المملكة تدين القصف الإسرائيلي على مدرسة أبوعاصي في غزة    وزير الصحة: 10 % نموي سنوي لقطاع الأدوية بالمملكة    مشاركة عربية قياسية محتملة في أمم أفريقيا 2025 وغياب غانا والرأس الأخضر أبرز المفاجآت    شراكة إعلامية سعودية صينية تطلق برامج تنفيذية مع القطاعين العام والخاص    أكثر من 6 ملايين عملية إلكترونية عبر «أبشر» في أكتوبر 2024    الهيئة العامة لمجلس الشورى تعقد اجتماعها الرابع من أعمال السنة الأولى للدورة التاسعة    "خيرية العوامية" تحقق عوائد استثمارية تجاوزت 577 ألف ريال خلال 3 أشهر    تدشين 3 عيادات تخصصية جديدة في مستشفى إرادة والصحة النفسية بالقصيم    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    مقتل المسؤول الإعلامي في حزب الله اللبناني محمد عفيف في قصف إسرائيلي على بيروت    انتظام اكثر من 389 ألف طالب وطالبة في مدراس تعليم جازان    رئيس مجلس الشورى يرأس وفد السعودية في الاجتماع البرلماني بدورته ال 29 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في باكو    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يصل إلى البرازيل لترؤس وفد السعودية المشارك في قمة دول مجموعة ال20    "سعود الطبية" تستقبل 750 طفلاً خديجًا خلال 2024م    "وزارة السياحة": نسبة إشغال الفنادق في الرياض تجاوزت 95%    نمو سجلات الشركات 68% خلال 20 شهراً منذ سريان نظام الشركات الجديد    "دار وإعمار" تختتم مشاركتها في "سيتي سكيب جلوبال" بتوقيعها اتفاقياتٍ تمويليةٍ وسط إقبالٍ واسعٍ على جناحها    "الأرصاد"سماء صحو إلى غائمة على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية (GCAT)    المكسيكي «زوردو» يوحّد ألقاب الملاكمة للوزن الثقيل المتوسط لWBO وWBA    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    «الطاقة»: السعودية تؤكد دعمها لمستقبل «المستدامة»    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    أهم باب للسعادة والتوفيق    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    تجاوز الدحيل القطري.. الخليج ينفرد بصدارة الثانية في «آسيوية اليد»    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    مشاركة مميزة في "سيتي سكيب".. "المربع الجديد".. تحقيق الجودة ومفهوم "المدن الذكية"    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    ألوان الأرصفة ودلالاتها    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف من باريس وواشنطن وموسكو ولندن وعمان وانقرة وطهران . سباق الشركات على العراق يهدد بخرق الحصار - قسم ثاني


عمان: قيود على التجارة
هذا في العواصم البعيدة عن بغداد، فماذا عن جيرانها الاقربين؟ في عمان تشير ارقام غير رسمية الى ان معدل وجود المواطنين العراقيين في الاردن منذ انتهاء حرب الخليج الثانية وحتى اليوم استمر بحدود 25 الفاً، وهو رقم متواضع قياساً على ما كان الوضع اثناء الحرب اذ وصل الى 300 الف آنذاك.
اما الارقام الرسمية فتشير الى ان معدل زيارات العراقيين للاردن يبلغ نحو 16 الفاً شهرياً يقابلهم خروج نحو 13 الف عراقي عائدين الى بلادهم، في الشهر ايضاً. ومن بين هؤلاء عدد قليل من الذين يسافرون عبر الاردن او يدخلونه بقصد الزيارة او العلاج. وبالتالي فان غالبيتهم تأتي لغايات اقتصادية بحتة بعد استمرار الحصار المفروض على العراق منذ اربع سنوات وانهيار الدينار العراقي.
ويقول شاب عراقي حضر الى عمان بقصد العمل ان زيارة الاردن والاقامة فيه لمدة اسبوع تعادلان دخل موظف عراقي خلال عام كامل.
