جوزيف عون يرسم خارطة سياسية جديدة للبنان    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    "الزكاة والضريبة والجمارك" تُحبط محاولتي تهريب أكثر من 6 كيلوجرام من "الشبو"    ارتفاع أسعار النفط بدعم من زيادة الطلب على الوقود    الكرملين: بوتين جاهز للتحاور مع ترمب بدون شروط مسبقة    فن الكسل محاربة التقاليع وتذوق سائر الفنون    «عباقرة التوحد»..    أنشيلوتي معجب ب «جماهير الجوهرة» ويستعد لمواجهة برشلونة    أدباء ومثقفون يطالبون بعودة الأندية الأدبية    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    الخروج مع الأصدقاء الطريق نحو عمر أطول وصحة أفضل    وزارة الثقافة تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    ريال مدريد يتأهل لنهائي السوبر الإسباني على حساب ريال مايوركا ويلاقي برشلونة    الحمار في السياسة والرياضة؟!    ماذا بعد دورة الخليج؟    عام مليء بالإنجازات الرياضية والاستضافات التاريخية    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    أسرار الجهاز الهضمي    إنجازات المملكة 2024م    «سلمان للإغاثة» يوزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    الصدمة لدى الأطفال.. الأسباب والعلاج    كيف تكسبين زوجك؟!    «متطوعون» لحماية أحياء دمشق من السرقة    «الأوروبي» في 2025.. أمام تحديات وتوترات    سبب قيام مرتد عن الإسلام بعملية إرهابية    سالم ما سِلم    العقل والتاريخ في الفكر العربي المعاصر    الألعاب الشعبية.. تراث بنكهة الألفة والترفيه    المقدس البشري    الرياض تستضيف الاجتماع الوزاري الدولي الرابع للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    جودة القرارات.. سر نجاح المنظمات!    لا تحرره عقداً فيؤذيك    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    مريم بن لادن تحقق انجازاً تاريخيا وتعبر سباحة من الخبر الى البحرين    نجاح المرأة في قطاع خدمة العملاء يدفع الشركات لتوسيع أقسامها النسائية    أفضل الوجبات الصحية في 2025    ثنائية رونالدو وماني تقود النصر للفوز على الأخدود    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من رئيس السنغال    حقيقة انتقال فينيسيوس جونيور إلى دوري روشن    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    «الجوازات»: اشتراط 30 يوماً كحد أدنى في صلاحية هوية مقيم لإصدار تأشيرة الخروج النهائي    المرور السعودي: استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في جازان    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    من أنا ؟ سؤال مجرد    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    «الثقافة» تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة ذكريات سياسية وشخصية مع العميد . ريمون اده : ليست مرشحا وأرفض أن ينتخبني هذا المجلس - أعارض ترشيح عسكري لرئاسة الجمهورية 1
نشر في الحياة يوم 15 - 05 - 1995

اللبنانيون الذين ولدوا في السبعينات وكبروا في الجمهوريات الضريرة وفي ظل زعامات الكسر والخلع لم تتح لهم فرصة العيش في ظل الديموقراطية التي ارتضاها اللبنانيون غداة الاستقلال. وساهمت حملة الهجاء المبرمجة التي استهدفت الجمهورية الأولى في طمس هذا الجانب الذي كان لبنان سباقاً فيه. لا خلاف على ان تلك الجمهورية حملت في داخلها خللاً كبيراً تكشف على نحو فاضح في اواخر الستينات خصوصاً حين بدا ان توزيع السلطة لم يعد متناسباً مع الحقائق السكانية. ولا خلاف ايضاً على ان معظم أهل القرار في تلك الجمهورية افتقروا الى القدرة على الاستباق، وهكذا سقطت الجمهورية نتيجة محاولة انتحار رافقتها محاولة اغتيال.
كانت الحرب مدمرة وجاء السلام مكلفاً. واذا كان لا بد من الاعتراف ل "الجمهورية الثانية" بانجاز وقف الحرب فانه لا بد ايضاً من تذكيرها بأن قيادة لبنان عشية القرن المقبل تستلزم استلهام الحقائق الديموقراطية التي كانت قائمة في لبنان. لهذا السبب، واسباب اخرى كثيرة، كان لا بد لسلسلة "يتذكر" من محاورة ريمون اده عميد حزب الكتلة الوطنية اللبنانية.
ريمون اده رجل مُتعِب. هذا على الاقل ما يردده رؤساء الجمهوريات والحكومات وكل الذين خاصمهم أو خاصموه مع اقرار بعضهم بعراقة ممارسته البرلمانية وتسليمهم جميعاً بنظافة كفه. لم تطل اقامته في المقاعد الوزارية، لا بل انها كانت عابرة. شارك في حكومتين رباعيتين استثنائيتين: الأولى برئاسة رشيد كرامي في عهد فؤاد شهاب والثانية برئاسة عبدالله اليافي في عهد شارل حلو وفي الحالتين انتهت الرحلة باستقالته وخروجه.
لا تكتب قصة الحياة البرلمانية في لبنان من دون التوقف طويلاً عند دوره. في 1952 اسقطه الرئيس بشارة الخوري لكنه نجح في السنة التالية في دخول البرلمان والاقامة فيه حتى 1992، باستثناء عام واحد اثر سقوطه في انتخابات 1964. قاطع الانتخابات النيابية الاخيرة وهكذا غاب عن برلمان غاب عنه اولئك الذين كانوا يستحقون تسمية الاقطاب.
