هل ارتكب شمعون بيريز عندما قرر تقديم موعد الانتخابات العامة في اسرائيل الخطأ الأكثر فداحة في حياته السياسية ليدفع هو شخصياً ومعه التحالف العمالي الحاكم الثمن بالخروج من السلطة لمصلحة تكتل "الليكود" وزعيمه بنيامين نتانياهو؟ وهل سيكون مثل هذا التطور النهاية الفعلية لعملية السلام في الشرق الأوسط، أقله بالشكل الذي قامت واستمرت عليه منذ انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991؟ وماذا ستكون عليه خريطة الأحداث في المنطقة والبدائل المحتملة للعملية السلمية في حال انفراطها؟ وهل ستقتصر هذه البدائل على عودة المنطقة الى نوع من حالة اللاحرب واللاسلام التي كانت سائدة؟ أم أن تسارع الأحداث قد يدفع الى نشوء وضع يصبح فيه احتمال اندلاع مواجهة شاملة بين طرفي الصراع اللدودين المتبقين على الساحة العسكرية، أي سورية واسرائيل، أكثر ترجيحاً بل وربما حتمياً؟ وهل سيؤدي هذا الانفراط الى ما هو أسوأ من ذلك على المدى الأبعد، فيفرز صراعات جانبية وحروباً أهلية لا يمكن التحكم بها والسيطرة على نتائجها داخل ما كان يفترض أن يكون حتى الماضي القريب "أطراف الصف الواحد". وأخيراً، هل ستتمكن الولاياتالمتحدة من الحؤول دون كل هذه الاحتمالات واستعادة المبادرة السياسية، وتنفيس حدة التصعيد الأمني والعسكري وإرجاع قدر من التماسك الى "تحالف السلام" في المنطقة؟ هذه هي التساؤلات المركزية التي أدى التطور المتلاحق للأحداث الدموية التي شهدتها جبهات الصراع العربي - الاسرائيلي خلال الاسبوعين الماضيين الى ابرازها من جديد وهي التساؤلات نفسها التي تجهد الأوساط المعنية بالصراع للتوصل الى اجابات عنها. وإذا كان هناك أي اتفاق في وجهات النظر بين هذه الأوساط، من فلسطينية واسرائيلية وعربية واميركية، فهو ان هذه الأحداث أثبتت كم هو صعب التكهن بتطور الأوضاع في منطقة مثل الشرق الأوسط مليئة دائماً بعناصر المفاجأة والتحولات والمصالح المتضاربة، ناهيك عن المحاور المتعددة الأطراف والأهداف. طبعاً، يظل وارداً باستمرار احتمال عدم ترابط هذه الأحداث، واستنادها الى اصرار "حركة المقاومة الاسلامية" حماس، أو أجنحة معينة فيها مثل "كتائب عزالدين القسّام" التي كان يفترض أنها تشكل الجناح العسكري "الرسمي" للحركة، أو "خلايا المهندس يحيى عياش" المنبثقة عنها، على الانتقام لاغتيال عياش واعادة تكريس موقع "حماس" كطرف أساسي على الساحة الفلسطينية سياسياً وعسكرياً وضمان عدم استيعابها أو تحجيمها من قبل السلطة الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات، خصوصاً عقب الانتخابات التي قاطعتها الحركة وأسفرت عن فوز كبير لعرفات وأنصاره في الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا الرأي حظي في وقت من الأوقات بتأييد أوساط فلسطينية واسرائيلية على حد سواء، لا سيما في المرحلة التي تلت مباشرة عملية التفجير المزدوجة الاولى التي نفذتها "كتائب القسّام - خلايا المهندس" في القدس وعسقلان. في ذلك الوقت فضّل الكثيرون التركيز على "الطابع التقليدي" لتلك العملية، وعلى "أهدافها المحدودة والمتوقعة". والأهم من ذلك كان التركيز على أنها "لا تشكل