إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    5 مشاهير عالميين أصيبوا بالسكري    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آخر التطورات الطبية . القلب يسير على مضخة وبطارية والعوامل النفسية لها دور كبير في الاصابة
نشر في الحياة يوم 19 - 09 - 1994

ما زالت أمراض القلب تمثل الوباء الأعظم للبشرية حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية. اذ يتجاوز عدد ضحاياها عشرات الملايين سنوياً مقارنة بضحايا امراض السرطان والايدز مجتمعة. ومن المخيف جداً ان هذا العدد آخذ في الازدياد رغم التطور الكبير في وسائل العلاج الطبية والجراحية. ويعزو الخبراء ذلك الى الضغوط الاجتماعية والعائلية والنفسية التي فرضتها عليهم مشاكل الحياة العصرية بما فيها من أزمات اقتصادية ومهنية وبيئية.
ونظراً لأهمية العوامل النفسية في بروز امراض القلب وفي تدهور حالة المصابين، وجدنا انه من المفيد اطلاع القارئ عليها وإرشاده لما فيه خيره وصلاحه صحياً ونفسياً.
ولم يمنعنا ذلك، بالطبع، من التطرق الى آخر تطورات جراحة القلب وبالذات عملية زرع مضخة كهربائية لأحد المرضى بصفة مستديمة تعوضه عن زراعة قلب من احد المتبرعين.
دور العوامل النفسية
يجدر بنا في عصرنا هذا أن نكرس المزيد من الانتباه لأهمية الدور الذي تلعبه العوامل الاجتماعية والنفسية في بروز أمراض القلب والأوعية الدموية. وفي هذا الموضوع خرج الدكتور غروين ومساعدوه في جامعة اكسفورد بنظرية مفادها ان السبب في ازدياد انتشار أمراض القلب بين الشباب والرجال في مرحلة منتصف العمر، داخل مجتمعات الغرب مقارنة بالشباب في دول الشرق، مرتبط بهذه العوامل. ولهذا اشاروا الى النزاعات الشخصية الباطنة والمتعلقة بغريزة الهيمنة والخضوع داخل الاسرة أو مكان العمل والتي لا يتم التعبير عنها بالكلمات او الأفعال وإنما تبقى مكبوتة بظبط النفس المتزايد. وافترضوا ان هذه العوامل تؤثر بالرجال اكثر من تأثيرها في النساء، وهذا ما يفسر ازدياد "نسبة الاصابة بأمراض القلب بين الرجال مقارنة بالنساء في المجتمعات الغربية.
ففي صورة الرجل العامل، النشيط، المستقل والمتزن، الذي يتنافس مع الآخرين في مجال عمله، ويسعى دائباً لتأمين راحة وسعادة زوجته وأولاده، تنعكس صورة رجل القرن العشرين في المجتمع الغربي وسائر المجتمعات المتحضرة. حيث نراه قوياً، نشيطاً، منافساً، شجاعاً، عصامياً لا يخاف، يحاول بأخلاقه وتصرفاته ان يخدمه ويحترمه زملاؤه وأفراد عائلته. خاصة ان ارتقاء السلم الاجتماعي وتحسين الوضع المالي للأسرة اصبحا ضرورة في المجتمعات الغربية المتحضرة للرجل الذي يرغب في المحافظة على تقدير زملائه والحوز على اعجاب زوجته بالاضافة الى ارضاء غروره الذاتي. الا انه خلال عمله الشاق وجهده المتواصل، مدفوعاً من زوجته ومحسوداً ومنافساً من اصدقائه وأقربائه، تراه غالباً ما يواجه الفشل تماماً كمواجهته النجاح. وهكذا فإنه اذا فشل في كونه ناجحاً فهذا يعني انه لن يخسر فقط احترامه لنفسه ولكن سيخسر الدعم والتأييد والأمان وربما الحب من المقربين اليه، سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو عاملين. وهنالك خطر آخر في التركيبة العجيبة للعائلة الغربية المتحضرة. فالكثير من رجال الغرب ما زالوا ميّالين للهيمنة وعدم التسامح في ما يتعلق بتصرفات زوجاتهم وأولادهم المستقلة. فهم يؤمنون بصورة العائلة التي يكون فيها الزوج أو الأب محترماً ومحبوباً ومرهوباً، كما جرت العادة في المجتمعات الغربية في القرن التاسع عشر.
