تنامي ملحوظ في العلاقات الاقتصادية بين السعودية وألمانيا    وزير الصناعة والثروة المعدنية يبحث في الهند الفرص المشتركة لتوطين صناعة الأجهزة الطبية والسيارات والآلات بالمملكة    رئيس إسرائيل وقادة المعارضة يطالبون نتنياهو بتنفيذ هدنة غزة    2112 مالكاً من 16 دولة.. و7300 مطية في مهرجان خادم الحرمين الشريفين للهجن    حصر المباني الآيلة للسقوط في الفيصلية والربوة.. ودعوة ملاكها للمراجعة    الاختبارات المركزية في منطقة مكة مع نهاية الفصل الثاني    يمثلون 13 منطقة تعليمية.. تكريم 60 فائزاً في «تحدي الإلقاء»    "أوبك بلس" تبقى على سياسة الإنتاج دون تغيير    ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ يطَّلع على مؤشرات أداء فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بالمنطقة    الذكاء الاصطناعي... ثورة تُولد عوائد استثمارية كبيرة    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 56 لمساعدة سكان غزة    70 قتيلاً فلسطينياً في هجمات إسرائيلية على الضفة الغربية    تدشين برنامج أمل التطوعي السعودي لمساعدة السوريين    المستشار الألماني: الدفاع الأوروبي يحتاج إلى "مزيد من التصميم"    سوق الأسهم السعودية يتراجع لليوم الثاني ويخسر 32 نقطة    اكتمال مغادرة الدفعة الثالثة لضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة إلى بلدانهم    أمير القصيم يتسلم تقرير أعمال شركة الاتصالات السعودية لعام 2024    أمير القصيم يكرّم المشاركين في ملتقى اليوم السعودي العالمي للتطوع    تعديل مدة رفع ملفات حماية الأجور إلى 30 يوماً من أول مارس    طاقم تحكيم سعودي يقود لقاء العين والريان في كأس الأبطال للنخبة    محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز    روسيا تدرس السعودية والإمارات كموقع محتمل لقمة بين بوتين وترمب    أمانة القصيم تنفذ أكثر من 658 ألف جولة رقابية خلال عام 2024    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد القوة الخاصة للأمن البيئي بالمنطقة    عبدالعزيز بن سعد: رالي حائل الدولي ..حقق مكاسب تنموية ورياضية واقتصادية تتماشى مع رؤيه الوطن 2030    استئصال ورم سرطاني ضخم يزن 8 كغ من بطن مريضة بالقصيم    7 مليون فحص مخبري في مستشفى الرس خلال 2024    تفعّيل برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    أمير الجوف يستقبل قائديّ حرس الحدود بالمنطقة السابق والمُعيَّن حديثًا    سلمان بن سلطان يدشن قاعة المؤتمرات الكبرى بغرفة المدينة    جولة مدير مستشفى عفيف العام التفقديه    رئيسة وزراء الدنمرك: غرينلاند ليست للبيع    "كشتة البديع" تجتذب المزيد من العائلات والأفراد ب 19 فعالية متنوعة    تقييم صادم للنجم المصري عمر مرموش ومدرب «مان سيتي» يبرر !    الجامعة الإسلامية تُطلق فعاليات "أسبوع البحث العلمي السادس"    الدولار الكندي لأدنى مستوياته في 22 عاماً    5 مخاطر صحية تهدد العاملين بنظام المناوبات    عبدالله آل عصمان مُديراً لتعليم سراة عبيدة    كلنا نعيش بستر الله    التعاقدات.. تعرف إيه عن المنطق؟    