تدور أحداث "الخباء"، رواية ميرال الطحاوي الأولى دار شرقيات، القاهرة، في بيئة بدويّة مصرية. لكنها البداوة المستقرة في بيت حجري لا في خيمة، تاركة للرجل فقط مهمة الترحال مع ماشيته في المراعي، سعياً للرزق. ومنذ الصفحة الأولى تتكاثر الأسماء : من بنات وخدم البيت الكبير، مروراً بالمهرة والغزالة، ووصولاً إلى الجدة المسيطرة. تبني الكاتبة عالمها انطلاقاً من تداعي الصور في ذاكرة فاطمة التي يتشكّل البناء الروائي على لسانها. لا يتصاعد السرد ولا تنمو الشخصيات، اذ أن الأحداث تسير في مسارب مرسومة ومفترضة، لا يشذّّ عنها سوى "الممسوسات" والمتمرّدات مثل فاطمة. فالصغيرة الملولة الضجرة، تتسلق الأشجار ولا تكف عن الفضول، وهذه الأفعال الشاذة جزاؤها العرج الدائم. إنّها نموذج يسعى إلى كسر القيود ومخالفة الأدوار التقليدية. تغلب الشخصيات النسائية على بيئة هذه الرواية، ولا تغلب الأنوثة. فالبيت تحت هيمنة الجدة حاكمة في ظل الأب المسافر والأم العليلة نفسياً وجسدياً، المعزولة في غرفة معتمة وساكنة لمعاقبتها على انجاب البنات. وهذه الحال لا تستدعي تعاطف الجدة التي لا تتوقّف عن النواح على زوجة إبنها. إن غياب الأب إسمي فقط، طالما أن والدته ترتدي عباءة الرجال وتتقمص دوره. إنها تكره أنوثتها وترى في بنات جنسها عاراً وقدراً ملعوناً. ثم تنتقل الصغيرة فاطمة إلى بيت سيّدة أوروبيّة متخصصة في المجتمع البدوي، فتعالج مدام آن قدمها وتعلمها القراءة والكتابة. تتقن الصغيرة ثلاث لغات، وتصبح معجزة وموضع تباه، تسرد الحكايات البدوية فيؤخذ الضيوف بفصاحتها. لكنّّها سرعان ما تضجر وتعود إلى بيت أبيها بعد أن كبرت وتغيرت، لتجد الأمور على حالها في بيئة لا تجدد نفسها كثيراً: ماتت الجدة وحلت محلها الأخت الكبرى، شاخ الأب وصار ينادي ابنته من زواج جديد: "يا أميرة أبيك" كما كان يناديها هي. تتمزّق فاطمة بين غربتين عاجزة عن التواصل، فيصير لعرجها دلالة تذكر بغراب ضيع مشيته. تكتب الطحاوي بلغة شاعرية، مستعينة بترنيمات بدويّة. ويهيمن على الجزء الأكبر من الرواية إيقاع جزل سريع، لكن صوت الكاتبة يختلط بصوت الساردة ويتداخل الوعيان، فتصدر عن الطفلة تعليقات وآراء تتجاوز عمرها. واذا كانت الطحاوي شديدة الاخلاص لخصوصية البيئة الصحراوية: اللغة والملابس والأثاث، فان عنصر الزمن يفلت منها وتبدو الأحداث معلّقة في المطلق. وتتحرّك أحداث "الخباء" أفقياً، فتقفز التفاصيل كما تسترجعها الذاكرة، وتتجاور الصور من دون توظيف في ضبط الايقاع الدرامي. لذا يخيّم على الرواية شيء من الغموض، وتبدو معظم الشخصيات غائمة، لا يعرف القارئ عنها إلا ما تسمح به رؤية الطفلة. لكنّها رواية ممتعة تستحق الثناء، فهي التجربة الأولى لكاتبة مصريّة شابة وأديبة متمكنة لغوياً، تحاول أن تخط لها أسلوباً متميزاً، وأن تحتلّ موقعها على الساحة الأدبيّة.