لا تعترف الكويت بالاحتراف رسمياً ولكنها تعرف نوعاً من الاحتراف "المبطن" اذا صح التعبير وقد يكون المنتخب الكويتي سقط في التصفيات الآسيوية لمونديال 98 ضحية التجاذب بين الاحتراف الرسمي المحظور والاحتراف "المبطن" كأمر واقع. يثير موضوع الاحتراف في كرة القدم في الكويت جدلاً كبيراً في الأوساط الرياضية، ففي حين ينادي به الكثيرون ويريدون تطبيقه على النطاق المحلي لإنقاد الكرة الكويتية، تراه الهيئة العامة للشباب والرياضة، وهي الجهة الرسمية المسؤولة عن الرياضة في الكويت، خروجاً على القانون ومؤشراً خطراً لتحول الرياضة من الهواية إلى "التجارة"، وتعتبره منافياً لكل المعاني السامية للرياضة. وقد صرح رئيسها خالد الحمد غير مرة بأن الدولة لن تسمح باحتراف اللاعبين داخل الكويت بأي شكل. واعتبر مؤيدو هذا الاتجاه قرار الاتحاد الكويتي لكرة القدم منع احتراف اللاعبين في أندية خارج الكويت أثناء فترة إعداد منتخب الكويت الوطني تأييداً لهذا الاتجاه، ولكن حقيقة الأمر أن الاتحاد الكويتي للعبة يرغب في اتباع نظام الاحتراف داخلياً، لما له من فوائد كثيرة، ولا سيما أن تطبيقه في المملكة العربية السعودية الشقيقة أدى إلى تأهل المنتخب السعودي لنهائيات كأس العالم لكرة القدم في فرنسا، وهذا ما جعل ماتشالا، مدرب منتخب الكويت الوطني، يعتبر عدم احتراف الكويتيين داخل الكويت سبباً رئيسياً لاخفاقهم في النهائيات، ولو تم تطبيق الاحتراف مثلما طبق في السعودية، لكان "الأزرق" - لقب المنتخب الكويتي - هو الأقرب للوصول إلى النهائيات. وهذه القضية ستكون من أوائل القضايا التي سيطرحها الاتحاد الكويتي للعبة لمناقشتها، كحل لإنقاذ سمعة الكرة الكويتية التي تدهورت بعدما حلت آخر المجموعة الأولى الآسيوية لتصفيات كأس العالم، لكن ذلك لن يحدث إلا بعد الأول من كانون الأول ديسمبر المقبل، وهو الموعد الجديد الذي سيجري فيه انتخاب إدارة جديدة للاتحاد الكويتي، ومن المتوقع ألا يختلف اعضاؤه كثيراً عن المجلس الحالي بعد تزكية رئيس المجلس الشيخ أحمد الفهد الصباح ونائب الرئيس الشيخ أحمد اليوسف الصباح! ومناقشة قضية الاحتراف لن تعدو كونها "مرهماً" لتهدئة الشارع الرياضي. صعوبة التطبيق إلا أن "الاحتراف" بصورته العامة، لا يمكن تطبيقه في الأندية الكويتية، نظراً للتفاوت الكبير بين مستويات فرق الأندية ال 14 التي يشملها الدوري العام الكويتي، والذي سيطبق هذا الموسم نظام الدمج، على أن يتم تقسيم الفرق إلى مجموعتين في الموسم المقبل ستة أندية للدوري الممتاز وثمانية لدوري الدرجة الأولى، وسيخضع هذا النظام للصعود والهبوط. والواقع ان هناك فرقاً قوية ذات شعبية عارمة القادسية والعربي ويستطيع رجال الأعمال والتجار الذين ينتسبون إلى هذا النادي أو ذاك دعم الفريقين عن طريق شراء لاعبين محليين إذا تم تطبيق الاحتراف في الكويت، وتنضم إلى هذين الناديين فرق أخرى ذات مستوى عال، ولكنها تفتقر إلى الشعبية الكبيرة مثل كاظمة والسالمية والكويت