في الحكم كما في المعارضة كان ريمون اده شديد التمسك بثوابت الاستقلال ومرتكزات الديموقراطية. ويوم كان المكان يتسع للمعارك السياسية لم يتردد في المجاهرة بما كان يهمس به الآخرون وكانت الصحف تنشغل بنقل السهام التي يوجهها واللبنانيون يتناقلون تصريحات العميد ومواقفه الجريئة ونكاته اللاذعة. خصومه لا يبخلون عليه بالاتهامات واولها العناد الذي عرف به وذهابه بعيداً في "الاحقاد" على حد قول بعضهم وافتقاره الى الواقعية على حد قول البعض الآخر. ومنهم من يقول انه يستسيغ لقب المعارض كي لا يحرق اصابعه في الحكم وكي يتفرغ لاصطياد اخطاء الآخرين. لكن عدداً غير قليل من هؤلاء يقر ضمناً بأن ريمون اده حذر مبكراً من الاخطار المحدقة بالبلد.
لم يكن ممكناً لسلسلة "يتذكر" ان تتجاهل ذاكرة العميد. في فندق "كوين اليزابيت" الباريسي طال الحديث وشمل محطات سياسية وشخصية. في الثانية والثمانين لم يتغير العميد، سألنا السياسي عن الرؤساء والزعماء وسألنا العازب الشهير عن الحب والعزوبية والزواج. وأكد العميد انه غير مرشح و"ارفض ان ينتخبني المجلس اللاشرعي الحالي". وهنا نص الحلقة الأولى:
ماذا عن علاقتك بالرئيس الياس الهراوي ولماذا لا لقاء ولا حديث هاتفي؟
- الياس الهراوي صاحبي، وفي المجلس النيابي كان يجلس في الجهة نفسها التي كنت أجلس فيها. لماذا لا يتصل يمكن بيفزع. حين جاء الى فرنسا ذهبت الى اسبانيا. خفت ان يتصل ويقول انه آت لزيارتي. ويمكن ان لا يتجاسر على ذلك. انا قلت انه دستوري ولكن تنقصه شرعية التأييد الشعبي. ليس لديه أحد في البقاع ونجله سقط في الانتخابات. لم تعجبني طريقة وصوله الى الرئاسة وجلوسه في ابلح وأستغرب كيف قبل ان ينتخب قبل دفن رينيه معوض.
بالنسبة الى انتخابات رئيس الجمهورية أقول انه لم يتغير شيء عن الانتخابات النيابية. ماذا تغير لنغير رأينا. انتخاب رئيس الجمهورية يجب ألا يتم من قبل مجلس لم نعترف به. المجلس والحكومة امر واقع. انا لا اعترف برئيس المجلس نبيه بري. الحل هو الضغط لانسحاب المحتل الاسرائيلي وحين ينسحب الاسرائيليون لن يستطيع السوريون البقاء. عندها نجري انتخابات نزيهة وينتخب المجلس الجديد رئيس الجمهورية. إذا لم تحصل انتخابات فالحل هو ان يجتمع هذا المجلس، لا اعترف أنا به لكن العالم يعترف، ويعدل البند الأول من المادة 49 من أجل التمديد سنة للرئيس الياس الهراوي وعلى ان يتم التمديد سنة فسنة بانتظار انسحاب الجيش الاسرائيلي. طبعاً المقصود هو الضغط واثارة انتباه العالم ليمارس ضغوطاً على اسرائيل. ثم ان الياس الهراوي اعتدنا عليه واعتاد علينا. اما عشرات الطامحين الى الرئاسة فيجب عليهم دفع تكاليف اعادة تعبيد طريق الشام التي تهرّأ الزفت عليها من كثرة ذهابهم وايابهم.
اسم العماد اميل لحود مطروح جدياً؟
- أنا لا أعرفه كثيراً والذين يعرفونه يقولون انه شخص آدمي. والده كان صديقي. أنا موقفي معروف وأنا ضد دخول العسكر في السياسة وضد ترشيح عسكري لرئاسة الجمهورية لأن خراب الجيش ينجم عن وجود عسكري في قصر الرئاسة.
متى تعرفت على الرئيس رفيق الحريري ولماذا تؤيده؟
- تعرفت عليه في العام 1977 أو 1978. كنا في عشاء مع آخرين. لم يكن في الحجم الحالي. قالوا لي انه رفيق الحريري ويعمل في السعودية. لم أره بعد ذلك باستثناء دعوة اجتماعية لبيتها في منزله في ضاحية باريس. ومرت سنوات دون ان نلتقي. في ايلول 1989 اتصل بي وقال أنا رفيق الحريري. قلت له: ما غيره، صرلك زمان ما حاكي معي. فأجاب: أريد الاطمئنان الى صحتك فهل هذا ممنوع. قلت: لا ليس ممنوعاً وصحتي جيدة وأريد ان اطمئنك مش رايح على الطائف، مش رايح، مش رايح. وانتهت المكالمة. أنا رفضت الذهاب لأنني لا استطيع تصور انتقال المجلس النيابي الى خارج البلاد للبحث في مصير لبنان. طبعاً قالوا انه لم يكن باستطاعة المجلس الاجتماع في لبنان وأنا أقول لو رغبت اميركا لحدث ذلك.
وتبين انني كنت على حق. في المشروع الأول وردت عبارة "انسحاب الجيش السوري" لكنها استبدلت بعبارة "اعادة تمركز". وبموجب النص الذي أقر يستطيعون التمركز في بيتي. سورية تعتبر ان السلطات اللبنانية طلبت منها الدخول الى لبنان وهذا غير صحيح. فبيار الجميل هو الذي طلب من القيادة السورية في 6 كانون الأول 1975 ارسال الجيش السوري الى لبنان كي تخلصه من وجود الفلسطينيين. وتذكرون انني أدليت يومها بحديث الى صحيفة "لوموند" قلت فيه ان لبنان "كان تحت الانتداب السوري وصار الآن مستعمرة سورية".
