خادم الحرمين الشريفين يفتتح مشروع قطار الرياض    ميقاتي يحذر النازحين من العودة السريعة.. وإسرائيل تعلن اعتقال 4 من حزب الله    تحديث لبعض أنظمة أبشر    وزير الثقافة يوجه بتمديد معرض "بنان" حتى 30 نوفمبر الجاري    أمير المدينة يستقبل وزير البلديات ويسلم مفاتيح الوحدات السكنية للأسر المستفيدة    طريف تسجّل أدنى درجة حرارة بالمملكة    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء في جميع أنحاء المملكة يوم غدٍ الخميس    جامعة الأميرة نورة تُنظِّم لقاء "فتح أبواب جديدة وآفاق واسعة للمعرفة والتعلُّم"    أندية الفروسية تستعرض في جازان    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم بالمنطقة    الجاسر: قطاع النقل حقق نسبة نمو 17% منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    الخريف: الصندوق الصناعي اعتمد مشاريع بقيمة 12 مليار ريال في 2024    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    وزير الرياضة : 80 فعالية عالمية زارها أكثر من 2.5 مليون سائح    البنيان: رصدنا أكثر من 166 مشروعا تعليميا في 2025    "أنا المدينة".. تجربة واقع افتراضي تنقل الزوار إلى العهد النبوي    وزير الطاقة يعقد اجتماعًا ثلاثيًا مع نائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الطاقة الكازاخستاني    نائب وزير الصحة يستعرض إنجازات "مستشفى صحة الافتراضي" ضمن ملتقى ميزانية 2025    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية لتشغيل مركز الأطراف الصناعية في مأرب    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    مصر ترحب بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان    شراكة تعاونية بين جمعية البر بأبها والجمعية السعودية للفصام (احتواء)    المملكة تشارك في اجتماعات الدورة ال29 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    السفير الجميع يقدم أوراق اعتماده لرئيس إيرلندا    وزير الدفاع اللبناني: لا حرية لإسرائيل في أراضينا    توقيع مذكرة لجامعة الملك خالد ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    انتقادات من جيسوس للتحكيم بعد مواجهة السد    الأونروا تحذّر من وصول الجوع إلى مستويات حرجة في غزة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    هؤلاء هم المرجفون    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب جزائرية - فرنسية سلاحها قوارير الغاز . شيراك بين قنابل الاسلاميين وضغط الأجهزة
نشر في الحياة يوم 16 - 10 - 1995

تشهد العاصمة الفرنسية عشرات الانذارات اليومية بوجود عبوات ناسفة والتحذير من اجسام وسيارات مشبوهة وتتدخل الشرطة الفرنسية يومياً لاخلاء شوارع وساحات وتفتيش طائرات والتدقيق في هويات المارة ومقتنياتهم بحثاً عن المشبوهين. وتستخدم السلطة خطة أمنية وقائية شبيهة بالخطة التي اعتمدت خلال حرب الخليج الثانية. في هذا الوقت تستمر الانفجارات ويستمر السؤال عن اهدافها والمسؤولين عنها. الا ان الأسئلة تلتقي حول معادلة واحدة هي ارتباط الانفجارات بالحرب الأهلية الجزائرية. فأي من اطراف الحرب يريد معاقبة فرنسا ولماذا؟
يحق لوزير الداخلية الفرنسي جان لوي دوبريه ان يعتبر نفسه سيئ الحظ، ليس لأنه بدأ ولايته بعد وزير "ناجح" هو شارل باسكوا، وليس لأن شهوره الأولى في الوزارة تزامنت مع اندلاع موجة عنف شديد، وإنما بسبب توقعاته التي انهارت الواحدة بعد الأخرى خلال فارق زمني قصير.
حيال الانفجارات التي بدأت باغتيال الشيخ عبدالباقي صحراوي 15 تموز - يوليو وعبوة محطة سان ميشال للقطارات الداخلية 25 تموز - يوليو ثم عبوة ساحة الاتوال 10 آب - اغسطس ثم عبوة خط القطار السريع التي لم تنفجر في ضواحي ليون وعبوة السوق الباريسي وعبوة اخرى لم تنفجر في احد المراحيض العامة في العاصمة... حيال هذه العبوات المنفجرة والتي لم تنفجر استعجل دوبريه تحديد المسؤوليات فأكد أولاً ان مرجعها هو الاسلامي الجزائري عبدالكريم دينيش 40 عاماً الذي يعيش في استوكهولم ويقود "الجماعة الاسلامية المسلحة" في أوروبا. واعتقل دينيش في السويد وأثبت انه كان يوم انفجار عبوة سان ميشال موجوداً حيث يقيم. وتبين أن الوزير الفرنسي وقع ضحية معلومات نشرتها صحيفة "لا تريبون" الجزائرية الناطقة بالفرنسية والتي تستقي معلوماتها من مصادر الاستخبارات العسكرية الجزائية.
