مرض الزهايمر أو الخرف الشيخوخي من أكثر الأمراض الانتكاسية انتشاراً والرابع بين أكثر الامراض قتلاً في العالم الغربي. يعاني منه ملايين البشر وخصوصاً كبار السن. فهو يصيب 2 في المئة من الناس بين سن 65 - 70 سنة، و4 في المئة بين سن 70 - 80 سنة، و20 في المئة ممن تجاوزت اعمارهم 80 سنة. يعيش مريض الزهايمر معزولاً في عالم مشوش من الذكريات الضائعة والأرباك. فيختلط عليه الزمان والمكان، وينتابه الضياع فتتدهور حالته النفسية وتتراجع قدراته العقلية فيصبح كطفل صغير في حاجة الى رعاية واشراف دائمين. لذا فانه يصاب بالأحباط والاكتئاب وينتابه شعور بالأضطهاد والشك بالآخرين أو الارتياب بالوسط المحيط، مع معاناته من قلق دائم وعدم استقرار نفسي، ونسيانه اسماء ووجوه أقرب الناس اليه. ويؤثر مرض الزهايمر على اجزاء عدة من الدماغ أهمها الجزء المعروف ب "قرن آمون" "Hippocampus" وهو المسؤول عن تخزين الذاكرة واستعادتها وقت الحاجة. اذ تنكمش الخلايا العصبية الموجودة فيه وتموت نتيجة تراكم وتشابك لويحات بروتين أميلويد غير الطبيعية أو السامة فوقه. تتسرب بروتينات أميلويد من الخلايا العصبية المصابة فتعرقل التشابك الطبيعي بين الخلايا العصبية السليمة مما يحد من سير المعلومات عبر الدماغ ويمنع وصولها بشكل مفهوم ومترابط. فينتج عن ذلك اضطراب في قدرة المريض على الفهم والادراك، وينتابه النسيان والعجز عن النطق الواضح المفهوم. ويؤثر المرض ايضاً على لوزة الدماغ "Amygdala" المسؤولة عن ربط العمليات الفكرية بالمشاعر العاطفية نتيجة لتراكم وتشابك اللويحات البروتينية السامة فيها. كما تتأثر قشرة الدماغ "Cerebral Cortex" الرقيقة المكونة من خلايا عصبية مسؤولة عن تنظيم الأفكار ودعم قدرة الادراك، فينكمش بعض خلاياها وتتراكم فوقه اللويحات البروتينية السامة. ولا تسلم الناقلات العصبية الموجودة في قاعدة الدماغ الامامي "Basal Forebrain" اذ يعرقل المرض عمل مادة اسيتيل كولين الكيماوية المسؤولة عن نقل الاوامر الدماغية عبر الخلايا العصبية. أسبابه وأعراضه ما زالت الاسباب الحقيقية لمرض الزهايمر غامضة. الا ان هناك بعض الاحتمالات التي ما زالت موضع نقاش الاطباء. كأحتمال ان يلعب الجين الموجود فوق كروموسوم 21، وهو الجين المسؤول عن انتاج بروتين أميلويد، دوراً في بروز المرض. أو ان فيروساً مشابهاً للفيروسات المسببة لأمراض كورو وكروتزفلت - يعقوب ربما ساهم في ظهور المرض. وقد يعود السبب الى تلوث الجسم بمعدن الألومنيوم الذي يتواجد بكميات مرتفعة داخل اجساد المصابين بالمرض نتيجة لشرب المياه الملوثة بذاك المعدن. أو ان الحوادث التي يتعرض لها الرأس نتيجة اصطدام سيارة المريض او اصابته بأدوات ثقيلة ربما لعبت دوراً في تكرس المرض. اما من جهة الاعراض التي يتسبب فيها مرض الزهايمر فهي عديدة ومتشابكة. اهمها عدم مقدرة المريض على تذكر الاحداث القريبة وعجزه عن التفكير والادراك والتصرف بالأمور البسيطة، كربط الحذاء وارتداء الملابس وتناول الطعام والتصرف بالأموال. ويجد المريض صعوبة في النطق والتعبير