واعتبرت في 1992 انه لا يجوز اجراء الانتخابات النيابية في ظل احتلال العدو الاسرائيلي لاجزاء من جنوب لبنان والبقاع الغربي وفي ظل وجود 40 ألف جندي سوري. وابلغت البطريرك الماروني بأننا سنقاطع الانتخابات ونصحته باتخاذ الموقف نفسه لأن الانتخابات ستربط لبنان بمواضيع عديدة وخطيرة وبالتالي يجب مقاطعة الانتخابات بانتظار تحرير الوطن خصوصاً وان ولاية المجلس تنتهي في كانون الاول 1994 وهو مجلس لا غبار عليه لجهة انتخابه في 1972. في فرنسا مددوا للمجلس النيابي خلال الحرب العالمية؟ لم يكن هناك خيار غير التمديد للمجلس ولم تكن هناك حاجة ملحة للانتخابات لكن جاء الأمر فحل المجلس نفسه. هذه طريقة غير دستورية لا سابقة لها فالمجلس اختاره الشعب. حصلت الانتخابات وبلغت نسبة الذين شاركوا فيها 13.78 في المئة من الذين يحق لهم الاقتراع فقلت ان هذا المجلس لا يمثل الشعب اللبناني.
الهراوي انتخبه مجلس 1972 ولهذا قلت انه دستوري. وهذا تفسير خاص بي. الحريري عين بموجب مرسوم موقع من رئيس الجمهورية الدستوري لكن الحريري لديه ما هو اكثر مما يمتلكه الهراوي وهي شرعية مستندة الى تأييد الشعب له فقد ايده 80 في المئة من اللبنانيين لدى تكليفه برئاسة الحكومة.
أيدت الحريري ليس لأنه غني وهو اغتنى بعرق جبينه في السعودية وخارجها. للحريري شركات في فرنسا وذات يوم طالبته السلطات بضرائب باهظة فاحتج وقال لهم اما ان تثبتوا ان الضرائب صحيحة وادفعها واما اقفل شركاتي. اعتذرت الحكومة الفرنسية ومنحته لاحقاً وسام جوقة الشرف. الحريري هو الثري الوحيد الذي درّس على حسابه طلاباً يقولون ان عددهم وصل الى 30 ألفاً. هناك من يقول انه فعل ذلك لأسباب انتخابية وانه درّس ابناء طائفته لكن هناك اقلية مسيحية بينهم. وأنا اقول انه ساهم في منع انخراط هؤلاء في الميليشيات وتخرجوا اطباء ومهندسين.
من الصعب اتهام الحريري بأنه جاء الى السلطة ليسرق. ليس محتاجاً وثروته تقدر ب 4 مليارات دولار. انا شاهدت على التلفزيون كيف استقبله الرئيس بيل كلينتون باحترام. في اميركا الرجل الناجح ليس من اخترع الكهرباء او الهاتف بل من لديه ثروة. طيلة السنوات الثلاث الأولى من عهد الياس الهراوي لم يكن هناك مشاريع فهي بدأت مع الحريري ولم تكن سهلة فالدولة طفرانة. كان المفروض ان تستملك الدولة وسط مدينة بيروت لكنهم اضطروا الى تأسيس شركة سوليدير. العلامة البروفسور جورج فيديل قال لي ان لبنان دولة مفلسة لا يقرضها احد ولكن يمكن ان يقرضوا الشركة. وهذا ما حصل. انا اسأل لماذا لم يستطع اصحاب الاملاك وبالاتفاق مع المصارف تأسيس شركة لاعادة الاعمار تتولى تمويلها تلك المصارف ولماذا لم يكلفوا شركة مثل دار الهندسة لاعداد المشروع. الحريري في النهاية رجل عمل وقدرة مالية وأنا لو كنت مكانه لما استطعت ان افعل ما يفعل. انا اسمع كثيراً عن الشركات والعقارات واتهامات للحريري بأنه يأكل البلد. اطلب فقط ان يثبت لي اصحاب الاتهامات ما يقولونه وعندئذ سيكون موقفي واضحاً. في قصة شراء العقارات لماذا يركزون فقط على من يشتري ويتناسون من باع. وهنا سأعطي مثلين: ميشال الخوري وهو غني باع للحريري بيت عمه الذي كان يسكنه والده بشارة الخوري رئيس الجمهورية. ودوري شمعون باعه منزل والده الرئيس كميل شمعون في السعديات وهذا البيت تاريخي كالأول. ربما كان الأفضل ان لا يشتري الحريري عقارات بعد توليه رئاسة الحكومة لكنك لا تستطيع منعه من شراء عقار قرر صاحبه ان يبيعه له.
هذا لا يعني انه ليست لدي ملاحظات على الحريري فلدى اعلانه عن التشكيلة الحكومية أعربت عن استغرابي لتعيين ايلي حبيقة وهو مجرم كما وصفته عدة كتب بالانكليزية والفرنسية واعتبرت تعيينه اساءة الى الدولة والطائفة المارونية .... وهناك من يقول ان حكومة الحريري لا تقرر وان القرار موجود في دمشق. هذا صحيح وقد يكون الحريري اعتقد انه سيستطيع ان يفعل شيئاً. لكن الحريري اوقف التدهور الاقتصادي وهذا ليس مسألة بسيطة.
