يعتبر التلقيح أفضل وسيلة وقائية وعلاجية ضد الامراض، وتمتاز عمليته ببساطتها وسلامتها وسرعة فاعليتها. وهذا ما جعله يحقق نجاحات هائلة ضد العديد من الامراض الخطيرة كشلل الاطفال والجدري والحصبة والنكاف والحصبة الالمانية. وقد قامت محاولات عديدة منذ عام 1984 لتحضير لقاح مضاد لفيروس نقص المناعة المكتسبة HIV المسبب لمرض الايدز. وعلى الرغم من مرور قرابة العشر سنوات، فان ايجاد مثل هذا اللقاح ما زال يشكل اضخم تحد يواجه العلماء والاطباء حتى الآن، وربما استمر ذلك لعشر سنوات اخرى. ويعود السبب في ذلك الى الطبيعة المراوغة للفيروس التي تمكنه من مهاجمة الخلايا المناعية والتوغل داخلها والاختلاط بمادتها الوراثية DNA بحيث تتحد جيناته مع جينات الخلايا فتغير بنيتها الوراثية وتقلبها الى خلايا فيروسية معادية تستخدم ضد الخلايا السليمة الاخرى، فتتكاثر وتنتشر محاولة القضاء على كافة الخلايا المناعية وتعطيل جهاز المناعة بأكمله. وهذا بالطبع يفسح المجال امام الامراض الانتهازية للتوغل داخل الجسم واضعافه اكثر فأكثر. ويوجد احد عشر نوعاً من اللقاحات التجريبية المضادة للايدز التي يتم فحصها وتجربتها حالياً على البشر للتأكد من سلامتها ومدى قدرتها على توليد رد فعل مناعي ضد الفيروس. من هذه اللقاحات واحدٌ مكوّن من فيروس الايدز المقتول، وآخر مكوّن من اجزاء من الغلاف البروتيني السكري للفيروس، ولقاح مركب من مضادات النمط الذاتي التي تستقبل اجزاء الغلاف البروتيني للفيروس وغيرها. ولا احد يعرف ما اذا كان اللقاح سيمنع العدوى بفيروس "HIV" او ينجح في توفير الحصانة ضده. ويعتقد الدكتور البرت سابن، الذي نشر العديد من الابحاث الخاصة بلقاح شلل الاطفال ان اللقاحات هي مضيعة للوقت، لأن معظمها يعمل من خلال اثارة الاجسام المضادة ضد البروتينات الفيروسية الموجودة في الفيروس نفسه او فوق سطح خلايا الدم والخلايا المناعية المخموجة. والمشكلة مع فيروس الايدز هي ان الفيروس يخفي نفسه داخل مادة الدنا DNA الوراثية التابعة للخلية المخموجة، بحيث يعجز جهاز المناعة عن كشفها او التعرف عليها. الأمل... ولكن هنالك املاً بأن تنجح اللقاحات التي تمت تجربتها على القردة المصابة بفيروس نقص المناعة القردي SIV. وقد ظهرت افضل النتائج في هارفارد حيث استخدم فيروس حي تم تعديله وراثياً. ونجح اللقاح الحاوي لهذا الفيروس في تزويد القردة بحماية كاملة ضد نقص المناعة عندها. الا ان رئيس فريق البحث في هارفارد، الدكتور رونالد ديسروسيرز يصر على ان هنالك حواجز عديدة تتعلق بالسلامة يجب تخطيها قبل تجربة هذا اللقاح على الانسان، لانه على الرغم من ان الفيروسات المعدلة وراثياً لا تسبب الخمج عادة، الا ان هناك احتمالاً بعودتها الى شكلها الخطير وتسببها بالمرض بعد سنوات عدة. وتقوم حالياً مجموعة من الباحثين في هارفارد بتصميم انواع سليمة من فيروس نقص المناعة القردي التي يمكنها ان تخدم كنموذج لأول لقاح فعّال ضد فيروس الايدز عند الانسان، لكن معظم العلماء يعتقد بان ذلك سيستغرق عشر سنوات او اكثر ليتحقق. واعتبرت الدوائر الطبية الاميركية الرسمية ان التجارب التي قام بها مركز البحوث التابع لكلية الطب بجامعة هارفارد تمثل تقدماً بارزاً في المساعي الرامية الى ايجاد