"أخذتني الحرب، رهينة/ وقذفت بمعاولها بين يدي/ لكني لا أجيد الحفر،/ فأنا مشغول بالسطوع المبهج/ للأكتاف البيض. / اخذتني الحرب، عربة/ تجري بسرعة/ ولكن جسدي ثقيل/ وأنوء بما هرم من حياتي". من بداية كهذه، نستطيع ربّما أن نتلمس الغيابات التي يكتبها الشاعر العراقي علي عبد الأمير في ديوانه الثاني "خذ الأناشيد ثناءً لغيابك"، فآثار الحرب في هذا الشعر تتبدى عبر تشظيات الروح، والذاكرة تلك المترددة بين أوامر وجاذبية الحياة. في هذه المجموعة الصادرة عن "المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر" تجليات للشجن، الشجن العميق المتشاغل بأشياء الذات عن العالم، يتركها في عزلتها، فتنهض من ألم الواقع لتنتمي إلى أحلامها. فالشاعر "مشغول بالسطوع المبهج"، ذلك السطوع الذي وحده يستطيع أن يفلت بالنفس من أسود حاضرها إلى "الثناء للغياب" تشبعاً بأمل يعاود نفسه مراراً، بينما يدرك أن روحه وحدها - ولو من خلال مخاطب ليس في النهاية إلا القرين - تلهج بالغياب: "كنتَ أكثر تماثلاً مع مهمة النوافذ/ في توثيق الغياب". شعر علي عبد الأمير ينتمي إلى لحظة الذات في بوحها، إلى المؤصل فيها. لهذا نجده أحياناً يترك قصيدته تفلت بهذا البوح في تلقائية محببة... ترسل إشارات من روح مشتعلة بالبكاء. وهو شعر شخصي إلى أبعد حدّ، يقول إنه ليس في وسعنا أن نعيش الحياة ما لم نختبر ذلك الموت القابع في أعماقنا. وعلى الرغم من أن الديوان ينتمي إلى قصيدة النثر بتقنياتها، إلا أننا نلاحظ طغيان الغنائية الناتجة لا عن علاقات الكلمات واستخداماتها فحسب، بل أيضاً عن انسجام روحي شفاف يفرض علاقة خاصة مع الكلمات نفسها. تقود تلك العلاقة إلى انشغال خاص بوقعها وبتناغمها. يبقى أن الحزن، كحالة جوهرية، يسيطر على "خذ الأناشيد ثناء لغيابك" ويكاد يسم معظم قصائده. وليس من الغريب أن الشاعر يقدم هنا رثاء الفرح، وطغيان الحلم، "يحلم/ فيما الوقت ضرائب على النزهة/ يحلم/ فيما الوقت مكائد على شواطئ مقفلة/ يحلم/ فيما الوقت كوابيس/ يحلم/ فيما المكان غبار".