والنصر والتضامن. وهذه الفرق لن تستطيع منافسة القادسية أو العربية في سوق اللاعبين وبذلك تكون الكفة أرجح لمصلحتهما، ناهيك بفرق الأندية الأخرى وهي أقل مستوى وشعبية كالشباب واليرموك والجهراء والساحل وخيطان والفحيحيل والصليبخات. وهذا في حد ذاته سيسبب أزمة بين هذه الأندية والمسؤولين الرسميين عن الرياضة في الكويت، قد توثر تأثيراً سيئاً على بعض نواحي الحياة الأخرى، كانتخابات مجلس الأمة مثلاً. لذلك، فإن الاتجاه السائد حالياً هو الابقاء على الوضع الداخلي، تمشياً مع القول السائد "ليس في الامكان أبدع مما كان"، وإلى أن يتم التوصل إلى ايجاد صيغة مناسبة للاحتراف الداخلي ترضي جميع الأطراف، مع التوسع قليلاً في الاحتراف الخارجي الذي أصبح مطلباً عاماًَ للاعبين وإدارات الأندية التي لا بد أن يصيبها من "الحب جانب" لأن الاحتراف الخارجي يفيد اللاعب والنادي. علي مروى: الاستثناء ولم يشهد تاريخ الكرة الكويتية إلا حالة احتراف واحدة للاعب نادي السالمية علي مروى الذي لعب لنادي الاتحاد السعودي لموسم واحد فقط مقابل مئة ألف دولار. وهذا ما دفع الكثيرين من زملائه اللاعبين إلى محاولة تقليده مثل جاسم الهويدي الذي استدعاه فريق هومنتمن الهولندي لتجربته، لكنه لم يصل إلى اتفاق معه، وكذلك لاعب نادي السالمية والمنتخب الوطني الشاب بشار عبدالله الذي كاد أن يلعب لمانشستر يونايتد تحت 19 سنة بعد تدخل الكويتي أحمد جعفر، وهو أحد المساهمين في النادي الانكليزي، لكن الصفقة لم تتم نظراً لصدور قرار الاتحاد الكويتي لكرة القدم بعدم السماح للاعبي المنتخب بالاحتراف. ويتوقع المراقبون أن يصدر الاتحاد قراراً لاحقاً بالسماح للاعبين بالاحتراف خارج الكويت بعدما انتهت مهمتهم في تصفيات كأس العالم، علماً أن النية تتجه لاستبادل أغلب لاعبي المنتخب بآخرين استعداداً لبطولة كأس مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي ستقام في تشرين الأول اكتوبر 1998. احتراف مبطن لكن الأمر لم يتوقف عند الاحتراف الخارجي فقط... فهناك سوق داخلي في الكويت يتم بمقتضاه انتقال لاعب من نادٍ إلى آخر، وما حدث من صفقة انتقال لاعب القادسية والمنتخب الوطني المعروف فيصل بورقبة إلى النادي العربي أكبر دليل على أن في الكويت "احترافاً مبطناً"، وإن سمي انتقالاً بأجر... أو أحياناً تبادل منفعة، حيث يقوم نادٍ بالتنازل عن لاعب أو أكثر إلى نادٍ آخر مقابل استغناء الأخير عن لاعب... وقد سجلت صفقة انتقال بورقبة إلى العربي رقماً قياسياً لم تشهده بورصة لاعبي الكويت من قبل، حيث وصل المقابل إلى 120 ألف دولار، إضافة إلى راتب شهري، لكن الشبهات لا تزال تحوم حول هذه الصفقة نظراً لعدم قانونية عملية الانتقال، وهو ما دفع بنادي القادسية إلى اللجوء إلى القضاء لحل هذا الخلاف. وتمكن اللاعب عبدالله وبران نجم هجوم الكويت من الحصول على عقد دعاية لدى إحدى شركات الأجهزة الاليكترونية مقابل 120 ألف دولار لمدة سنة، وكان هذا العقد بمثابة طفرة جديدة في