من أسرار الجريش    ضمن نزالات UFC في «موسم الرياض».. «إيماموف» يحسم مواجهته مع «أديسانيا» بالضربة القاضية    العلاقات بين الذل والكرامة    إن اردت السلام فتجنب هؤلاء    محافظ جدة يطلع على خطط المرور والدفاع المدني    مواقف تاريخية للسعودية لإعادة سورية لمحيطها العربي    في الجولة ال 20 من دوري" يلو".. الصفا يستقبل العدالة.. والبكيرية يواجه الجبلين    الأهلي يعير «ماكسيمان» لنابولي الإيطالي    «عاصفة الفئران» تجتاح 11 مدينة حول العالم    شرطة الرياض تقبض على مقيم لمخالفته نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    هيئة الترفيه.. فن صناعة الجمال    3 أهداف تتنافس على الأجمل في الجولة ال18 من مسابقة دوري روشن للمحترفين    على هوامش القول.. ومهرجان الدرعية للرواية    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة الشيخ دعيج إبراهيم الصباح    القيادة تُعزي رئيس ألمانيا في وفاة الرئيس السابق هورست كولر    أمير تبوك يواسي أسرتي الطويان والصالح    الأسرة في القرآن    تفسير الأحلام والمبشرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كان صيده عشوائياً قبل أن تحميه القوانين الصارمة . الغزال المصري بعيداً عن أذى البشر
نشر في الحياة يوم 14 - 12 - 1998

تعتبر مصر من أشهر الدول السياحية نظراً إلى كنوزها الثقافية ومعالمها الأثريّة، إضافة إلى مناخها المعتدل على مدار العام. لكن مصر تقدّم أيضاً للزائر مجالات ترفيه كثيرة، منها الصيد الذي يجذب فئة معيّنة من السيّاح، تنتمي إلى النخبة. وهؤلاء يأتون إلى مصر من أجل صيد الغزال في صحرائها الفسيحة.
لكن وزارة البيئة المصرية وضعت ضوابط صارمة للحفاظ على هذا الحيوان الجميل وغيره من الحيوانات النادرة التي تشكّل ثروة طبيعية، وفرضت عقوبات قاسية على من يتجاوز تلك القوانين. ومع ذلك فإن بعض المغامرين تجذبه المخاطرة، ولديه أساليب خاصة يحاول من خلالها اختراق القوانين والنظم، من أجل ارضاء أهوائه، وممارسة تلك الهواية التي توفّر لأصحابها متعة خاصة، ألا وهي هواية الصيد. لكن الصيد ليس اعتداءً على الطبيعة بالضرورة، خصوصاً إذا عرف الصيّاد كيف يحترم الحيوان والبيئة، وكيف يلزم حدوده، ولا يتجاوز حدود الرياضة والمتعة والمغامرة. فصيد حيوان محدد، بطريقة معقولة، ويختلف كليّاً عن الاعتداء الهمجي على تلك الحيوانات الرقيقة والجميلة، من أجل اشباع نزوات العنف، وإرضاء الغرور والأنانيّة... فتكون النتيجة القضاء على ثروات البلاد والحياة البرية فيها.
والغزال حيوان رقيق، جميل، تغنى به المطربون والشعراء، واطلقت صفاته على كل جميل بديع. ألم تشبّه العيون الجميلة ب "حدق المها"؟ ألم تطلق اسماء الغزال على البنات باعتبارها طافحة بالعذوبة؟ يكفي أن نذكر بينها: ريم ومها ورشا وشادن، وكلها أسماء للغزال الذي أحصي منه 24 جنساً بينها تسعة أجناس منقرضة... أما الأجناس الباقية فتتوزّع على افريقيا وآسيا. والغزال عموماً معروف بكبريائه، وهو لا يرقد في مكان إلا بعد تنظيفه، ويجمّع الفضلات بعيداً عن مكان إقامته. كما أنه لا يسكن الأماكن المنخفضة.
وكل ذكر له خمس إناث يحددها برائحة مميزة، يفرزها من غدده، وتكون تحت سيطرته في منطقة محدّدة وسط القطيع. ولا يسمح لأي ذكر آخر باختراق تلك الحدود، خصوصاً في فترات التزاوج. واذا تجرأ أحد الذكور واخترق حدود غيره، تنشب معركة لا تنتهي إلا بوفاة أحد الذكرين المتناحرين أو إنسحابه. والغزال يعيش على الأعشاب والنباتات، بل يأكل بعض الأعشاب السامة للإنسان ولأجناس حيوانية أخرى. والطريف أن معظم الأعشاب التي يقتاتها تستخدم في صناعة العقاقير والأدوية.