في اي حال لا يوجد احصاء رسمي اردني لاعداد العراقيين لكن فريقاً كبيراً من المستثمرين العراقيين يمارسون نشاطهم من عمان. ويتيح قانون تشجيع الاستثمار الاردني حرية كاملة للمستثمر العربي، سواء استثمر بمفرده او كشريك لمستثمرين اردنيين. غير ان المواطنين العراقيين يواجهون صعوبة كبيرة في الحصول على اذونات للعمل بخلاف المصريين والسوريين.
ويعتبر الاردن المتنفس الوحيد للعراق ومواطنيه. اما المواد المسموح له باستيرادها من الخارج فيجب ان يحصل على اذن مسبق لنقلها، من لجنة العقوبات التابعة لمجلس الامن، وعبر دائرة الجمارك الاردنية التي ترسل الطلبات في الحقيبة الديبلوماسية الى المندوب الاردني لدى الامم المتحدة الذي يتولى بنفسه تقديمها الى لجنة العقوبات.
وباختصار ان التجارة الى العراق من الاردن او عبره محكومة بثلاثة قيود:
- موقف لجنة العقوبات التي قد توافق على سلعة ثم ترفضها في اليوم التالي، وان كانت من المواد المسموح باستيرادها.
- التفتيش البحري في عرض البحر الاحمر والذي سيتحول الى تفتيش بري في العقبة. وكانت القوات الدولية تعيد سفناً متجهة الى ميناء العقبة او تفرغ حمولتها في موانئ مصرية او غيرها حتى وان كانت البضائع قد اذنت بها لجنة العقوبات.
- التفتيش البري في نقطة الحدود الاردنية مع العراق الرويشد والتي تراقب البضائع الداخلة من الاردن او عبره او الخارجة من العراق.
ويستورد الاردن معظم حاجاته النفطية من العراق في مقابل ديون لتجار اردنيين ترتبت على بغداد منذ سنوات الحرب مع ايران، في حين يستورد بقية حاجاته النفطية من الاسواق العالمية.
ويتكتم المسؤولون الاردنيون على كميات النفط المستوردة من العراق، الا ان حاجته تعادل سنوياً ما قيمته 236 مليون دينار 400 مليون دولار عام 1990 و6.193 مليون دينار عام 1991 و8.228 مليون دينار عام 1992 و8.236 مليون دينار عام 1993. وقد استورد بما قيمته 58 مليون دينار في الاشهر الثلاثة الاولى من العام الحالي.
ولوحظ اخيراً ان الصادرات الاردنية الى العراق بدأت تعود شيئاً فشيئاً الى ما كانت قبل حرب الخليج الثانية. فقد بلغت 8.21 مليون دينار في الاشهر الثلاثة الاولى من العام الحالي في مقابل 5.77 مليون دينار عام 1993 و8.48 مليون دينار عام 1992 و8.55 مليون دينار عام 1991.
لكن السؤال المطروح اليوم في اوساط التجار والمستثمرين الاردنيين هو مدى قدرتهم على المنافسة مع المستثمرين الاتراك والى حد ما الفرنسيين الذين يبدو انهم في طريقهم الى الحصول على افضلية في العراق مع البدء بتخفيف الحصار الاقتصادي المفروض عليه، والمتوقع ان يتم قبل نهاية العام الحالي، وثمة من يرجح بدء التخفيف في ايلول سبتمبر المقبل.
احباط اردني!
ويزيد من شعور المستثمرين الاردنيين بالاحباط ما يتداول عن وفود تمثل نحو 200 شركة تركية وفرنسية ويابانية وصينية وبريطانية قد عبرت الاردن في اتجاه العراق منذ بداية العام الحالي، وان شركات نفط عالمية قد حصلت على اذونات من حكوماتها بالاتصال مع بغداد، وقد بدأت شركات فرنسية ويابانية وبريطانية باجراء الاتصالات. وبما ان النفط هو المجال الاستثماري الاكبر بعد الحصار فان من يستثمر فيه ستكون له الافضلية في الاستثمار في حقول ومجالات اخرى.
