تعتقد الولاياتالمتحدة ان الحكومة السودانية ومناوئيها الجنوبيين لا يزالون بعيدين عن التوصل قريباً الى سلام طويل الأجل ينهي الحرب الأهلية التي تدور في جنوب السودان بين قوات الحكومة وفصائل "الجيش الشعبي لتحرير السودان" منذ 12 عاماً من دون انقطاع. وقال مسؤول اميركي في واشنطن ل "الوسط" "نحن مهتمون بانجاح مبادرة مجموعة اصدقاء منظمة الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف ايغاد التي تضمّ الولاياتالمتحدة، وهولندا، وايطاليا، وكندا، والنروج، لمساندة مساعي ايغاد الرامية الى احلال السلام بين الفرقاء السودانيين". لكن المسؤول الاميركي الذي طلب عدم ذكر اسمه اضاف: غير ان مبادرة ايغاد مجمّدة حالياً، خصوصاً بعدما قطعت دولتان اريتريا واوغندا من الدول الأربع التي اقترحت المبادرة الأهلية الدولتان الأخريان هما اثيوبياوكينيا علاقاتهما الديبلوماسية مع السودان. ورأى ان المرحلة الحالية قد تلقي عبئاً اكبر على عاتق كينيا التي ترأس مجموعة الوساطة الرباعية لتبذل قدراً أكبر من المساعي في محاولة لدفع المبادرة الى الامام. ونفى المسؤول اتهامات وجهها الرئيس السوداني عمر البشير اخيراً الى الولاياتالمتحدة بالسعي الى اجهاض محادثات السلام بين حكومته ومعارضيها الجنوبيين. وأشار المسؤول الاميركي الى ان مجموعة اصدقاء ايغاد التي اقترحت اخيراً تمديداً آخر لوقف النار في جنوب السودان لفترة أربعة اشهر اضافية، ستعقد اجتماعاً في لاهاي الشهر الجاري، برئاسة وزير التعاون الاقتصادي الهولندي جان بروك، لبحث مسار جهود احتواء النزاع السوداني. وأشاد بالمبادرة التي يقوم بها الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر في هذا الشأن، لكنه يشدد على انها "مبادرة شخصية". ونفى ان يكون حضور السفير الاميركي في العاصمة الاريترية اسمرة افتتاح للمؤتمر الذي عقدته فئات المعارضة السودانية، الذي اعتبر اكبر تجمع للمعارضين لحكومة الرئيس البشير منذ العام 1990، وبحث سبل اسقاطه، يعني اعترافاً اميركياً بالمعارضة السودانية. وقال ل "الوسط" ان حضور السفير جاء بدعوة من الحزب الحاكم في اريتريا، وليس من الحكومة الاريترية. وأضاف ان الدعوة وجهت الى جميع الديبلوماسيين الاجانب في اسمرة. وأكد ان ذلك الحضور الديبلوماسي الاميركي "اقتصر على الجلسة الافتتاحية" للمؤتمر. وذكر المسؤول الاميركي انه لا يوجد أي اتجاه لمنح المعارضة السودانية فرصة لانشاء اذاعة في الولاياتالمتحدة، لكنه أشار الى "ان الولاياتالمتحدة مجتمع حر، والاعلام فيه حر وهناك اذاعات خاصة لبعض الدول، واخرى تبث برامج مناوئة لحكومات أخرى منها اثيوبيا، من دون تدخل من الحكومة الاميركية". لكن المسؤول جدد اتهامات بلاده للحكومة السودانية بدعم الارهاب، وقال: لدينا ادلة قوية على دعم السودان للارهاب، وتوفير المأوى والتدريب لمنظمات ارهابية، تحت مبرر فتح الباب للمسلمين والعرب لدخول البلاد. لكنه أكد ان الولاياتالمتحدة لا تروِّج لتدخل دولي ضد السودان. وقال: نحن مهتمون بالمسائل الانسانية في السودان ولنا دور رئيسي في هذا المجال سيستمر". وأضاف، رداً على اتهامات الزعيم الاسلامي السوداني الدكتور حسن الترابي الأمين العام للجبهة الاسلامية القومية المساندة لحكومة الرئيس البشير الولاياتالمتحدة بأنها العدو الأول لبلاده، وانها تنطلق من ذلك من معاداتها للاسلام بوصفه القوة الوحيدة المؤهلة لسد الفراغ الذي خلفه انهيار