والغزال خازن جيد للماء، إذ يمكنه أن يعيش على قطرات الندى، كما انّه يشرب الماء على اختلاف أنواعه، سواء المالح أو المر أو الحلو. ويتمتّع بميزة جسديّة لافتة هي أن جراحه تلتئم بسرعة مذهلة، لكن سيقانه كثيراً ما تتعرض للكسر بسبب رقتها. ويعيش الغزال في مصر في صحراء سيناء بشكل متناثر، بسبب الطبيعة الصخرية، بينما يعيش في الصحراء الغربية على شكل قطعان خصوصاً في منطقة الخمسة عند الحدود المصرية - الليبية، ومنطقة العين وشرق سيوة وجنوب غرب براني، والمناطق الجنوبية في جوار بحر الرمال وهي منطقة خطرة على الإنسان.
وتلتزم الحكومة المصرية القوانين والمواثيق الدولية التي تنصّ على حماية الحياة البرية من الصيد الجائر للحيوانات النادرة. بل انّها أضافت إليها قوانين تشدد العقوبة على صيد الحيوانات النادرة، خصوصاً الغزال، لكن لذة الصيد لدى هواته تجعلهم يجازفون، ويعرّضون أنفسهم للمخاطر التي قد تكون أكبر وأدهى من العقوبات. ويسدد أنصار الطبيعة والمدافعون عن البيئة والحيوان أصابع الاتهام القاسية إلى هؤلاء، معتبرين أنّهم قتلة، يعتدون على الطبيعة والجمال من أجل اشباع نزوة القتل والعنف.
دهاء وحيلة
طرق الصيد تختلف بين أنواع الصيادين وجنسياتهم ودياناتهم، لكنها تتفق في الشقاء الممزوج بلذة خاصة تشبه لذة الانتصار. فبدو مصر لهم طريقة شائعة في الصيد، يتقنها رعاة الإبل الذين يعيشون في الصحراء.
وتتميز هذه الطريقة بالرقة، لكنها تحتاج إلى صبر ودهاء. يذهب البدو لرعي الإبل في مناطق تجمع قطعان الغزال، خلال موسم ولادتها بين منتصف آذار مارس ونهاية آيار مايو من كل عام. ويترك الصياد إبله تأكل وتشرب بين الغزلان من دون أن يقترب منها، فيألفه القطيع ولا يعود يخشاه. يظل الراعي في حالة ترقب في انتظار أن تضع احدى الأمّات، ثم تذهب لإحضار الطعام تاركة رضيعها وحده. يترقّب الراعي تلك اللحظة لينقض على الغزال الرضيع ويربط أحد أرجله بحبل طويل يثبت طرفه بوتد خشبي في الأرض. وتخفق أم الغزال لدى عودتها في تخليص رضيعها من الأسر، فترضعه في أسره وتتركه على حاله من دون أن تراودها الشكوك.
ولا يمكن تنفيذ هذه الخطّة إلا خلال فترة ال 48 ساعة التي تلي الولادة، لأن صغير الغزال يكون عاجزاً عن الحركة، وعندما يصبح قادراً على الجري لا يعود بوسع أي إنسان ملاحقته أو التربص به خصوصاً في الصحراء. ويترك الراعي الوليد على هذه الحالة لمدة قد تصل إلى شهر كامل، ليرضع "الباء" وهو لبن الأم الذي يتمتّع بمزايا خاصة في إعطاء المولود القوة والمقدرة على مقاومة الأمراض، ومن دونه يمكن أن يفقد حياته.
وعندما يحين الوقت يغافل الراعي الأم مرة أخرى، ويسحب صغيرها إلى حظيرة بيته، وتكون مخصصة عادةً لجمع الغزلان وتربيتها. في الحظيرة يتغذّى الغزال الصغير من أم أخرى، أو من لبن الإبل التي تشبه غذاءه الأصلي... أو يقدم له الراعي الأعلاف المركزة بعد طحنها ليأكلها بنفسه مع الأعشاب. هكذا يبدأ حياة جديدة في بيت صائده، فيألف أفراد الأسرة ويستأنس بهم. لكنّ ذلك لا يمنعه من تحين أي فرصة للهرب، لأن حبه للجري في الصحراء لا يعادله أي حب آخر.