وزاد من ذلك الشعور ايضاً ان وفداً رسمياً تركياً عالي المستوى عبر الاردن الى العراق الشهر الماضي. ويقول اقتصاديون اردنيون ان انبوب النفط العراقي المار بتركيا سيكون السبب الابرز لمنح انقرة الافضلية في كل شيء.
وكان العراق اوقف العام الحالي استيراد 85 سلعة غير اساسية اعتاد على استيرادها منذ فرض الحصار عليه وذلك بسبب شح العملات الصعبة لديه. ويشعر التجار الاردنيون بأنهم قاموا بدور كبير حيال بغداد ايام المحنة، لكن الوضع سيكون مختلفاً عند رفع الحصار.
على الصعيد الرسمي، أثار قرار شركة النقل البري الاردنية - العراقية المشتركة بزيادة اسطولها من الشاحنات الانتباه، باعتبار ان هذه الزيادة جاءت وسط اجواء من التفاؤل بتخفيف الحصار. فقد قرر مجلس ادارة الشركة برئاسة وزيري النقل الاردني والعراقي، في 23/7/1994، شراء مائة شاحنة جديدة لاسطول الشركة البالغ حالياً 420 شاحنة.
وفي الواقع فان اسطول شاحنات الشركة الرسمية يعد رقماً بسيطاً في مقابل آلاف الشاحنات المملوكة لشركات في القطاع الخاص او لمواطنين اردنيين، والتي تنقل البضائع المسموح باستيرادها الى العراق من ميناء العقبة. اما غالبية الشاحنات المملوكة لمواطنين وشركات خاصة فقد تحولت منذ 1990 الى صهاريج لنقل النفط الخام.
انقرة : هاجس الانابيب والتطبيع
واذا كان البريطانيون يتحسرون، والاردنيون يبدون في حال احباط، فان الاتراك يتحسرون هم ايضاً على العهد الذي كانت بلادهم تقوم فيه بدور الشريك التجاري الرئيسي لدول عدة، خصوصاً انها تعاني الآن اسوأ ازمة اقتصادية تواجهها بعدما خسرت نحو 20 بليون دولار بسبب حرب الخليج ومعاناتها تأثيرات الحظر الذي فرضته الامم المتحدة على العراق منذ نحو اربع سنوات.
وتتطلع انقرة وبغداد حالياً الى صدور مشروع قرار من الامم المتحدة قد يسمح بتصدير نفط عراقي للمرة الاولى منذ اربعة اعوام، اذا وافق مجلس الامن على تخويل تركيا ضخ نحو 12 مليون برميل من النفط لا تزال داخل انابيب خط كركوك - يومورتاليك لنقل النفط الذي بات يواجه خطر التوقف النهائي بسبب التآكل والعوامل الاخرى الناجمة عن استمرار تعطيله.
ولا يزال هناك عدد كبير من شركات المقاولات التركية التي لم تتلق استحقاقاتها المالية من العراق اثر فرض الحظر التجاري عليه. ولم يعد مسموحاً بدفع اي مبالغ للشركات التركية سوى التبادل التجاري الذي تسمح به الامم المتحدة، بينما كان حجم التبادل بين البلدين يصل الى 1.2 بليون دولار سنوياً. الى جانب المصير المجهول الذي ينتظر خط انابيب نقل النفط الذي يصل طوله الى 616 ميلاً 985 كلم.
ولوحظ ان الجانبين كثفا الاتصالات بينهما اخيراً. ويتوقع ان تزيد الاتصالات اثر التعديل الوزاري الاخير في حكومة الوحدة الوطنية الذي أتى بوزير للخارجية يعتقد بأنه متعاطف مع العراق. واعلن المسؤولون الاتراك الاسبوع الماضي انهم يسعون الى التطبيع مع العراقيين.
