تعاني الدول العربية ودول العالم عامة من نقص كبير في عدد المتبرعين بالاعضاء البشرية. وقد اشارت منظمة الصحة العالمية مراراً الى ازمة نقص الاعضاء التي يحتاجها الاطباء لانقاذ حياة المرضى الذين يتهددهم طول الانتظار. ونظراً للقيود الاخلاقية والتشريعات القانونية والدينية التي تتحكم في عمليات زراعة الاعضاء، بدأ العلماء منذ سنوات عدة البحث عن حلول لتجاوز هذه المشكلة والاستعاضة عنها ببدائل اسهل قبولاً واقل خطراً على الانسان. الا ان محاولات العلماء زرع اعضاء حيوانية داخل الانسان وتجاوز حاجز الاجناس ما زالت تواجه معضلات صحية واخلاقية وتشريعية ايضاً. في بداية الثمانينات، ساعد دواء سايكلوسبورين على ازدياد نجاح عمليات زرع الاعضاء كالقلب والكلى والكبد والرئة والامعاء والبنكرياس بشكل كبير. اذ تمكن الجراحون حول العالم من زرع 183 ألف كلية و18 الف قلب و20 الف كبد. ودواء سايكلوسبورين عبارة عن منتوج طبيعي مستخرج من الخميرة يوقف انتاج مادة انترلوكين 2 التي يفرزها الجسد لمواجهة الاجسام الغريبة التي تدخله، بما في ذلك اعضاء المتبرعين. اذ تقوم مادة انترلوكين 2 بتحفيز خلايا الدم التائية البيضاء فتتكاثر بسرعة وتهاجم الاعضاء المزروعة. لذا فان غياب مادة انترلوكين 2 يحمي العضو المزروع من الخلايا المناعية البيضاء التي يمكن ان تهاجمه. تجدر الاشارة الى ان مرضى زراعة الاعضاء مضطرون لتناول دواء سايكلوسبورين طوال حياتهم بجرعات محدودة تحت مراقبة طبية. فالكثير منه يضعف جهاز المناعة بصورة كبيرة ويعرّض المرضى للامراض والعدوى بسرعة وسهولة. كما ان تناوله بكميات ضئيلة يدفع جهاز المناعة لرفض العضو او الاعضاء المزروعة. ورغم ان دواء سايكلوسبورين هو الأنجح بين عديد الادوية المماثلة الاخرى، فانه لا يخلو من المضاعفات والاعراض الجانبية خصوصاً ما يتعلق منها بالكلى. لذا يسعى العلماء لايجاد بدائل تحمي المرضى من احتمالات رفض اجسادهم للاعضاء المزروعة عن طريق استخدام اجسام مضادة تكبت جهاز المناعة، او باللجوء للهندسة الوراثية للحصول على اعضاء من الحيوانات لزرعها من دون ان تتعرض للرفض من الجسد البشري. زراعة اعضاء حيوانية عزز التطور المضطرد في اساليب جراحة زراعة الاعضاء امكانية انقاذ حياة المزيد من المرضى، وادى انخفاض عدد حوادث السيارات وقلّة المتبرعين من ضحايا تلك الحوادث مع تردد الاهالي غالباً في الموافقة على استخدام اعضاء اولئك الضحايا، الى احتمال اللجوء الى الخنازير او غيرها من الحيوانات المهندسة وراثياً كمصدر مهم للاعضاء الداخلية الاساسية التي يحتاجها المرضى. فقد اصبح من الممكن نقل اعضاء كالقلب والكلى من حيوانات مهندسة وراثياً مثل الخنازير لزراعتها داخل اجساد المرضى الذين يعانون من فشل تلك الاعضاء او قصورها ومن طول انتظارهم لمتبرعين آدميين. فالعالم بأسره يعاني من ازمة نقص اعداد المتبرعين مقارنة بعدد المرضى الذين يحتاجون لعمليات زراعة الاعضاء لانقاذ حياتهم. ففي بريطانيا يموت حوالي 80 مريضاً يومياً لعدم تمكنهم من الحصول على اعضاء من متبرعين في الوقت المناسب. لذا يرى جراح القلب جون ولورك مدير قسم زراعة الاعضاء في مستشفى بابورث في مقاطعة كامبريدج البريطانية ورائد عمليات زراعة مضخات القلب الكهربائية وعمليات الزراعة المشتركة