جاء الحريري الى رئاسة الوزراء كرجل أعمال ناجح ولم اسمع انه ادعى بأنه رجل سياسة. وهو بالتأكيد رجل يحب العمل وفاعل خير أيضاً وأنا أعرف قصصاً كثيرة في هذا المجال. حين اعتكف قلت ان ليس هناك في الدستور شيء اسمه اعتكاف. في الدستور هناك استمرار او استقالة. ثم أعلن الحريري لاحقاً استقالته وجلس في منزله ثم صعد الى الشام ورجع متراجعاً عن استقالته وهذا لا يليق. في هذا الموضوع انا افكر وطنياً، فمن كان بامكانه ان يفعل ما فعله؟
أين ولد ريمون اده وأين تعلم؟
- ولدت في الاسكندرية في 15 آذار مارس 1913. والدتي من آل سرسق ووالدها جورج لطف الله سرسق كان من السراسقة الموجودين في الاسكندرية. توفي جدي سرسق وبقيت جدتي في القصر هناك. كانت والدتي تعيش مع والدي اميل اده في بيروت لكنها وبحسب التقاليد ذهبت لدى امها لتضع مولودها. درست امي في لندن وكانت تتحدث الانكليزية جيداً. ودرس والدي الحقوق في معهد اكس ان بروفانس في فرنسا وكان متفوقاً الى درجة ان الجامعة تحملت ومنذ السنة الثانية نفقات دراسته على رغم ان جدي ابراهيم إده كان ثرياً. عمل والدي محامياً في لبنان لدى شركات فرنسية وكان محامي قنصل فرنسا وتعرف على والي بيروت التركي سامي بكر بك وكانا يلعبان البريدج نحو 3 مرات اسبوعياً في نادي الاتحاد الفرنسي قرب ملهى الكيت كات. ذات يوم تلقى والدي رسالة من أمي تطلب منه فيها ان يستعد لأنها ستلد بعد شهرين وان يطلب من اسطنبول تأشيرة للخروج من لبنان. كان والدي مشبوهاً كغالبية الموارنة الذين يتعاطون السياسة وكان العثمانيون يعتبرونهم خونة. اعطى الطلب لسامي بكر بك. اخبرني والدي انه كان يزعج طاولة البريدج من كثرة ما يكرر ان زوجته ستضع صبياً. حين كبرت مازحته قائلاً: لو كنت تعرف الصبي الذي سيأتي لما تحمست الى هذا الحد. بعد مدة حصل والدي على التأشيرة وأكمل استعداداته. احرق اوراقه الخاصة لأنه كان يعمل في السياسة. وكان والدي محامياً ايضاً للبواخر الفرنسية. وذات يوم صعد والدي الى الباخرة وبعث بخبر لسامي بكر بك يقول فيه انه سيسافر ولن يأتي في تلك الليلة الى النادي. عندها نزل الوالي الى النادي قبالة البحر قبل الوقت المعتاد وخرج الى الشرفة ليرى الباخرة وعندما وصلت الى المنارة قال لقوميسيير البوليس بالتركية: "اوقف هذا الكلب اميل إده". استغرب الناس استخدام كلمة كلب. وحكى لي والدي لاحقاً ان الوالي فعل ذلك كي لا يتهم بالموافقة على سفره خصوصاً بعدما كان قد تلقى امراً بالغاء التأشيرة.
وصل والدي الى الاسكندرية وأقام فيها طيلة الحرب الأولى. قام بنشاط سياسي وألّف حركة سورية - لبنانية للمقاومة. ثم جاء الشيخ بشارة الخوري الذي تدرج في مكتب والدي في بيروت. كانوا كلهم طفرانين في حين كانت جدتي غنية. كان والدي يجمع كل يوم اربعة او خمسة لبنانيين على الغداء ويتحدثون في السياسة ويقولون: بدنا نحرر لبنان. لم تكن جدتي في الاسكندرية مهتمة بالسياسة وكانت من آل الزهار في صيدا. خطفها جدي من مدرسة راهبات الناصرة وكان عمرها خمسة عشر عاماً. وعثر والدي لبشارة الخوري على عمل لدى محاميين كبيرين هما جول كاتسيفليس وريمون شميل.
كان والدي معجباً برئيس جمهورية فرنسا آنذاك ريمون بوانكاريه. وربما اعتقد انه اذا سماني ريمون سيكون لي مستقبل مثله. هكذا اصبحت اول لبناني يدعى ريمون ثم شاع الاسم وصاروا ايضاً يسمون اولادهم "عميد".
بعد انتهاء الحرب رجع والدي الى لبنان مع جيش اللنبي وعن طريق حيفا في فلسطين. ذات يوم عدت من مدرستي لدى الآباء اليسوعيين وقالت لي أمي: "في خواجه جايي لعندنا وبدك تبسلو ايدو". فذكرتها بما قالته لي سابقاً وهو ان أقبّل يد المطران فقط وتحديداً الخاتم في يده اليمنى وسألتها ان كان الزائر مطراناً. وحين اجابتني بالنفي قلت إذاً لن أقبّل يده فأحالتني على والدي الذي قال لي قبّل يده لأنه خلّص حياتي وهكذا وافقت. واحياناً كنت اذكر والدي بأنني السبب في انقاذه لأنه ربما كان اعدم لو لم يسافر.
ماذا تذكر من أيام دراسة الحقوق؟
- المشكلة آنذاك كانت ان الفحص يجرى مرة واحدة في السنة في تشرين واذا لم تنجح في الامتحان الخطي لا تستطيع الانتقال الى الامتحان الشفوي وعليك الانتظار الى السنة التالية. كانت تأتي هيئة فاحصة من معهد ليون في فرنسا وكنا نحصل على ليسانس الحقوق من ذلك المعهد. بفضل صلوات أمي نجحت في الفحوص الثلاثة. كنا نقضي الصيف في صوفر اي في المنزل المستأجر الذي ظل فيه والدي حتى عندما أصبح رئيساً للجمهورية في 1936 ولم يستأجر قصراً. كنت استعد للامتحان ولا اخرج من البيت لمدة ثلاثة اشهر ولا أحلق ذقني ولم يكن ذلك شائعاً. طبعاً كنت احضر في الشتاء المحاضرات ولكنني كنت أذهب الى الصيد أيضاً وهذا ما جعلني اعرف لبنان كله من النهر الكبير الى شبعا. وكنت اهتم أيضاً بالبنات. احياناً كانت تأتي واحدة منهن، خلال فترة الاستعداد للفحص في الصيف، وتناديني من تحت الشباك فأحلق ذقني واذهب معها.
كانوا يجمعون في الفحص الخطي في معهد الحقوق تلامذة السنة الأولى والسنة الثالثة وكانت الطاولة تتسع لمقعدين.