لقاح يحمي البشر من فيروس نقص المناعة البشري HIV الذي يؤدي الى الاصابة بمرض الايدز. واللقاح الجديد المستخرج من فيروس جرى تعديل جيناته - اي مورثاته - نجح في حماية القردة لسنوات ثلاث من مرض شبيه بالايدز يمكن ان يطلق عليه "الايدز القردي". هذا اللقاح التجريبي الجديد هو ثمرة لم تكن في الحسبان لتجارب جرت على الحيوانات بهدف تحديد دور كل واحدة من الجينات التسع التي يشملها فيروس الايدز في المسار الطبيعي لذلك المرض. ولقد بدأ العلماء، برئاسة الطبيب رونالد ديسروسيرز، بعزل جينة اسمها "نيف" NEF من فيروس نقص المناعة القردي SIV ثم حقنوا القرود بالفيروس الذي اضحى يشمل ثماني جينات فقط والذي لم يسبب ادنى ضرر للقرود، مما دفع الطبيب رونالد الى تجربة استخدامه كلقاح على ستة من القردة ضد مرض الايدز القردي فبقيت بصحة جيدة حتى بعد ثلاث سنوات من تلقيحها. اما القردة الاخرى التي تم حقنها بالفيروس كاملاً وهي 12 قرداً فقد ماتت جميعها. ولاختبار فاعلية الفيروس ذي الثماني جينات كلقاح مضاد للايدز القردي قام العلماء عمداً بحقن القرود الستة المعافة بفيروس الايدز القردي كاملاً بجيناته التسع، بحيث كانت كمية الفيروس في الحقنة تزاد تدريجياً. فلم يؤثر ذلك على القرود التي بقيت بصحة جيدة دون اي اثر لعلة تلازم مرض الايدز حتى بعد عام على اجراء التجارب. كما ان عدد خلايا المناعة التي تلعب دوراً مهماً في مكافحة الايدز لدى تلك القردة ظل على حاله، علماً بأن عدد تلك الخلايا يتناقص عند مرضى الايدز. وينوي الدكتور رونالد وفريقه التوصل الى اقل عدد من الجينات اللازمة لجعل اللقاح مأموناً وواقياً ضد الايدز، كما ينوي تطبيق التجربة بفيروس نقص المناعة البشري على قرود من نوع الشيمبانزي. والهدف من اللقاح هو الوقاية من مرض الايدز لا معالجة المصابين به فعلاً. وعلى حد قول الدكتور رونالد فان هذه النتائج المشجعة ستقود الى اول تجارب مأمونة للقاح تجري على البشر. ... والحيطة وعلى الرغم من ان استخدام فيروسات بشرية عديدة مشتقة من فيروسات حية عليلة كان ناجحاً فان العديد من العلماء ظلوا يرفض اتباع هذا النهج حيال مرض الايدز بسبب الاخطار الكامنة في حقن الاصحاء من البشر بذلك الفيروس القاتل، بحيث ان ذلك قد يؤدي الى اصابتهم بالمرض بدلاً من تحصينهم ضده كما انه قد يؤدي نظرياً الى الاصابة بالسرطان. وفيما عبر خبراء مرض الايدز عن انبهارهم بهذا التقدم الجديد فانهم نادوا بالتحقق التام من سلامة اللقاح المستخرج من الفيروسات الحية قبل طرحها للاستخدام. ويعتقد البعض ان شركات الادوية ستتردد كثيراً قبل تمويل تكلفة تلك البحوث والتجارب، بسبب تبعة التعويضات التي قد تنشأ في حالة تسبب اللقاح الجديد بمرض الايدز بين الاصحاء بدلاً من وقايتهم من خطره. كما يعتقد آخرون "ان تلك الشركات لا تستطيع الابتعاد عن الميدان اذا وجد اي امل بالنجاح". من جهة اخرى، ابدت الدكتورة برناديت هيلي، مديرة المعاهد الوطنية للصحة، التابعة للولايات المتحدة الاميركية، تحفظات شديدة على الطريقة التي تم فيها اختيار نوع اللقاح الذي وافق مجلس الشيوخ الاميركي على المباشرة بتجربته منذ بضعة شهور، في حملة واسعة النطاق، للتأكد من تأثيراته العلاجية على الاشخاص المصابين بفيروس