بعدما تبين أن دينيش ليس المرجع الصالح، اعتمد دوبريه مرجعاً آخر هو خالد خلخال 24 سنة الجزائري الجانح الذي عثر على بصماته على عبوة القطار السريع في ضواحي ليون. وعندما قتل خلخال خلال اشتباك مع رجال الدرك 29 أيلول - سبتمبر الماضي أعلن دوبريه بسرعة ان مسؤولية الانفجارات تتحملها خلية خلخال. لكن الحظ لم يساعد وزير الداخلية مرة اخرى، ففي يوم تشييع خلخال 6 تشرين الأول - اكتوبر انفجرت عبوة جديدة قرب محطة قطارات داخل باريس تدعى "لاميزون بلانش" البيت الأبيض وهو الاسم نفسه للقرية التي سقط فيها خلخال، ما يعني ان الجهة المسؤولة عن مسلسل التفجيرات ما زالت بحاجة الى تحديد دقيق.
بين توقعين فاشلين أعلن دوبريه ان الاستخبارات العسكرية الجزائرية كانت ترغب منذ بداية مسلسل التفجيرات بتوجيه أنظار الاجهزة الفرنسية نحو خصومها الاسلاميين لحمل هذه الاجهزة على التخلص منهم، الأمر الذي احدث ضجة كبيرة. وعندما نفى الوزير أصرّ الصحافي الذي استصرحه على اقواله، فتدخلت السفارة الجزائرية في باريس وأعلنت انها اخذت علماً بالنفي لتنتهي القصة نهاية سيئة مع التوقع الثالث للوزير الفرنسي في فترة زمنية قصيرة.
وإذا لم يكن الحظ حليف الوزير دوبريه الذي يتولى الداخلية للمرة الأولى، فهل يكون حليف وزير العدل جاك تربون الذي ظل يردد، مخالفاً نظيره دوبريه، ان الحكومة ستظل متمسكة بخطة "فيجيبرات" الأمنية على رغم مقتل خلخال وأن تلك الخطة ستستمر مع استمرار البحث عن الارهابيين.
لم يُفصح توبون كما لم يُفصح المحققون عن هوية أو هويات المسؤولين عن الانفجارات بصورة محددة. ويرفض توبون كما يرفض المحققون الحديث عن تفاصيل تحقيقاتهم لوسائل الاعلام، وهذا أمر مفهوم، وما يسربونه في هذا المجال ينحصر فقط في الاشارة الى الاسلاميين الجزائريين.
وعندما يُغامر المسؤولون الفرنسيون بالحديث اكثر عن هذا الموضوع يرجحون ان يكون مصدر "الارهاب" الراهن في فرنسا داخلياً وليس خارجياً، ما يعني ان المراجع الخارجية وإن كانت معنية بالانفجارات فانها لا تتولى التنفيذ بنفسها. ويذهب الرئيس جاك شيراك الى حد اعلان الحرب على "الاسلاميين" حتى استئصالهم والقضاء على خلاياهم في فرنسا معززاً بذلك فرضية الاسلاميين الجزائريين ومسؤوليتهم عن الانفجارات.
لكن من هم هؤلاء "الاسلاميون" الذين تتحدث عنهم البيانات والتصريحات الفرنسية؟ "الجماعة الاسلامية المسلحة" تقول وسائل الاعلام، انهم شبان يائسون يعيشون في ضواحي المدن الفرنسية المأزومة، حسب مصادر محلية. ألا تنتمي مجموعة خلخال الى ضواحي ليون؟ ألا ينتمي افرادها الى جيل من الشبان المهاجرين او الفرنسيي الجنسية من يتعرضون يومياً للاستثناء والاستبعاد من المؤسسات الفرنسية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيش أزمة حقيقية هذه الأيام؟!
