مجموعة فقيه للرعاية الصحية توقع اتفاقية لإنشاء مركز طبي جديد في جدة    محافظ الأحساء يرعى توقيع 4 اتفاقيات للبيئة لدعم مبادرة السعودية الخضراء    الأجهزة صُممت وجُمعت في إسرائيل.. أسرار اختراق «بيجر» حزب الله تتكشف    أرقام جيسوس الاستثنائية من دون توقف في الهلال    وسائل إعلام عالمية تشير لنجاح معرض الرياض الدولي للكتاب 2024    اختتام المعرض التفاعلي الأول للتصلب المتعدد    نائب أمير الشرقية يلتقي بالأعضاء المعينين والمجدد لهم الثقة الملكية في مجلس الشورى    من أعلام جازان.. التربوية القديرة العنود محمد علي شعراوي    اعتدال و تليجرام يزيلان أكثر من 129 مليون محتوى خلال الربع الثالث من 2024    "هيئة العقار" تعلن قرب انتهاء التسجيل العيني في حي قرطبة بمدينة بريدة    الحقيل يفتتح أعمال الدورة ال 12 لمؤتمر العمل البلدي الخليجي بالرياض    القيادة تهنئ رئيس جمهورية مصر العربية بذكرى يوم العبور لبلاده    إعلان ولاية فلوريدا الأمريكية حالة الطوارئ تحسبًا للعاصفة "ميلتون"    غارة جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت    بدء تطبيق المقابلات المالية للخدمات الجمركية    د. ال هيازع : خادم الحرمين قائد فريد في حكمته وعطائه ورؤيته الثاقبة    الطقس: الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية على 4 مناطق    جمعية التنمية الأسرية ببريدة تطلق مبادرة ( سنة أولى زواج )        جمعية التنمية الاجتماعية الأهلية في عوالي المدينة المنورة تقيم برنامج "خباز البريوش والباريستا"    السعودية.. دعم سخي لإنقاذ اليمن    خطوات متسارعة لتحقيق مستهدفات رؤية المستقبل    22094 مخالفاً ضبطوا في 7 أيام    القضاء في العهد الزاهر.. استقلال ومؤسسية وعدالة ناجزة    عقوبات مشددة على التمييز ضد ذوي الإعاقة    الجدعان: نواجه تحدي التخفيف من الاعتماد على النفط    ذكرى البيعة    تبوك: عروض جوية بمناسبة اليوم الوطني    جامعة الطائف تقيم معرض «اسأل صيدلي»    احموا أطفالكم.. لا تعطوهم الجوال    5 معادن «تُحصّن» جسمك من عدوى الفايروسات    بحث مع الوزير الفرنسي المستجدات .. وزير الخارجية ونظيره المصري يؤكدان التضامن مع الشعب اللبناني    خط دفاع من الاندثار والفناء.. مهتمون وناشرون: معارض الكتاب تحافظ على ديمومة «الورقي»    محبو العلوم    حضور غفير لمسابقة "مثايل".. إبداعات شعرية على مسرح معرض الرياض    الاختراق    دورة الألعاب السعودية والآمال    مركز الملك سلمان يكثف مساعداته الإغاثية.. المملكة تواصل جهودها الإنسانية الرائدة في العالم    جهود مكثفة    ضمن تصفيات مونديال 2026.. الأخضر يبدأ الاستعداد لمواجهتي اليابان والبحرين    امرأة تعطس لمدة أسبوعين بلا توقف    تحولات نوعية.. نمو مستدام.. البطالة لأدنى مستوى تاريخي    سياسيون مصريون ل«عكاظ»: السعودية قوة سياسية إقليمية وعالمية    «صُنّاع الحداثة والتنوير والتنمية».. إصدار جديد للدكتور عبدالله المدني    سباق الملواح..    جدول ترتيب الدوري السعودي بعد فوز الهلال على الأهلي    ما هي الرجولة؟ وكيف نعرف المرجلة؟    