الايدز HIV، بناءً على النتائج المشجعة التي اعلنها الدكتور روبرت ريدفيلد، الباحث في معهد والتر ريد العسكري للابحاث في واشنطن. وطالبت الدكتورة هيلي ومجموعة من الباحثين المختصين بمكافحة مرض الايدز بأن تكون التجارب اكثر شمولاً بحيث يتم اختبار ثلاثة انواع من اللقاح على الاقل، خصوصاً بعد ان عبّر العديد من الباحثين عن شكوكهم بالنتائج التي اعلنها الدكتور ريدفيلد، وبعد ان تبين للدكتور دانيال هوث، مدير برامج الايدز في المعاهد الوطنية للصحة، ان المعلومات الواردة من 24 تجربة سريرية اولية شملت عدداً من اللقاحات، بما فيها اللقاح المكون من اجزاء الغلاف البروتيني السكري للفيروس وبروتين السطح الخلوي الذي يرتبط به، تؤكد ان اياً من هذه اللقاحات لم يؤثر على كمية الفيروس الموجودة في مجرى الدم، ولم يزد من مناعة الجسم على مقاومته. ويقول الدكتور لورانس كوري، أحد الباحثين العاملين في جامعة واشنطن في مدينة سياتل ان تأثير هذه اللقاحات هو اقل من تأثير الادوية المستخدمة حالياً في علاج مرض الايدز مثل آي.زي.تي. AZT، وانها تصلح في المراحل الاولى من الاصابة بالمرض او كعلاج مشترك مع الادوية. ويؤيد الدكتور دوني بولونيزي، من المركز الطبي لجامعة ديوك في "نورث كارولاينا"، ضرورة توجيه كافة الجهود لتجربة اي لقاح علاجي واعد مع تحليل كافة الدراسات المتوافرة مهما صغر حجمها للاستفادة منها قبل المباشرة بأية حملة على نطاق واسع. الا انه غير متفائل بامكانية ايجاد لقاح فعّال خلال هذا القرن، نظراً لدهاء فيروس الايدز وسرعة تقلبه وصعوبة القضاء عليه، وقدرته على تحصين نفسه ضد اية مركبات يستخدمها الانسان لمحاربته. تحصين الأطفال ضد المرض أصيب اكثر من مليون طفل بعدوى فيروس الايدز HIV في العالم. وهذا لا يني بالضرورة ان الامهات المصابات ينقلن العدوى لأطفالهن بصورة آلية وبصفة مؤكدة اثناء الحمل او بعد الولادة. فقد اظهرت الدراسات التي اجريت في القارة الافريقية ان اربعة من اصل عشرة اطفال يولدون من امهات مصابات بمرض الايدز يصابون بالعدوى بعد انتقال الفيروس اليهم، بينما يصل هذا العدد في اوروبا الى واحد من اصل ستة اطفال وتعتمد نسبة الاصابة على المرحلة المرضية التي تكون امهات الاطفال وصلت اليها. ومن المتوقع ان تقوم المعاهد الوطنية للصحة في اميركا، ابتداء من شهر ايار مايو 1993 الماضي، بتجارب لتلقيح الاطفال المولودين من امهات مصابات بفيروس نقص المناعة البشري HIV. ويؤكد الدكتور جون سوليفان، استاذ طب الاطفال في جامعة ماساتشوستس، ان هذه التجارب تشكل جزءاً من استراتيجية شاملة لدعم جهاز المناعة وتقويته عند الاطفال الذين يتعرضون لهذا الفيروس اثناء الحمل او اثناء الولادة. كما انها ستساهم في تجربة سلامة اللقاحات التي تصنعها حالياً بعض الشركات. وتتكون اللقاحات من اجزاء من غطاء الفيروس البروتيني. ويعتقد الباحثون ان تعرض الاطفال لدماء امهاتهم او لافرازاتهن التي تخترق اغشيتهم المخاطية اثناء عملية الولادة، تنقل اخماج الايدز اليهم. كما ان من المحتمل ان يلتقط الطفل العدوى عن طريق بلعه اجزاء من الفيروس اثناء ولادته. وعلى الرغم من ان الولادة القيصرية قد تبدو من الناحية النظرية الحل المناسب لتفادي التقاط اخماج الفيروس، الا