فقدان الهيمنة
ولكن بتطور الزمن وظهور ثقافة القرن العشرين الغربية، تغيرت الصورة وأصبحت سياسة هيمنة الزوج والأب أقل قبولاً في المجتمع، ولم تعد التقاليد وأصول التربية تمنع الكثير من الزوجات في المجتمعات الغربية من عصيان أزواجهم ومعارضتهم او حتى انتقادهم أمام الآخرين، بالاضافة الى الاستقلالية التامة للزوجة في ادارة اعمالها وأحوالها المادية. فبينما كان باستطاعة رجل الغرب في الماضي، نهر زوجته او حتى ضربها اذا ما تجرأت وتحدت سلطته، مما كان يشكل لديه مخرجاً ومتنفساً لهيجانه النفسي، اصبحت هذه الامور مُحرّمة وممنوعة بحكم القوانين الاجتماعية وتبعاً لتقاليد اللطف عند بعض رجال الغرب.
ولاحظ الدكتور غروين ومساعدوه اثناء مقابلاتهم زوجات عدد من الرجال المصابين بأمراض القلب، أن أولئك النساء لم يدركن عملياً مدى تأثير تصرفاتهن العنيدة المتحدية وغير المتهاونة ودورها في حقن وإثارة وكبت مشاعر أزواجهن، كما انه لم يخطر لهن ان يُظهرن، ولو لفترات قصيرة، استعدادهن لاعطاء رجالهن بعض الحب والحنان سواء بالكلمات او بالعناق، ذلك العطف الذي يتوق اليه الرجل داخل احشائه عندما يفتقده من زوجته وهي اقرب الناس اليه. وإذا ما عدنا الى الماضي لوجدنا انه حتى مطلع القرن التاسع عشر كان عدد قليل جداً من نساء الغرب يتجرأن على رفض القيام بالواجبات الزوجية. اما الآن فلم يعد ذلك نادر الحدوث. فالزوجة الغربية المتحضرة تتوقع من زوجها ان يكون متساوياً معها في كل شيء، وهذا ما يصعب على الزوج قبوله غالباً. وإذا أدى ذلك الى تعقيد الأمور قام الرجل بممارسات لا تحمد عقباها.
اما التطورات التي سبق ذكرها فلم تقتصر على الزوجة في المجتمعات الغربية بل امتدت لتشمل الاطفال كذلك. فأصبحوا لا يمتثلون لسلطة ذويهم، بل يتبعون طريقهم الخاص فيغادرون منزل والديهم متى شاؤوا وغالباً ما يتزوجون دون استشارة أو نصح او موافقة ذويهم، على الرغم من انهم يتوقعون ان يدعمهم الأب مادياً حتى مراحل متأخرة من فترة شبابهم. وهكذا نلاحظ ان وضع الزوج أو الأب في القرن العشرين قد تغير جذرياً. فمن اجل تأمينه مستوى مقبولاً من المعيشة لعائلته، عليه ان يعمل جاهداً، وإذا فشل فإنه يخسر سلطته داخل الاسرة. وحتى اذا نجح في تأمين المستوى المطلوب فإنه غالباً ما يكافأ بقليل من العطف والحب والحنان من أفراد العائلة. وما دام مجبراً على تأمين المال فإنه يعمل باجتهاد ساعات طويلة داخل وظيفته، مما يجعله غائباً عن المنزل معظم الوقت، وبالتالي فإنه لدى عودته الى المنزل لا يستطيع اعطاء عائلته من عطفه وحمايته الذاتية الكثير، وبدل ان يعوض أفراد الأسرة على الوالد تعبه بالعطف والحنان نراهم يعاملونه بطريقة جافة لدرجة يشعر انه وحيد بين اسرته، محروم من الحب والدعم، تتجاهله زوجته في الأمور الهامة، وكذلك أولاده، وعندما يداهمه الزمن ويكبر يضعف ويزداد شعوره بالكبت والحسرة.
تغيّر المجتمع الشرقي
ان هذه العوامل التي تتفاعل داخل الانسان من جراء احتكاكه بالمجتمع، فتؤثر عليه نفسياً وتغير تصرفاته وتجعله ضحية للأمراض، تعتبر في غاية الأهمية، ليس فقط في المجتمعات الغربية المتحضرة، بل في مجتمعنا العربي أيضاً. اذ ان الظروف المعيشية في زمننا هذا تفرض علينا المصاعب نفسها وتخلق لنا المشاكل الاجتماعية ذاتها. هذا بالاضافة الى ان الكثيرين من أبناء وطننا العربي اصبحوا يعيشون ويعملون في الخارج مما يدفعهم للاحتكاك بالحضارات الغربية واكتساب مشاكلها والعودة بها الى مجتمعاتهم العربية. وهذا ما يفسر حدوث التغيير في عقلية قسم لا يستهان به من أولادنا وشبابنا في القرن العشرين.