انتشال اللاعبين من حالة الاسترخاء التي يعيشون فيها، لمحاولة اثبات وجودهم، والحصول على عقود "احتراف" ولو عن طريق الدعاية، وعلى الرغم من مرور ثمانية أشهر تقريباً على توقيع هذا العقد، فإن المحاولة لم تتكرر مع أي لاعب آخر، بل أن الشركة نفسها لم تعلن عن عزمها تجديد العقد مع وبران! وبعد السماح للاعبين الأجانب بالمشاركة مع الفرق الكويتية في مباريات الدوري،، حددت الهيئة العامة للشباب والرياضة مبلغ 60 ألف دولار لكل ناد لاستقدام لاعبين اثنين فقط، ولما كان هذا المبلغ قليلاً نسبياً، فإن معظم الأندية تسعى الى احضار لاعبين جيدين لكنهم يفتقرون الى النجومية. وهناك أندية تحضر ثلاثة لاعبين وأغلب هؤلاء اللاعبين اما من السنغال أو مالي أو المغرب أو مصر، ويتراوح الراتب الشهري لكل منهم بين 1200 و2000 دولار مع بعض الامتيازات الأخرى كالمسكن والمواصلات، وبعضهم يتقاضى مقدماً للعقد يتراوح ما بين 12 و15 ألف دولار، ونظرا لأن المبلغ المحدد من الهيئة العامة للشباب والرياضة لا يكفي فإن شخصيات رياضية غنية تتدخل للمساهمة في استقدام اللاعبين مع التكفل بمتطلباتهم كافة. وهذا الموضوع أثار بعض المشاكل داخل أروقة الأندية ولا سيما بالنسبة الى المحترفين أصحاب المستوى المتوسط الذي يقل عن مستوى أصحاب الأرض مع أن هؤلاء لا يتقاضون أموالاً مثلهم، اللهم إلا مكافآت الفوز أو بدلات الانتقال التي لا تقاس بما يتقاضاه المحترفون. الموسم المقبل وقد طالب اكثر من رئيس ناد بأن يتم الغاء قرار السماح لمحترفين أجانب للعب مع الفرق، وانفاق هذا المبلغ 60 ألف دولار على اللاعبين المحليين لدفعهم الى تقديم الأفضل، لكن هذا الرأي لم يلق قبولاً لدى الأوساط الرسمية. وتجدر الاشارة الى أنه تم التعاقد مع 25 لاعباً محترفاً للعب في صفوف الفرق الكويتية للموسم المقبل، ولا تزال التعاقدات سارية حتى الآن حيث لم ينته بعض الأندية من تجربة لاعبيه والتعاقد معهم ومنهم نادي القادسية الذي لم يتعاقد حتى الآن الا مع لاعب محترف واحد، ويأتي المغرب في طليعة الدول التي تصدر لاعبيها الى الكويت 7 لاعبين تليها مصر 6 لاعبين فغانا 5 لاعبين ومالي 3 لاعبين وثمة لاعب واحد من كل من سورية والبحرين ويوغسلافيا وهنغاريا ويعتبر تورية بصله المالي لاعب النادي العربي أغلى اللاعبين أجراً شهرياً حيث يتقاضى ما يعادل 2000 دولار، ويلعب للعربي اضافة الى المالي بصله المغربيان توفيق بلاغه ومحمد الأستاذ، ويلعب للكويت البحريني فياهم محمود والمغربي مصطفى الخلفي، وللتضامن الغانيان كنيدي وسيبا مؤمن وللقادسية المغربي هشام الدميعي، ولليرموك اليوغسلافي ديكي، وللفحيحيل الماليان درامان داميلي وعمر باغايوغوا وللساحل المجري ناجول والسوري رامي الزعبي والمصري محمود عمار وللشباب الغانيان ستيفاني مانسوا ومحمد تيغاني، ولكاظمة المغربي محمد حمد والمصري خالد الغندور، وللسالمية المغربي أحمد مصباحي وللنصر السنغالي فاي امباي بوبكر والمغربي ابراهيم الفيضي ولخيطان