الشيوعية، "نحن نرى ان الترابي يرى نفسه مركزاً لحركة شاملة للبعث الاسلامي وان هذا المفهوم يظلِّل رؤية الترابي لنفسه ولعلاقات بلاده مع الآخرين بما فيهم اميركا والغرب، وقد اوضحنا له في لقاء عقده مع وفد اميركي زار الخرطوم اخيراً اننا لا نعارض الاسلام، وان الولاياتالمتحدة تقيم علاقات وثيقة مع عدد من الدول الاسلامية ما كان لها ان تحافظ عليها لو كانت معادية للاسلام الذي يعتبر اسرع الاديان نمواً في اميركا. لكننا اوضحنا بجلاء اننا ضد من يستخدمون الاسلام للاحتفاظ بالسلطة، او لتبرير اعمال الارهاب والعنف والقسر والتعصب. وأشار المسؤول الاميركي الى ما نسب الى الترابي من ان بلاده تستطيع تسديد ضربة لمصر بوقف انسياب مياه النيل صوبها، فقال: ان ذلك غير ممكن عملياً، خصوصاً اذا لم نغفل انه يوجد على النيل في منطقة السدود جنوب السودان اكبر مستنقع مائي في العالم، وسيعني حجز المياه زيادة حجمه ليتسع ويغرق المنطقة كلّها. وسألته "الوسط" عن موقف واشنطن من الاتهامات المصرية للعراق بمساندة السودان عبر ايران لفتح جبهة جديدة تتمثل في احتمالات تصعيد النزاع على مثلث حلايب الحدودي بين البلدين ليصل طور المواجهة العسكرية، خصوصاً اثر الاتهامات المصرية للسودان بالتورط في المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا، فأجاب: ان النزاع السوداني - المصري شأن ثنائي، ولكن وعلى رغم ان العلاقات بين السودان وكل من العراقوايران وثيقة فان ايّ تدخل منهما لمساندة السودان عسكرياً مستبعد، خصوصاً من جانب العراق الذي لديه ما يكفيه من المشاكل، التي تجعله غير راغب في الدخول في مغامرة عسكرية جديدة. وأضاف "ان المعلومات التي وردت عن منح السودان تسهيلات للاسطول الايراني لاستخدام ميناء بورتسودان على البحر الاحمر لاغراض عسكرية غير دقيقة، ونحن نفضل الانتظار لرؤية ما سيحدث. وربما كانت هذه التسهيلات تقتصر على تسهيلات بحرية داخل الميناء فحسب". ونفى المسؤول الاميركي اتهامات الحكومة السودانية للولايات المتحدة بأن المناورات الاميركية - المصرية - البريطانية الأخيرة في البحر الاحمر، قرب حلايب، تهدف الى استفزاز السودان. وقال "انها مناورات روتينية". وأكد المسؤول الاميركي ل "الوسط" ان بلاده رفضت ترشيح الحكومة السودانية اللواء الفاتح محمد احمد عروة المستشار الأمني للرئيس السوداني سفيراً لها في واشنطن، لكنه امتنع عن توضيح مبررات الرفض، واكتفى بالقول "لقد طلبت الولاياتالمتحدة من الحكومة السودانية ترشيح سفير جديد لها خلفاً للسفير السابق احمد سليمان الذي غادر واشنطن مطلع آب اغسطس الجاري، وهناك مكاتبات بين البلدين حالياً في هذا الشأن". وأوضح ان الخرطوم لم تطلب من واشنطن في المقابل سحب سفيرها الجديد. وقال ان السفير الاميركي الجديد سيصل الى الخرطوم قبل نهاية آب الجاري. وكان اسم اللواء عروة اقترن بقضية ترحيل اليهود الفلاشا من اثيوبيا الى اسرائيل عبر الخرطوم في منتصف الثمانينات، ايام حكم الرئيس السابق جعفر نميري. وأشار المسؤول الاميركي في حديثه الى "الوسط" الى ان الحكومة الاميركية اعربت لنظيرتها السودانية عن قلقها من استمرار اعتقال رئيس الوزراء السوداني السابق الصادق المهدي "الذي لم توجه اليه تهمة محددة، ولم يسمح له بمقابلة أفراد عائلته، او الحصول على مشورة قانونية. ونحن نطالب اما بتوفير محاكمة عادلة له اذا وجهت اليه اي تهمة، او اطلاقه واطلاق معاونيه".