شاءت الصدف ان يجلس الى جانبي في الامتحان شارل حلو وهو اكبر مني وكنت اعرفه من أيام اليسوعية. طبعاً اخذ ثلثي المقعد وترك لي مكاناً بسيطاً. تولى مراقبة الامتحان يومها القاضي الاستاذ ارين وكان يتوكأ على عصا ومن صوتها يعرف الطلاب بقدومه فيكفون عن الكلام ومحاولة تبادل المساعدة. يفترض ان يأخذ كل طالب مغلفاً يحتوي على ثلاثة اسئلة. فتحت المغلف وبفضل صلوات امي عرفت واحداً من الاسئلة الثلاثة. دائماً كانت ذاكرتي عاطلة والحقوق قصة ذاكرة فالذكاء يلعب دوره لاحقاً لدى ممارسة المحاماة. نكزني شارل حلو وقال لي: "صرت كاتب خمس صفحات؟". فقلت له: "نعم وما تحكي معي. اذا شافنا الاستاذ سيعتقد انني انا اسألك". ابتعد ارين فسألت حلو ماذا يريد. قال: كيف اخترت السؤال. فأجبت: اخترت السؤال الذي اعرفه. فأجاب: مشكلتي انني اعرف الثلاثة ولا اعرف ايهم سأختار. فمازحته قائلاً: خذ السؤال الموجود في الوسط.
هل كنت مهتماً بالسياسة؟
- كل عمري كنت أكره السياسة لأنني رأيت ماذا كان يحدث في البيت. كان والدي محامياً كبيراً امام المحاكم المختلطة وعمل في الجنايات. الدعاوى التجارية الكبرى كانت مع الأجانب وكان يكرس قسماً من وقته للسياسة. حصلت على الليسانس في الحقوق في 1934 وتدرجت لمدة سنتين في مكتب والدي في شارع اللنبي اي في المكتب الذي تدرج فيه ايضا الرئيس بشارة الخوري والرئيس كميل شمعون وعبده عويدات وفريد دحداح. أعطى ذلك المكتب ثلاثة رؤساء للجمهورية وكان يمكن ان يعطي رئيساً للحكومة هو عبده عويدات وهو شخص ذكي لكن مشكلته كانت انه سني من الجبل ودرج سنة بيروت على اعتبار رئاسة الحكومة وقفاً عليهم. طبعاً جاء رياض الصلح، وأصله من صيدا، ثم جاء عبدالحميد كرامي من طرابلس والآن جاء رفيق الحريري من صيدا لكن لم يحدث ان جاء رئيس للحكومة من جبل لبنان.
ما هو اهم حب في حياتك؟
- دعني افكر يبتسم العميد ويحاول استعادة الشريط الطويل. كنت في السابعة عشرة في أول علاقة حب وهي كانت مع سيدة لبنانية وكانت علاقة بريئة. كانت سيدة متحفظة وأنا بدوري لم اطالب بأكثر من ذلك لأنني كنت أعتبر ما يتخطى البراءة نوعاً من قلة الاحترام. استغرقت تلك العلاقة نحو ستة أشهر. كان الخروج في بيروت صعباً، وسيارتي معروفة، بعدها كرّت العلاقات. الحقيقة انني كنت اتفادى العلاقات مع اللبنانيات لتفادي موضوع الزواج.
انا تعرضت لاطلاق الرصاص تسع مرات في حياتي. قلت ربما ليس هناك امرأة تستطيع احتمال اسلوبي في العيش. ثم ان اخي تزوج وأنجب وهناك من يحمل اسم العائلة.
ماذا كنت تهدي النساء؟
- أولاً أنا لم أكن غنياً في يوم من الأيام. لم تكن عندي امكانية لتقديم هدايا الماس والخواتم الثمينة وغيرها. كانت الهدايا مجرد تذكارات صغيرة لا أكثر. واعتقدت دائماً ان على المرأة التي تحبني ان تفعل من أجلي انا لا من أجل ما انفقه عليها.
وماذا تحب في المرأة؟
- أهم ما يستوقفني في المرأة هو عيناها ويداها. قبل كل شيء ان تكون مهضومة ومش مسطولة وان يكون طبعها قريباً من طبعي. الاناقة الزائدة لا تهمني كثيراً.
ماذا تذكر من بدء ممارستك لمهنة المحاماة؟
- سأروي لك حادثة. حين تولى والدي رئاسة الجمهورية سمح لي بالترافع امام المحاكم المختلطة فقط لأن القضاة كانوا تابعين للمفوض السامي الفرنسي ومنعني أن أترافع أمام المحاكم اللبنانية لأن القضاة كانوا تابعين للسلطة اللبنانية. وكان حين اخذت الليسانس هنأني ووفقاً للتقليد أخذني الى العدلية القديمة ليعرفني على نقيب المحامين ثم ذهبنا، والدي ونقيب المحامين وأنا، في جولة على رؤساء المحاكم والنيابات العامة. خلال خروجنا من قصر العدل شاهدت مقاعد حجرية على يمين الباب ويساره فقلت له من كان يجلس هنا فقال شهود الزور. فسألته كيف؟. فأجاب انه ايام العثمانيين كان الأهم في القانون هو الشهادة. أي ان دور المحامي الشاطر كان ان يقنع القاضي العثماني بأن يكلفه اثبات حق موكله عن طريق الشهود. قلت له هل كنت تتصرف هكذا؟. فقال لا شريكي من بيت الشوشاني كان يختار. وحكى ان الوحيدين الذين كان ممنوعاً عليهم ان يشهدوا في المحاكم هم الدروز لأنه امام منصة القضاء كانت هناك طاولة عليها الكتب التوراة والقرآن والانجيل ولم يكن باستطاعة الدرزي ان يحلف اليمين إذاً لا شهود زور عند الدروز. اعجبني الدروز وأنا كبرت بينهم في صوفر.