في حد ذاتها تهديداً خطيراً لمجمل المسيرة السلمية، بل مجرد مؤشر ينبغي التعامل معه على هذا الأساس شرط أن يظل واحداً من نوعه ومن دون أن يتكرر". المسلسل المتلاحق لكن ما حدث فيما بعد كان عكس ذلك تماماً، اذ تلاحقت العمليات في صورة لم تكن تتوقعها حتى أكثر الدوائر الأمنية تحفظا وصرامة. فكانت عملية الشاب الفلسطيني - الاميركي الذي حاول دهس أكبر عدد ممكن من الاسرائيليين المصطفين في طابور أمام محطة للباصات في القدس بعد يوم واحد فقط من تفجيري القدس وعسقلان، وفي الوقت نفسه الذي كان بيريز يلقي بيانا أمام الكنيست حول التفجيرين المذكورين. ثم وقع الانفجار الثالث الذي أدى الى مقتل 19 اسرائيلياً في القدس بعد اسبوع واحد بالضبط على سابقه. وتلاه انفجار تل أبيب في اليوم التالي موقعاً 13 قتيلاً وعشرات الجرحى، ومتزامناً مع عملية لعناصر "المقاومة الاسلامية" في جنوبلبنان أدت الى مقتل أربعة جنود اسرائيليين بينهم ضابط برتبة عقيد كولونيل وجرح آخرين. وبكلام آخر، سلسلة عمليات لم تشهد لها اسرائيل مثيلاً من قبل، سواء من حيث الوتيرة المتلاحقة، أم من حيث تعدد مواقعها وأهدافها، أو تنوع أساليبها، ناهيك عن محصلة الخسائر التي أدت اليها أكثر من 60 قتيلاً اسرائيلياً في أقل من اسبوعين، دافعة بذلك المجتمع الاسرائيلي برمته، وبمؤسسته الحاكمة ورأيه العام الى خضم معضلة سياسية وأمنية ونفسية لا سابق لها. من هنا برز السؤال الكبير حول الهدف الكامن وراء هذا المسلسل التفجيري، وإذا كان يرمي الى إحراج بيريز تمهيداً لاخراجه وحزبه من السلطة في الانتخابات المقبلة، فمن هو المستفيد من ذلك؟ وإذا اندمج هذا الهدف مع اضعاف عرفات والسلطة الفلسطينية تمهيداً لاثبات عجزها وربما ازاحتها، فما هي البدائل المتاحة بالنسبة الى الفلسطينيين في الداخل؟ وإذا تم تحقيق هذا "الهدف المزدوج" على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي، ونجحت العمليات في نسف "السلام" الذي بدا في وقت من الأوقات انه أخذ يتحقق بين الجانبين، بغض النظر عن المحدوديات والنواقص التي كانت لا تزال تشوبه، فكيف يمكن عندئذ تصور انعكاسات ذلك على المسارات الأخرى في العملية السلمية؟ وتحديداً، ماذا سيكون عليه مصير السلام الأردني - الاسرائيلي في هذه الحالة؟ وماذا سيحل بمسار المفاوضات السورية - الاسرائيلية المتعثرة أصلاً، ومعها المسار اللبناني - الاسرائيلي المتوقف حتى إشعار آخر؟ وباختصار، هل ظل ممكنا، في ضوء أحداث الاسبوعين الماضيين، استبعاد فرضية ان المستهدف أولاً وأخيراً في كل ما حدث كان "السلام في حد ذاته"، على حد تعبير مسؤول فلسطيني رفيع. ويمضي ذلك المسؤول قائلا: "يخطئ من يعتقد بأن الهدف من هذه العمليات تكتيكي يقتصر في انعكاساته على الوضع الفلسطيني داخل مناطق السلطة، أو على الجو السياسي الاسرائيلي عشية الانتخابات، أو حتى على مستقبل العلاقة الفلسطينية - الاسرائيلية في ظل المواعيد الحيوية المحددة بموجب الاتفاقات، كإتمام انسحاب القوات الاسرائيلية من الخليل، واستكمال بسط السلطة الفلسطينية على الضفة والقطاع، وبدء مفاوضات الوضع النهائي، بما في ذلك القدس والدولة المستقلة