منظمة غامضة
هذه الحيرة التي ترفدها توقعات عامة حول هوية المسؤولين عن المتفجرات، زادتها غموضاً مؤشرات خارجية عدة. ففي المرحلة الأولى غابت البيانات والتصريحات التي تعلن تبني الانفجارات، وما صدر منها حمل توقيع منظمة غامضة هي "الجماعة الاسلامية المسلحة - القيادة العامة". لم يسمع أحدٌ من قبل باسم هذه المنظمة ولم تعرها وسائل الاعلام اهتماماً يُذكر. في هذا الوقت امتنعت مجموعة خلخال عن اصدار بيانات لتفسير أهدافها من العمليات العسكرية ان كانت مسؤولة عنها، فمن غير المنطقي ان تمارس جهة أو مجموعة عملاً ارهابياً محضاً من دون مقابل.
في المرحلة الثانية التي بدأت في 8 تشرين الأول اكتوبر الجاري، نقلت وسائل الاعلام بياناً صادراً عن "الجماعة الاسلامية المسلحة" يتبنى كل الانفجارات التي وقعت ومعها عمليات اخرى طالت فرنسيين في الجزائر بما في ذلك عملية خطف طائرة الاير باص الفرنسية أوائل العام الحالي. ويدعو البيان الذي يحمل ختم الجماعة، الرئيس جاك شيراك الى الاسلام أسلم تسلم ويؤكد نية "الجماعة المسلحة" فرض الاسلام على فرنسا بالقوة وبالتالي مواصلة عمليات العنف حتى تحقيق هذا الهدف فهل يمكن ان تحلم السلطات الجزائرية ومناهضو الاسلام باعلان اكثر تطرفاً من هذا الاعلان الذي يفتح حرباً مع دولة عظمى بقوارير الغاز؟!
الا ان "رويتر" التي اذاعت البيان قالت انها حصلت عليه في 23 أيلول سبتمبر الماضي، اي قبل مقتل خلخال وقبل انفجار محطة "لا ميزون بلانش". ولعل هذا التأخر سببه شكوك وجيهة في مدى تطابق البيان مع البيانات السابقة، الا انه قد يكون أيضاً ناتجاً عن اعتبارات اخرى متصلة بهوية "الجماعة الاسلامية المسلحة" نفسها، ما يعني أيضاً ان ظهور بيان الجماعة لم يساهم في جلاء الأمور وإنما في زيادتها غموضاً.
التحفظ عن البيان كان سيد الموقف في تصريحات المسؤولين الفرنسيين و"الجماعة المسلحة ليست تنظيماً محدداً واضح المعالم انها اطار موجود فقط في الاعلام"، حسب أنور هدام رئيس هيئة البرلمانيين الاسلاميين الجزائريين فازوا في انتخابات العام 1992 الملغاة، الذي يعتبر أن اسلاميي الجزائر لا يرغبون بتصدير ثورتهم الى الخارج، متهماً الاستخبارات العسكرية الجزائرية بالمسؤولية عن انفجارات فرنسا.
واجهة اعلامية
وتأخذ تصريحات هدام اهتماماً خاصاً نظراً الى ان صاحبها هو المصدر الجزائري الاسلامي الوحيد الذي تحدث عن انفجارات فرنسا حتى الآن، فهو أيضاً مصنفٌ كأحد القيادات الأساسية لپ"الجماعة المسلحة" ومتهم بأن ولاءه الأصلي ليس لپ"جبهة الانقاذ الاسلامية" وانما للجماعة، الى حد ان مصادر فرنسية وجزائرية اتهمته اكثر من مرة بأنه "ممثل الجماعة" لدى "الانقاذ" وانه يتخذ من الثانية ستاراً لتغطية نشاطاته لمصلحة الأولى.
ويدفع وصف هدام الجماعة بأنها واجهة اعلامية الى الاعتقاد بأن اطرافاً اخرى تستخدم هذه "الواجهة" بما في ذلك النظام الجزائري و"الانقاذ".
وتفاقم اضافة اسم "الجماعة" الى احداث فرنسا غموض هذه الاحداث التي كانت أصلاً غامضة مع مقتل طرفها المعلن الوحيد خالد خلخال واصابة مساعده موسى كوسى 23 سنة بجروح بليغة لا تزال تحول دون استنطاقه.