عندما نلت الليسانس قبلني والدي وقال سأعطيك نصيحة لا تنساها في حياتك وهي "ان القانون صارم لكنه القانون" وهي حكمة رومانية قديمة.
واتبعت انا النصيحة كمحام وطبقتها لاحقاً كسياسي ولذلك ضميري مرتاح. أنا أكره الكذب وأكره الوسخ ولذلك حين كنت وزير داخلية وكانت بلدية بيروت تابعة لي كنت اوقف السيارة وألم ورقة الكلينكس عن الطريق.
هل كدت تتزوج ومتى قررت البقاء عازباً؟
- كان الجيش الفرنسي موجوداً وكان الضباط الفرنسيون يذهبون الى تدمر وحمص وحماه ويتركون النساء في بيروت حيث البحر والرمل والشمس واللبنانيون موجودون. وكانت النساء تتلقى اخباراً عن خيانات الازواج فحصلت عمليات طلاق.
لسوء الحظ او لحسن الحظ جاءت امرأة فرنسية لا أعرفها وقالت انا لدي ثقة فيك. جاءت الى المكتب وكانت تريد ان تطلق زوجها والحصول على تعويض. ربحت لها الدعوى ودفعت لي اتعابي. بعدها صارت تقول اذا اردتم الطلاق فليس لكم الا المحامي ريمون إده. اكتشفت ان الزواج يبدأ عشقاً وغراماً ثم تكون النتيجة الطلاق. رأيت زواجاً مدبراً من الأهل ونتيجته الطلاق. رأيت زواجاً بهدف المال ونتيجته الطلاق. امي كانت قديسة. كانت تذهب كل يوم للصلاة في كنيسة الوردية. تأتي عندي في السابعة والنصف صباحاً وتجلس على طرف سريري وتقول صليت لك من أجل ان تتزوج وأنا كمحام كنت أصبحت خبيراً في الزواج وأنا لا أريد ان أعمل مثل غيري وان اغيّر طائفتي من أجل ان اطلق. فليتزوج شقيقي بيار واختي اندريه وهي تزوجت فرنسياً من آل مونييه وتزوج أخي فتاة من آل الراسي وهي برازيلية من أصل لبناني.
حين بدأت انتخابات 1943 وكانت على أساس المحافظة، كان المسيطر ممثل بريطانيا العظمى السر ادوارد سبيرز وهو الذي أخذ في طائرته سنة 1940 ديغول الى لندن. وكان يأتي الى منزلنا ويلعب بريدج مع والدي في اوائل 2194 وكان يتكلم الفرنسية بطلاقة. ذات يوم قال سبيرز لوالدي لن استطيع ان ازورك والعب البريدج. فسأله عن السبب فقال انا ممثل تشرشل وطلبوا مني ان نؤيد الشيخ بشارة الخوري وسأعتذر منك. صار معروفاً ان بشارة الخوري مدعوم من الانكليز ومن النحاس باشا. وانتخب بشارة الخوري رئيساً للجمهورية على رغم ان الاكثرية كانت لوالدي. بعض النواب يذكرونني ببقرات قب الياس. انا وعمري 14 سنة كنت أصطاف في قب الياس عند عمتي لويزا في بيت جدي ابراهيم اده وكنت اركب حصاناً واذهب الى السهل واصطاد عشرين أو ثلاثين ترغلة. كنت أجيء عندما ترجع البقرات عند الغياب من السهل الى بيادر قب الياس وأرى الراعي يعد البقرات فسألته ذات يوم كيف ترجع البقرات الى زريبتها فأجاب أنا أوصل البقرات الى البيدر وهي تتدبر أمرها. اعجبتني البقرات فرغم الزواريب تعرف اماكنها. احياناً اذهب مع طلوع الشمس وأرى البقرات تخرج الى البيدر وتنتظر الراعي. فسألته اذا جمعت البقرات في بيدر ثانٍ هل تعرف كيف ترجع الى زريبتها فقال لا. المقصود ان بعض النواب اذا أردت ان تغير شيئاً في اسلوبهم يضيعون. كلهم ينتظرون الناطور.
هل عشقت في شبابك؟
- في سن ال 17 عشقت سيدة ارثوذكسية متزوجة والطلاق موجود عند الارثوذكس وممنوع عند الكاثوليك. امي عارضت وقالت متزوجة وأكبر منك وخضعت لأمرها. أغلب علاقاتي العاطفية كانت مع اجنبيات تجنباً للمشاكل.