نصر جديد مع بيولي    الشركات العالمية.. تتجاوز المستهدف    حكمة ملك وازدهار وطن    فلاتة يخطف ذهبية المصارعة    حفل لندن.. باهر ولكن !    المملكة تشارك العالم في الاحتفاء بيوم المعلم    ذكرى غالية ومجيدة    المدبر هو الله.. لا تقلق    الألفة مجلبة للتعاون على البر والتقوى    وزير الحج يستقبل وزير السياحة والآثار المصري    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيال المختبرات ينذر بثورات متلاحقة . ماذا لو تلاعب العلماء بالجينات ؟
نشر في الحياة يوم 19 - 02 - 1996

يلجأ الانسان الى الخيال عندما يعجز عن تحقيق ما يصبو اليه ويتمناه على ارض الواقع. فالخيال والحلم بالاشياء حق مشروع وحافظ قوي لتحقيق التطور. ولولاهما ما تمكن الانسان من تحقيق احلامه سابقاً وحاضراً ومستقبلاً، ولما نعمنا بالتطورات الهائلة والابداعات والابتكارات المذهلة التي تميز عصرنا. فأحلام المبدعين في القرن الماضي امثال الروائي الفرنسي جول فيرن تجسدت في الكتب الشهيرة التي انجزها مثل "رحلة الى محور الارض" و "20 ألف فرسخ تحت البحر" و "من الأرض الى القمر" و "باريس في القرن العشرين". فقد تحققت معظم التوقعات التي تصورها في كتبه خلال القرن الحالي كصناعة الغواصات والسفر الى القمر والهبوط على سطحه، وكذلك استخدام الانسان لقطارات الانفاق المترو والسيارات والهاتف والفاكس. اذ كان جول فيرن مقتنعاً تماماً بأن العلم والاختراع آلات فاعلة لتطويع المجهول.
كما أبدع الروائي البريطاني ه. ج. ولز في قصصه الخيالية عن "الرجل الخفي" و "حرب الكواكب" و "البيضة البلورية" التي اثارت افكاراً وأحداثاً واختراعات تحققت ايضاً في هذا القرن مثل استخدام الاسلحة النووية في الحروب والعربات المصفحة كالدبابات والمدرعات والاتصالات المرئية والمسموعة واستخدام الكابل او الالياف الضوئية، والاتصالات عبر الاقمار الاصطناعية والحروب الجوية.
ومع وفرة احلام الانسان وسعة خياله يطل علينا المستقبل بانجازات وابتكارات واعدة في مجالات عدة نورد بعضها في التحقيق الآتي.
الهندسة النسيجية
بعدما اصبحت تقنية اطفال الانابيب امراً واقعاً وأسلوباً ناجحاً وعلماً شائعاً، انتقلت عدوى الابداع على مجال الهندسة النسيجية، اذ اصبح بالامكان استنبات اعضاء مهمة للجسم داخل اوعية الاختبار بواسطة تقنية ثورية ربما قلبت مستقبل زراعة الاعضاء رأساً على عقب.
فقد اشارت الدكتورة غيل نوتون رئيسة شركة أي تي. سي. لعلوم الانسجة المتطورة في مدينة سان دييغو الاميركية، ورائدة في حقل تكوين الجلد البشري والغضاريف وصمامات القلب، الى ان الجلدة التي يقطعها الجراح من ذكر الطفل ثم يتخلص منها بعد عملية الختان او التطهير، يمكن ان توفر للعلماء المواد الاساسية اللازمة لاستنبات كمية هائلة من الجلد البشري تغطي مساحة ملعب لكرة القدم. اذ يكفي استنبات خلايا الجلدة فوق شبكة من مواد الغرز القابلة للتحلل الحيوي كتلك المستخدمة في خياطة جروح العمليات الجراحية. وسوف يساعد هذا الاكتشاف مستقبلاً في توفير جلد بشري لضحايا الحرائق الذين يحتاجونه في عمليات التجميل من دون الخوف من ان ترفضه أجسادهم. كما سيستفيد منه المرضى الذين يعانون من قروح جلدية ناتجة عن الاصابة بمرض السكري.
