للمرة الرابعة منذ استقلالها عن التاج البريطاني في العام 1947، تجد شبه القارة الهندية نفسها امام خطر اندلاع حرب رئيسية او حتى شاملة بين الدولتين اللدودتين اللتين انبثقتا عن هذا الاستقلال، اي الهندوباكستان. وكما في المناسبات السابقة التي أدى فيها الخلاف المستحكم بين البلدين الى اندلاع نزاعات مسلحة واسعة النطاق على حدودهما، خصوصاً في عامي 1948 و1965، فإن محور الصراع هذه المرة ايضاً هو ولاية كشمير ذات الغالبية السكانية المسلمة، والتي تصرّ كل من نيودلهيواسلام اباد على اعتبارها جزءاً من اراضيها. والواقع ان التأزم الشديد الذي يسود العلاقات الهندية - الباكستانية حالياً، خصوصاً بعد إحراق مسجد شرار الشريف التاريخي وفي الأهمية الخاصة بالنسبة الى مسلمين كشمير، ليس سوى فصل من فصول التوتر التي ميّزت علاقات البلدين في صورة متواصلة تقريباً منذ انقسامها إبان انتهاء ما كان يُعرف أيام الاستعمار البريطاني ب "الراج"، وهو التعبير الذي أطلقه البريطانيون على حكمهم في شبه القارة الهندية. فقد أصرّت باكستان يومها بزعامة محمد علي جناح على الاستقلال في دولة اسلامية منفصلة عن الهند ذات الغالبية الهندوسية بزعامة المهاتما غاندي، الأمر الذي أدى الى اندلاع حوادث طائفية بين الهندوس والسيخ من جانب، والمسلمين من جانب آخر، وأسفرت عن عمليات تهجير واقتلاع سكاني متبادلة على نطاق واسع، الى ان اعلن قيام دولتين هما الهند بحدودها الراهنة، وباكستان التي ظلّت حتى مطلع السبعينات مؤلفة من شقّين غربي وشرقي حتى انفصال ما كان يُعرف بباكستانالشرقية وقيام دولة بنغلادش المستقلة وعاصمتها دكا بمساعدة الهند في العام 1971 عقب الحرب الهندية - الباكستانية الثالثة التي اندلعت بين البلدين. ومنذ البداية جاء قيام الدولتين، الهنديةوالباكستانية، على اساس ديني بحت، فضلاً عن الاعتبارات الجغرافية التي أملتها عوامل ترسيم الحدود، كالموانع الطبيعية والتضاريس وحدود الولايات والمقاطعات. وينعكس هذا الوضع جلياً على طبيعة التوزيع السكاني لدول شبه القارة الهندية حالياً. فالهند التي يزيد عدد سكانها في الوقت الحاضر على 900 مليون نسمة تضم نحو 700 مليون هندوسي 85 في المئة و100 مليون مسلم 12 في المئة و20 مليوناً من السيخ نحو 2 في المئة، والباقون هم من المسيحيين واليهود وغيرهم. اما باكستان فيتألف سكانها البالغ عددهم حالياً نحو 125 مليون نسمة، من نحو 120 مليون مسلم اكثر من 97 في المئة والباقي، اي اقل من 5 ملايين، من الهندوس نحو 2.5 في المئة والمسيحيين وطوائف اخرى نصف في المئة. اما بنغلادش التي تضم بدورها نحو 125 مليون نسمة، فتبلغ نسبة التوزّع الديني فيها 85 في المئة من المسلمين ونحو 15 في المئة من الهندوس. على حدود 3 قارات واذا كانت هذه العوامل هي التي أدّت منذ رحيل البريطانيين الى ترك شبه القارة الهندية في مثل هذا الوضع من عدم الاستقرار المزمن، فان كشمير الولاية الجبلية الصغيرة الواقعة على الطرف الشمالي لحدود البلدين، شكّلت تقليدياً المثال الاكثر وضوحاً على الصراع المزمن بينهما. بل انها كانت دائماً "رأس الحربة" المؤلم في الحساسية الدقيقة التي ميّزت علاقاتهما في صورة تاريخية. وقد يكون هناك قدر من الاهمية الاستراتيجية لولاية كشمير من الوجهة الجغرافية البحتة، باعتبار انها تقع على الملتقى الجبلي الوعر لحدود ثلاث من اكبر دول القارة