يقال ان وراء كل سيارة اسعاف في الولاياتالمتحدة هناك محام على دراجة نارية موتوسيكل، والمقصود ان هذا المحامي يتبع المصاب ليعرض عليه خدماته برفع قضية على المتسبب في اصابته. وبما ان القانون الأميركي يسمح للمحامي ألا يأخذ أتعاباً، بل حصة من أي مبلغ يكسبه موكله، فإن المدعي لا يخسر شيئاً وقد يربح، لذلك فهناك من القضايا أمام المحاكم الأميركية ما يفوق بقية العالم كله. وكنت واجهت محامياً من هذا النوع مرة، وأنا مع صديق ربط ساعده بضمادة معلقة في رقبته بعد أن وقع على رصيف أمام بيته في شارع يفصل مدينة واشنطن عن ولاية ماريلاند. واقترب منا رجل في سوبرماركت، وقال للصديق انه محام ثم سأله كيف أصيب. وقال له الصديق انه وقع على الرصيف. وفرك المحامي يديه جذلا وقال انه يستطيع ان يحصل للصديق على تعويض مالي محترم من دون أن يكلفه شيئاً. وكنت والصديق جديدين في أميركا وغير خبيرين في محاكمها، وحاول الصديق أن يشرح للمحامي انه كان يتطلع الى خلف وزلت قدمه عن الرصيف، الا ان المحامي أصبح أكثر حماسة عندما عرف أين وقع الحادث، فهو قرر انه يستطيع ان يقاضي بلدتي واشنطن وتشيفي تشيس، وهذه ضاحية للعاصمة في ولاية ماريلاند. ورفضنا العرض رغم الحاح المحامي، ولكن اكتشفنا بعد ذلك اننا ربما اخطأنا، فرفع القضايا والمطالبة بتعويض لاغرب الأسباب أو أتفهها تقليد أميركي قائم. وكانت قصتي المفضلة عن رجل ربح قضية ضد أصحاب بناية أمامها حديقة صغيرة يكسوها حشيش أخضر. وقرأت ان الرجل كان في طريقه لطلب وظيفة وكان يعبر الحديقة على قدميه، عندما انطلقت رشاشات الماء الاوتوماتيكية لري الحشيش فابتلت ملابسه، ولم يعرف الرد على الأسئلة في المقابلة الخاصة بالوظيفة. ولم تعطه المحكمة كل التعويض الذي طلب، الا انه حصل، على ما أذكر، على حوالي مئة ألف دولار، مع أنه لم يثبت ان كان سيحصل على الوظيفة، ومع أن الشركة المدعى عليها احتجت لأن هناك لافتة واضحة تقول "ممنوع السير على الحشيش". غير أنني قرأت أخيراً قصة أفضل مما سبق بطلها، أو شريرها، راندال ديل ادامز الذي رفع قضية على منتج سينمائي هو ايرول موريس. وكان ادامز دين بجريمة قتل سنة 1977، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. ومضت عشر سنوات ووقع موريس على قصته فأثارت اهتمامه، وقرر ان ينتج فيلماً عنها. وتأكد له خلال انتاج الفيلم ان ادامز بريء. وكان من نتيجة الفيلم ان المحاكم أعادت النظر في قضية ادامز، وصدر عفو عنه. وخرج ادامز من السجن ورفع فوراً قضية يطالب فيها موريس بتعويض قدره 60 ألف دولار لأنه انتج فيلماً عن حياته من دون استئذانه. وتمت تسوية القضية خارج المحكمة، ودفع موريس فعلاً تعويضاً لادامز، وتعهد له بدفع حصة من أرباح الفيلم، وأي عمل في المستقبل عن حياته. وقرأت ان الطالبة اندريا بيتزو من جامعة ماين، رفعت قضية على جامعتها تطالب بتعويض بعد أن ركلها ثور خلال درس عملي في تربية الحيوانات، وهي قالت في نص طلبها ان الجامعة لم تحذرها من أن الثور الجاني عدائي ومصاب بخلل في شخصيته. ويبدو أن رفع القضايا من هذا النوع ليس ظاهرة جديدة، فقد قرأت انه في مطلع هذا القرن، رفعت فرقة مغنيات اخوات، قضية على جريدة "ريجستر" في مدينة دي موينز بعد ان نشرت الجريدة عرضاً قاسياً ساخراً من أداء الاخوات. وطلب القاضي من الاخوات الغناء أمامه، ثم حكم بأن الجريدة كانت محقة في نقدها. وقرأت ايضاً ان ج. ر. كوستيغان رفع قضية على ملهى في بلدة وايلور بولاية كنتكي، وطالب بألف دولار لأن شبحاً ضربه في "تواليت" الملهى. الا أن القاضي رفض الدعوى بسبب صعوبة جلب الشبح للشهادة في المحكمة. واليوم أفكر في رفع قضية على سيدة قابلتها أمس في مصعد الفندق، وهي نظرت الي بامعان، ثم سألتني: هل أعرفك؟ وقلت لها بتواضع: أنا جهاد الخازن، وهي قلبت شفتيها وردت: افتكرت انك شخص مهم. وان لم أكن مهماً فأنا مهموم.