للقلب والرئة، ان نجاح تجارب نقل اعضاء من خنازير او غيرها من الحيوانات الى الانسان سيضع حداً للنقص الهائل الذي يواجهه مرضى زراعة الاعضاء، كما انه سيزيد من فرص نجاتهم واستمرار حياتهم. تجدر الاشارة الى ان شركة أميوتران البريطانية - السويسرية في منطقة ريتشموند نجحت في زراعة قلوب خنازير مهندسة وراثياً داخل اجساد قرود، واستمرت القلوب المزروعة في الخفقان لاكثر من 60 يوماً مقارنة بتجارب اميركية سابقة استخدمت فيها تقنية مختلفة، لم تعش القلوب المزروعة على اثرها اكثر من 30 ساعة. تكمن اهمية التقنية المتبعة من قبل شركة إميوتران في انها تعتمد على مقاومة الجسم للعضو المزروع المأخوذ من جنس آخر. وقد توصل العلماء الى هذا الانجاز عن طريق حقن جزء صغير من المادة الوراثية الموجودة في احدى خلايا الانسان داخل جنين الخنزير بحيث ينمو الخنزير وخلاياه تحتوي على بروتين اضافي من المادة الوراثية البشرية. فاذا زرع عضو معين مأخوذ من الخنزير داخل جسد الانسان، يقوم البروتين الاضافي الموجود في خلاياه، بخداع جهاز المناعة البشرية ويمنعه من رفض العضو المزروع. وقد اختارت شركة اميوتران اجراء تجاربها على الخنازير نظراً للتشابه الكبير بين تركيبها العضوي والانسان. واشار مدير الابحاث في الشركة الدكتور ديفيد وايت الى ان استخدام الأنسولين وصمامات القلب المأخوذة من الخنازير مستمر منذ عشرات السنين. كما ان تجارب السنوات ال 13 الماضية حول زرع قلوب وكلى من الخنازير داخل قرود لم ينجم عنه اي مشاكل. الا ان العلماء يخشون انتقال فيروسات وامراض معدية من الخنازير الى الانسان اثناء عملية الزرع. وهذا ما تسعى الشركة الى تفاديه من خلال ضمان خلو الخنازير المهندسة وراثياً من الجراثيم والفيروسات المميتة قبل استخدام اعضائها في عمليات الزرع الجراحية. فقد اثبت الباحثون ان فيروسات الخنازير يمكن ان تنمو داخل خلايا الانسان، وان تلك الفيروسات قد لا تعرّض حياة الخنازير للخطر الا انها قادرة على نشر أوبئة قاتلة للبشر. اذ تشير الدلائل الى ان فيروس الايدز لا بد وان يكون انتقل الى الانسان عن طريق القرود، وان سلالات من فيروس الانفلونزا التي تواجدت عند الخنازير والطيور تسببت في مقتل ملايين البشر حول العالم خلال القرن الحالي. وسبق ان أجريت عمليات عدة لزراعة اعضاء من حيوانات اخرى مثل القرود لمرضى من البشر ضمن محاولات لاجتياز حاجز الاجناس على امل تزويد الانسان بأعضاء غير بشرية لانقاذ حياته عوضاً عن الانتظار فترات طويلة للحصول على اعضاء من متبرعين آدميين. الا ان النجاح المحدود لتلك العمليات التي اقتصرت على زراعة الكبد، دفع العلماء للبحث عن بدائل افضل يقبلها جسم الانسان وتتيح له ولهم فرصة الحصول على اعضاء اخرى لزراعتها اضافة الى الكبد والقلب والكلى وغيرها. وفي اواخر 1996 أدّعى جراحون هنود انهم أجروا اول عملية زراعة لقلب خنزير داخل جسم انسان. وقد صَعَق هذا الانجاز في حينه الخبراء البريطانيين الذين كانوا ينتظرون موافقة السلطات الصحية الرسمية السماح لهم باجراء تجارب محدودة على امكانية استخدام خنازير مهندسة وراثياً في عمليات زراعة الاعضاء. واعرب الاطباء الغربيون عن خشيتهم من انتقال فيروسات من الحيوانات الى الانسان عبر الاعضاء المزروعة، خصوصاً وان الجراح