للمرة الاولى منذ خمس سنوات، تسجل صناعة الطيران العالمية ارباحاً قدرت بنحو 2.1 مليار دولار عام 1994، بعد خسائر كبيرة سجلتها خلال الفترة 1990 - 1993، وبلغت نحو 16.2 مليار دولار، مع العلم ان هذا القطاع كان شهد في العام 1989 ازدهاراً ملموساً ساهمت مبيعاته في تخفيض العجز الحاصل في الميزان التجاري الاميركي، حتى أن بعض الدراسات أشار الى أن صادرات الشركتين الاميركيتين اللتين تصنعان الطائرات المدنية بوينغ وماكدونال دوغلاس شكلت نحو خمسة في المئة من مجموع الصادرات الاميركية، ما أظهر سيطرة الولاياتالمتحدة في ذلك الوقت على سوق الطيران التجاري. وقد حصل ذلك عام 1989 في ظل أرباح سجلتها شركات الطيران التجارية في العالم وبلغت 7.9 مليار دولار، غير ان سوق الطيران أصيب بنكسة كبيرة من جراء ازمة الخليج وتكبد خسائر ضخمة بلغت أكثر من مليارين و600 مليون دولار في العام 1990، واشتدت من جراء ذلك المنافسة بين شركات صناعة الطائرات نتيجة كثرة العرض... وقلة الطلب. واضافة الى مشكلة الركود في حركة الطيران التجاري، واجهت شركات صناعة الطائرات مشكلة التمويل المصرفي لصفقات الشراء، خصوصاً وان المصارف الاوروبية تنتهج حالياً سياسة حذرة في عملية اقراضها، الامر الذي جعلها تتخوف من تمويل صفقات شراء الطائرات في ظل تراجع أرباح شركات الطيران. ويبدو ان هذه المشكلة مستمرة، وفي هذا المجال لوحظ ان "سيتي بنك" وهو من اهم البنوك الاميركية في تمويل صفقات الطيران، وتبلغ حصته في سوق الطائرات الاميركية 25 في المئة، فقد بلغت قيمة قروضه ثلاثة مليارات دولار لتمويل صفقات طائرات لمختلف شركات الطيران في العالم عام 1994، مقابل 3.5 مليار دولار عام 1993، اي بتراجع نسبته 16.6 في المئة. انتعاش الاسواق وعلى رغم ذلك تتوقع اوساط شركات الطيران ان يتواصل اتجاه الربحية لصناعة الطيران في العالم مع تذبذبات طارئة، وفي ظل منافسة شديدة بين الشركات الاميركية والاوروبية. ويحصل كل ذلك في مؤشرات عدة تبشر بإنتهاء فترة الركود في أسواق الطيران الدولية، وبات بوسع الصناعيين ان ينتظروا ورود طلبات تتناول شراء 16730 طائرة مدنية جديدة تبلغ قيمتها نحو 900 مليار دولار على مدى السنوات العشرين المقبلة على حد ما جاء في توقعات خاصة بسوق الطيران أصدرتها مجموعة "دويتش ايروسبيس داسا" الالمانية. وقالت المجموعة التابعة لمجموعة "ديملر بنز" إنها تتوقع ان يبدأ الانتعاش في أسواق الطيران سنة 1996. وخصت بالذكر منطقة آسيا - المحيط الهادىء كمنطقة أكثر وعداً من أي منطقة أخرى في العالم. وتكهنت المجموعة الالمانية بحدوث عمليات اندماج واغلاق مصانع في عالم صنع الطائرات القصيرة المدى التي ستتعرض لضغوط قوية من القطارات الفائقة السرعة. وأشارت المجموعة الى أن متوسط النمو السنوي في حركة السفر في الطائرات النفاثة التي يزيد ما بوسعها ان تنقله على 70 مسافراً سيكون على الارجح 4.7 في المئة في العالم، أي 3.2 في المئة في شمال اميركا و4.1 في المئة في اوروبا و6.3 في المئة في آسيا. وستصل الطلبات الموضوعة على هذه الطائرات بما في ذلك الطلبات التي تتناول احلال الجديد محل القديم الى 11300 طائرة، وتوقعت المجموعة الالمانية ان تحتفظ مجموعة "ايرباص الاوروبية" التي تملك "داسا" فيها 37.9 في المئة من الاسهم بحصتها من الاسواق العالمية التي تزيد قليلاً على 30 في المئة، وذلك في ما تبقى من العقد الجاري. وقالت "داسا" في تقريرها ان الطلب على