عندما سئلت مطربة من فرقة "سبايس غيرلز" بنات البهار البريطانية: " هل زرتِ لبنان ؟"، قالت : "لا، لكني ذهبت الى دبنهام مخزن بريطاني ضخم"! والارجح ان بنت العشرين ربيعاً لم تسمع القهقهات التي أطلقها صحافيون استغربوا انها لم تسمع ببلد اسمه لبنان. فهؤلاء وقفن بين 400 مراسل ومصور ومايزيد على الفي شخص احتشدوا في الفسحة الضيقة امام فندق "مارتينيز" في مدينة كان الفرنسية لمشاهدتها مع زميلاتها الاربع. والمطربات اللواتي جئن للترويج لفيلمهن الاول خلال الدورة الخمسين لمهرجان كان السينمائي، لم يشغلن فقط جمهور المهرجان بل أقلقن بعض ضيوفه من الشخصيات الفائقة الاهمية. اذ خشي المنظمون من ان تخطف المطربات الضوء من الرئيس جاك شيراك القادم الى مدينة كان في اطار حملته الانتخابية! و ل "سبايس غيرلز" بمعزل عن السينما التي قررن أخيراً غزوها حضور قوي في ميادين الغناء والفنون الاستعراضية، فضلاً عن سيرة صارت على كل شفة ولسان في بلاد الضباب حتى لاتكاد تخلو صحيفة شعبية انكليزية يومياً من بعض اخبارهن المثيرة. وهاهي سمعتهن تتخطى الجزر البريطانية. من فرنسا التي تعرفهن جيداً شأنها شأن اي بلد اوروبي آخر، سافرت مطربات "سبايس غيرلز" الى الولاياتالمتحدة حيث انتظرتهن مفاجأة العمر. فبعد سفر طويل وليلة عامرة غطت كل منهن في نوم عميق تمنت لو يستمر طويلاً. لكن جرس الهاتف اللعين ملأ الدنيا طنيناً في ساعة مبكرة، ولما رفع مدير اعمالهن السماعة عقدت الدهشة لسانه فقد دخلت الفرقة التاريخ. اذ جاءه الصوت من الطرف الآخر مهنئاً بوصول مبيعات البوم الاغاني الذي اصدرته "سبايس غيرلز" اخيراً الى المرتبة الاولى في السوق الاميركية. وهذا انجاز مذهل لم تحققه فرقة بريطانية من قبل. وهو يضيف 5 ملايين جنيه استرليني الى ثروة كل من الحسناوات الخمس مما يجعلهن اكثر ثراءً من جميع ابناء وبنات جيلهن من اهل الفن. وربما لم يبلغ اي مطرب او مطربة من الشباب في تاريخ بريطانيا هذه الدرجة من الغنى خلال فترة قصيرة .والغريب في الامر ليس حظهن الوافر للغاية من الثروة والشهرة ... وخفة الدم، بل كيف استطعن تحقيق هذا النجاح في غضون أشهر. حضارة الاستهلاك ذات باع طويل بالطبع في صنع المعجزات ! فصبايا "سبايس غيرلز" كن مراهقات مجهولات حتى الامس القريب. تم التعارف بينهن بواسطة اعلان في احدى المجلات وسرعان ما اتفقن على تشكيل الفرقة في 1994. وبعد ايام وشهور عدة وحفنة من الاغنيات ظهرت Wannabe اريد ان أكون التي حملتهن قبل أشهر الى أعلى مراتب الشهرة والرواج في بريطانيا. هكذا نسيت فتيات الفرقة شجون البدايات، فلا وقت في غمرة الحلم لتذكر ايام كان ثمن اللقمة فيها غربة قاتلة او كشف الستر عن الجسد فوق خشبة مسرح يغص بالعيون الشرهة المخمورة. جيري 24 عاماً سافرت الى اسبانيا ثم الى تركيا في سنوات مراهقتها الاولى بحثاً عن عمل. ولما جاعت اضطرت ان ترضى بالفرصة الوحيدة التي سنحت لها في مجال "الفن" وعملت راقصة تقبض لقاء ساعة عمل كاملة 3 جنيهات استرلينية فقط! الا انها كانت أوفر حظاً من زميلتها ميلاني براون 21 عاماً "بهار" الفرقة وزنجيتها الوحيدة التي رضيت ب5،2 جنيه في الساعة في مدينة ليدز في شمال انكلترا. أما ميلاني تشيشولم 22 عاماً و فيكتوريا آدامز 22 عاماً وإيما بونتون 21 عاماً فبدأن رحلتهن في شكل اكثر هدوءاً ... واحتشاماً اذ التحقن بادىء الامر بمدارس لتعليم الموضة أو فنون المسرح والجاز والباليه ثم انهمكن في بحث دائب عن فرصة عمل ظلت تراوغهن فترة طويلة. صحيح ان " كل طلعة قبالها نزلة" فكم من فرقة ذاع صيتها لفترة ثم انطفأت مثل "وام" و"بوليس " و"تيك ذات" ...لكن الظروف لن تجبر بنات "سبايز غيرلز" على تجرع المرارة التي عرفن طعمها جيداً في بدايتهن. فشكراً لتجار الغناء والاسطوانات الذين ضخوا خلال اشهر في جيوب كل واحدة من هذه الدمى مبلغاً يكفي لدفع خطر مجاعة عن مدينة افريقية لسنوات عدة!