الهندي دانيرام باروا استخدم خنزيراً غير مهندس وراثياً. وما زالت هذه المخاوف تحول دون المباشرة بعمليات زراعة اعضاء من الخنازير المهندسة وراثياً الى الانسان، لكن الدكتور ديفيد وايت اخصائي علم المناعة الذي اوجد شركة اميوتران وجراح القلب جون ولورك يأملان في احتمال تطبيق هذه البدائل الجراحية الجديدة خلال السنوات القليلة المقبلة. اذ ان الفوائد المرجوة من هذه العمليات تفوق بكثير الاخطار التي قد يتعرض لها المرضى من جراء انتظارهم الحصول على اعضاء من متبرعين بشر. واشار البروفسور إيان كينيدي استاذ الاخلاقيات والقوانين الطبية في جامعة كينغز كولدج في لندن، الى ان الفوائد الكبيرة التي يمكن جنيها من عمليات زراعة اعضاء الحيوانات والنقص الكبير في عدد المتبرعين البشر يجعل هذا الاسلوب الجراحي مقبولاً اخلاقياً. بانتظار رأي الشرع وعلى الرغم من ان العديد من المؤتمرات والجهات الدينية كانت اجازت نقل الاعضاء البشرية عند الضرورة من حديثي الوفاة الى من يحتاجها من المرضى ضمن لوائح وقيود محددة لا تتعارض وتوجيهات الشرع. كعدم الاضرار بالمتبرعين وترجيح احتمال نجاح العملية الجراحية، وضرورة إنقاذ حياة المتبرع له. لم تخل الساحة من المعارضين لعملية التبرع بالاعضاء البشرية. اما موضوع التبرع بالاعضاء الحيوانية فلم تصدر بحقه تشريعات محددة او معتمدة بعد. ومن المرجح ان يتم البحث في هذا الموضوع وقضية استنساخ الحيوانات او البشر في لقاءات واجتماعات لاحقة لمجمع الفقه الاسلامي ولجان الفتوى والهيئات الدينية في الدول العربية والاسلامية. خصوصاً وان نقل الاعضاء الحيوانية للبشر سيستغرق سنوات اضافية عدة من التجارب والابحاث قبل اقراره في الدول الغربية. وسألت "الوسط" الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر حول شرعية نقل أعضاء الحيوان الى الانسان فأجابها بالآتي: "ان الاصل ان ينقل اعضاء الحيوانات للانسان ولا يلجأ للنقل من انسان لآخر الا في الضرورة القصوى وعدم وجود بدائل اخرى"، واضاف "ان الاصل عندنا ان الانسان مكرم حيال حياته ومماته، ولا يأخذ منه الا للضرورة القصوى. كما ان كل شيء في الكون مسخر لمصلحة الانسان. والحيوان سخره الله لكي نأكله ونذبحه في ما عدا المحرمات، وبشرط الا يؤدي ذلك الى تغيير ما خلقه الله، مثلا الا يؤدي نقل عضو حيوان الى انسان لتغيير صفاته، فاذا كان نقل قلب او كلية ضرورياً من حيوان اهلا وسهلا شريطة ألا يؤدي العضو المنقول الى تغيير صفات هذا الانسان". وحول امكانية حدوث ضرر كانتقال مرض حيواني الى الانسان كما هو حادث في نقل اعضاء الخنازير، قال المفتي: "هذا هو الشرط الاساسي في النقل ان يتأكد اهل الخبرة ان لا يصيب المنقول اليه ضرر مطلقا، وان حالته ستتحسن كثيرا سواء حال او احتمال لان الضرر لا يزال بالضرر". وابدى المفتي تحفظاً حول عمليات النقل من الحيوانات حيث اشترط الا تؤدي هذه العمليات لانقراض النوع لان الله خلقها لحكمة، وليس معنى نجاح عمليات النقل من حيوان معين ان نزيد فيها حتى نأتي عليه، فلا بد من الحفاظ على هذه الانواع لان لوجودها حكمة لله. واكد ان كل الحيوانات تتساوى وليس هناك حظرعلى حيوانات معينة كالخنازير طالما لمصلحة الانسان فالتحريم للاكل، ولكن النقل بشروط عدم الضرر حلال ولا شيء فيه