مر يوم الايدز العالمي كعادته في الأول من كانون الاول ديسمبر 1994 من دون جديد. ولم تقدم القمة الطارئة التي دعت اليها الاممالمتحدة ومنظمة الصحة العالمية وحضرها ممثلون عن 42 دولة بينهم 13 رئيس حكومة و23 وزيراً و6 سفراء في مدينة باريس، اية حلول او اقتراحات عملية من شأنها الحد من تزايد انتشار مرض الايدز والسيطرة على كوارثه الصحية المتفشية في العالم. واليوم بعد مرور 14 عاما على ظهور هذا الوباء القاتل، ما زال العلماء والباحثون عاجزين عن ايجاد دواء شاف او علاج متكامل او لقاح واق من هذا المرض الرهيب الذي ينذر بكارثة اجتماعية واقتصادية كبيرة لا تحمد عقباها. الاحصاءات الاخيرة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تشير الى وجود اكثر من 16 مليون مصاب بفيروس اتش.آي.في المسبب للايدز، بينهم مليون طفل، ووفاة 4 ملايين من المصابين بأعراض المرض. وتتوقع المنظمة ان يصل عدد حاملي الفيروس الى ما بين 30 و40 ميلوناً بحلول عام 2000، بينهم 13 مليون امرأة. وسيكون نصيب الدول النامية والفقيرة منها حوالي 90 في المئة. كما سيفقد قرابة 5 ملايين طفل احد ذويهم او كليهما نهاية العقد الحالي، الذي يتوقع ان يصل عدد ضحايا الايدز فيه الى 10 ملايين. ومن المؤسف جداً ان البلدان الصناعية الغنية تستفيد حالياً من 92 في المئة من الموازنة الدولية المخصصة لمكافحة مرض الايدز، على رغم انه لا يعيش فيها سوى 8 في المئة فقط من عدد المصابين. بينما لا تحصل الدول النامية والفقيرة التي يعيش فيها 92 في المئة من المصابين سوى على 8 في من تلك الموازنة. وقد اشار الدكتور جان باتيست برونيت، احد كبار خبراء مكافحة الايدز في منظمة الصحة العالمية، الى خطورة التباطؤ في اجراء ابحاث ودراسات وافية عن تفشي مرض الايدز وفيروس "اتش.اي.في" داخل القارة الافريقية حيث تتركز معظم حالات الايدز. وانتقد التهاون الرسمي والدولي في تسليط الضوء على اوضاع المصافبين من نساء وأطفال وبين الدكتور برونيت ان بين 10 و30 في المئة من النساء الحوامل هناك مصابات بفيروس الايدز، وهذه نسبة تفوق نسبة الحوامل المصابات في العاصمة الفرنسية باريس بأكثر من 20 او 60 مرة علماً بأن باريس تعتبر اكثر المدن الاوروبية اصابة بهذا الوباء القاتل. وصرحت السيدة نورين كاليبا مسؤولة المجموعة المساندة للمصابين بالايدز في كمبالا، بأن المصابين في المناطق الافريقية يعيشون حياة اقصر من تلك التي يعيشها المصابون في الدول النامية، وذلك لأن الدول الغنية توفر لمرضاها وسائل علاجية متطورة ومكلفة تقاوم الفيروس والامراض الانتهازية الاخرى التي ترافقه. وأشارت الى اهمية تهيئة برامج وقائية جديدة لحماية النساء في الدول الفقيرة، خصوصاً وان ازدياد حالات الايدز بين الصبايا في تلك الدول وصل الى وضع مأساوي خطير يهدد بكارثة. ويبدو ان هذا المرض اخذ في الانتشار تدريجاً بين فئات النساء الاصغر سناً اللائي يعتبرن امهات المستقبل في تلك الدول. ان ازدياد حالات الايدز بين النساء والاطفال ظاهرة جديدة ومخيفة خصوصاً في بعض الدول الافريقية. اذ ان سرعة انتشار العدوى بين النساء في اوغندا وزيمبابوي وزامبيا تفوق سرعة انتشارها بين الرجال بمرتين او ه مرات. وقد يؤدي هذا الازدياد في عدد الاصابات الى عواقب خطيرة خصوصاً عن انتقال العدوى من النساء الحوامل الى اطفالهن. تجربة فريدة تقول العالمة النفسانية ناتالي كريميو التي تعمل في عيادة فرنسية خاصة للولادة لا يزورها الا النساء المصابات بالايدز، ان الدراسات الاوروبية تبين ان المرأة اكثر قابلية لالتقاط عدوى الايدز من الرجل. اذ تبلغ نسبة الخطورة