وكانت شركة أي. تي سي ساهمت مع الاخوين جوزيف وتشارل فاكانتي العاملين في ابحاث زراعة الاعضاء في مدينة بوسطن ونجحت معهما في تنمية اذن بشرية تحت جلد فأر، بعد ان صمموا قالباً مشابهاً للأذن مكوناً من مادة قابلة للتحلل الحيوي ثم قاموا باستنبات خلايا غضروفية بشرية داخل القالب ووزعوه تحت جلد الفأر لتتغذى الخلايا الغضروفية بدمائه.
وتستخدم شركة أي. تي. سي الاسلوب ذاته لاستنبات صمامات للقلب اثبتت نجاحها وسلامة ادائها لدى الحيوانات. كما يأمل الباحثون في معهد أم. آي. تي للتكنولوجيا في ولاية ماساتشوستس بالتمكن من استنبات قصبات هوائية وتنمية اكباد وكلى وقلوب داخل اجساد من يحتاج اليها من مرضى زراعة الاعضاء مستقبلاً. مع احتمال اعادة نمو الاعصاب التالفة والحبل الشوكي المعطوب لمن يعاني من الشلل، وهذا ما أكدته الدكتورة باربرة بيرغمان وفريق من الباحثين في جامعتي زوريخ وجورجتاون حديثاً، اثر اكتشافهم طريقة فاعلة تشجع جهاز الاعصاب المعقد على استعادة النمو ولو جزئياً.
وتحتل بريطانيا حالياً مركز الصدارة في الابحاث المتعلقة بالعظام الاصطناعية. اذ تمكن البروفسور بيل بونفيلد رئيس وحدة المواد الحيوية في مستشفى كوين ماري، من انتاج عظام اصطناعية تمتاز بالصلابة نفسها التي تتحلى بها العظام الطبيعية. وقد استخدم في صنعها مادة هيدروكسيل الاباتيت الكيماوية التي يستعملها الجسم لبناء عظامه. وهي لذلك تدفع العظام الحقيقية للاعتقاد بأن العظام الاصطناعية هي جزء منها. لذا فان اهم استخداماتها سيكون في حقل استبدال الحوض وعظام الأذن الداخلية والجراحة التجميلية للوجه.
ويعتقد الدكتور كولن همفريز استاذ علم المواد في جامعة كامبريدج ان احتمال اتساع نطاق استخدام هذه التقنية مستقبلاً ليشمل زراعة رقاقات مجهرية داخل الدماغ من اجل تقوية الذاكرة وتغذية الذكاء الاصطناعي، أمر وارد جداً.
الهندسة الوراثية
من المتوقع ان تفتح النجاحات المتلاحقة في حقل الهندسة الوراثية، بعد اكتمال صورة الخارطة الجينية للانسان واكتشاف الجينات التي لها علاقة مباشرة بأعضاء الجسم المختلفة ووظائفها، آفاقاً واسعة امام الاطباء والعلماء الراغبين في استخدامها لأغراض الوقاية والعلاج. الا ان النتائج الباهرة التي يمكن ان تحققها هذه الاكتشافات مستقبلاً عن طريق التلاعب بالجينات او تبديلها، ربما تحولت الى كابوس مزعج وكارثة بشرية اذا أسيء استعمالها. فنجاح العلماء في تبديل جسم ذبابة الفاكهة بحيث اصبح لها بطنان وأربعة اجنحة، يمكن ان يتحول الى ولادة طفل برأسين و3 أذرع او 4 او اكثر من دون ان يكون للمولود علاقة بالتوائم السيامية. وقد تطرأ هذه التجارب بدافع الحاجة الى جيل فريد من البشر قادر على المساهمة بأفكار متعارضة او متوافقة حسب تركيب الادمغة التي تحملها اجسادهم المهندسة وراثياً. وقد تستغل طاقاتهم العقلية والجسدية وتعدد اياديهم للقيام بأعمال ومهام عدة في آن، كاستخدام الاجهزة المعقدة وتشغيل المصانع والمنشآت المستقبلية التي تحتاج الى كفاءات وامكانات خاصة. او ربما طمح دعاة الحروب وهواة السيطرة ومحترفو الارهاب الى استغلال جيل البشر هذا في معاركهم الخاصة وذلك بتزويدهم اسلحة ومعدات متطورة يمكن حملها بالأيدي المتعددة وتصويبها باتجاهات مختلفة حسب حركة الرأسين حيث تقوم مجموعات محدودة منهم بما تقوم به جيوش كاملة. ويمكن تطويع هذه النماذج البشرية لانجاز الاعمال وتشغيل المصانع وادارة المؤسسات اقتصاداً للوقت والمال وضماناً لاستمرارية العمل.