لكن الغموض الناتج عن نية مسبقة بتجهيل الفاعل لا يخفي حقيقة ان منفذي العمليات الارهابية ليسوا هواة وإنما محترفين يختلفون عن المسلحين الجزائريين الذين ما زالوا يمارسون اعمال العنف بطريقة بدائية، والدليل الى ذلك اعتمادهم قوارير الغاز والمسامير والبراغي في عملياتهم، ويبدو التطابق بين وسيلة التفجير وبين "كاسيت فيديو" منسوبة الى الجماعة المسلحة، تطابقاً مثالياً الى درجة يصعب تصديقها، ذلك ان "كاسيت الجماعة" تشرح لمن يرغب، طريقة تفجير عبوة ناسفة بواسطة قارورة غاز. فاما ان يكون تنظيم الجماعة ساذجاً جداً وسذاجته تستدعي كشف عناصره بسرعة، وهي ليست الحال الآن لا في فرنسا ولا في الجزائر، وأما ان يكون طرفاً آخر محترفاً يستخدم واجهة "الجماعة" لأغراض أخرى.
عشرة آلاف مقاتل
يبدو هذا التساؤل وجيهاً ليس فقط بسبب غموض وتجهيل الفاعل في المتفجرات الفرنسية وإنما بسبب طبيعة "الجماعة المسلحة" نفسها، اذ لا يعرف احد بعد مرور 3 سنوات على الحرب الجزائرية اي شيء جدي وعقلاني عن الخط السياسي للجماعة، ولا يعرف أحد أي زعيم، يستحق فعلاً هذا اللقب، بين زعمائها، وعندما يجري الحديث عن مقاتليها، يُقدّر عددهم بسبعة الى عشرة آلاف عنصر، اما قادتها الذين تتحدث عنهم وسائل الاعلام فهم يُقتلون قبل ان يتاح التعرف عليهم معرفة كافية، وأحدهم عامل دهان والآخر حرفي... الخ. فكيف يقود عشرة آلاف مقاتل زعيم متواضع لا يتمتع بكفاءات قيادية، حديث السن وغير قادر على حماية نفسه بعد ثلاثة اشهر من توليه القيادة.
ان مقارنة بسيطة بين قيادة الانقاذ وقيادة الجماعة المسلحة تظهر ان احداً لم يقتل حتى الآن من القادة العسكريين الانقاذيين البارزين شأن المخلوفي والشبوطي ومحمد السعيد وعبدالرزاق رجام، في حين قتل 3 من القادة الذين ورد ذكرهم كرؤساء للجماعة المسلحة واعتقل واحد خلال أقل من 3 سنوات! فهل يعقل ان يكون رأس "الجماعة المسلحة" وهي التنظيم الأقوى في الجزائر حسب المراجع الجزائرية، عرضة للقتل والتغيير والاعتقال بمثل هذه السرعة؟
وتذهب المؤشرات في الاتجاه نفسه اذا ما عدنا الى الهيكل التنظيمي حيث وردت في وسائل الاعلام مخططات تنظيمية للجماعة شبيهة بمخططات "الانقاذ" واسماء شخصيات "انقاذية" في القيادة واخرى غير معروفة منسوبة الى "الجماعة" اضافة الى ان شعارات الجماعة تدعو دولاً وقارات الى اعتناق الاسلام وتصدر احكاماً عامة بالتكفير وتُنسب اليها كل أعمال القتل والاغتيال التي يمكن تبريرها وتلك التي يصعب تبريرها، كل هذه المؤشرات مجتمعة تُذكّر بمنظمة "أيلول الاسود" الفلسطينية التي ظهرت في السبعينات أثر احداث الأردن ايلول 1970 واعتمدت كواجهة لممارسة اعمال عنف وتصفيات اشتركت فيها جهات عدة وليس منظمة التحرير الفلسطينية وحدها.