ذات يوم كانت لديّ دعوى في مصر امام المحاكم المختلطة في 1946 وقلت لوالدي انا سأترافع ضد صديقك ريمون شميل الذي كان من أكبر المحامين في مصر فأجابني والدي لا يمكن أن تربح الدعوى ضده. ذهبت الى مصر ونزلت في فندق شيبرد. وعند الليل وأنا ادخل الى الفندق وكنت أريد ان انام استعداداً لمرافعة اليوم التالي اخذت مفتاحي ولكنني رأيت فتاة شقراء زرقاء العينين ودموعها على خديها. سألت الحاجب فقال اديتها تلغراف والآن تبكي. رجعت صوبها وسألتها هل استطيع مساعدتك فقالت هل تسقني شامبانيا فأجبتها شرط ان توقفي البكاء لأن عينيك جميلتان والبكاء يلحق ضرراً بهما. فقالت انها تريد ان تشرب الشامبانيا قرب الهرم. أوضحت لها ان لدي عملاً في الصباح لكنها أصرت. أنا ومنذ زمن اعتقد ان العيون الزرق تأتي بالمصيبة ولكنني قبلت وذهبنا. كان المكان مكتظاً وكل الطاولات مأخوذة وهناك طاولة شاغرة محجوزة للملك فاروق. قلت للسفرجي أنا كنت مع الملك فاروق وقال لي ان أجلس على طاولته وجلسنا. كانت الأوركسترا تعزف في تلك الأيام 3 أشياء: "تانغو" ثم استراحة لعشر دقائق ثم "فوكس تروت" واستراحة وبعدها "فالس". جاء دور التانغو وفجأة تقدم شاب وقال لها نريد ان نرقص فذهبت معه وجلست أنا مع القنينة كالمسطول ثم عادت واعتذرت وقالت ان الشاب صديقها في المقاومة الفرنسية وكانت تقول عن نفسها بأنها شيوعية. ثم قامت ورقصت مع شاب آخر. تضايقت وقلت لها شامبانيا شربت وما بقى بدك تبكي. رجعنا بالتاكسي الساعة واحدة ونصف وقلت لها اذا خسرت الدعوى بيكون بسببك واذا ربحت بيكون بسببك فردت أنا أجلب الحظ. ذهبت الى غرفتي وفي التاسعة صباحاً ذهبت الى المحكمة وترافعت جيداً وشعرت انني سأربح الدعوى. كانت قالت لي سأدعوك هذا المساء الى المسرح وانتظرتني عند مدخل الفندق وبدت أجمل من السابق. وذهبنا الى المسرح. جلسنا في الصف الثالث وذهبت ولم ترجع وحين فتح الستار رأيت ممثلة تشبهها. ثم جاء ولد وقال الست ميشيل عايزة تشوفك وتبين انها الشخصية الرقم واحد وقرأت اسمها ميشيل … فقلت لها لماذا لم تقولي لي ذلك منذ البداية. كانت تمثل مسرحية "بشارة مريم" لبول كلوديل. قالت نتعشى سوية فقلت لها نعم ولكن في مكان آخر. ومشي الحال.
ذهبت الى المحكمة في اليوم التالي فقالوا الحكم بعد ثلاثة أيام. ربحت الدعوة فقبلني ريمون شميل وهنأني وقال أنا نادراً ما أخسر دعوى ومسرور لأنني خسرتها أمام ابن صديقي اميل اده.
فذهبت الى الاسكندرية وكانت ميشيل تلعب الرواية نفسها. وذهبت الفرقة الى بيروت فقلت لأمي سأدعوك لحضور مسرحية حلوة لبول كلوديل فقبلت اما أبي فقد كان يفضل البريدج. وذهبنا الى "الغران تياتر" وكانت ميشيل تلعب الدور الرئىسي وبعد الفصل الأخير اخرجت أمي مسبحتها من جزدانها والدموع تنزل من عينيها فقلت لها جينا لتنبسطي ليش عمتبكي فقالت انني أصلي كي يبعث لك الله ببنت مثل هالبنت. أوصلت أمي الى البيت وقلت لها انا ذاهب للعشاء مع ميشيل لأن الظاهر أن الله استجاب لطلبك. في اليوم التالي جاءت أمي الى قرب فرشتي وكررت انها صلت لي كي يرسل لي بنتاً مثل ميشيل. قبل ان تسافر الفرقة قلت لأمي قررت ان أتزوج البنت. فقالت هل تتزوج ممثلة فقلت لها انت درست في لندن وهؤلاء بنات عائلات. فطلبت أن أفاتح والدي. جاء فقلت له أنا ربحت الدعوى والبنت كان وجهها خيراً. اقترحت على أبي ان يدعوها الى الغداء مع آخرين من الفرقة. حصلت الدعوة وكان والدي يحدث ميشيل وأنا أغمزها وترد ماشي الحال. بعد الغداء أدخلني والدي الى مكتبه وقال لي بنت ذكية ولديها علاقات كبيرة في باريس ولكن لا تقرر شيئاً قبل أن تتعرف عليها أكثر في باريس. أنا كنت آتي الى فرنسا شهراً في نهاية السنة. كانت تقيم قريباً من هذا المكان فندق كوين اليزابيث وكنا نلتقي يومياً تقريباً. ذات يوم ابنة عمي التي كانت متزوجة من جنرال فرنسي وكانت تقيم في النمسا دعتني لمناسبة عيد رأس السنة لزيارتها فقلت لميشيل ان تذهب معي اذا كانت تريد فقالت اذا لم يخلص فستاني الجديد فلن أذهب فقلت لها كيف تعتبرين نفسك شيوعية وأنت تملكين عشرات الفساتين في غرفتك. قلت لها اذا لم تكوني في الساعة التاسعة من صباح غد للمغادرة فمعناها كل شيء انتهى بيننا. اتصلت بها في الثامنة صباحاً فقالت الفستان لم يصل بعد وذهبت لوحدي.
وبعد العيد سافرت الى لوزان للاجتماع مع موكلي وجلست في بهو الفندق وتفحصت احد الكتيبات على الطاولة فوجدت فيه ان الذي انقذ سويسرا من الحرب ومكّنها من المحافظة على حيادها ليس جبالها أو جيشها وانما قانون سرية المصارف. انا محامي مصارف ولم أكن أعرف ما هي سرية المصارف. فسألت موكلي وشرح لي. وحاولت العثور على كتاب عن سرية المصارف فلم أجده في المكتبات في جنيف. رجعت الى باريس والتقيت مع ميشيل وتغدينا معاً وقلت لها: طالما فضلت علي الفستان موضوعنا انتهى.
