أثارت الممثلة الفرنسية ايرين جاكوب إعجاب معظم النقاد منذ نجاحها في فيلم "الحياة المزدوجة لفيرونيك" للمخرج البولوني كريستوف كيسلوفسكي والذي فازت على أساسه عام 1991 بالسعفة الذهبية في مهرجان "كان" كأحسن ممثلة. ولم يخف الاعجاب بايرين في أعمالها التي تتابعت بل زاد وبخاصة عندما قامت بدور البطولة في فيلم "أحمر" لكيسلوفسكي ايضاً. "الوسط" التقت ايرين جاكوب في باريس وحاورتها حول شؤونها الفنية. تتميز ايرين جاكوب بوجه طفولي بريء، ونعومة بالغة في تصرفاتها، وأسلوب كلامها. وهي تبدو حساسة الى حد كبير ويخاف من يواجهها جرح شعورها بشكل ما اذا تفوه بكلمة في غير محلها. لكن ايرين واعية جداً لهذا الانطباع النابع منها وتحاول تفادي حركة تؤثر في علاقاتها مع الغير فتوضح الأمور بشكل فوري قائلة "لست مصنوعة من السكر ولن أبكي لو واجهت النقد بشأن عملي في الفيلم. أرجو ألا تتردد عن سؤال ما يعجبك". وسألناها: كيف تفسرين كثرة عملك في أفلام بولونية وقلة ظهورك في أفلام فرنسية؟ - من الصعب عليّ تفسير الأمر، إنها في رأيي مسألة ظروف لا أكثر ولا أقل كما هي قلة خيال عند السينمائيين الفرنسيين. لقد بدأت ممارسة التمثيل تحت إدارة البولوني كيسلوفسكي وفزت بجائزة أفضل ممثلة. ويبدو ان الأمر صنفني في نظر الفرنسيين كفنانة تعمل مع الأوروبيين الشرقيين. لا أعرف اذا كانت القصة عبارة عن عقدة نفسية تجاه الشرقيين أو نوع من الكبرياء غير المبرر. لكنني أخيف أهل السينما الفرنسية بطريقة ما. لآنهم يعاقبونني على فوزي بجائزة بفضل عملي مع اجنبي ولا يقتربون مني. وعلى العموم لا أشكو من شيء فقد عملت مع بولونيين هائلين يعتبرونني منهم الآن. أنا معروفة جداً في بولونيا ربما أكثر من فرنسا تضحك. لا يمكن اعتبار كل المخرجين البولونيين على مستوى كيسلوفسكي. والواقع انك ظهرت في فيلمين أو ثلاثة يصعب اجراء أي مقارنة بينهم وبين ما حصلت عليه مع مخرج "فيرونيك" و"أحمر"؟ - إن عدم اجراء المقارنة لا يعني ان الأفلام الأخرى رديئة أليس كذلك؟ إنها دون المستوى الذي تطمحين اليه، نظراً لموهبتك الواضحة والتي يعرف كيسلوفسكي كيف يضعها في المقدمة؟ - أنا لم أشعر بكونها رديئة وان كانت مختلفة. صحيح ان المخرجين العباقرة عبارة عن فئة نادرة وشاء الحظ ان أعمل مرتين مع أحدهم وألاحظ ان الحكاية لها سلبيات، اذ تبدو أفلامي الاخرى دون المستوى اللائق علماً أنها في الحقيقة لا بأس بها على الإطلاق. أنا والنقد هل تنزعجين من النقد السلبي؟ - لا لكنني أرد عليه بصراحة وأقدم الدليل على كوني قوية لا أبكي بسرعة مثلما يتخيل البعض. كيف عشت تجربة فوزك بجائزة أحسن ممثلة منذ أول فيلم ظهرت فيه؟ - بكيت. ليس لأنني ضعيفة، لكن لأن مشاعري اهتزت بسبب تفوقي على زميلاتي المخضرمات اللاتي كن مرشحات للجائزة مثلي. لقد عشت حلم كل ممثلة في العالم وتساءلت عن الذي سيحدث من بعد تجربة هائلة كهذه. أنا بدأت مشواري الفني من أعلى السلم وفرحت بطبيعة الحال، إلا إنني اكتشفت في ما بعد مدى صعوبة الحفاظ على المستوى الذي ميز بدايتي. وأتأكد الآن من هذا الشيء بسبب كلامك عن أفلامي الاخرى. أنا أتمنى لو عرفت الرد على سؤال كيفية البقاء على مستوى رفيع طوال الوقت في العمل الفني. فأنا اذا رفضت الأدوار المطروحة أمامي بقيت من دون ان أمارس مهنتي وفي هذه الحالة ينساني الجمهور إضافة الى كوني أفتقد العمل. إن ما أحاول فعله هو اختيار أفضل ما أحصل عليه من عروض ويبدو ان الأمر لا يكفي. أنت في فيلم "فيرونيك" قمت بدورين مختلفين وربما يكون هذا الشيء هو سبب حصولك على الجائزة. فهل كان التحدي على درجة كبيرة جداً من الصعوبة؟ - نعم لأن كل واحدة من الشخصيتين كانت تتميز بخواص محددة. فعلى رغم التشابه الملموس بينهما في المظهر لم يكن طابع الواحدة أشبه بالثانية الا في نواح قليلة جداً. تعلمت كل دور وحده واعتبرت نفسي أمثل في فيلمين مختلفين. كانت هذه "أفضل طريقة عثرت عليها لتحقيق ذاتي عبر الدورين. والواقع ان كيسلوفسكي ساعدني الى حد كبير في التأقلم مع كل شخصية منهما لأنه راح من ناحيته يصور الفيلم وكأنه يتضمن جزءين. ثم حبك القصة عند تركيب الشريط بشكل قوي ومتماسك وجذاب. كان من المفروض ان أشارك المخرج جائزتي نظراً للدور الذي لعبه في نجاحي الشخصي تضحك. أمثل الفيلم البولوني بالفرنسية هل تتكلمين اللغة البولونية؟ - لا. أعرف كلمات قليلة فقط. لكنني أمثل أدواري بالفرنسية. إن أفلام كيسلوفسكي مصورة عامة باللغة الفرنسية لكونها تتمتع بانتاج مشترك بين بولونياوفرنسا. لكن أفلامي الاخرى سجلت بالبولونية وأنا مثلت دوري في كل مرة بالفرنسية ثم تم دبلجة دوري من بعد. هل أنت ضحية ملامحك نوعاً ما؟ - بلا شك. إني أعثر على أدوار المرأة الشابة البريئة التي تعاني من ألف مشكلة ومشكلة. ودور الضحية هذا لا بد من ان يتوقف في المستقبل القريب. أنا أحلم بالمخرج الذي سوف يمنحني دور مجرمة شريرة تختبئ وراء وجه ناعم طفولي. اما البريئة ذات الملامح الملائمة لما هي عليه فليست مثيرة للاهتمام على المدى الطويل. ومرة جديدة أقول ان أهل المهنة ينقصهم الخيال على رغم ممارستهم لعمل أساسه الخيال. أين تعلمت الأداء التمثيلي؟ - في باريس وليس في بولونيا تضحك. وعملت في المسرح قليلاً في فرنسا قبل ان يطلب مني كيسلوفسكي أداء بطولة فيلمه "فيرونيك". هل شاهدت أفلامه السابقة؟ - لا لكنني اسرعت فور سماعي خبر حصولي على الدور. وربما انه كان من الافضل ألا أشاهد أي شيء. لقد انتابني الخوف أمام صعوبة ما رأيته وتساءلت عما اذا كنت قادرة على تحمل مسؤولية العمل في فيلم على هذا الوجه من العمق والتعقيد. كنت مبتدئة بعد وبدت لي المهمة انتحارية فرحت أعبر عن رأيي بصراحة تامة الى المخرج عندما التقيته. هناك عيوب كثيرة فيّ لكن الصراحة تميزني منذ صغري وفي كافة المواقف. لم أخف المجاذفة بفقدان الدور وقلت للرجل وجهاً لوجه: "لماذا تمنحني الدور بدلاً من ممثلة مدربة ذات كفاءة وخبرة أكثر مني؟". وجاء رده مثل البرق بأنه يعرف مهنته واذا كان اختارني فهو فعل ذلك عن دراية كاملة بإمكاناتي الفنية. إنه منعني من التفكير في سبب اختياري لي قائلاً انها مشكلته وليست مشكلتي ونصحني بتكريس وقتي وجهدي لتعلم دوري. وضعت ثقتي فيه بالفعل وعبره اكتسبت ثقة كبيرة في نفسي، فهو خير مدير للممثلين وعبقري في الاخراج السينمائي. والمشكلة انه لا يتكلم الفرنسية أو الانكليزية ويلجأ الى مترجمة محترفة تتوسط بينه وبين الممثلين غير البولونيين مثلي. ومع ذلك في كثير من الاحيان كنت أدرك ما يقوله من دون الحاجة الى ترجمة. انها مسألة أحاسيس متبادلة وفهم دقيق للغير. وأنا قوية في هذه اللعبة. لا حدود في الفن هل تتمنين العمل مع مخرجين فرنسيين أم أجانب محددين؟ - أنا معجبة بعمل الكثيرين من السينمائيين في فرنسا وهوليوود وايطاليا وروسيا. لا أعترف بالحدود في الحقل الفني وأنا مستعدة للسفر أينما عثرت على دور يسمح لي بإبراز شخصيتي والدفاع عن سيناريو جميل. أنت تطالبني بأسماء تضحك؟ القائمة قد تكون طويلة وقد أنسى الواحد أو الآخر من دون ان أتعمد ذلك. سوف أقول ان أي مخرج يؤمن بمشروعه ويجيد ادارة ممثليه يمكنه ان يناسبني. سوف أذكر حتى أرضيك برنار بلييه في فرنسا وآلان رودولف وروبرت ألتمان في هوليوود وناني موريتي في ايطاليا. أنا طيبة القلب ومتسامحة أليس كذلك بعد ما تلقيت هجومك على أفلامي في بداية حديثنا وبصدر رحب؟