هذه الطريقة لا تؤدّي إلى إنقراض الغزال. بل ان الكثير من رعاة الابل أقاموا المزارع الخاصة لتربية الغزال، وتسهيل تكاثره، والحفاظ عليه، ومساعدته في التزاوج... حتى أصبحوا يملكون قطعاناً كثيرة في مزارعهم الخاصة. كما أن هؤلاء لا يقدمون على ذبح الغزلان، إلا في حالة واحدة هي حالة المرض التي تؤدّي بشكل مؤكّد إلى الموت.
الصقور المدرّبة
وللعرب بشكل عام طريقتان شائعتان في صيد الغزال. الطريقة الأولى هي الصيد بالصقور المدربة: يعبر الصياد الصحراء حتّى مواقع الحيوان، فإذا لمح غزالاً شارداً اطلق عليه الصقر الذي يحلق فوقه ويقترب من رأسه حتّى يفقأ عينيه. بعد أن يفقد بصره، يقف الحيوان حائراً في مكانه، فيسهل الإمساك به وذبحه.
أما الطريقة الثانية فتقضي الذهاب الى أماكن تجمع القطعان، واختيار غزال بعينه، وملاحقته في الصحراء في سيارة قوية مجهزة بما يمكّنها من اجتياز الصحراء بسرعة. وبينما يفر القطيع في كل اتجاه يظل الغزال الملاحق يجري أمام السيارة بسرعة فائقة. وعلى رغم يقينه من نهاية أجله، فهو لا يستسلم ولا يسلم نفسه الى صائده إلا اذا استنفد طاقاته من كثرة الجري. وهنا يسرع الصياد في الحال إلى ذبح الفريسة وسلخ جلدها، وإعداد ما يسمى "الشاورمة". يُشوى الغزال كاملاً فوق نيران الحطب، فإذا اكتمل شواؤه أُكل بنهم للذة طعمه وحلو مذاقه.
مجازر جماعيّة
وكل هذه الطرق في الصيد لا تؤدي مطلقاً إلى انقراض الغزال، لأن كل رحلة صيد بتكلفتها وشقائها تنتهي بصيد حيوان أو اثنين على الأكثر من القطيع. أما الطريقة التي كان يتبعها الاجانب في الستينات، قبل إحكام الدولة قبضتها على الصيد، فأدت الى انحسار الغزال في مصر وفي العالم العربي أجمع، وجعلته من الحيوانات النادرة بعدما كان متوافراً بكثرة في مناطق عدّة. كان الصيادون يلاحقون القطيع عبر الصحراء بسياراتهم المجهزة، ويمطرونه وابلاً من رصاص بنادقهم من دون تمييز بين ذكر أو أنثى وصغير أو كبير.
وبعد تلك المجازر الجماعيّة، كان الصيادون يكتفون بأكل حيوان واحد من القطيع المباد، ويتركون الحيوانات مجندلة بالعشرات فوق رمال الصحراء، لتكون طعاماً للحيوانات المفترسة، فلا يستفيد منها الانسان، لا على مستوى الغذاء، ولا على مستوى الجلود أو خام "المسك" الذي يستخدم في صناعة العطور وبعض الأدوية.
وهذه الطريقة هي التي قلّصت الغزال المصري والعربي، حتّى بات مهدّداً بالانقراض، لولا قيام مزارع تربية الغزال والقوانين والنظم الصارمة لمواجهة الصيد الهمجي. وتجدر الاشارة إلى ان مجرد دخول الصحراء في مصر، أصبح اليوم يستلزم تصاريح خاصة، ويخضع لرقابة شديدة تهدف إلى حماية الحياة البرية.
لكن هذه الاجراءات أتت متأخرة بعض الشيء للأسف، بعد أن حرم أهل الصحراء والبدو من رؤية الغزلان التي كانت تسرح وتمرح على مقربة منهم حتى الأمس القريب. ومحافظة مطروح التي اتخذت الغزال شعاراً لها، لم تغيره حتّى الآن، مع أن وجوده صار نادراً فيها، إذ لا يعيش إلا في الأماكن البعيدة عن أذى البشر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.