وفي القدرة على تعلم الاشياء الجديدة. كما انه يعجز عن التعرف على الاشخاص والاماكن، وتتراجع قدرته على الكتابة، ويصيبه تغيّر في الشخصية والسلوك. وأحياناً يفقد السيطرة على عملية التبول والتبرز. التعامل مع مريض الزهايمر يعاني افراد اسرة مريض الزهايمر اكثر من المريض نفسه. اذ عليهم ان يتأقلموا مع المريض وشخصيته الجديدة التي لم يعهدوها من قبل. وعليهم اعادة تأهيله وتدريبه بشكل دائم على كيفية التعامل مع حاجاته اليومية الاساسية. كما يجب مراقبته بصورة حازمة وعدم تركه وحيداً في الاماكن المعزولة او المظلمة. ويستحسن وضع جهاز الراديو أو التلفزيون في غرفته كي يبقى يقظاً ومتنبهاً لحركاته وتصرفاته. وينصح بعدم التركيز على توجيهه وتنبيهه، أو التذمر من تصرفاته بل يستحسن تشجيعه ودعمه. وعلى الأهل محاولة تأهيل المريض للتأقلم مع الوضع الجديد حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بالمختصين في هذا الموضوع. أما من ناحية الاجراءات الاحتياطية التي يتوجب اتخاذها لحماية مريض الزهايمر في كافة ارجاء المنزل وخارجه فيمكن تلخيصها بالآتي: داخل المنزل - من الضروري تغطية الزوايا الحادة للأثاث وتنظيمه بطريقة تمنع عرقلة تحركات المريض أو نقله الى موقع آخر لا يعرض المريض للاذى نتيجة حوادث عفوية. ويستحسن تفادي ارضيات الغرف الزلقة والرخامية اللماعة والسجاد القابل للتحرك أو الانزلاق. كما يجب اخفاء كابلات الكهرباء والهاتف مع تزويد مواقع الوصلات الكهربائية بأغطية واقية وعازلة. هذا اضافة الى تجهيز السلالم والادراج بحاجز واق في الادوار العليا مع وصدِها ليلاً لمنع المريض من استخدامها وحمايته من السقوط والأذى. في المطبخ - لا بد من اخفاء سوائل ومستحضرات التنظيف السامة مع اغلاق خزانة الادوية بالمفتاح. ويستحسن قطع مصادر الغاز والكهرباء عن الافران وأجهزة التسخين وادوات الطبخ والمعدات الكهربائية الاخرى. واخفاء الاجهزة الخطرة ليلاً، أو عندما يكون المريض وحيداً في المنزل. كما يتوجب تركيب اجهزة انذار كاشفة للدخان وتزويد المطبخ بجهاز لأطفاء الحريق عند الضرورة. في الحمام - يُنصح بتخفيف درجة حرارة المياه وتغطية ارضية الحمام والمغطس بسجاد لاصق غير قابل للانزلاق، مع تزويد دورة المياه والدوش والمغطس بمساند معدنية تعين المريض على استخدامها. وبوجه عام يستحسن اقفال أبواب المنزل عند ترك المريض من دون اشراف كي لا يتسلل الى الخارج. ومن الضروري تزويده ببطاقة تعريف توضع داخل ملابسه أو بأسورة منقوش عليها اسمه وعنوانه حتى يمكن التعرف عليه وعلى أهله في حال غادر المنزل خلسة أو لا شعورياً. وينصح باتباع نظام محدد وثابت في التعامل مع مريض الزهايمر لأن ذلك يساعد في طمأنته ويعوده على الروتين. تشخيص المرض ان الطريقة الوحيدة المتوافرة حالياً لتشخيص وجود مرض الزهايمر بصورة مؤكدة هي فحص عينات من دماغ المريض بعد وفاته. اما تشخيص المرض بالطرق الاخرى غير المؤكدة فانه يعتمد على الاعراض التي سبق ذكرها مع اخضاع المريض الى اختبارات نفسية متعددة تتناول تحديد المقدرات