انها عملياً لا توفر الحماية للاطفال الخدّج، لأن الاغشية التي تحمي الطفل في بطن امه، غالباً ما تتمزق قبل المباشرة بعملية الولادة القيصرية، مما يعرضه لسوائل الأم المختلفة. وهنالك احتمال آخر باختراق فيروس الايدز للمشيمة التي تحفظ الجنين فيصاب بالعدوى. وعبّر البروفسور سوليفان عن تفاؤله بنجاح عملية تلقيح الاطفال وتحصينهم ضد مرض الايدز، اسوة بالنجاح الباهر الذي حققه اللقاح المضاد لمرض التهاب الكبد. فحوالي 90 في المئة من الاطفال الذين يصابون بعدوى التهاب الكبد يلتقطون هذه العدوى اثناء الولادة، وينجح 90 في المئة منهم بالتحصين التام ضد هذا الفيروس اذا تم تلقيحهم به بعد الولادة مباشرة. وهذا ما يأمل الدكتور سوليفان باتباعه في تجاربه لأن نتائج اللقاح تظهر خلال ستة اشهر عند الاطفال مقارنة بسنوات عدة عند الكبار. ولن يقتصر اللقاح على البروتين السكري لغلاف الفيروس بل سيشمل بعض اللقاحات الجديدة الاخرى التي لم تتم تجربتها بعد، وذلك لأن معظم الباحثين غير متفائل بجدوى اللقاحات المصنوعة من غلاف الفيروس البروتيني السكري. مركز جديد لانتاج دواء للايدز ينشئه مكتشف الفيروس أعلن أول مكتشف لفيروس الايدز الطبيب الفرنسي البروفسور لوك مونتنييه انشاء مركز طبي خاص لانتاج دواء شاف من هذا المرض الخطير. وأكد الدكتور مونتنييه ان ابحاثه المتواصلة على الفيروس قد أسفرت عن أمل جديد في امكانية علاج المصابين بالايدز. وقال "على الرغم من ان ايجاد لقاح او علاج شاف لمرض الايدز ما زال امراً بعيداً عن الواقع، الا ان نتائج الابحاث أثبتت امكانية اطالة فترة العيش بين الاصابة بفيروس HIV وبداية ظهور اعراض مرض الايدز من 10 اعوام الى 15 او 20 عاماً، وذلك كخطوة اولى نحو اضعاف الفيروس ثم القضاء عليه". وأضاف: "علينا التحرك بسرعة أكبر مما نفعل حالياً، وبخاصة ان الابحاث النظرية تؤكد امكانية حدوث تقدم هائل في علاج الايدز، ولكن للاسف تنقصنا التجربة العملية التي ستؤدي حتماً الى وجود علاج او مصل لمكافحة ذلك المرض الخطير". ومن المقرر ان يكون لمركز مونتنييه الخاص بالايدز ثلاثة فروع في فرنسا واميركا وافريقيا لاجراء التجارب السريرية الضرورية لانتاج العلاج الجديد. وقد رحب الطبيب جوناثان مان مدير المعهد الدولي لأبحاث الايدز في بوسطن بانشاء مركز مونتنييه وقال "لقد كنا في أمسّ الحاجة الى مثل هذا المركز الجديد، اذ ان الهدف الاول لكافة الهيئات والمؤسسات العاملة في مجال القضاء على الايدز يجب أن ينصب على ايجاد علاج للمصابين به، وهم بالملايين الآن، ويشكلون المصدر الاساسي لانتشار ذلك المرض اللعين". ولقد نوّه البروفسور مونتنييه الى ضرورة الاهتمام بمعالجة الامراض التي تزيد من خطورة مرض الايدز وتساعده على تدمير جهاز المناعة واضعاف جسم الانسان والتسبب بدماره، كمرض السل مثلاً. وهذا يتطلب سياسة علاجية حكيمة توازن بين التركيز على ايجاد لقاح فعّال للايدز دون اهمال العوامل الاخرى التي تساهم في انتشاره والتي يمكن القضاء عليها، مع السعي الى ابتكار وسائل وعقاقير علاجية جديدة تقوي جهاز المناعة وتوفر للمريض فرصة أفضل للعيش مع هذا المرض الخطير الى حين القضاء عليه. وهذا هو الهدف الرئيسي من انشاء المراكز الجديدة لمكافحة مرض الايدز.