غير ان القضية المحورية في العلاقات الحالية بين انقرة وبغداد تتمثل في خط الانابيب الذي ستكون اعادة تشغيله عاملاً جوهرياً في امكان استئناف التبادل التجاري بين البلدين. ومع ان الاشهر الماضية شهدت احراز تقدم كبير في المساعي لاعادة تشغيل الخط، الا ان مدى قرب الحل النهائي للمشكلة لا يزال غير معلوم.
وتريد تركيا صيانة الخط الذي بدأ الصدأ يعلو انابيبه منذ توقف تشغيله غداة الغزو العراقي للكويت في آب اغسطس 1990، غير ان ذلك يتطلب حصولها على اذن بغداد لتفريغ الخط من نحو 27 مليون برميل لا تزال في الانابيب.
وتقول تركيا ان لها مستحقات نفطية على العراق تبلغ 8.3 مليون برميل. اما قيمة المستحقات العراقية على تركيا فان انقرة تقول ان بغداد ستتلقاها سلعاً انسانية لا يشملها الحظر.
ويقول المراقبون ان بغداد، على رغم انها قد لا تحصل على اكثر من 200 مليون دولار من تلك الصفقة، فان "القيمة النفسية" للصفقة كبيرة فعلاً بالنسبة اليها. وقال ديبلوماسي تركي: "العالم كله سيدرك ان الاوضاع تخطو الى الامام في ما يتعلق بالعراق". ووصف الصفقة بأنها "استثمار مهم جداً بالنسبة الى العراق" لأنه سيكون في حاجة الى خط الانابيب فور رفع العقوبات بصفة دائمة.
ضغوط تركية
وكانت تركيا ولا تزال تمارس ضغوطاً على الولايات المتحدة والامم المتحدة بغية الغاء العقوبات على العراق حتى يمكن ضخ النفط الموجود داخل خط الانابيب واغلاق نظام الخط بطريقة تحول دون حصول مزيد من الاضرار. واجرت انقرة مفاوضات مكثّفة اخيراً مع واشنطن في شأن العقوبات، فأبدت هذه تفهمها لرغباتها وما تعانيه اقتصادياً نتيجة التزامها احكام المقاطعة، غير انها تمسكت برغبتها في استمرار العقوبات على بغداد.
لكن مصادر وثيقة الصلة بالادارة الاميركية قالت ان الامم المتحدة قد تصدر قراراً يسمح لتركيا بضخ النفط خارج خط الانابيب، ليكون ذلك استثناء وحيداً من نوعه لنظام العقوبات الساري حالياً. وهو نظام معقد تكثر الاقاويل عن امكانات الغائه.
فقد اعلن رولف ايكيوس رئيس لجنة الامم المتحدة المكلفة ازالة اسلحة الدمار الشامل العراقية، اثر عودته من بغداد اخيراً، ان اللجنة لن تشهد بانصياع العراق لقرارات وقف اطلاق النار في حرب تحرير الكويت قبل حلول آذار مارس 1995.
وعقد اينال باتو مندوب تركيا الدائم لدى الامم المتحدة اجتماعاً في منتصف تموز يوليو الماضي مع نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز وصفه بأنه كان اجتماعاً ودياً وبناءً ومفيداً، لكنه اضاف ان توزيع المساعدات الانسانية داخل العراق لا يزال عقبة لم يتم التوصل الى اتفاق في شأنها بين بغداد ومجلس الامن.
وأوضح باتو ان قضية تفريغ خط الانابيب لم تعرض على المجلس، "ويبدو ان اصدقاءنا لم يدركوا بعد انها عملية تستهدف الانقاذ فحسب". ويزيد القضية تعقيداً اعتراض بغداد على ورود عبارة في مشروع قرار مقترح تذهب الى ان مجلس الامن ليس راضياً عن عدم وجود مساواة في توزيع المساعدات الانسانية داخل الاراضي العراقية.
من موسكو الى واشنطن
غير ان العقبة الكبرى امام مساعي اعادة تشغيل الخط تتمثل في تحفظات روسيا عن الصفقة برمتها. ويشار الى ان موسكو كانت شحنت معدات تبلغ قيمتها 6 بلايين دولار لتنفيذ مشروع محطة كهرباء اليوسفية في العراق. وبقيت تلك المعدات متناثرة في العراء في الاردن.