ومن الضروري ان ندرك اهمية وخطورة التقدم والتحضر، تماما كإدراكنا لأهمية التطور والارتقاء والتقدم العلمي والتكنولوجي والثقافي. فالحضارة الاجتماعية لها فوائدها ولها مضارها وواجبنا ان نكتسب الفوائد وأن نبتعد عن المضار قدر الامكان. فلا مانع من اكتساب حضارات الغرب ولكن بالاختيار وبالتدقيق وحسب الفائدة.
اما عن دور المرأة في المجتمع فمن حقها ان يكون لها دور، كما ان مساواتها في المعاملة واجب طبيعي واجتماعي لا يمكن لأحد انكاره. وما المقصود من هذا العرض سوى تنبيه المرأة الى اهمية تصرفاتها ومدى تأثيرها على زوجها المصاب او المعرض للاصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. كما انه مؤشر هام للدور الذي تلعبه تصرفات الأبناء وما يصدر عنها من مؤثرات تسيء الى الوضع الصحي للآباء، خصوصاً اذا كانوا من المهددين بالاصابة بأمراض القلب.
آخر تطورات جراحة القلب
في عملية جراحية رائدة تعتبر ثورة في جراحة القلب، أعطي رجل بريطاني عمره 62 سنة أول مضخة آلية تعمل كهربائياً بواسطة بطارية وتقوم بمعظم الوظائف التي يضطلع بها بطين القلب الأيسر. وقد اجريت هذه العملية في مستشفى بابوورث في مقاطعة كامبريدج البريطانية. واستغرقت عملية زراعة الجهاز ذي التصميم الثوري داخل بطن المريض وربطه بالبطين الأيسر للقلب المعطوب من جهة وبالشريان التاجي الذي ينقل الدم الى سائر اعضاء الجسم من جهة اخرى، قرابة 4 ساعات. وأشرف عليها فريق طبي مؤلف من 11 أخصائياً برئاسة الدكتور جون ولوورك والسير تيرنس إنغليش، وكلاهما من المرموقين في حقل جراحة القلب. فالسير تيرنس اجرى أول عملية زراعة قلب ناجحة للمريض كيث كاسل عام 1979. والجراح ولوورك ساعد في أول عملية من نوعها لزراعة 3 أعضاء دفعة واحدة، هي القلب والرئة والكبد. كما شارك في العملية الجراحان فرانسيس ويلز وجوليان سميث.
والجهاز عبارة عن مضخة مصنوعة من المعدن والبلاستيك ولا يزيد حجمها عن حجم قبضة اليد. وقد اطلق عليها مخترعها الأميركي البروفسور بير بورتنر الذي أمضى 25 سنة من حياته المهنية في انجازها، اسم أل.في.آي.دي LVAD وهي الأحرف الأولى لكلمات الجهاز المساعد لبطين القلب الأيسر. ويعمل الجهاز الذي يتم تصنيعه في فرع نافكور التابع لشركة باكستر هيلث كير كوربوريشين وتبلغ كلفته حوالي 70 ألف دولار بعد زرع في بطن المريض وربطه بسلك كهربائي متصل عبر الجلد ببطارية ووحدة الكترونية لتنظيم عملية ضخ الدم المطلوبة. ويمكن للمريض ربط المنظم الالكتروني والبطارية بحزامه اثناء تنقله من مكان لآخر. وبوسعه الاستعاضة عن البطارية الكبيرة ببطاريات صغيرة إذا ما رغب في الاستحمام. ويمكن اعادة شحن البطاريات التي تستغرق صلاحيتها 5 ساعات في المنزل كلما صدر انذار صوتي ينبه الى هبوط مستوى الطاقة فيها. ويحتاج المريض الى ربط البطارية بجهاز مراقبة يقوم بشحنها تلقائياً أثناء النوم لضمان عدم وفاته نتيجة لنفاد الطاقة او انتهاء صلاحية البطارية.