في انتقال العدوى من النساء الى الرجال حوالي 12 في المئة، بينما تتعدى خطورة انتقالها من الرجال الى النساء نسبة ال 20 في المئة. وقد يعود ذلك الى ان الطبيعة البيولوجية والجسدية للمرأة هي اقل قدرة على مقاومة الفيروس من الرجال. وتضيف الدكتورة كريميو ان اصعب مرحلة تمر بها المرأة المصابة بالايدز هي لحظة معرفتها ان نتيجة فحص الدم قد جاءت ايجابية، بمعنى انها تحمل الفيروس، حيث تتعرض لصدمة عنيفة ويتملكها خوف شديد ورهبة عارمة. فهي تشعر بالوحدة وتعجز عن مصارحة الزوج او الأهل والاصدقاء بالحدث المفجع والواقع الأليم. فالمرأة المصابة بفيروس الايدز تتعرض لضغوط اجتماعية هائلة، خصوصاً وان المجتمع ينظر اليها بمنظارين: الأول، انها سيئة السمعة ترتكب الدعارة والفحشاء والزنا او تتعاطى المخدرات بواسطة الحقن الوريدي، والثاني، انها ضحية مسكينة لهذا المرض اللعين . وتخشى المرأة ايضاً اطلاع زملائها او مسؤوليها في العمل عن حقيقة اصابتها خوفاً من فقدان وظيفتها. كما ان البعض يخشى ان يرفضه اطباء الاسنان وطبقات المجتمع الاخرى. ولا تقتصر المعاناة على المرأة المصابة وحدها بل تتعداها لتشمل اطفالها اذا كانت اماً. فقد يحرم الاطفال من دخول المدارس او يتعرضون لضغوط ومضايقات من باقي الطلبة والمدرسين، ما يدفعهم في النهاية الى مغادرتها والبحث عن حارة او مدرسة جديدة لا علم لها بأسرارهم الصحية. وهنالك حالات ادى ظهور اصحابها على شاشة التلفزيون الى حرمان اطفالهم من دخول المدارس، وهذا ما يدفع المصابات الى التردد كثيراً قبل البوح بأسرار مرضهن. اما عن احتمال انتقال العدوى الى الجنين اثناء الحمل او عند الولادة، فإن الدكتورة كريميو تقول ان الوضع الصحي العام للمرأة الحامل يلعب دوراً هاماً في تخفيف نسبة الخطورة. فاذا كانت تتمتع بصحة جيدة فان نسبة احتمال انتقال العدوى لا تتعدى ال 20 في المئة. الا ان معظم حالات انتقال العدوى تحدث اثناء عملية الولادة، مع احتمال انتقالها الى الجنين عبر المشيمة، ولكن نسبة ضيئلة جداً. وتشير الدكتورة كريميو الى اهمية معالجة المرأة الحامل المصابة بفيروس مثل دواء "آي.زي.تي" خلال الاسابيع الاخيرة التي تسبق عملية الوضع مع الاستمرار في العلاج اثناء الوضع، ومن ثم اعطاء المولود الجديد هذا الدواء لمدة 6 اسابيع، لأن ذلك يخفض نسبة احتمال انتقال العدوى من الأم الى مولودها الى حوالي 8 في المئة فقط. الا ان المضاعفات الصحية والاعراض الجانبية لهذه الطريقة العلاجية الحديثة على الاطفال، ما زالت غير معروفة حتى الآن. وتوصي الدكتورة كريميو الامهات الحاملات للفيروس بعدم ترضيع اطفالهن لأن ذلك خطورة كبيرة من احتمال انتقال العدوى عبر حليب الرضاعة. اما عن لجوء بعض النساء الحوامل الى عمليات الاجهاض، فانها تقدر نسبتهم بحدود 60 في المئة. وترجح الدكتورة كريميو اسباب ذلك الى عجزهن عن تحمل اعباء لمرض والضغوط الاجتماعية والنفسية التي ترافقه. وهنا تؤكد الدكتورة كريميو انها والعاملين معها من اخصائيي امراض النساء والولادة والمعاونين الاجتماعيين والاطباء يمتنعون عن اقتراح الحلول على المصابات الحوامل لأن مسألة الاستمرار في الحمل والولادة او العدول عنها امر خاص جداً بالنساء المعنيات، خصوصاً وان عدداً كبيراً منهن يعتبر ان احتمال وجود نسبة 20 في المئة من انتقال العدوى الى الاطفال يعني في الوقت ذاته احتمال ولادة اطفال اصحاء بنسبة 80 في المئة. مصير الأطفال وعن كيفية معرفة ما اذا كان الطفل المولود مصاباً بفيروس الايدز، تقول الدكتورة كريميو انهم يقومون بفحص المولودين في العيادة بصورة دورية على مدى 