الفكرية وقوة الذاكرة ومدى الارتباط بالبيئة والاجواء المحيطة به والهواجس التي يعاني منها. كما يتم اجراء تخطيط كهربائي للدماغ للتأكد من وجود بطء في الموجات الدماغية. هذا اضافة الى التصوير الطبقي المحوري للدماغ واجراء تحاليل للدم لفحص وظائف الغدة الدرقية والشوارد المعدنية مثل الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم والسكر وفيتامين ب - 12. وخلال العامين الماضيين ظهرت طريقة اخرى لتشخيص مرض الزهايمر من خلال فحص بؤبؤ العين. وكانت هذه الطريقة وليدة فكرة راودت خبير الاعصاب الدكتور هانتنغتون بوتر من كلية الطب في جامعة هارفارد الاميركية، عندما لاحظ ان المصابين بمرض داونز الوراثي يعانون من وجود آفات واضرار في أدمغتهم شبيهة بآفات مرضى الزهايمر. وانهم حساسون لدواء تروبيكمايد الذي يستخدم عادة كقطرات لتوسيع بؤبؤ العين. وبالتشاور مع الدكتور لينارد سنتو خبير الاعصاب في مستشفى بريغهام للنساء في بوسطن، قرر الخبيران تجربة هذا الدواء كوسيلة جديدة وسهلة لتشخيص المصابين بمرض الزهايمر. ولاحظ الخبيران ان بؤبؤ العين عند الاشخاص غير المصابين بالمرض يتسع بنسبة 4 في المئة عند تقطير دواء تروبيكمايد فيه، بينما يتسع بؤبؤ عين المصابين بمرض الزهايمر بنسبة 13 في المئة. واكتشف الدكتور كيم جوبست من مستوصف رادكليف في اوكسفورد طريقة اخرى لتشخيص مرض الزهايمر مستخدماً نوعين من التخطيط الدماغي. اذ مكنته هذه الطريقة من تحديد مواقع انكماش الدماغ وأسلوب تدفق الدم فيها. وأخيراً تمكن علماء من مركز مرض الزهايمر في جامعة بنسلفانيا الاميركية من اكتشاف وجود آفات مكونة من بروتين جديد لم يسبق التعرف عليه عند المصابين بالمرض من قبل. ويختلف هذا البروتين عن بروتين أميلويد السام الذي يتراكم عادة داخل ادمغة المصابين. وقد نوّه الدكتور جون تروجانوفسكي مدير المركز بهذا الاكتشاف الذي سيساعد الاطباء والباحثين على فهم اسباب المرض من خلال وجود البروتين الجديد الذي يمكن استخدامه كمؤشر لتشخيص المرض في مراحله الأولى قبل ظهور الاعراض. مما يشجع على متابعة البحث لايجاد دواء كفيل بالقضاء على البروتين أو منع تكوينه. البحث عن علاج حتى هذا التاريخ لا يوجد علاج لمرض الزهايمر. لذا يقوم العلماء والباحثون بتجارب مختلفة على اكثر من 200 نوع من الادوية الواعدة التي يؤمل ان ينجح بعضها في علاج المرضى. من أهم تلك الأدوية التي حققت نتائج مشجعة وما زالت قيد الدرس، دواء "تاكرين" Tacrine الذي نجح في علاج الكثير من اعراض المرض عند 40 في المئة من المصابين ومكنهم من استعادة القدرة على التذكر والوعي والتركيز والقيام بالنشاطات الجسدية التي تتطلب تناسقاً في الافكار والحركات اضافة الى التغلب على الاخطاء والمشاكل اللغوية التي عانوا منها. الا ان الاعراض الجانبية لهذا الدواء التي ترفع مستوى انزيمات الكبد عند 20 في المئة من المرضى استدعت تطبيق نظام صارم لمراقبة جرعات الدواء ومستوى انزيمات الكبد حتى لا ترتفع بصورة خطرة تؤدي الى فشل هذا العضو المهم. اما الدواء الثاني