المصريان بشير عبدالصمد ومحمد عبدالرؤوف. المدربون اما بالنسبة الى المدربين فلا يوجد في الأندية الكويتية سوى أربعة مدربين وطنيين فقط هم عبداللطيف الرشدان مدرب الشباب، علي الشمري مدرب النصر، صالح زكريا مدرب خيطان وعبدالله اليرموك مدرب الصليبخات، وتتراوح رواتبهم الشهرية بين ثلاثة وثمانية آلاف دولار والمخضرم صالح زكريا أعلى هؤلاء المدربين أجراً. اما بقية الأندية فيدربها محترفون أجانب ويعتبر التشيكي ميلان ماتشالا الذي يدرب منتخب الكويت أغلاهم على وجه الاطلاق حيث يتقاضى 20 ألف دولار شهرياً فضلاً عن السكن والسيارة والعلاج. وتتراوح بقية الرواتب بين ستة وثمانية آلاف دولار شهرياً فضلاً عن التقديمات الأخرى. ويدرب اليرموك الكرواتي بوهانسيو، والقادسية البرازيلي باتريسيو، والساحل المجري بيرلاكي استيفان، والفحيحيل التشيكي زلاكوف، والجهراء الالماني فيرنر، والسالمية دكتور جان بيرفينيك التشيكي، والعربي دراجان الانكليزي، والكويتي بوب الانكليزي، والتضامن سيليانو البرازيلي، في حين يدرب كاظمة بوكير الالماني. التفرغ الرياضي ويسعى القائمون على الرياضة في الكويت الى استصدار تشريع من مجلس الأمة يقضي بمنح التفرغ الرياضي للاعبين الذين يمثلون البلاد في اللقاءات الدولية أو القارية أو العربية أو حتى الخليجية. ويعتبر ذلك نوعاً من التحايل على موضوع الاحتراف، لأنه من الممكن أن يتفرغ اللاعب أكثر من سنة، ويتقاضى راتبه الشهري من وظيفته التي يعمل بها، وأغلب نجوم الكويت يعملون في الوزارات الحكومية وهي تتساهل الى حد كبير في اعطاء "التفرغ" قبل أن يصدر القرار الرسمي، ولا يتعدى قيمة ما يتقاضاه أي لاعب كويتي مبلغ 2000 دولار شهرياً اضافة الى مكافآت التدريب التي قد تصل في المرة الواحدة الى مئة دولار مع بعض المكاسب الأخرى في حالة الفوز عرضان للهويدي ووبران من كوريا الجنوبية بعد انتهاء مباريات تصفيات المجموعتين الآسيوية الأولى والثانية لكرة القدم، تلقى اللاعبان جاسم الهويدي وعبدالله وبران عرضين للعب مع بعض الفرق الكورية الجنوبية، ولا تزال المفاوضات جارية، وفي اعتقادنا أن الأمر لن يتعدى المشاورات، لأن من الصعب على اللاعب الكويتي اللعب خارج بلده ولا سيما في بلد بعيد تختلف طبائعه وعاداته وتقاليده عن الكويت، وهو يفضل دائماً الانتقال الى ناد آخر أكثر شهرة في بلده على اللعب خارج بلده. أسرار! على رغم عدم وجود نظام ضرائبي في الكويت، ومع أن القوانين فيها لا تحاسب أحداً على دخله مهما علا، إلا أن هناك حساسية مفرطة من الإعلان رسمياً عن رواتب ومقدمات اللاعبين المحترفين واعتبارها دائماً "أسراراً" لا يجوز التعرض لها... ولعل السبب في ذلك أن الفرق الخليجية جميعها تتنافس في ما بينها على اللاعبين وكذلك على المدربين، وأن قرب المسافة بينها اضافة الى سهولة انتشار المعلومة في الأوساط الخليجية الرياضية، يجعل القائمين على الرياضة فيها يؤمنون بالقول السائد "الباب اللي يجي لك منه الريح... سده واستريح".