18 شهراً. وذلك لأن نتائج الاختبارات في الاسابيع الاولى تكون عادة غير ثابتة وتحتاج الى فحوصات تأكيدية متعددة. فاذا كانت نتيجة الاختبارات سلبية بعد 45 يوماً فهذا يعني ان الطفل لا يحمل الفيروس القاتل وان العدوى لم تنتقل اليه. اذ انه في بعض الحالات تنقلب نتائج الاختبارات الأولية السلبية بعد مرور شهر عليها الى نتائج ايجابية. اما النتائج التي تبقى ايجابية طوال فترة الاختبارات فإنها تعني لا محالة ان العدوى قد انتقلت الى الطفل. وبخصوص مصير الاطفال الذين يولدون من امهات مصابات بالايدز في حالة وفاة الأم او الأب او كليهما. تقول الدكتورة كريميو ان المتبع في اوروبا هو قيام الأم بكتابة وصيتها حول ما سيؤول اليه مستقبل طفلها بعد الولادة مباشرة فاذا كان الاب حياً يتولى تربية ذلك الطفل، اما اذا توفي الاب ايضاً نتيجة الاصابة بمرض الايدز، فإن القانون يسمح لمن يرغب في تبنيه تحقيق ذلك تنفيذاً لتوصية الوالدين او احدهما، على ان تكون الوصية مدرجة في اوراق رسمية يتركها ذوو الطفل لدى احد المحامين قبل الوفاة. الا ان هذه الممارسة تطبق في الدول الغنية والمتقدمة، اما الدول الافريقية والجنوب شرق آسيوية الفقيرة فإن معظمها يفتقد الانظمة والقوانين الاجتماعية التي تتولى عملية رعاية ايتام الامهات من ضحايا الايدز. وهنا تكمن الخطورة التي تهدد مستقبل هذه الاجيال. اذ ان انعدام الرعاية الصحية والثقافية والتربوية سيجعلها اجيالاً بلا مأوى وبلا اخلاق، بحيث تصبح عبئاً ثقيلاً على المجتمع بدل من ان تساهم في بنائه. كما انها ستصبح اجيالاً شريدة مطاردة ومنبوذة بدل من ان تستمتع بالاستقرار والعلم والمعرفة التي تعتبر دعائم اساسية في بناء المجتمعات الناجحة والاقتصاد المزدهر. قصة مأسوية في لقاء مهيب مع احدى ضحايا هذا المرض القاتل في باريس، تحدثت "الوسط" مع المريضة الشابة "سارة" التي استقبلت ضيفتها بابتسامة مشرقة رغم هموم المرض واليأس من المستقبل. بدأت سارة سرد قصتها المليئة بالفواجع والاحزان المتتالية التي برزت اثر معرفتها بأنها مصابة بفيروس الايدز وهي في الشهر الثاني من حملها. تتذكر سارة تلك اللحظة الرهيبة والمفاجأة المفجعة التي تلقتها عندما ابلغها الطبيب نتيجة الفحص الايجابية. لقد اجهشت سارة بالبكاء بلا انقطاع اياماً عدة، غير انها لم تتردد لحظة واحدة في مصارحة زوجها بمصابها. وكم شعرت بالارتياح والطمائنينة عندما تبين لها ان نتائج الفحوصات التي اجراها زوجها قد جاءت سلبية. اي انه لا يحمل الفيروس ولم تنتقل اليه او منه العدوى. لقد حاولت سارة اطلاع اهلها على حقيقة مرضها طوال عامين من دون جدوى، وذلك لكثرة ترددها وخوفها من ردود افعالهم. اما زوجها فقد نجح في اطلاع اهله على وضعها الصحي وكانوا متفهمين ومتعاطفين معها رغم صعوبة الموقف. تقول سارة انها فكرت بالاجهاض الا انها عدلت عن رأيها بعد ان اخبرها الاطباء ان نسبة احتمال انتقال العدوى الى مولودها لا تتعدى 20 في المئة . وهكذا انتظرت وزوجها موعد الولادة بفارغ الصبر. الا ان فرحتها بولادة طفلتها لم تدم طويلاً. اذ اظهرت النتائج المتكررة للفحوصات على مدى شهرين انها ايجابية وان طفلتها مصابة بفيروس الايدز. وهنا شعرت سارة بالصدمة والحزن نتيجة تكرار المأساة، وبالألم الشديد تجاه زوجها الذي اصبح يعيش مع عائلة مهددة بالموت امام عينيه في اية لحظة. الا ان الشجاعة والعزم لم يفارقا سارة وزوجها، فقد اصرا على تربية طفلتهما بصورة طبيعية واستمر بهما الحال لمدة عامين، كانت الطفلة تعيش خلالها مدللة للغاية ومحمولة على اكف الراحة معظم الوقت لدرجة انها لم تتمكن من السير