فهو "امباكين" Ampakine الذي اكتشفه صيدلي الاعصاب غاري لينش من جامعة كاليفورنيا، فانه ما زال في مراحله الأولى رغم النتائج الايجابية التي لاقاها متعاطوه من الشباب المصابين وغير المصابين بمرض الزهايمر ممن يعانون من مشاكل في الذاكرة. اذ تحسنت قدرتهم على تذكر الاقوال والافعال بنسبة 20 في المئة. بينما تضاعفت قدرة الذاكرة عند الذين تجاوزت اعمارهم الستين عاماً. وكان بعض التجارب الاخرى بيّن ان دواء "أريسبت" Aricept قد نجح في منع تفكك مادة اسيتيل كولين عند مرضى الزهايمر. وتعتبر هذه المادة الكيماوية من الناقلات العصبية المهمة التي تحافظ على نشاط الدماغ وتعينه على تنفيذ مهامه. وغالباً ما تتعرض هذه المادة للتفكك ويهبط مستواها عند المصابين بالمرض. وفي دراسة وبائية اجرتها وزارة الصحة الكندية على عدد من المصابين بالمرض في 18 مدينة كندية تبين ان زيادة النشاط الذهني تؤخر ظهور مرض الزهايمر. فالاشخاص الذين يمارسون نشاطاً ذهنياً على مدى السنين هم أقل تعرضاً لمخاطر المرض. كما ان الاشخاص الذين يقضون سنين أطول في مراحل الدراسة الابتدائية والثانوية والجامعية وما بعدها تزداد حصانتهم ضد المرض. غير ان القائمين على تلك الدراسة اشاروا الى انهم لا يعتقدون بأن الأمر يتعلق بعدد سنين الدراسة فقط وانما بالتركيز على النشاط الذهني بمختلف اشكاله. من جهة اخرى اظهرت دراستان مختلفتان حول دور هورمون الاستروجين في علاج مرض الزهايمر عامي 93 و96 في جامعة ساوزرن كاليفورنيا ومركز كولومبيا - برسبيتيريان الطبي ان النساء اللاتي يتناولن هورمون الاستروجين يخفضون احتمال اصابتهن بالمرض بنسبة 40 في المئة وان نسبة الوقاية من المرض تزداد بازدياد مدة تناولهن للاستروجين. واستطلع بعض الباحثين امكانية استخدام لصقات النيكوتين على مرضى الزهايمر بهدف تنشيط اجزاء الدماغ التي يتهددها المرض. فالنيكوتين قد ينجح في منع تراكم لويحات بروتين اميلويد السام الذي يؤدي الى تدمير خلايا دماغ المصابين. اذ يعتقد الاطباء في جامعة جورج تاون الاميركية ان النيكوتين سيساعد في ابطاء زحف المرض لكنه لن يشفيه. كما انه سيبطئ عملية فقدان الذاكرة. ويبدو ان الباحثين مقتنعون من سلامة لصقات النيكوتين لأنها لا تحتوي المواد الكيماوية الموجودة في السجائر، وان مستوى النيكوتين المخفض فيها لن يؤدي الى ادمان المرضى عليها. وأخيراً اظهرت دراسة مهمة قام بها المعهد القومي للشيخوخة في الولاياتالمتحدة الاميركية ولأول مرة ان تناول فيتنامين إي E أو دواء سيليغيلين "Selegiline" المستخدم في علاج مرضى باركنسون أو الشلل الرعاشي، يؤخر سرعة تدهور الوظائف الدماغية عند مرضى الزهايمر ويساعدهم على مزاولة عاداتهم ونشاطاتهم اليومية كارتداء الملابس والتصرف بالأموال بأدراك ووعي. ويأمل الباحثون في ان يؤدي تناول فيتامين آي ودواء سيليغيلين في المراحل الأولى للمرض الى تأخير ظهور اعراضه واخطاره الى اجل غير محدود. والى حين نجاح العلماء والاطباء في التوصل الى علاج فعّال ضد هذا القاتل الصامت تستمر المعركة ضده حتى النصر .