وأشارت انباء صحافية في واشنطن الى ان بعض شركات النفط الاميركية تمارس ضغوطاً على حكومتها للحؤول دون اعادة تشغيل خط الانابيب لأنها تخشى ان يسفر ذلك عن انهيار اسعار النفط الخام.
وفيما كان التبادل بين انقرة وبغداد بلغ 1.2 بليون دولار العام 1989، لا يوجد تبادل رسمي في الوقت الحاضر، ما عدا عمليات مقايضة حدودية، وانتهاكات محدودة للعقوبات عبر الحدود المباشرة وعبر الاردن احياناً. اذ تسمح الحكومة التركية لأي شاحنة متوجهة الى العراق بالعودة بنحو الف ليتر من زيت الديزل الذي يتم الحصول عليه في مقابل البصل والبطاطس والدقيق والمعكرونة والزبدة التركية. وعادة ما يصفح ضباط الجمارك عن تجاوز الكميات الحدود المسموح بها.
ويباع الزيت العراقي في اسواق محلية قرب نقطة الخابور الحدودية التركية. وتبلغ قيمة البرميل 220 ليتراً نحو 200 الف ليرة تركية 5.4 جنيهاً استرلينية. ويقول اسماعيل ديميركول رئيس غرفة التجارة في محافظة سانليورفا جنوب شرقي تركيا ان زيت الديزل العراقي "ينشط العمل التجاري في المنطقة". ولذلك نشط التجار المحليون في ممارسة ضغوط على السلطات التركية لحملها على رفع الحد الاقصى المسموح باستيراده من العراق من ألف ليتر الى 4 آلاف ليتر.
وعلى رغم ان رئيسة الوزراء تانسو تشيلر وعدت حشداً انتخابياً في محافظة غازي عنتب قبل الانتخابات النيابية الاخيرة برفع الحد المشار اليه، فان ذلك لم يحدث حتى الآن. ويرعى ثلاثة وزراء في حكومتها حملة تستهدف زيادة الحد استجابة لمطالب ناخبيهم. والوزراء هم: بكر سامي داجه وايكون دوغان ونجم الدين جوهري.
وتمثل غازي عنتب افضل دليل على التأثير الذي احدثته العقوبات المفروضة على العراق في الجانب التركي. ويقول محمد اصلان رئيس غرفة التجارة في المحافظة "ان خسائرنا تصل سنوياً الى نحو 5.1 بليون دولار. فقد كان حجم حركة التجارة الحدودية يصل الى 3 آلاف عربة يومياً، ولكن لا يوجد اليوم سوى المصانع التي تواجه خطر التوقف والاغلاق النهائي لأنها استثمرت ارصدتها في تطوير تقنيات تلبي حاجات السوق العراقية".
ويضيف: "ان البضائع التي يستهلكها العراقيون اليوم هي تلك التي تزودهم اياها بطريقة غير قانونية الدول الغربية التي تفرض عليهم الحصار نفسه. انه أمر يثير الغثيان في نفوسنا".
ومن السبل التي يمكن اللجوء اليها لرفع الحصار وتجاوز تأثيراته ان تستغل تركيا احدى مواد قانون الأمم المتحدة التي تتيح للدول المجاورة للدول المعاقبة المطالبة باعفائها من التقيد بالعقوبات.
وكان نائب رئيس الوزراء العراقي طه ياسين رمضان أكد أخيراً استعداد بغداد لاستئناف علاقاتها الاقتصادية مع تركيا بطريقة مماثلة لما حدث بين العراق والأردن.
بيد ان التبادل التجاري الرسمي يتطلب الحصول على اذن من الأمم المتحدة، شريطة ان يندرج الطلب ضمن لائحة السلع المسموح بتبادلها لأغراض انسانية. ويعني ذلك ان على أي شركة تركية ترغب في ذلك التقدم بطلب الى مكتب الأمم المتحدة في ايطاليا، والانتظار 4 - 5 أشهر ريثما يرد المكتب.