وقد صرّح الدكتور ولوورك بعد 24 ساعة من اجراء العملية ان حالة المريض جيدة وانه يتعافى بسرعة وثبات. كما تم نقل المريض من غرفة العناية المركزة بعد 48 ساعة حيث صرّح البروفسور فرانسيس ويلز بأن المريض في حالة مستتبة وأنه سعيد ومتفائل بالمستقبل.
اجراء دائم
تجدر الاشارة الى ان هذا النوع من العمليات سبق القيام به كاجراء وقائي موقت لحوالي 245 مريضاً من مختلف الجنسيات في الولايات المتحدة الأميركية، لحين حصولهم على قلوب من متبرعين يمكن زرعها بصورة مستديمة. وتختلف هذه العملية عن سابقاتها في انها تعتبر اجراء دائماً يمكن الاستعاضة به عن القيام بعمليات زرع القلب للمرضى الذين لا تسمح حالتهم الصحية المتدهورة بإجرائها لهم. وبالطبع سيساعد ذلك في انقاذ آلاف المرضى الذين ينتظرون الحصول على قلوب سليمة من المتبرعين. الا ان الدكتور ولوورك حذّر من انه لا يريد مقارنة هذه العملية بعمليات زراعة القلب في المرحلة الراهنة. ولكن اذا أثبتت المضخة المزروعة فعاليتها ونجاحها فإنه سيصبح بالامكان مقارنتها بعمليات الزرع لاحقاً. وأضاف الدكتور ولوورك ان الاجهزة الاصطناعية المزروعة لا تخلو من المشاكل كغيرها من الأعضاء المزروعة. لذلك لا بد من الانتظار لحين اجراء المزيد من التجارب على عدد كبير من المرضى المتطوعين قبل البدء بتعميم هذا النوع من العمليات الجراحية. وتأمل ادارة مستشفى بابوورث في ان تتمكن من توفير الدعم المادي اللازم لاجراء عملية تقويم جدية لتجارب شاملة يشارك فيها 40 مريضاً. وسوف يتم تقسيم المرضى الى مجموعتين متساويتين بحيث تحصل احداها على المضخات المزروعة بينما تستمر المجموعة الثانية في تناول الأدوية التقليدية. فإذا اثبتت المقارنة ان عمليات زرع المضخات الكهربائية تنقذ عدداً أكبر من المرضى فإن تطبيقها سيصبح أكثر قبولاً وانتشاراً.
ورغم شكوك المعلقين الصحيين بجدوى استخدام الاجهزة التكنولجية المتطورة والمكلفة كحلول ناجحة للأعداد المتزايدة من مرضى القلب، الا انهم جميعاً مقتنعون بأن هذه الاجهزة قادرة على انقاذ حياة المرضى من ذوي الحالات الصحية المتدهورة، إذا اسعدهم الحظ في الحصول عليها.
وتشير الأرقام الرسمية في بريطانيا الى أن 310 عمليات زرع قلب و37 عملية زرع قلب ورئة اجريت في العام الماضي. وهنالك اكثر من 293 مريضاً ينتظرون زراعة قلب بنهاية هذا العام. إضافة الى 190 ينتظرون عمليات زرع قلب ورئة. وحتى نهاية شهر تموز يوليو 1994 جرت 200 عملية زراعة قلب و31 عملية زراعة قلب ورئة. وبلغ عدد المرضى المدرجين في لائحة الانتظار ممن يحتاجون الى عمليات زرع قلب 285، بينما بلغ عدد أولئك الذين يحتاجون الى عمليات زرع قلب ورئة 170 مريضاً. ومن المعروف ان 60 في المئة من مرضى الزرع يعيشون لأكثر من 5 سنوات وقد يعيش بعضهم الى 10 أو 15 سنة.
ويأمل أخصائيو زراعة الأعضاء في أن يتمكنوا مستقبلاً من زراعة أعضاء الخنازير التي يتم تغييرها وراثياً بشكل يمنع الجسم من رفضها. وهذا بدوره سيتيح المجال لعلاج آلاف المرضى المهددين بالموت نتيجة لنقص عدد المتبرعين.