ولا يتوقف سوء استغلال الهندسة الوراثية عند هذا الحد، فقد يتحكم بعض المهووسين بتركيب اعضاء الجسم المختلفة عبر التلاعب بالجينات المسؤولة عن اعضائها وخصائصها فينمو فرانكشتين المستقبل داخل رحم أمه بدل اللجوء الى تركيبه جراحياً من اعضاء الضحايا وقد يؤدي ذلك الى ولادة انسان خارق بخصائص وطاقات هائلة تخدم البشرية او تدمرها.
الانسان الآلي والاجهزة "الروبوتية"
ان الاجهزة "الروبوتية" المستخدمة حالياً داخل بعض المصانع المدنية والحربية وفي مراكز الابحاث والمختبرات، مبرمجة في معظمها للقيام بأعمال روتينية رتيبة تساعد الانسان على انتاج كميات كبيرة من الآلات والمعدات بسرعة وسهولة ودقة. وتختلف هذه الروبوتات عن الانسان الآلي او الروبوت المصنوع كلياً من المعادن والمبرمج الكترونياً كما ظهر في سلسلة افلام "ستار وورز" حرب النجوم وعن روبوت "السايبورغ" المصنوع من هيكل معدني صلب للغاية مغطى بمادة تشبه لحم الانسان، ومجهز بقدرات عقلية وجسدية خارقة مبرمجة الكترونياً بشكل يؤهلها للقيام بمهام ووظائف يعجز عن ادائها الانسان العادي كما ظهر في سلسلة افلام "تيرمينايتور".
اما روبوت "سايبورغبنك" الذي يملك دماغ انسان وجسداً معدنياً كالذي ظهر في سلسلة افلام "روبوكوب" فإنه قادر على استعادة مشاعره البشرية.
ومن جهة خطت تكنولوجيا استبدال بعض الاعضاء البشرية المعطوبة بأجهزة وبدائل الكترونية مبرمجة، خطوات هائلة اواخر القرن الحالي، وهي مؤهلة لمزيد من التطور بحيث تصبح الاعضاء البديلة أكثر فاعلية وخصوصية بما تتمتع به من ميزات وقدرات خارقة كتلك التي اعتدنا مشاهدتها في حلقات المسلسل التلفزيوني "رجل الستة ملايين دولار".
وقد اثبت الاقبال الكبير على مشاهدة الافلام العلمية الخيالية ان الانسان لم يعد قانعاً باستخدام التقنية الروبوتية في الصناعات الثقيلة والخفيفة، وان ابحاثه وتجاربه لا تقتصر على تركيب روبوتات تساعده في انجاز الاعمال المنزلية، بل تعدت ذلك الى دراسة احتمال استخدامها في اجراء العمليات الجراحية المعقدة وخوض الحروب المستقبلية والقيام بالمهام الخطيرة التي يصعب او يستحيل على الجنس البشري القيام بها. لذا فانه من المتوقع ان يزداد استخدام الاجهزة الروبوتية مستقبلاً في كافة المجالات، وان يساعد تطور تكنولوجيا المعلومات والالكترونيات على جعلها اكثر كفاءة وقدرة على تحقيق احلام الانسان في بناء مجمعات او مدن روبوتية متكاملة تؤمن له كافة الاحتياجات المعيشية وتساعده على الاكتفاء الذاتي في زمن تتدهور فيه الاحوال البيئية وتتكاثر الملوثات ويزداد عدد السكان وتتعاظم متطلبات الحياة العصرية.
