "موقتاً" مع إصراره على التفاوض بوجود طرف ثالث. وأوحت التعزيزات العسكرية الضخمة حسب مصادر في البلدين تحدثت اليهما "الوسط" أن المواجهة باتت باب قوسين او ادنى. لكن في المقابل يعتقد ديبلوماسيون افارقة ان المواجهة إن حصلت فستكون محدودة ولمصلحة الجانب الاثيوبي الذي سيسعى الى السيطرة على احد المواقع الاريترية ليفاوض بعد ذلك على منطقة بلديمي شيرارو. لكن مصادر عسكرية في المنطقة ترى العكس تماماً، إذ تعتبر التعزيزات العسكرية جزءاً من الحرب النفسية، لكن خطورتها تكمن في حال تطور النزاع تحت تأثير ضغوط داخلية، موجودة حالياً على زيناوي في اثيوبيا، لكنها غير موجودة على افورقي في اريتريا، بان فتح معركة في موقع مُعين يعني فتح جبهة قتال واسعة تمتد على طول الحدود بين البلدين. ويضيف هؤلاء ان عدم وجود حدود مرسومة تماماً يعني ان تستولي اريتريا مثلاً على موقع حدودي اثيوبي قي شمال البحر الاحمر، فترد اثيوبيا بالاستيلاء على موقع اريتري في جنوبه. خصوصاً ان المناطق التي اُعلن انها محل نزاعات كثيرة وتتوزع على طول الحدود، وتقع في اقليم قاش - بركة قرب طريق عصب - اديس اباب، وفي برو شمال اقليم جنوبالبحر الاحمر، وفي منطقة بدا جنوب غرب اقليم شمال البحر الاحمر، وباديمي في جنوب اقليم قاش - بركة. وعن الموقف الاميركي، يقول مراقبون ان الولاياتالمتحدة التي تعزز مواقعها في القارة الافريقية، خصوصاً في وسطها وشرقها، لا يمكن ان تسمح لحلفائها بان يلخبطوا استراتيجيتها في الشرق وستسعى بكل الوسائل لتجنب حرب بينهما. إذ تربط اثيوبيا واريتريا مصالح استراتيجة تباركها الولاياتالمتحدة، وعلى رأسها الحدود المشتركة للبلدين مع السودان ومعارضتهما للنظام الذي يقوده الرئيس عمر البشير وزعيم "الجبهة الاسلامية القومية" الدكتور حسن الترابي. وتعتبر واشنطن ان اثيوبيا واريتريا عامل مهم في مواجهة السودان الذي فرضت عليه عقوبات شاملة في تشرين الثاني نوفمبر 1997. وهو ما اكدته اولبرايت التي زارت المنطقة في كانون الاول ديسمبر الماضي وركزت في محادثاتها مع زعماء اريتريا واثيوبيا واوغندا والكونغو الديموقراطية على الاهداف الاقليمية المشتركة بين هذه الدول. ومنحت الى جانب ذلك مساعدات عسكرية لكل من اثيوبيا واريتريا واوغندا بقيمة 20 مليون دولار في إطار ما اسمته "أغراض دفاعية"0