انتهاك ومطالبات
وتعمد الشركات الصغيرة الى انتهاك الحظر وتزويد العراقيين سلعاً معظمها غذائي. ويقال ان شركات تركية كبيرة تبيع انتاجها للعراق عبر شركات أردنية، غير ان الاحصاءات الخاصة بالتبادل التجاري بين الأردن وتركيا تكذب تلك الشائعات. صحيح ان الصادرات التركية الى الأردن تضاعفت من 81 مليون دولار العام 1990 الى 158 مليون دولار العام 1991، ثم ارتفعت الى 161 مليون دولار العام 1992، غير انها هبطت الى 104 ملايين فقط العام الماضي.
وكانت شركات المقاولات الخاسر الرئيسي في حرب الخليج على الجانب التركي. فهي لم تضطر الى التخلي عن مشاريع مربحة في العراق فحسب، بل عن معداتها وآلياتها أيضاً.
وسجل عدد من شركات المقاولات اسمه في لائحة الشركات التي لديها مطالبات مالية على العراق، ومنها: اينكا، تيكفين، وكاكشتاش، ايلتا الكتريك، وغيوريش، وكيشكا، وغيرها، وتقدمت هذه الشركات بطلبات للحصول على تعويضات من الحكومة التركية، غير انها لم تحصل حتى الآن على أموال تذكر.
ولوحظ ان عدداً كبيراً من قادة الحزب الديموقراطي الاجتماعي المشارك في الائتلاف الحاكم في تركيا غدا من المواظبين على زيارة بغداد. فقد استقبل طه ياسين رمضان ورئيس المجلس الوطني العراقي سعدي مهدي صالح في نهاية حزيران يونيو الماضي وفداً ضم 6 من أعضاء حزب الشعب الديموقراطي الاجتماعي. وأكد اعضاء الوفد تأييدهم التام الدعوة الى رفع العقوبات المفروضة على العراق.
وفي تموز يوليو الماضي قام اردال اينونو الرئيس الفخري للحزب المذكور، ويرأس في الوقت نفسه لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، بزيارة لبغداد استمرت اسبوعاً. وقد استقبل الرئيس صدام حسين اينونو الذي رافقه ثلاثة نواب هم يوكسيل يالوفا وشرف ارجان وأحمد دوكونير. واجرى الوفد محادثات مماثلة مع نواب البرلمان العراقي.
ومن المقرر ان يزور وفد كبير من الاتحاد التركي لغرف التجارة والبورصات - وهو اكبر اتحاد تجاري في البلاد - بغداد في آب اغسطس الجاري للبحث في سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية.
وعلاوة على ذلك فإن رئيس البرلمان التركي حسام الدين جيندوروك قد يزور العراق وإن لم تذكر السلطات التركية اي شيء بعد عن مواعيد الزيارة المرتقبة.
ويتوقع عموماً ان تنتعش العلاقات التركية - العراقية، بما فيها الاقتصادية، اثر تعيين البروفسور ممتاز سويسال وزيراً للخارجية في حكومة رئيسة الوزراء تشيلر. وكان سويسال حض انقرة مراراً على تطبيع علاقاتها مع بغداد. غير انه لا يزال سابقاً لأوانه التكهن هل يحدث توليه الديبلوماسية التركية تحولاً ملحوظاً في سياسة تركيا الموالية للغرب أم لا.
طهران : جسر للبضائع والشعارات
في طهران، تكتنف البحث عن أرقام الحركة التجارية بينها وبين بغداد صعوبة بالغة بسبب حساسية الموضوع واصرار ايران على انها تلتزم قرارات الحظر الدولي. ولكن في ظروف معينة تلجأ القيادة الايرانية نفسها الى الترويج لبعض التقارير التي تتحدث عن علاقات تجارية نامية مع العراق لتحقيق جملة اهداف اهمها التأكيد انها لم تتخل عن الشيعة في هذا البلد وعن أهله عموماً.
