التغير المفاجئ في السياسة الايرانية ازاء حركة "طالبان" فاجأ المراقبين، فقد وصل وفد يضم اربعة مسؤولين من وزارة الخارجية الايرانية الى هيراث في جنوب غربي افغانستان للقاء قادة "طالبان"، وحرصت القيادة الايرانية على الابقاء على الزيارة طي الكتمان الى ان سربت انباءها مصادر "طالبان"، قائلة ان الوفد بحث مع الحركة كل المسائل العالقة بين الجانبين اضافة الى زيارة قريبة لوزير الخارجية الايراني كمال خرازي لافغانستان للقاء زعيم الحركة الملا محمد عمر. وبعدما تكشفت انباء الزيارة السرية سعت ايران الى التقليل من قيمتها واصفة اياها بالزيارة التقنية من اجل تفقد المكاتب الايرانية الرسمية داخل افغانستان، نافية حصول حديث عن زيارة خرازي الى افغانستان. وحاولت الاذاعة الايرانية تخفيف لهجتها ازاء "طالبان" بعدما لم تترك وصفاً سيئاً في القاموس الا والبستها اياه بالأمس القريب. ورأت الاذاعة ان حواراً لا بد ان يسبقه تهيئة الاجواء، متجاهلة مطالب طهران بتسليم طالبان قتلة ديبلوماسييها لمحاكمتهم. القادة الايرانيون الذين صوّروا المواجهة مع "طالبان" حتمية هم انفسهم رفضوا العرض الدولي من خلال وسيط الاممالمتحدة الاخضر الابراهيمي حين طرح خلال زيارته الى المنطقة اجراء حوار بين "طالبان" وايران لحل المسائل العالقة بينهما. ويعزو بعضهم التغير المفاجئ في السياسة الايرانية الى تراجع العلاقات الديبلوماسية بين كابول وعواصم عربية، وبذلك تسعى ايران الى ملء هذا الفراغ، الى جانب قناعة ايران ان "طالبان" غدت حقيقة واقعة، خصوصاً بعد انضمام بعض قيادات حزب الوحدة الشيعي الموالي لطهران الى حركة طالبان. ويبدو ان تحرك الشيعة الافغان في هذا الاتجاه شجع ايران على المضي قدماً في تحسين علاقاتها مع "طالبان". اما قادة الشيعة في افغانستان فيبدو انهم ادركوا ان اعتمادهم على الاقلية الطاجيكية، خصوصاً احمد شاه مسعود اصبح رهاناً خاسراً ولا بد من التأقلم مع حقيقة ان افغانستان لا بد ان تحكم بقيادة بشتونية طالبانية او غيرها. ولعل سنوات تحالف الشيعة مع الاوزبك والطاجيك او بمعنى آخر "تحالف الاقليات" فشل في الصمود امام ضربات البشتون، وحتى في الصمود من داخله نتيجة الخلافات والحزازات العرقية والفئوية والشخصية التي اتسمت بها تلك المرحلة. وبالعودة الى ايران فيبدو انها حاولت التخفيف من وقع اتصالها مع "طالبان" حين بدأت برقيات الاخبار تتحدث عن تقدم لقائد المعارضة احمد شاه مسعود في جنوب شرقي كابول وهو تحرك خطير ربما يعني في حال مواصلته بالزخم نفسه ان تصبح سروبي والجهة الشرقية للعاصمة تحت سيطرة المعارضة، الامر الذي سيلقي بتداعياته الكارثية على الحركة عبر تشجيع وتحريض قادة بشتون ناقمين على الحركة في الشرق الافغاني. اما الاشارة الثانية التي ربما لعبت دوراً في كبح جماح الاندفاع الايراني تجاه "طالبان" فهو النزاع الذي نشب بين قادة ميدانين تابعين للحزب الاسلامي متحالفين مع الحركة كونهم من عرقية واحدة مع الحركة، الامر الذي نجم عن طرد قائد الحزب بشير خان من منصب حاكم ولاية بغلان في الشمال، وهذا التطور ربما يلقي بتداعياته على وضع الحركة في الشمال كون قادة الحزب لعبوا دوراً محورياً في ترجيح كفة الحركة على معارضيها. وتقول مصادر ديبلوماسية ان ايران اجرت تغييرات في وزارة خارجيتها، خصوصاً بين مسؤولي الملف الافغاني، الامر الذي يعني الاعتراف بفشل معالجة هذا الملف.