وعندما انتخبت نائباً سنة 1953 تذكرت أن سويسرا لم تتعرض للغزو من قبل الجيش الألماني بفضل قانون سرية المصارف وهكذا تمكنت من المحافظة على حيادها. عندئذ فكرت أن مصلحة لبنان هي أن يصبح "سويسرا الشرق". عندئذ وتحديداً في 1954 تقدمت باقتراح قانون لتأسيس سرية المصارف وصوت عليه المجلس النيابي سنة 1956. هذا القانون كان السبب في ثروة لبنان وازدهاره ولكن لم يمنع تعرضه للاحتلال. انني صاحب تسعة اقتراحات قوانين صوّت عليها المجلس ولكن الأهم هو قانون سرية المصارف
هناك من يقول لماذا لا يصعد العميد الى طائرة متجهة الى لبنان؟
- انا قد تكون لدي مشكلة وهي انني لست من مدرسة مسح الأحذية. مهنة مسح الأحذية مهنة شريفة لكن ليس في السياسة. انا هنا في باريس لا أعمل كمحام. كل هذه الملفات التي تراها ملفات سياسية وأنا على اتصال دائم مع حزبي وأصدقائي. أحاول من خلال وجودي هنا ان أخدم بلدي. اجري اتصالات بواشنطن والفاتيكان وفرنسا. لدي هدف واحد هو تحرير لبنان أي انسحاب الجيش الاسرائيلي اولاً تنفيذاً للقرار 425 وبعدها لا يعود هناك مبرر لوجود الجيش السوري. أنا أيّدت موقف الرئيس حافظ الأسد في قمة الاسكندرية حين طالب بانسحاب اسرائيلي كامل من الأراضي السورية واللبنانية وتطبيق القرار 425.
ثم ان ظروف وجودي هنا معروفة. لقد أطلق جماعة زهير محسن الأمين العام لمنظمة "الصاعقة" النار عليّ في 11 تشرين الثاني نوفمبر 1976 وأصبت في فخذي وتعرضت لمحاولة اغتيال ثانية في 11 كانون الأول ديسمبر 1976 واصبت في حذائي. زارني زهير محسن في فرنسا قبل ستة أشهر من مقتله.
بعد محاولة الاغتيال الثانية زارني سفير مصر وسلمني دعوة من الرئيس انور السادات وكان ذلك قبل عيد الميلاد بقليل. كان كمال جنبلاط زارني في تشرين الأول وأطلعني على لائحة قال ان الأسماء الواردة فيها هي برسم القتل. فقلت له مازحاً أنا عندي لائحة وفيها اسمك قبل اسمي. ذهبت الى مصر وقابلت الرئيس أنور السادات ووضع في تصرفي الهليكوبتر التي أهداها نيكسون لعبدالناصر. زرت أبو سمبل وسألني ماذا أريد ان أرى فقلت له خط بارليف وزرنا المكان برفقة ضباط شاركوا في القتال. بعدها زرته لأشكره فسألني الى أين انت ذاهب فقلت الى بيروت فأجاب: مش ممكن فرددت وهل أنا سجين؟ عندها نادى مرافقه الذي جاء بحقيبة وأخرج منها ورقة شبيهة باللائحة التي اطلعني عليها كمال جنبلاط فقلت له اطلقوا النار عليّ مرتين فقال "ولكن الثالثة ثابتة". أنا حين دعاني السفير كنت اتصلت بكمال جنبلاط وقلت له تعال لنسافر فقال لا. عدت واتصلت به من عند الرئيس السادات وقلت له لماذا لا تأتي ونؤلف نواة حكومة في المنفى فاعتذر. كلفني السادات مهمة لدى الكي دورسيه وجئت الى فرنسا فكرت في حكومة بالمنفى واتصلت بصائب سلام وكامل الأسعد وكمال جنبلاط ولو جاؤوا لربما كنا استطعنا ان نفعل شيئاً. جئت الى باريس في 4 كانون الثاني يناير 1977.
لقد حاولنا قبل ذلك كل ما في استطاعتنا ففي 11 تموز يوليو 1976 دعوت الى اجتماع في منزلي حضره الرؤساء عبدالله اليافي وصائب سلام ورشيد كرامي الذي كان يومها رئيساً للوزراء ورشيد الصلح وعدد من النواب بينهم مخايل الضاهر. أعلنا تشكيل "جبهة الاتحاد الوطني" وأذعنا وثيقة شددت على رفض تقسيم لبنان وطالبت بانسحاب الجيش السوري من كل الأراضي اللبنانية. وهناك قصة طريفة فقد وضعت انا عبارة انسحاب الجيش السوري من "جميع" الأراضي اللبنانية فرد الرئيس كرامي بالقول انه لا يقال جميع الأراضي بل "كل" الأراضي فوشوشني صائب بك قائلاً: "مشيها أحلى ما يبطل" فوافقت على وضع كل محل جميع. والواقع ان موافقة الحاضرين على المطالبة بالانسحاب كانت حدثاً كبيراً. وكان تقي الدين الصلح الوحيد الذي حضر ولم يوقع وقال لي: "انا لدي ظروف خاصة".
على أي حال انا لم أكن يوماً صديقاً لسيبويه وكان ادوار حنين رحمه الله يسعفني في المرحلة الأولى. لكن حين سمعت جمال عبدالناصر يخطب بالعامية تشجعت وذات يوم القيت خطبة استمرت ثلاث ساعات.
تقيم منذ 1977 في فندق ألم يحاول أحد مساعدتك مالياً؟
- أنا أقيم في فندق لأسباب مالية.
ان الاقامة مكلفة الم تتلقَ عرضاً مثلاً من أي جهة؟
- اذا كانت هناك دعاية من هذا النوع أو قال أحدهم لك ذلك فقل لي عن اسمه لأرفع دعوى ضده. لم يعرض علي أحد أي شيء لسبب بسيط وهو انهم يعرفون انني لا أقبل. أنا بعت بعض الأراضي الزراعية وكان الدولار بپ3 ليرات. انني لا أعيش بأسلوب باذخ أو مكلف ولا ألعب القمار. أنا محام لكنني لا أمارس المحاماة في فرنسا. لدي مكتب في بيروت وأملك أراضي زراعية في البقاع في عانا وتل أخضر وبيت في قب الياس ورثتهم عن جدي ابراهيم اده وبيت في بيروت ورثته عن والدتي لودي سرسق. أنا شغلي الشاغل منذ 17 عاماً في باريس ايجاد طريقة لتحرير وطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.