ان حصر مسؤولية الانفجارات الفرنسية ب "الجماعة المسلحة" والتلميح ضمناً أو علناً الى مسؤولية الاستخبارات الجزائرية في اختراق صفوف الاسلاميين وتوجيه بعض مجموعاتهم بعلمهم او من دون علمهم للقيام بأعمال عنف تخدم النظام وتشكل جزءاً لا يتجزأ من حربها ضد "الانقاذ"، إن حصر مسؤولية الانفجارات بالجزائر والحرب الجزائرية وأطرافها يدفع الى استخلاص عدد من النتائج ابرزها:
سيناريوهات متشابهة
أولاً: ما تشهده فرنسا الآن سبق ان شهدت سيناريو مشابهاً له في العامين 1985 - 1986. يومذاك اندلع مسلسل تفجيرات ورفعت مطالب من بينها اطلاق سراح أنيس نقاش اللبناني المتهم بقتل شهبور بختيار آخر رئيس وزراء ايراني في عهد الشاه. واستخدم الارهابيون واجهة لبنانية هي جورج ابراهيم عبدالله الذي كان يقوم بعمليات عنف لمصلحة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وتبين من التحقيقات ان هدف العمليات "معاقبة" فرنسا على سياستها الخارجية وعلى دعمها العراق في حربه ضد ايران وعلى دورها في لبنان. اما الاداة المنفذة فكانت من بين المهاجرين المغاربة المقيمين في فرنسا، وبالتحديد خلية فؤاد علي صالح التونسي الذي استخدمته ايران لهذه الغاية.
في مسلسل التفجيرات الحالية ثمة من يرغب في "معاقبة" فرنسا على سياستها الخارجية تجاه الجزائر وربما المغرب العربي عموماً. ويستخدم المسؤولون عن الانفجارات أدوات - ربما - محلية من بين المهاجرين وابنائهم من الجيل الثاني. ولعله من الصعب استبعاد أي من الأطراف الجزائرية من المسؤولية عن هذه العملية. وذلك لاعتبارات عدة من بينها ان المتضررين من سياسة جاك شيراك تجاه الجزائر والمغرب العربي كثر. فالجهة الاسلامية تتهم فرنسا بدعم الجزائر اقتصادياً ونظامها سياسياً والتضييق على القواعد اللوجستية الاسلامية في نطاق اراضيها واعتقال انصار التيار الاسلامي. وكانت السلطات الجزائرية تتهم فرنسا واوروبا والولايات المتحدة بايواء الاسلاميين من انصار جبهة الانقاذ والسماح لهم بنشاطات اعلامية ولوجستية. وقد ظلت باريس ملجأ للشيخ عبدالباقي صحراوي نائب رئيس "جبهة الانقاذ الاسلامية" حتى اغتياله في 15 تموز يوليو الماضي.
في السياق نفسه التقى شيراك جميع قادة دول المغرب العربي باستثناء الجزائر، واللقاء الذي سيجمعه بالرئيس اليمين زروال سيتم في الامم المتحدة وليس في الجزائر أو باريس. ويحدث ذلك في وقت تعتبر الجزائر نفسها محور المغرب العربي وليس احد قطبيه مع المغرب الأقصى فكيف يمكن لرئيس فرنسا ان يستقبل على مائدته الرئيس الموريتاني معاوية احمد الطايع وان يخص الرباط بأول زيارة لعاصمة عربية ثم يزور تونس، ويمتنع عن تحديد موعد للقاء رئيس الدولة الجزائرية؟ اضف الى ذلك ان السياسة الخارجية التي تتمناها الجزائر هي تلك التي كان يعبر عنها وزير الداخلية السابق شارل باسكوا والقاضية بملاحقة الاسلاميين المدنيين في فرنسا والضغط عليهم وتوفير الدعم التقني والسياسي للدولة الجزائرية ودعم هذه الدولة في المحافل الاوروبية والدولية، وليست سياسة حيادية كما هي الآن، مع ميل متحفظ لمصلحة النظام وامتناع عن تأييد الانتخابات الرئاسية.
ضواحي البؤس
ثانياً: هل يكون خالد خلخال واجهة متفجرات العام 1995 كما كان جورج ابراهيم عبدالله واجهة متفجرات العامين 1985 - 1986؟ ليس من المستبعد ان يتكرر السيناريو نفسه. وفي هذا السياق نشرت صحيفة "لوموند" حديثاً مطولاً كان باحث اجتماعي الماني اجراه مع خلخال في العام 1992 يخلو من أية اشارة الى تطرف اسلامي ومن أي دفاع عن الاسلاميين في الجزائر ومن أية طروحات أو دعوات لممارسة العنف. لكن الحديث تضمن الكثير من الشكاوى والاحتجاجات والتظلم تجاه المؤسسات الفرنسية واستبعادها الاجانب أو الفرنسيين من ذوي الاصول الاجنبية من صفوفها. اما المعلومات المتوافرة عن خلخال فكلها تظهره كشاب جانح كغيره من شبان ضواحي المدن البائسة في فرنسا التي تقف على عتبة انفجارات اجتماعية خطيرة. ويحصي الباحثون المحليون اكثر من 1200 ضاحية منها قابلة للانفجار لأسباب اجتماعية اقتصادية وليس اسلامية.