ويعود الفضل الأكبر في انتقال زراعة القلب من عالم الخيال العلمي الى أرض الواقع لجراح القلب الجنوب افريقي البروفسور كريستيان برنارد الذي قام بأول عملية زراعة قلب في 3 كانون الأول ديسمبر 1967 للمريض لويس واشكنسكي البالغ من العمر 56 سنة في مستشفى غروت شوور في مدينة كيب تاون في جنوب افريقيا. ولسوء الحظ توفي المريض آنذاك بعد 18 يوماً من اجراء العملية نتيجة رفض جسمه للقلب المزروع. وقد أثار ذلك الحدث جدلاً واسعاً بين الأطباء حول حقوق المتبرعين بالأعضاء وأقاربهم والأشخاص المتسلمين لها. الا ان البروفسور برنارد استمر على خطاه وتبعه عدد من الأطباء حيث اجريت أول عملية زرع قلب بريطانية للمريض فريدريك وست بعد 4 أشهر من عملية واشكنسكي. وقد وقع المرضى الأوائل الذين تلقوا قلوباً مزروعة آنذاك ضحايا لعملية رفض اجسامهم لتلك الأعضاء، ما أدى الى بروز اساليب جراحية جديدة أقل خطورة، كاستخدام شرايين من اجزاء أخرى من الجسم لتجاوز الشرايين التاجية او الاكليلية. وقاد البروفسور برنارد عمليات زراعة الأعضاء مرة اخرى عام 1971 عندما اجرى أول عملية زرع مزدوجة للقلب والرئة. وفي عام 1974 قام البروفسور برنارد بأول عملية زرع قلب ثان يساند قلب مريض عمره 58 سنة.
وأدى النقص في عدد المتبرعين بالأعضاء الى اللجوء لاستخدام قلوب الحيوانات. حيث قام البروفسور برنارد عام 1976 بزرع قلب قرد داخل صدر امرأة، ثم تلى ذلك بزرع قلب ثان مأخوذ من قرد ليساند قلب احد المرضى. الا ان المريضين توفيا خلال ساعات من اجراء العمليتين. وبحلول عام 1980 اصبح بمقدور الجراحين ان يعدوا مرضاهم باحتمال العيش 3 سنوات اضافية بعد عملية الزرع.
ولم يتخلف الجراحيون البريطانيون عن ركب التطور في أساليب جراحة القلب. بل كانوا من السباقين والمبدعين فيها. ففي عام 1987 قام البروفسور السير مجدي يعقوب، الجراح البريطاني العالمي، العربي الأصل، باجراء أول عملية زراعة قلب من متبرع حي اعطاه بدوره قلباً ورئة من متبرع ميت، وذلك في مستشفى هيرفيلد الشهيرة القريبة من لندن. وفي فترة لاحقة من ذات العام قام الدكتور جون ولوورك بأول عملية زراعة قلب ورئة وكبد في مستشفى بابوورث في كمبريدج. وصرّح بعد ذلك بعامين أن 75 في المئة من المرضى الذين اجريت لهم عمليات زراعة القلب في المستشفى وعددهم 370 عاشوا لأكثر من عام، وأن ما يزيد على 50 في المئة منهم عاشوا 3 سنوات.
مشكلة المتبرعين
ورغم تطور طرق معالجة رفض الجسم للأعضاء المزروعة ونجاح الأساليب الطبية الفاعلة في إطالة عمر المرضى، بقيت مشكلة النقص في عدد المتبرعين تمثل حجر عثرة أمام انقاذ اكبر عدد ممكن من مرضى القلب الذين ينتظرون عمليات الزرع بفارغ الصبر. وهذا ما جعل الجراحين ولوورك وأنغليش يتشوقان لليوم الذي تحل فيه اعضاء الحيوانات مكان أعضاء المتبرعين من البشر. الا ان عمليات زرع اعضاء الحيوانات لم ولن تخلو من المشاكل العلمية والطبية. الأمر الذي أدى في أواخر الثمانينات الى اللجوء لاستخدام قلوب اصطناعية تخدم كجسور مساعدة وموقتة لحين توفر قلوب طبيعية من المتبرعين.
وحالياً تعقد الآمال حول امكانية استخدام القلوب الاصطناعية المحركة الكترونياً كبديل يزرع في اجساد المرضى بصورة مستديمة. من هنا جاءت اهمية العملية الجراحية الأخيرة التي يؤمل أن تشكل حجر الأساس لعمليات استبدال القلوب البشرية بقلوب من المعدن والبلاستيك. ومن يدري فربما تصبح هذه القلوب الكهربائية مصنوعة من مواد شبيهة بأنسجة الجسم في المستقبل. المهم ان يستمر النجاح وتستمر التجارب لضمان انقاذ اكبر عدد من مرضى القلب المحتاجين لعمليات الزرع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.