اكثر ما يشغل بال الانسان هو معرفة خفايا المستقبل ومحاولة الوصول اليها ومعايشتها بحلاوتها وضراوتها ومن ثم الهروب منها للعودة الى الحاضر. ودفع ذلك الروائي البريطاني ه. ج. ولز في القرن التاسع عشر الى كتابة قصة "آلة الزمن" التي بيّن فيها امكان السفر عبر الزمن آلاف السنين لرؤية المستقبل بما فيه من عجائب وغرائب وما سيؤول اليه وضع الكرة الارضية ومن عليها. وتلت ذلك قصة للروائي الاميركي "مارك توين" عنوانها "جندي اميركي في قاعة الملك آرثر" التي حملت مسافر الزمن الى الماضي. وظهرت افلام عدة وصفت رحلات متنوعة عبر الزمن من الحاضر الى الماضي ومن الحاضر الى المستقبل بواسطة سيارة كافلام "العودة الى المستقبل" او بواسطة صندوق للهاتف العمومي مثل افلام "مغامرات بيل وتيد الممتازة" وهي مقتبسة عن المسلسل التلفزيوني البريطاني الشهير "دكتور هو" الذي يقوم برحلاته الزمنية داخل صندوق مشابه.
ان السفر عبر الزمن والطموح لتحقيقه سيستمر لأن الانسان بطبيعته مسافر يومي عبر الزمن في رحلاته الخيالية التي يعيشها في احلامه. وقد يأتي اليوم الذي تنجح فيه جهود الانسان وتجاربه لاختراع وسيلة او مركبة تنقله الى المستقبل القريب او البعيد. وتتجه الجهود العلمية حالياً الى تطبيق نظرية السفر ذهاباً وإياباً عبر الزمن باتجاه المستقبل داخل مسلك دودي ذي فتحتين يخلقه احد ثقوب الفضاء السوداء، وذلك بعدما اثبت علماء الفيزياء الاميركيون رياضياً ان تقريب فتحات المسلك الدودي ينتج عنه ولادة آلة زمنية يمكن السفر عبر احدى فتحاتها الى المستقبل ومن ثم العودة الى الحاضر من خلال الفتحة الاخرى. وكان العالم الفيزيائي واستاذ الكونيات في جامعة كامبريدج البروفسور ستيفن هوكنغ اشار الى امكان السفر عبر الزمن واحتمال مواجهة المسافرين لصعوبات وعقبات جمة خصوصاً للراغبين في العودة الى الماضي. اذ ان العودة الى حقبة زمنية تسبق صناعة آلة الزمن تتنافى وقوانين الطبيعة التي تحرم من يسافر الى الماضي من القدرة على العودة الى الحاضر لانعدام وجود آلة الزمن التي استخدمها في أسفاره للوصول الى الماضي. وكانت "الوسط" اشارت الى نظرية السفر الى الماضي وظاهرة الصحون الطائرة في عدد سابق.
اما السفر الى المستقبل والعودة منه الى الحاضر، فقد اصبحت احتمالاته اكبر على رغم تزايد الصعوبات واستحالة توفير كميات الوقود او الطاقة المطلوبة لاجتياز تلك المسافات بسرعة الضوء. فاذا اعتمد المسافر على مركبة فضائية يقودها الى احدى فتحات المسلك الدودي للثقب الاسود بامكانه نظرياً الانتقال الى المستقبل الموجود في نهاية المسلك الدودي ومن ثم العودة عبر تلك الفتحة الى الحاضر الذي انطلق منه.
