شهدت دورة استراليا المفتوحة في كرة المضرب، وهي أولى الدورات الكبرى الأربع غران شيليم مفاجآت صاعقة كان بطلها بلا منازع الاسباني كارلوس مويا الذي اسقط الألماني بوريس بيكر حامل اللقب في الجولة الأولى ثم اسقط الأميركي مايكل تشانغ في الدور نصف النهائي، كما شهدت انهياراً المانياً على جبهتي الرجال والسيدات، فسقط الألمان تباعاً بدءاً ببوريس بيكر ومروراً بانكه هوبر وانتهاء بستيفي غراف المصنفة أولى عالمياً، لكن الحدث الأهم الذي طبع بطولة استراليا المفتوحة هو فوز السويسرية مارتينا هينغيس بعد تغلبها على الفرنسية ماري بيرس 6/2، 6/2 ودخولها التاريخ كأصغر لاعبة في القرن 16 عاماً و3 أشهر و26 يوماً تحقق مثل هذا الانجاز. والواقع أن مارتينا هينغيس عبقرية مبكرة فرضت نفسها على ملاعب كرة المضرب وأمدت كتاب غينيس للأرقام القياسية بمادة دسمة، فهي أصغر لاعبة تحرز بطولة الناشئات في رولان غاروس 1993 12 عاماً وثمانية أشهر وفي ويمبلدون 1994 13 عاماً و276 يوماً وهي أصغر لاعبة تفوز في مباراة ضمن بطولة استراليا المفتوحة 1995 14 عاماً وأربعة أشهر إلى كونها أصغر لاعبة تفوز ببطولة الزوجي في ويمبلدون 1996 مع اللاعبة التشيكية هيلينا سوكوفا 15 عاماً و282 يوماً وأصغر لاعبة في تاريخ كرة المضرب تدخل نادي المليون دولار في العام 1996 16 عاماً و40 يوماً. وانطلاقاً من هذا السجل الحافل بالانجازات الخارقة في سن مبكرة جداً يصح لنا أن نطلق على هينغيس لقب "موزارت كرة المضرب"، ويبدو ان المسلسل لن يقف عند هذا الحد، فبعدما فازت هذا العام في استراليا بلقبي الزوجي والفردي للسيدات، وهو انجاز لم تسبقها إليه لاعبة، أجابت بلهجة اختلط فيها الجد بالهزل رداً على سؤال أحد الصحافيين: "العام المقبل سأشارك أيضاً في بطولة الزوجي المختلط"، ولن نستغرب إذا واصلت مسيرتها ان تحصد الكؤوس الثلاث في بطولة استراليا المفتوحة. وهينغيس لا تنطلق في طموحها إلى تحقيق انجازات فريدة من فراغ، فهي تتطلع إلى عرش كرة المضرب الذي تتربع سعيدة فوقه الألمانية ستيفي غراف كما تتطلع، على غرار غراف، إلى احراز الدورات الأربع الكبرى في عام واحد، وهي رباعية نادرة. والواقع أنها مهيأة نفسياً وجسدياً للانطلاق في مغامرة التحدي هذه، فهي واثقة من نفسها حتى في المواقف الحرجة والعصيبة وأمها لاعبة كرة المضرب التي تحتضنها وترعاها وتدربها وتشحنها بمعنويات عالية تتيح لها ان تواجه العواصف والأضواء بصلابة وعناد... صحيح ان غراف تملك خبرة أوفى وقدرة على تخطي الحواجز رغم المتاعب العائلية والصحية، لكن فارق السن يقف إلى جانب هينغيس والحوافز المادية والمعنوية تعمل لمصلحتها... والمسألة على الأرجح هي مسألة وقت. فعنب زعامة كرة المضرب لا يؤكل حصرماً مع أن هينغيس عودتنا أن تقطف ثمار الشهرة والمجد قبل الأوان. سيد الملاعب ولئن كانت مارتينا هينغيس التي احرزت لقب الفردي للسيدات وهو لقبها الاول في احدى الدورات الكبرى، في بداية مشوارها على طريق المجد، فان بيت سامبراس الذي فاز بلقب الفردي للرجال وهو لقبه التاسع في دورات الغران شيليم قد فرض سيطرته على عالم كرة المضرب منذ فترة طويلة وليس في الأفق مؤشرات توحي بأن شمس مجده قد آذنت بالغروب وهو يتطلع الى اللحاق بعمالقة كرة المضرب في هذا العصر الى تجاوزهم في احراز اكبر عدد من القاب الدورات الكبرى. فروي ايمرسون فاز ب 12 لقباً ورود لافر 11 لقباً وبيل تيلدن 10 القاب علماً انه تخطى ابطال الجيل الجديد امثال جون ماكنرو وجيمي كونورز وبوريس بيكر وايفان ليندل باستثناء بيورن بورغ الذي احرز 11 لقباً. وفي وسع سامبراس نظراً الى سنّه 25 سنة والى مؤهلاته الفنية والبدنية - في حال عدم تعرضه لاصابات جسيمة - ان يرفع سقف الرقم القياسي وان ينفرد بالقمة في هذا المجال. صحيح ان سامبراس عانى كثيراً قبل ان يصل الى نهاية بطولة استراليا المفتوحة بسبب الحرارة المضنكة وكاد يسقط غير مرة لولا تماسكه وعناده. وصحيح انه اعتبر لقبه هذا اصعب لقب في حياته. ولكن اداءه في مواجهة مويا بطل المفاجآت في هذه الدورة فاجأ البطل الاسباني وعطل قدرته على المناورة واثبت مرة اخرى انه سيد الملاعب بلا منازع. ولعل القاسم المشترك الوحيد بين هينغيس وسامبراس في بطولة استراليا المفتوحة هو خوضهما المباراة النهائية كما لو كانا يقومان بنزهة ممتعة فهينغيس فازت على بيرس 6/2 و6/2 في اقل من ساعة وسامبراس اطاح احلام مويا 6/2 و6/3 و6/3 في ساعة و27 دقيقة. عروض مميزة وفي نهاية المطاف لا يجوز ان نغفل الانجاز العظيم الذي حققه الاسباني كارلوس مويا 20 عاماً فهو بعد تألقه في هذه البطولة وبلوغه المباراة النهائية قفز خلال سنة واحدة في التصنيف العالمي من المركز ال 63 الى المركز التاسع ولم يتأتَ له ذلك بضربة نرد بل جاء نتيجة المثابرة والجهد الدؤوب والتدريبات الشاقة، ولئن خسر المباراة النهائية امام بطل من معدن سامبراس فيكفيه فخراً انه اسقط بوريس بيكر ومايكل تشانغ ويمكنه اذا تابع عروضه المميزة ان يحتل موقعاً بين اللاعبين الخمسة الاوائل وهو ما يطمح اليه في المدى القصير. وقد صرّح مويا بعد خسارته: "لا يمكنني الا ان اهنئ سامبراس فهو اللاعب الرقم واحد في العالم وقد اثبت ذلك خلال هذه المباراة. وانا لديّ انطباع بأن الحاق الهزيمة بسامبراس في مباراة نهائية يكاد يكون امراً متعذراً. ولكن ثمة فرصة للتغلب عليه في حال مواجهته في الدور الثاني او الدور الثالث". ويأمل مويا ان تتاح له فرصة الثأر في دورة رولان غاروس "وانا انتظر هذه الفرصة بفارغ الصبر، لان حظي في باريس سيكون اوفر من حظي في ويمبلدون" ومردّ ذلك الى ان مويا يجيد اللعب على الملاعب الترابية التي هي نقطة ضعف سامبراس…