حفلت الصفحات الأولى للاصدارات العربية وبعض الصحف الأجنبية طيلة الاسبوع الماضي بالحدث السوداني بعد أن أربكت التظاهرات الضخمة في العاصمة السودانية وبعض مدنها الأخرى بوصلة النظام الحاكم المرتبكة أصلاً. ولعل من أكثر هذه المقالات توسعاً اقترب من الاغراق في التفاصيل هو ذلك المقال البانورامي للصحافي معاوية حسن ياسين، والذي جعلت منه مجلة "الوسط" مقالها الاساسي وموضوع غلاف عددها 189. ولعل من الانصاف -رغم اختلافنا في محصلة التحليل النهائي- ان نقول ان صحافة التحليل وبنك المعلومة هي التي أعطت هذا المقال أهميته، وأضافت نجاحاً يحسب لمجلة "الوسط" وللاستاذ ياسين. كان المقال محاولة للقتراب من الشأن السوداني في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها السودان وشعبه. نقول ذلك غير متجاهلين العثرات التي شابت التحليل فأخرجته أحياناً عن موضوعيته، وكأننا بكاتب المقال يستجدينا في خاتمة مقاله أن نصدّق أن لعبة "العسكر" والانقلاب المضاد هي المخرج من عنق الزجاجة و المأزق الحالي في السودان. ونحن طبعاً نختار ما تمليه ثقافتنا ومعرفتنا بنظام الخرطوم الذي جاء الى الدنيا مغلفاً بالعتمة والأغلاط، ويبدو - من واقع الأحداث وقراءة التاريخ - أنه سيغادرها قريباً ... ما يحسب لصالح المقال ان كاتبه قام بغربلة دقيقة للشارع السوداني في عاصمته المثلثة الخرطوم - ام درمان - الخرطوم بحري ورصد الفقر والغلاء، ما جعل مقاله عبارة عن افادة بوفاة النظام خرجت منها بخلاصة أوجزها في الآتي: 1- ان مقال مجلة "الوسط" نعى للقارئ نظام الجبهة الاسلامية السودانية العسكري قبل أن تشهد جموع السودانيين خاتمته في قارعة الطريق. 2- يرى الكاتب انه ربما كان للجيش "بقيادة الفريق عمر البشير" دور جديد يخلع فيه مسمّاه الايديولوجي الحالي ويرتدي سترة الكاكي الخالص، وهنا موضع خلافنا... إن "الاسلامويين" في السودان أقصر باعاً من أن يطرحوا نظرية جديدة في تفسير التاريخ الاجتماعي والسياسي. والذي يجري في السودان منذ فجر الانقلاب على الديموقراطية في 30 يونيو حزيران 1989م ليس سوى حلم شريحة اجتماعية صغيرة بالسلطة لم يزودها احتكارها للاعلام برؤية جديدة لدولة عصرية لأن الطرح اصلاً هلامي وفارغ المحتوى فكانت النتيجة تجويع ملايين السودانيين واستعار نار الحرب الأهلية في جنوب وغرب البلاد والتدمير المروع للبنية التحتية اجتماعياً واقتصادياً... اما اجتهاد كاتب المقال من أن الفريق البشير "يسعى الى انتهاج خطوات من شأنها أن تجمع حوله مراكز القوة الكفيلة بتأييده"، أو حين يخلص في موضع آخر الى القول "وأشار مراقبون الى أن تعاون البشير مع التحقيقات المتعلقة بمحاولة اغتيال مبارك سيضمن له تأييد مصر إذا ما اضطر الى مواجهة أي عنف من جانب جماعة الترابي" مثل هذه الخلاصة في اعتقادنا تأويل اخطأه التوفيق، اذ أن سياق الأحداث في ما بعد قضى على هذا الاحتمال بعد أن تستّر النظام السوداني على ثلاثة من المشاركين في المحاولة فروا الى داخل السودان، الأمر الذي أدى الى تدهور مريع في العلاقات بين السودان والجارة الشرقيةاثيوبيا. فضيلي جماع شاعر ومسرحي سوداني - لندن، بريطانيا