وهل اغتنم خلخال مناسبة الانفجارات الأخيرة للمشاركة في الانتقام لحالته وحالة رفاقه على طريقته الخاصة؟ أم انه كان بالفعل زعيم الكوماندوس الذي اغتال عبدالباقي صحراوي وشارك في زرع العبوات الناسفة في فرنسا؟ صحيح ان مقتله لا يساعد كثيراً على تحديد كامل دوره ومسؤوليته في موجة العنف لكن التحقيق القضائي قادر على جلاء هذا الدور من خلال المعطيات التي يملكها عن خلخال وجماعته. ولعل وزير العدل جاك توبون برفضه تحميل خلخال كل مسؤولية الاعمال الارهابية يدرك ان مسلسل العنف يتجاوز خلخال وحلقته الصغيرة.
ثالثاً: هل افاد شبان مهاجرون من موجة العنف وبادروا الى الانتقام على طريقتهم من المجتمع والدولة والمؤسسات الفرنسية؟ الجواب عن هذا السؤال يصطدم بعقبة حقيقية وهي تشابه العبوات الناسفة وصدورها عن جهة محترفة ومنظمة وليس مجرد صبية هواة يرشقون رجال الشرطة بالحجارة ويحرقون سيارات متوقفة في كنف احيائهم. لكن الأمر الذي لا يمكن استبعاده هو ان يكون بعض هؤلاء أدوات تنفيذية محلية، وهنا يمكن القاء الشك على كل الاطراف الجزائرية وليس على طرف من دون غيره. فالاسلاميون نافذون في ضواحي المدن الفرنسية كغيرهم من الاطراف الجزائرية الأخرى المناهضة لهم، وكل هذه الاطراف قادر على تجنيد بعض الشبان اليائسين وتوجيههم والافادة منهم في تنفيذ عمليات عنف.
رابعاً: هل تكون نهاية موجة العنف الجديدة في فرنسا شبيهة بنهاية الموجة التي اندلعت في العامين 1985 - 1986 باعتبار ان الموجتين تتصلان بسياسة فرنسا الخارجية تجاه بلدٍ ما يخوض حرباً أو تخاض على أرضه حرب؟ في الموجة الأولى انتهت الاعمال الارهابية مع انتصار سياسة فرنسا الخارجية في الحرب العراقية - الايرانية ومع هزيمة هذه السياسة في لبنان. والموجة الجديدة قد تكون مرتبطة بايجاد تسوية للأزمة الجزائرية، ولعل ميل جاك شيراك في مؤتمره الصحافي في برشلونة حيث اعلن عن لقائه الرئيس زروال خلال الشهر الجاري الى القول بحل سياسي للأزمة الجزائرية ودعوة السلطة الى اجراء انتخابات تشريعية حرة واعتباره ان هذه الانتخابات هي الأساس وليس غيرها، هذا الاعلان يفتح الطريق امام المزيد من الاعتدال والحياد الفرنسي في الأزمة الجزائرية، لكن هل يكفي ذلك لوضع حد لمسلسل للعنف؟
لا بد من انتظار لقاء شيراك - زروال في نيويورك لمعرفة ما سيصدر عنه وما اذا كان الرئيس الجزائري سيتعهد بحل سياسي للأزمة يضمن مشاركة الاسلاميين والمعارضة المدنية في الحكم جنباً الى جنب مع الفئات العلمانية والفرنكوفونية. ان مثل هذه التعهدات قد تحدث انفراجاً سياسياً يؤدي بدوره الى المساهمة في تجنيب فرنسا مسلسل الارهاب والعنف وفيضان الحرب الأهلية الجزائرية على اراضيها.
اما الادوات التنفيذية فلن تطرح مشكلة في العام 1995 كما انها لم تطرح مشكلة في العامين 1985 - 1986 فهي يمكن ان تُعتقل وتزج في السجون من دون ان يُشكل اعتقالها قضية خطيرة، والامثلة كثيرة وآخرها كارلوس الذي سقط كورقة من اوراق الخريف بعد نهاية الحرب الباردة وهو قابع في احد السجون الفرنسية من دون ان يُثير اهتمام أية قوة خارجية من القوى التي استخدمته من قبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.