التي تصبو اليها. كما يخطئ كثيرا من يعتقد ان انهيار السلام الفلسطيني - الاسرائيلي سيقف في آثاره عند ذلك الحد... لقد أصبح واضحا لدينا أن الهدف اكثر استراتيجية من ذلك بكثير وأبعد مدى لأن انهيار السلام الفلسطيني - الاسرائيلي سيعني نهاية العملية السلمية كما عرفناها حتى الآن ومن دون توافر أي بدائل موضوعية مقنعة. ومثل هذه النهاية ستكون كارثة على الجميع عربا واسرائيليين، بل وعلى المنطقة والعالم". "السيناريو الأسوأ" ولعل في هذا الكلام ما يعكس مدى الخطورة التي وصل اليها الوضع. فمصادر حزب العمل والأوساط الاسرائيلية عموماً لم تعد تتردد في وصف الحالة التي نشأت عن العمليات التفجيرية في مواجهة بيريز وائتلافه الحاكم بأنها "سيناريو الكابوس الأسوأ" الذي فاق أكثر التوقعات تشاؤما. وتشرح مصادر عمالية قريبة من رئيس الحكومة ذلك فتقول: "المشكلة الحقيقية الآن هي ان المجتمع الاسرائيلي اصبح مقتنعاً بأن السلام المطروح يتناقض مع الأمن الذي كان موعوداً به. وفي وضع كهذا، فإن الاسرائيلي يختار دائما الأمن ويفضله على أي اعتبار آخر. وهنا تعود النفسية الاسرائيلية الى اللجوء الى منطق القوة باعتبارها الوسيلة المثلى لتحقيق أولوية الأمن... فكيف تستطيع أن تقنع الاسرائيليين الآن بأن الأهم هو السلام والتعايش والنظام الاقليمي الجديد القائم على التعاون والتكامل... الخ، عندما يواجهون كل يوم احتمال التفجيرات هنا، أو الكمائن هناك، أو القذائف الصاروخية، أو الألغام الأرضية، أو حتى الطعم بالسكاكين والمدى، انها معضلة كان حزب العمل بزعامة رابين نجح في حلها عندما تمكن من اقناع الاسرائيليين بأن السلام والأمن هما صنوان متكاملان. أما عندما يصبح الأمر وكأنه اختيار في غير محله بين السلام والأمن، فإن الاجماع في اسرائيل من دون استثناء سيكون التضحية بسلام ناقص من أجل أمن منشود". ولا توفر المصادر الاسرائيلية بيريز من انتقادات لاذعة، فتقول: انه "اخطأ عندما قرر تقديم موعد الانتخابات. وليس كافياً تبرير هذا الخطأ بالقول انه اتخذ قراره في وقت بدت فيه الأمور أكثر اشراقاً، أو أنه لم يكن يتمتع بالقدرة على توقع ما حدث أو افتراضه. فرئيس الحكومة اعتبر انه سيخوض الانتخابات متربعاً على عرش ما تحقق من انجازات على المسارين الفلسطيني والأردني، ومستفيداً من العطف الناجم عن اغتيال اسحق رابين على حزب العمل وعملية السلام، وثقته بتحويل ذلك الى مكاسب انتخابية على حساب اليمين وزعيمه نتانياهو. وهو كان مقتنعا بأنه سيتمكن من الفوز بتلك الانتخابات ومن ثم التفرغ لمقارعة الرئيس السوري حافظ الأسد من دون عبء الضغوط الزمنية أو الانتخابية. لكنه كان يتعين عليه ان يدرك ان الحملة الانتخابية لا يمكن أن تمر خالية من المفاجآت في ظل غياب أي تقدم على مسار المفاوضات مع دمشق، والافتقار الى أي ضمانات ملموسة من جانب عرفات والسلطة الفلسطينية بالامساك بزمام الأمور والسيطرة على حماس وغيرها من التنظيمات المتطرفة. وهكذا تحول المتطرفون الرافضون للسلام بشكله المطروح حاليا، وبشقيهم العربي والاسرائيلي، الى الناخب الأكبر في اسرائيل. وسواء كانت عمليات العنف مصدرها حماس أم الجهاد أو