الآسيوية واهمها، اي الهندوباكستانوالصين. لكنّ هذا العامل يظلّ جزئياً الى حدّ بعيد. فهذه الولاية الفقيرة التي يقلّ عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة لا تتميز بأي موارد طبيعية او اقتصادية حيوية تذكر. وفي المقابل، فان الدوافع الاساسية التي تحرّك السياسة في كلّ من نيودلهيواسلام اباد حيال القضية الكشميرية تظلّ في الدرجة الاولى مزيجاً من الاعتبارات العاطفية والدينية والقومية. والمواقف الهنديةوالباكستانية حيال كشمير كانت ولا تزال متعارضة في صورة كليّة تقريباً منذ بدء الصراع عليها. فالهند اعتبرت ان هذه المنطقة جزء لا يتجزأ من اراضيها انطلاقاً من انها كانت محكومة تاريخياً، وحتى ما قبل الاستعمار البريطاني، من سلالات من المهراجات الهندوس. اما باكستان فأصرّت على ضرورة ضمّ كشمير اليها بالاستناد الى الغالبية السكانية المسلمة فيها، وذلك كما كان الحال بالنسبة الى المقاطعات الاخرى المشابهة. وهكذا خاض البلدان في العام 1948 أول مواجهة مسلحة على كشمير بعد اشهر معدودة على استقلالهما، عُرفت بالحرب الهندية - الباكستانية الاولى دامت اسابيع عدة وانتهت بتدخّل مجلس الامن الدولي الذي دعا الى اجراء استفتاء شعبي يقرّر فيه سكان كشمير مصيرهم بأنفسهم، فإما الانضمام الى الهند او الى باكستان واما قيام دولة كشميرية مستقلة واما التقسيم. وتعهّدت الحكومة الهندية بالموافقة على الاستفتاء وظلّ ذلك يشكّل سياسة ثابتة للزعيم الهندي جواهر لال نهرو الى حين وفاته. لكنّ الحكومات الهندية المتعاقبة نكثت بتلك التعهدات ولم يتم اجراء ذلك الاستفتاء اطلاقاً. ولم يدم الأمر طويلاً قبل ان يدخل البلدان في خضم مواجهة عسكرية اخرى على كشمير في العام 1965 عُرفت بالحرب الهندية - الباكستانية الثانية واحياناً بالحرب غير المُعلنة نظراً الى ان أياً ن البلدين لم يعلن فيها الحرب على الآخر رسمياً. واتسمت بالشدة والشمولية بين جيشين يعتبران تقليدياً من بين أفضل الجيوش في العالم ومن اكثرها تدريباً وتجهيزاً وكفاءة قتالية، وهو أمر حرص البلدان على الاحتفاظ به على حدّ سواء منذ استقلالهما عن بريطانيا، ليرثا الافواج والتشكيلات العسكرية الرفيعة المستوى التي كانت تعمل حتى ذلك الوقت في صفوف الجيش البريطاني. وبعد اسابيع ثلاثة من القتال العنيف الذي شاركت فيه القوات البرية والجوية والبحرية من الجانبين، تمّ التوصل الى وقف لاطلاق النار، وفي حين ظلّت المواجهة غير محسومة النتائج على الصعيد العسكري، فإن الكفّة اعتبرت راجحة لمصلحة الجانب الهندي، وإن جزئياً. لكن الاهم من ذلك كان الواقع السياسي الذي أسفرت عنه تلك المواجهة، اذ استمر الوضع غير المستقر على حاله واحتفظت كشمير بموقعها كنقطة احتكاك دائمة قابلة للانفجار في اية لحظة. حرب نهاية القرن ويعبّر الوضع الحالي، عقب إحراق مسجد شرار الشريف، عما كان يخشاه الكثيرون. وعلى رغم ان الهندوباكستان خاضتا حرباً ثالثة في العام 1971، كانت بدورها اشمل وأوسع نطاقاً مما سبقها، فإن اي حرب مقبلة، او حتى مواجهة مسلحة محدودة محورها كشمير، ستكوم مرشحة للتحول بسرعة الى صراع عسكري شامل على جانب استثنائي من الخطورة، بل انها قد تتحول فعلاً الى النزاع العسكري الأخطر من نوعه الذي قد يشهده العالم خلال النصف الثاني من هذا القرن وعلى أعقاب القرن الحادي والعشرين. واذا كانت باكستان تعرّضت