بصورة جيدة حتى في عامها الثاني. الا ان القدر لم يرحم سارة وزوجها طويلاً لقد اصيبت الطفلة بحمى شديدة اودت بحياتها لان مرض الايدز وفيروسه حطما جهازها المناعي كلياً. ولم تطلع سارة اهلها على حقيقة وفاة طفلتها بمرض الايدز بل اكتفت باعلامهم انها ماتت نتيجة اصابتها بانفلونزا قاتلة. والأن بعد مرور سنة على وفاة طفلتها، تتطلع سارة الى المستقبل وفي نفسها رغبة كامنة للحمل والانجاب مرة اخرى. الا انها تخشى ان تؤدي المجازفة الى اصابة زوجها بالعدوى نتيجة ممارسة العلاقات الزوجية الحميمة. لهذا فكرت سارة وزوجها جدياً باللجوء الى تبني احد الاطفال والاستمتاع بالحياة العائلية من جديد. وفي حال تعذر ذلك فإن الخيار الاساسي يبقى ان تحمل سارة مرة اخرى وتنجب رغم كافة المخاطر التي تكتنف تلك العملية. اما حالياً فإن سارة تنتظر بفارغ الصبر موافقة السلطات المعنية على طلبها لأن القانون الفرنسي لا يمنع احد الزوجين الحامل لفيروس الايدز او كليهما من التبني والى ان يتم ذلك تعيش سارة وزوجها يومياً على أمل ان تتكلل مساعيهما بالنجاح. وتؤكد سارة انها ستخبر اهلها بحقيقة مرضها يوماً ما، الا انها لا تخفي قلقها الشديد على زوجها وصعوبة تركه وحيداً بعد موتها. اما عن المستقبل فان سارة لا تدري عنه شيئاً لأن ما يشغل بالها حالياً هو الماضي والحاضر. فالتأمل بالمستقبل لا يجلب الا الخوف والمآسي. واليوم تعيش سارة حياة سعيدة وتتابع دراستها وتحضيرها للحصول على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية عسى الله ان يطيل في عمرها، حيث يحدوها الأمل في ان يتمكن العلماء من ايجاد حل يوقف هذا الوباء ويشفيه. تقول سارة: "ان ايجاد لقاح ضد الفيروس مفيد للحد من ظهور حالات جديدة الا انه لا بد من اكتشاف دواء فعال قادر على وقف انتشار الفيروس ومنعه من تدميرنا. وفي الوقت الحاضر يعيش المصابون بسرية لا تطاق ولا تحتمل لأن المجتمع ليس مهيأ لمواجهتنا، لذلك علينا ان نعيش بهذا الحمل الثقيل فوق اكتافنا حتى يجيء الفرج". هذه المأساة التي تتجلى فيها شجاعة سار واصرارها على العيش الكريم رغم كافة المصاعب ما هي الا مثال حي لما يواجهه حاملو الفيروس القاتل من النساء في كافة اقطار العالم. ولا يسعنا ان نتجاهل مأساة اليزابيث غلايزر، زوجة الممثل المعروف بول غلايزر، التي توفيت حديثاً بعد صراع مع مرض الايدز لمدة 13 سنة. وكانت اليزابيث التقطت العدوى اثناء ولادة طفلتها "أريال" اثر نقل دم ملوث اليها خلال عملية الولادة. وقد اصيبت طفلتها بالعدوى وتوفيت وعمرها 7 سنوات، وانتقلت العدوى ايضاً الى طفلها جيك الذي ما زال حياً. ولم يسلم من الفيروس سوى زوجها الممثل بول الذي اشتهر بدوره البوليسي في حلقات "ستارسكي وهاتش" التلفزيونية. ونجحت اليزابيث خلال حياتها في ان تكون سفيرة وداعية رائدة في الدفاع عن ضحايا الايدز. واستطاعت ان تجمع اكثر من 20 مليون دولار لمساعدة الاطفال المصابين بهذا الوباء القاتل، ما دفع الرئيس الاميركي بيل كلينتون الى الاشادة بها وبدورها في مكافحة الايدز واصفاً اياها ب"الملهمة". كيفية تكاثر فيروس الايدز وتوالده 1 - التحام الفيروس باحدى خلايا المناعة. 2 - تفكك الغلاف الفيروسي وتحول مادة الرنا الوراثية الفيروسية الى مادة الدنا الوراثية الفيروسية بواسطة انزيم التناسخ العكسي. 3 - استدارة مادة الدنا الوراثية الفيروسية واندماجها مع المادة الوراثية للخلية الضحية. 4 - التناسخ الوراثي والتكوين البروتيني. 5 - التقاء البروتينات الفيروسية ومادة الرنا الوراثية فوق سطح الخلية. 6 - تبرعم الخلايا الفيروسية من الخلية الضحية.