رحلات سياحية الى القمر
رحلات السفر السياحي والتجاري الى القمر ولا تزال بعيدة المنال. لكن قيادة عربات روبوتية فوق سطحه قد تتحقق خلال بضع سنوات. اذ تتوقع احدى الشركات الاميركية "لونار كوربوريشين" او "لونا كورب" ان تساعد تقنيات التخاطب التلفزيوني والاتصالات البعيدة على صناعة عربات روبوتية يمكن التحكم فيها عن بعد في العقد المقبل. وسوف يتيح ذلك لمن يرغب قيادة عربات صغيرة على سطح القمر من محطات شبه فضائية متواجدة في حدائق الألعاب والمنتزهات. حيث يجلس السائق على منبر متحرك فيشعر وكأنه داخل عربة فضائية حقيقية تمكنه من رؤية ما يدور حوله بزاوية 360 درجة. تعمل في المشروع نخبة من العلماء داخل مقر الشركة في أرلنغتون - ولاية فرجينيا في الولايات المتحدة، وتأمل الشركة بتصنيع اول عربتين من هذا النوع عام 1999. وستقطع العربات مسافة 1000 كلم فوق سطح القمر بسرعة المشي على الاقدام. وقد تبلغ الكلفة المبدئية لبناء العربتين والمحطات الارضية ومراكز الاتصال بين الارض والقمر 200 مليون دولار يمكن استعادتها بسرعة من ريع الرحلات مستقبلاً.
ويتوقع رئيس شركة "لونا كورب" ان يستقطب المشروع اهتمام الاوساط العلمية والشركات المنقبة عن المعادن التي يمكنها الافادة من قيام العربات بتحليل بيئة سطح القمر او غيره من الكواكب التي ينجح الانسان في انزال مركباته عليها. وقد تتمكن العربات مستقبلاً من جمع وقود الهيليوم وغيره من الغازات لاستخدامها في مفاعل توليد الطاقة التي يحتاجها انسان المستقبل.
استيطان الفضاء والكواكب والبحار
وكما تحقق حلم الانسان في الوصول الى القمر والهبوط فوق سطحه، فان التوغل في اعماق هذا الكوكب وغيره من الكواكب واقامة قواعد ومستوطنات دائمة فوقها لم يعد من المستحيلات. لذا تقوم وكالة الفضاء الاميركية "ناسا" مع دول اوروبية عدة بتجارب متواصلة لدراسة امكانية العيش فترات طويلة داخل محطات فضائية دائمة فوق سطح الكواكب وعلى يابستها ايضاً. وقد نجح بعض هذه التجارب في اقامة عدد من رواد الفضاء فترات قياسية داخل مركباتهم المتصلة بمحطات فضائية. كما نجح عدد من الرجال والنساء في الاقامة داخل "بيوت زجاجية" تتوافر فيها متطلبات المحيط الحيوي الضروري لبقاء الانسان معزولاً عن الاجواء البيئية الخارجية المحيطة به. اذ تجاوزت مدة اقامتهم داخل البيئة الاصطناعية سنتين كاملتين من دون تعرضهم لأية مضاعفات او اضرار صحية.
وقد ينجح العلماء في تطبيق تلك التجربة عبر اقامة قواعد ثابتة فوق القمر يمكن للانسان العيش داخلها من دون التأثر بالاجواء الخارجية المحيطة به. كما يمكنه اقامة قواعد اخرى مماثلة في الفضاء على مقربة من كواكب القمر والمشتري والزهرة.
ولن يكتفي الانسان بسبر اغوار الفضاء والكواكب، بل سيدفعه طموحه الى تحقيق حلمه في العيش تحت اعماق البحار داخل بيوت ومجمعات قادرة على تحمل قساوة الجو وشدته وصالحة لتوفير حياة طبيعية داخل جدرانها الزجاجية.
