ينعقد مؤتمر الشراكة الاوروبية المتوسطية في برشلونة أواخر الشهر الجاري بحضور دول الاتحاد الاوروبي ومجموعة الدول العربية المطلة على المتوسط، اضافة الى دولتين غير عربيتين هما: تركيا واسرائيل. وفي طليعة المواضيع المدرجة على جدول الاعمال، اقرار الاطار العام لمستقبل التعاون بين الدول الاوروبية والدول الاخرى على الضفة الثانية من المتوسط، الى البحث في الاولويات الاقتصادية والانمائية التي سيتركز عليها هذا التعاون، ثم الاتفاق على الآلية التي تكفل تقليص الفوارق الاقتصادية بين الطرفين، بما في ذلك القروض الميسرة والمساعدات التي تنوي دول الاتحاد تقديمها، ويمكن ان تصل الى حوالي 6 مليارات دولار سيبدأ تنفيذها اعتباراً من العام المقبل. وحسب مسؤولي الطرفين، فإن موضوع الشراكة الاوروبية - المتوسطية يحظى بأولوية كبيرة، لاعتبارات عدة، في طليعتها الاعتبار الجغرافي، نظراً الى المسافة القريبة نسبياً التي تجمع بين الطرفين، اذ تعتبر دول المتوسط الاقرب الى القارة القديمة. الى ذلك فإن الاتحاد الاوروبي هو الشريك التجاري الاهم للدول المتوسطية بما يصل الى حوالي 35 في المئة من اجمالي تجارتها الخارجية، فيما يصل مستوى الشراكة في بعض الدول الى 70 في المئة، كما هي الحال في دول مثل تونس، المغرب والجزائر، وبنسبة أقل في لبنان وسورية وتركيا واسرائيل. وتمثل العمالة من الدول المتوسطية وتحديداً من دول المغرب العربي وتركيا، العمالة الاكثر حضوراً في اسواق العمل الاوروبية، الى الحد الذي بدأ بعض الجهات الاوروبية يعتبرها منافساً غير شرعي للعمالة الوطنية، وأحد الاسباب المباشرة لارتفاع مستويات البطالة في بعض الدول. وحسب المفاوضات التي اجرتها المفوضية الاوروبية حتى الآن مع الدول المشاركة، فإن اقرار اتفاقات الشراكة سيشتمل على التزام واضح من الدول المعنية بإصلاح أوضاعها الاقتصادية ضمن برامج محددة، بما في ذلك تحرير تجارتها الخارجية، ورفع القيود المفروضة على الرساميل والاستثمارات، وتعويم العملات الوطنية، ثم التخلي عن سياسة الدعم لاسعار السلع والخدمات بما يكفل منافسة متكافئة بين الطرفين في عمليات التبادل التجاري مستقبلاً، ما يعني انفتاح الاسواق في الجانبين امام السلع والرساميل، وحتى الاشخاص. ومع ان الاتحاد الاوروبي وعد بالمساهمة في خطط الانماء الاقتصادي، سواء عن طريق التمويل ام عن طريق الخبرات الفنية، الاّ أن ثمة مخاوف واسعة من قبل الطرفين من المخاطر التي سيؤدي اليها انفتاح الاسواق امام الافراد والسلع، اذ في حين يتخوف الجانب المتوسطي، وتحديداً الجانب العربي، من عجز السلع الوطنية عن منافسة الواردات من اوروبا الغربية نظراً الى الكفاءة التصنيفية الواسعة التي تتميز بها، ومن عجز المؤسسات المحلية الصغيرة والمتوسطة اجمالاً عن مواجهة الشركات الاوروبية العملاقة، فإن الدول الاوروبية لا زالت تتخوف من ان يؤدي تحرير عملية انتقال الاشخاص الى تدفق مزيد من العمالة المتوسطية الى أسواقها، وهي مسألة بالغة الحساسية، اذا ما أخذ في الاعتبار ارتفاع معدلات البطالة في اوروبا التي تصل الى 7 في المئة كمتوسط عام في دول الاتحاد، اضافة الى الاعتبارات السكانية والديموغرافية والشعور المتزايد ضد الاجانب في دول اوروبية عدة. ومع ذلك فإن الغائب الابرز عن مؤتمر برشلونة سيكون دول الخليج العربي لاعتبارات عدة أبرزها: انها الشريك التجاري الاول لدول الاتحاد الاوروبي في الشرق الاوسط وافريقيا، اذ في حين تستورد ما يصل الى حوالي 40 في المئة من اجمالي وارداتها من دول الاتحاد الاوروبي، فإنها تصدر حوالي 30 في المئة من صادراتها النفطية الى الدول الاوروبية. وتعتبر دول مثل المانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا من بين الدول العشر الاولى الاكثر تصديراً الى المنطقة، الى جانب الولاياتالمتحدة واليابان. كذلك فإن الاتحاد الاوروبي الذي يسعى الى توفير مصادر آمنة وطويلة المدى لامدادات الطاقة لاسواقه المحلية يعتمد على منطقة الخليج التي تعطي حالياً ما يزيد على ثلث الانتاج العالمي من النفط، كما تملك 65 في المئة من الاحتياط العالمي المعروف من النفط، الى كونها تملك واحداً من اكبر احتياطات الغاز في العالم. عرقلة اتفاق الطرفين وكانت مفاوضات الشراكة الاوروبية - الخليجية بدأت قبل سنوات، لكنها اصطدمت بالكثير من الاشكالات على رغم اعتراف الطرفين بالحاجة اليها، ومن الاشكالات التي ساهمت كثيراً في عرقلتها، الضرائب التي فرضتها دول الاتحاد الاوروبي على وارداتها النفطية، الامر الذي ساهم الى حد كبير في تراجع استهلاك النفط الذي يمثل حوالي 85 في المئة من الصادرات الخليجية، ثم تبعتها الضرائب ونظام الحصص على وارداتها من البتروكيماويات الخليجية بحجة حماية صناعاتها المحلية، وتحت ضغط لوبي مصانع البتروكيماويات الاوروبي، فيما يقول مسؤولو المفوضية في بروكسيل ان غياب الوحدة الجمركية بين دول الخليج ساهم بصورة كبيرة في عرقلة اقرار اتفاق الشراكة بين الطرفين. والاعتقاد المتزايد، سواء في بروكسيل او في دول الخليج، هو ان الحوار الاوروبي - الخليجي الذي تراخت وتيرته في السنتين الماضيتين مرشح للمتابعة، وربما على أسس جديدة تكفل تجاوز الاشكالات القائمة، وهو ما سيتولى خبراء من الطرفين اعداده في خلال الاشهر المقبلة تمهيداً لانعقاد الاجتماع الوزاري المقرر اوائل الربيع المقبل في لوكسمبورغ، الذي سيقرر ما اذا كانت الشراكة الاقتصادية الاوروبية - الخليجية هدفاً قابلاً للانجاز. ان اكثر ما يشدد عليه مسؤولو المفوضية الاوروبية في بروكسيل حالياً هو ان اتفاق الشراكة المتوسطية المتوقع اقرره اواخر تشرين الثاني نوفمبر المقبل لا يعني ان مشاريع الشراكة مع مجموعة دول الخليج تراجعت اهميتها، لكن الكلام الاوروبي لا يزال يعوزه الدليل حتى الآن، خصوصاً اذا ما تواصلت حمى ضريبة الكربون وانظمة الحماية للمنتجات الوطنية في اوروبا.