ما يصل الى 5430 طائرة قصيرة المدى تندفع بمحركات المروحية التوربينية بما في ذلك 2780 طائرة جديدة تحل محل القديم منها سيتعزز بفضل زيادة متوسطة في حركة السفر الجوي العالمي تصل الى 5.5 في المئة في السنة - أي 4.5 في المئة في أميركا الشمالية و5.3 في المئة في اوروبا و7.7 في المئة في آسيا. ويتوقع المراقبون ان تتقاسم الاسواق العالمية الخاصة بالطائرات النفاثة الاكبر شركات "بوينغ" و"ماكدونالد دوغلاس" و"ايرباص اندستري" بعدما انتهت مشاريع الاستملاك والاندماج الدولية المنتظرة، لكن زيادة الطاقة على الانتاج والمنافسة في الاسعار ستجبران عالم الطيران المؤلف من الشركات العشر الراهنة التي تصنع الطائرات القصيرة المدى على الاندماج او اغلاق أبوابها والتوقف عن الانتاج. الطيران العربي وفي خضم كل هذه التطورات يبقى السؤال المطروح: ما هو وضع شركات الطيران العربية؟... وما هو حجم استثماراتها في تحديث اساطيلها؟... يوجد حالياً في الوطن العربي 17 شركة طيران عربية اضافة الى الشركتين الخليجيتين الجديدتين عمانوقطر، وتملك 436 طائرة منها 260 طائرة أصبحت متقادمة، ما يجعل امر تبديلها ملحاً ويتطلب توفير مخصصات للاستثمار يصل مجموعها الى 20 مليار دولار، في حين ان ايرادات الشركات تقدر سنوياً بأربعة مليارات دولار. وتجمع اوساط شركات الطيران على أن منطقة الشرق الاوسط مقبلة على نمو ملحوظ في حركة الطيران. وقد أشارت احصاءات أجرتها منظمة "اياتا" الى أنه خلال عامي 92 - 93 ارتفعت حركة الطيران بين اوروبا والشرق الاوسط بنسبة 15.1 في المئة وسط توقعات بأن يرتفع معدل نمو حركة السفر خلال الفترة من 1994 الى 1998 بمعدل 11.95 في المئة في قطر و8.2 في المئة في دول الامارات، و7.1 في المئة في البحرين و6.7 في المئة في سلطنة عمان، مقابل نمو قدره 5.65 في المئة في الكويت و5.5 في المئة في الاردن و4.6 في المئة في مصر و3.9 في المئة في السعودية و2.3 في المئة في ايران. وتوقع الممثل الاقليمي ل "اياتا" خالد مهدي ان ترتفع حركة السفر من منطقة الشرق الاوسط خلال الفترة من 1994 - 1998 بنسبة 3.9 في المئة الى افريقيا و6.3 في المئة الى اوروبا و6.8 في المئة بين دول المنطقة و3.2 في المئة الى أميركا الشمالية و13.3 في المئة الى آسيا والمحيط الهادىء. كيف يمكن تطوير الاسطول الجوي العربي وتحديث الطائرات؟... نظراً لضخامة الكلفة وارتفاع اسعار الطائرات بحدة خلال السنوات الاخيرة، قد تتجه شركات الطيران في الشرق الاوسط في المرحلة المقبلة الى استئجار الطائرات بدلاً من شرائها مباشرة، ويتزامن ذلك مع بعض المصاعب التي تواجه اقتصادات المنطقة في ظل تراجع العائدات النفطية، مع الاشارة الى أن شركات التمويل العالمية لا تزال تعتبر ان شركات الطيران في الشرق الاوسط تمتلك امكانات كبيرة تؤهلها للاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، في الوقت الذي لديها خيارات عدة للاقتراض من اسواقها المحلية والاقليمية. وفي هذا المجال توقع اسرائيل بادرون نائب رئيس مجموعة "سي. أي. تي" الاميركية الذي اشترك في مؤتمر تمويل الطائرات في الشرق الاوسط الذي انعقد اخيراً في دبي، ان ترتفع نسبة الطائرات المؤجرة الى 60 في المئة من أساطيل شركات الطيران العالمية بحلول عام 2000، وقال: "إن هيكل اسطول الشركات الاميركية حالياً يتكون من 60 في المئة طائرات مملوكة و40 في المئة مستأجرة مقابل خمسة في المئة طائرات مستأجرة عام 1978.