ان ازدياد الوعي البيئي والحرص على نظافة الاجواء من تراكم الملوثات الكيماوية المنبعثة من عوادم السيارات، في طليعة اهتمامات الخبراء المعنيين بتطوير وسائل النقل لتلائم متطلبات المستقبل. وقد بدأ بعض الشركات المعنية بصناعة السيارات والدراجات تجارب على نماذج تعمل بالطاقة الكهربائية والطاقة الشمسية. وابتكرت شركة "رينو" الفرنسية نموذجاً لسيارة مستقبلية تشبه صحناً طائراً. تتحرك السيارة براً فوق وسادة هوائية ويمكنها الطيران بسرعة 300 كلم في الساعة على ارتفاع 150 متراً. اي انها قادرة على انجاز رحلة من باريس الى مدريد خلال 3 ساعات. ويأمل صانعو سيارة "راينا ستيلا" في استخدامها مستقبلاً لتفادي ازدحام المواصلات داخل المدن وفوق الطرق السريعة. ومن غرائب تلك السيارة انها خالية من الابواب، اذ يتيح سطحها المصنوع من قشرة خاصة شبيهة بجلد الانسان ولحمه للراكب فرصة الدخول اليها بمجرد وقوفه امامها حيث ينفصل الهيكل بعضه عن بعض ويسمح للراكب الدخول، ثم يعاود الالتحام متخذاً شكله السابق وكأن شيئاً لم يكن. ولا تحتاج سيارة "راينا ستيلا" الى جهد كبير او براعة في القيادة لأن رحلاتها تكون مبرمجة الكترونياً بصورة مسبقة.
أما صناعة قطارات المستقبل فإنها تتجه نحو بناء قطارات سريعة جداً يسير معظمها فوق سكك حديدية معلقة بقوة الدفع المغناطيسي بسرعة 400 كلم في الساعة او ما يفوق ذلك بكثير.
وباشرت الحكومة الالمانية بناء قطار مماثل سمته "ترانسرابيد" يمكنه الانتقال بين مدينتي برلين وهامبورغ خلال 53 دقيقة. كما سيتم تطوير قطارات اخرى يتصل سطحها العلوي بخطوط حديدية معلقة تسير بقوة الدفع المغناطيسي والطاقة الكهربائية فتوفر سرعة الانتقال وتحافظ على سلامة ونظافة البيئة.
الكومبيوتر والاتصالات
حقق الانسان انجازات مهمة في حقل الاتصالات ونقل المعلومات بعد ان تمكن من خلال سعيه الحثيث نحو الذكاء الاصطناعي من اختراع الكومبيوتر واكتشاف الألياف الضوئية. وعلى رغم ان ايجاد بديل من الدماغ البشري ما زال بعيد المنال، تبين التطورات الاخيرة في مجال الكومبيوتر والاتصالات ان الذكاء الاصطناعي والكومبيوتر سيبقيان تحت سيطرة الانسان.
ويتوقع رئيس شركة مايكروسوفت بيل غيتس ان يشهد المستقبل تقلص حجم اجهزة الكومبيوتر بنسبة كبيرة وان يؤدي التقدم في تكنولوجيا شاشات العرض لجعلها تظهر وكأنها ألواح ورقية. وسيصبح بوسع مستخدميها التحادث معها لمساعدتهم في انجاز الامور المعقدة التي تعجز اجهزة الكومبيوتر الحالية عن تنفيذها. ومن المتوقع ايضاً ان تتطور صناعة هذه الاجهزة واستخداماتها في الفضاء وفوق الارض وفي اعماق البحار. اما اسعارها فسوف تهبط بنسبة 50 في المئة على رغم تفوق ادائها وازدياد مزاياها.
ويحمل المستقبل في طياته تباشير عصر اجهزة الكومبيوتر النقالة التي يمكنها تزويد الانسان بمعلومات فورية عن أسرار بعض المواقع ومحتوياتها والبيئة المحيطة بها وتحديد نقاط الضعف ومصادر الخطر فيها مع تحليلها بشكل مفصل بمجرد الضغط على بضعة أزرار. وسوف تظهر تلك المعلومات بصورة مجسمة ثلاثية الابعاد وكأنها فيلم من الرسوم المتحركة تختفي عند ايقاف الجهاز عن العمل.
كل ما نتمناه ان يستمر الانسان في احلامه البناءة وخياله المبدع حتى يتحقق للبشرية الخير والرفاه والازدهار. وكل ما نخشاه ان يحاول البعض تحقيق كوابيس لا تجلب للبشرية الا الدمار والخراب والكوارث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.