في حرب 1971 لنكسة قاسية على الصعيدين العسكري والسياسي بعد ان اسفرت تلك الازمة في حينها عن انفصال باكستانالشرقية وقيام دولة بنغلادش اضافة الى الخسائر الفادحة في صفوف الجيش الباكستاني فإن الوضع حالياً يختلف الى حدّ كبير، اذ تمكنت اسلام اباد خلال ربع القرن الماضي من استكمال اعادة بناء وتجهيز قواتها المسلحة، في حين تابعت الهند جهودها التي لم تتوقف قطّ من اجل المحافظة على قدرة عسكرية متكاملة وعلى درجة عالية من الحداثة والتجهيز. وتضم القوات المسلحة الهندية حالياً اكثر من 1.3 مليون جندي يضاف اليهم اكثر من مليون احتياطي وحوالي نصف المليون من افراد الوحدات شبه العسكرية، كحرس الحدود والشرطة الخاصة وغير ذلك من التشكيلات. وهذه القوات مجهزة بأفضل انواع المعدات القتالية الغربية والشرقية في العالم، مثل الدبابات من طراز "ت - 72" والمقاتلات من طراز "ميغ - 29" و"ميغ - 27" و"ميراج - 2000" و"جاغوار"، إلى جانب الغواصات والمدمرات وحاملتي طائرات وأنظمة صاروخية دفاعية وهجومية متنوعة من أحدث الطرازات. وفي مواجهة هذه الآلة الحربية الهندية الضخمة، تمتلك باكستان قوات تضم نحو 600 ألف جندي إلى جانب نحو نصف مليون احتياطي وما يقارب هذا العدد من أفراد القوات شبه العسكرية. وهذه القوات مجهزة بدورها بمعدات حديثة ومتطورة من مصادر غربية وشرقية، بما في ذلك مقاتلات "إف - 16 فالكون" الأميركية و"ميراج" الفرنسية. والأهم من ذلك أن الدولتين على حد سواء باتتا تتمتعان بقدرة تصنيع عسكري على درجة عالية من التطور والتكامل، توفر لهما امكانات خوض مواجهات قتالية طويلة الأمد من دون الحاجة إلى الاعتماد على مصادر الدعم الخارجي، أقله خلال المراحل الأولى للقتال، وتصل إلى انتاج الطائرات والدبابات والصواريخ على أنواعها، بما في ذلك الصواريخ أرض - أرض القادرة والتي يرجح أنها معدة أساساً على حمل رؤوس نووية إلى مسافة مئات الكيلومترات. رادع استراتيجي والواقع أن العامل النووي هو الأساس في جعل أي شرارة عسكرية مسلحة قد تندلع بين الدولتين مسألة على مثل هذا المستوى من الخطورة. فالهند باتت تعتبر منذ السبعينات بمثابة "دولة نووية غير معلنة"، حيث أنه من شبه الأكيد تقريباً أنها نجحت في تطوير قدرة نووية ذاتية إن لم تكن قامت فعلاً بانتاج أسلحة نووية لاستخدامها عند الضرورة كرادع استراتيجي شامل. وفي المقابل، فإن البرنامج النووي الباكستاني ليس جديداً، حيث من المعروف ان إسلام اباد تعمل منذ أكثر من سنوات طويلة على تطوير قدرة نووية خاصة بها في مواجهة القدرة النووية الهندية. ومن هذا المنطلق بالذات تصبح القضية الكشميرية أكثر من مجرد نزاع حدودي أو اقليمي على منطقة أو مقاطعة. فهذه الولاية المقسمة حالياً بشكل متساو تقريباً بين الهند حيث تعرف باسم ولاية "جامو- كشمير"" وباكستان، إلى جانب نحو 20 في المئة من أراضي الولاية التي تسيطر عليها الصين منذ مطلع الستينات، تشكل رمزاً مستمراً للخلاف العميق الذي ميّز العلاقات الهندية - الباكستانية منذ قيام الدولتين الجارتين. وإذا كانت الأحداث الراهنة في "جامو - كشمير" الواقعة تحت السيطرة الهندية تشكل من وجهة النظر الباكستانية "مقاومة شعبية مشروعة للسكان المسلمين ضد الاحتلال الهندي" لتلك الولاية، فإن نيودلهي تنظر إلى تلك الأحداث باعتبار أنها تشكل "تدخلاً باكستانياً في الشؤون الداخلية لولاية