غيرهما من التنظيمات في الأراضي الفلسطينية، أم حزب الله في جنوبلبنان، فإن أثرها في المجتمع الاسرائيلي كان معروفاً منذ البداية، وهو تقوية اليمين ودفع اليسار الى اتخاذ مواقف قد لا يكون مقتنعا بجدواها، لكنه مضطر الى اتخاذها". البعد الاقليمي لكن معضلة بيريز وحزب العمل، والمأزق الاسرائيلي عموما، أكثر حدة من ذلك. فمن الواضح ان أي اجراءات أمنية - عسكرية تجد السلطات الاسرائيلية نفسها مضطرة الى تنفيذها ستكون ذات نتائج عكسية، أقله من حيث تأثيرها على عملية السلام وعلى شركاء اسرائيل المفترضين فيها. فإضعاف الرئيس الفلسطيني وسلطته في الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال عودة النشاط الأمني الاسرائيلي الى تلك المناطق في شكل علني ضد "حماس" و"الجهاد" والتنظيمات المعارضة الأخرى سيؤدي الى "إفقاد اسرائيل شريكها في عملية السلام على المسار الفلسطيني دون ان يكون هناك أي بديل عن هذا الشريك. بل ستكون النتيجة الوحيدة تقوية مواقع معارضي السلام، وتحويل المناطق الفلسطينية من جديد الى بؤرة للنشاطات المسلحة ضد الأهداف الاسرائيلية العسكرية والمدنية". وتنطبق المحاذير نفسها تقريبا على أي اجراءات عسكرية اسرائيلية يتم تنفيذها في جنوبلبنان ضد "حزب الله" والتنظيمات الأخرى اللبنانية والفلسطينية التي تعمل انطلاقا من تلك المنطقة. لكن الأخطر من ذلك كله هو التوجه الملحوظ الذي أخذت تعرب عنه أوساط اسرائيلية وأميركية - ومعها أوساط فلسطينية - في صورة متزايدة باعطاء الوضع المتأزم الناشئ عن التفجيرات والعمليات "بعداً اقليمية". فما بدت للوهلة الأولى وكأنها محاولة من جانب واشنطن، والحكومة الاسرائيلية بدرجة أقل، للإنحاء باللائمة على ايران واتهامها بدعم نشاطات "حماس" و"حزب الله" وسائر القوى المعارضة لعملية السلام في المنطقة، والاعراب في الوقت نفسه بلباقة لافتة عن الأمل في أن "تقوم سورية بما أمكن" للحد من هذه النشاطات، تحولت الى مصدر توتر لم يعد من المفيد التخفيف من خطورته على المسار المحتمل للأحداث. ولا يمكن في هذا المجال تجاهل ان المفاوضات السورية - الاسرائيلية التي كانت لا تزال مستمرة، وان ببطء، في الولاياتالمتحدة، كانت بدورها من ضحايا التصعيد على المسار الفلسطيني. فقد تم تجميد هذه المفاوضات من جانب اسرائيل "حتى إشعار آخر"، فيما بدأت أوساط اسرائيلية وأميركية التحدث عما تصفه ب "إيواء دمشق العناصر الرافضة للسلام وتزويدها الدعم والتشجيع... الخ". أي رد وأي ثمن؟ ويبرز هنا من جديد المأزق الاسرائيلي. فالافتراض بأن الاتجاه بات الآن يتصاعد نحو التعامل مع "المشكلة الارهابية" من منطلق اقليمي، من شأنه أن يطرح التساؤل عن المدى الذي قد تندفع فيه اسرائيل الى "تنفيذ رد ما على المستوى الاقليمي ذاته"، حسب مسؤول أميركي على صلة مباشرة بمفاوضات السلام. ويمضي هذا المسؤول متسائلا: "لو تم تحقيق تقدم في المسار السوري - الاسرائيلي ودخل الجانبان في مرحلة البحث في التفاصيل، ولو اجتازت العملية السلمية على هذا المسار نقطة اللاعودة كما كنا نتمنى حتى اسابيع خلت، هل كان يمكن حدوث ما حدث من تفجيرات وعمليات خلال الايام الماضية، سواء داخل اسرائيل أو على حدودها الشمالية مع لبنان؟". ومثل هذا التساؤل يحمل في طياته الاجابة عنه. لكن الاجابة نفسها تشكل معضلة لا يعتقد ان الحكومة الاسرائيلية، ولا ادارة الرئيس كلينتون في واشنطن، تمكنت حتى الآن من العثور على حل لها. فمن يستطيع في مثل هذه الظروف تحمل تبعات تصعيد خارج عن نطاق السيطرة بين سورية واسرائيل؟ ومن هو القادر على التكهن بما قد تصل اليه الأوضاع في المنطقة برمتها لو بلغ هذا التصعيد حد دخول البلدين في مواجهة عسكرية مباشرة سواء اقتصر مسرحها على الأراضي اللبنانية والقوات السورية العاملة فيها ومعها حلفاء دمشق هناك، أم امتدت لتشمل الأراضي السورية والاسرائيلية نفسها؟ أما إذا كان "البعد الاقليمي" المفترض يتجاوز سورية ليقتصر على ايران، فإن الثابت ان أي عمليات اسرائيلية أو اسرائيلية - اميركية مشتركة ضد هذه الاخيرة لن تكون إلا مدخلا واسعا جدا نحو دوامة جديدة من أعمال العنف والعنف المضاد لن تظل على الأرجح محدودة في الشرق الأوسط، بل ستمتد الى خارج المنطقة. في مقابل كل ذلك تظل "حاجة اسرائيل الى الرد" طاغية على ما عداها، ليس بالنسبة الى الحكومة العمالية ورئيسها بيريز فحسب، بل وعلى المستوى النفسي الشامل داخل المجتمع الاسرائيلي. فخسارة الشعور بالأمن بالنسبة الى هذا المجتمع ليست سهلة، وهو الذي قام أساساً على مبدأ الأمن. ولن تكون عوامل الخسارة المحتملة الأخرى التي يجازف الاسرائيليون بفقدانها حاليا، من السلام مع الفلسطينيين الى التعايش مع الدول العربية المجاورة، أقسى عليهم من خسارة شعورهم بأنهم "قادرون على العيش داخل حدودهم في قلعة محصنة" حسب تعبير أحد كبار الخبراء الاستراتيجيين الاسرائيليين. ولذلك، فإن المقايضة قد تكون أسهل مما هو متوقع. وحتى لو أدى هذا الزخم الاسرائيلي المتزايد نحو اعتماد مبدأ "الرد" الى فقدان السلطة الفلسطينية مقوماتها، والى استبعاد آخر احتمالات التوصل الى التسوية مع سورية، أقله في المدى القصير أو المتوسط، والى نسف العملية السلمية من أساسها، فإنه قد يكون هو الغالب لدى بيريز، شأنه في ذلك تماما شأن غريمه نتانياهو. من هنا تصبح الاجراءات الحالية مجرد تفاصيل. فالمسألة لن تكون عندئذ مجرد اعتقال العشرات أو المئات من أنصار "حماس"، أو نسف هذه المنازل أو تلك في الضفة والقطاع، أو توجيه ضربات محدودة الى مواقع "حزب الله" في جنوبلبنان. بل انها ستصبح سريعا "حاجة اسرائيل لأن تثبت لنفسها قبل الآخرين انها لا تزال اسرائيل". وهذا يعني ببساطة، حسب الخبير الاستراتيجي الاسرائيلي، ان "الاستعداد لا يزال موجودا لدفع الثمن السياسي والعسكري مهما كان، لقاء المحافظة على أمن الدولة ووجودها، فهذا هو الضمان الوحيد لبقائها". "حرب السلام" قد تكون بدأت فعلا، بل ربما تحولت حروبا عدة على السلام ومن أجله. ولعل من المجدي هنا التذكير بما كانت الولاياتالمتحدة حذرت منه قبل أشهر عندما أبلغت الجانبين السوري والاسرائيلي ان عدم التوصل الى تقدم ملموس على المسار التفاوضي السوري - الاسرائيلي قبل نهاية هذا العام "جعل المنطقة عرضة لكل الاحتمالات". والواقع ان الاحتمالات جميعها باتت الآن واردة.