هندية"، بل أنها تعتبر بدورها أن وجود باكستان في القسم الذي تسيطر عليه اسلام اباد من الولاية هو أيضاً بمثابة احتلال غير مشروع لأراضٍ كان ينبغي أن تكون تابعة للهند. وفي خضم التهديدات المتبادلة التي يطلقها أركان القيادتين السياسية والعسكرية في كل من نيودلهيواسلام اباد عقب حادثة احراق المسجد، وتصاعد عمليات المقاتلين الكشميريين المسلمين ضد القوات الهندية، والتي تعتبر الهند ان باكستان هي التي تعمل على تحريكها، ووسط المعلومات المتزايدة عن تحركات عسكرية تقوم بها نيودلهي لدعم حاميتها العسكرية الموجودة في "جامو - كشمير" والتي يقدر عدد أفرادها حالياً بنحو 300 ألف جندي، والمعلومات الأخرى عن تحركات عسكرية مقابلة تنفذها باكستان على جانبها من الحدود، يصبح ضرورياً النظر بقدر كبير من الجدية إلى التحذيرات التي صدرت عن واشنطن وعواصم اقليمية وعالمية عدة في شأن احتمالات تطور الوضع وبلوغه مرحلة الخطر. إذ أنه من غير المستبعد أن تتجه الأمور، في حال تفاقهما وغياب المساعي الديبلوماسية الهادئة لضبطها، إلى نقطة تصبح فيها شبه القارة الهندية فعلاً على شفير حرب جديدة بين دولتيها الكبيرتين. ومثل هذا التطور لا يمكن إلاّ أن يكون نقطة تحول ذات تأثير استراتيجي بالغ ليس في تلك المنطقة من العالم فحسب، بل وعلى امتداداتها الجغرافية والاستراتيجية الأوسع، بما في ذلك آسيا الوسطى والمحيط الهندي وحتى الشرق الأوسط بالذات. وقد لا يكون من المبالغة القول عندئذ ان الصراع الهندي - الباكستاني على كشمير سيكون، في حال اندلاعه رسمياً وفي صورة عسكرية مكشوفة، الأهم من نوعه على الاطلاق والأكثر حيوية وتأثيراً على خارطة التحالفات الآسيوية والدولية في العالم على أبواب القرن المقبل. ميزان القوى العسكري بين الهندوباكستان الهند: - مجموع القوات المسلحة: 3،1 مليون جندي، و2،1 مليون احتياطي، وحوالى نصف مليون من أفراد التشكيلات شبه العسكرية. - القوات البرية: 1،1 مليون جندي، و4 آلاف دبابة، و1500 عربة مدرعة، و3500 قطعة مدفعية، و2500 مدفع م/ط، ونحو ألف منصة صواريخ م/ط. - سلاح الجو: 110 آلاف جندي، وحوالى 800 طائرة قتالية، و360 طائرة هليكوبتر بينها 36 هجومية، و200 طائرة نقل. - سلاح البحرية: 60 ألف جندي، وحاملتا طائرات 25 طائرة قتالية و75 طائرة هليكوبتر هجومية و35 طائرة استطلاع ومكافحة غواصات، و15 غواصة، و65 قطعة سطح قتالية رئيسية بينها 5 مدمرات و18 فرقاطة و15 كورفيت. - القوات الاستراتيجية: اعتقاد واسع النطاق بامتلاك الهند ذخائر نووية إلى جانب صواريخ أرض - أرض متوسطة المدى من طراز "بريثفي" التي تصل إلى مسافة 300 - 500كلم. الباكستان: - مجموع القوات المسلحة: 600 ألف جندي، ونصف مليون احتياطي، وحوالى 400 ألفاً من أفراد القوات شبه العسكرية. - القوات البرية: 520 ألف جندي، و2500 دبابة، و1500 عربة مدرعة، و2000 قطعة مدفعية، و2000 مدفع م/ط، و1000 منصة صواريخ م/ط. - سلاح البحرية: 25 ألف جندي، ومعدات تضم 6 غواصات، و17 قطعة سطح قتالية رئيسية بينها 3 مدمرات و6 فرقاطات. - سلاح الجو: 50 ألف جندي، وحوالى 450 طائرة قتالية، و150 طائرة هليكوبتر بينها 30 هجومية، و30 طائرة نقل. - القدرات الاستراتيجية: معلومات غير أكيدة عن امتلاك باكستان ذخائر نووية أو القدرة على انتاجها، اضافة إلى صواريخ أرض - أرض من طراز "حتف" يبلغ مداها بين 150 - 300 كلم.