وحتى الأسبوع الذي سبق تفجير ضريح الأمام علي بن موسى الرضا في مدينة مشهد، في العشرين من حزيران الماضي، كانت الحدود مفتوحة على مصراعيها بين العراق وايران في تجارة امتدت منذ غزو الكويت، واستمرت الى ان اصدر مرشد الثورة آية الله علي خامنئي بعد سبعة أيام على الانفجار قراراً أمر بموجبه باغلاق الحدود مع العراق ووقف التجارة معه الى اجل غير مسمى.
كذلك اصدر مجلس الشورى البرلمان بعد نحو شهر قراراً الزم فيه مؤسسة "بيشجامان سازندجي" طلائع البناء بأن تحل نفسها وتبيع كل اسهمها الى الأسرى العائدين من العراق وأبناء الشهداء. ويذكر ان هذه المؤسسة انشأها قائد "الحرس الثوري" اللواء باسدار محسن رضائي - بمشاركة آخرين في فرع الحرس في اقليم خوزستان - وقائد البحرية الاميرال العربي على شيخاني ووزير الامن وقيادات أخرى. وشكل هؤلاء اعضاء مجلس الأمناء في "طلائع البناء" التي امتلكت نحو 200 شركة اهمها الشركة الخاصة بانشاء السدود التي استخدمت الاسمنت العراقي في مشاريعها. وخصصت القسم الأكبر من نشاطها للتجارة مع العراق.
ووصلت مؤسسة "طلائع البناء" في تجارتها مع بغداد الى أبعد من التعاون الاقتصادي بابرامها اتفاقاً نص على شراء ايران اسلحة كيماوية وصواريخ بعيدة المدى كان العراق يخفيها في مناطق الحدود المشتركة بين البلدين في مقابل شرائه ادوية ومواد غذائية من ايران بعدما ادركت بغداد ان المفتشين الدوليين سيعثرون على تلك الأسلحة والصواريخ عاجلاً ام آجلاً.
نفط وتمور
والأكثر اهمية في العقود التجارية بين "طلائع البناء" والحكومة العراقية تلك الكميات الكبيرة من النفط والتمور ومنتجات أخرى حرصت ايران على نقلها عبر اراضيها الى جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز، حتى باتت الجسر الاقتصادي الأقصر لربط تجارة العراق مع تلك.
ويذكر ان مؤسسة الموانئ العراقية ساهمت في تنظيف الجزء الأكبر من مياه شط العرب المسمى ايرانياً "اروندرود". وكذلك حصلت شركة عراقية على عقد لترميم جسر على مدينة خرمشهر وشركة أخرى على اتفاق لبناء وحدات سكنية ومستشفى في عبادان. ويتدفق التمر العراقي بأنواعه على التجار الايرانيين الذين ينقلونه الى أسواق بلدان أخرى باعتباره من انتاج الجمهورية الاسلامية.
وتعتقد طهران بأن حركة التجارة مع بغداد كفيلة بابلاغ الغرب ودول الجوار الاقليمي رسائل عن عزمها الكامل على تطبيع العلاقات مع جارتها اذا لم تخفف الضغوط عنها وإذا لم يغلق عدد من الملفات الاقليمية والدولية ومنها أزمة الجزر الثلاث مع الامارات وموضوع الارهاب والتسلح وحقوق الانسان.
ويرى كثير من المسؤولين الايرانيين ان التجارة مع العراق باب الى ترويج الشعارات الايديولوجية عن "دعم المحرومين" و"نصرة الشعب العراقي الشقيق" بعدما وضعت الحرب اوزارها، ويكاد ملف الصراع العربي - الاسرائيلي يغلق نهائياً. ولم يعد في امكان الجمهورية الاسلامية الايرانية الحديث عن شعاراتها الايديولوجية التي رفعتها مطلع الثورة وقاتلت من اجلها.
ولذلك يعتقد كبار القادة الايرانيين بأن الخيارات الاقليمية والدولية لبلادهم تصبح مقيدة في ضوء ما يرشح كل يوم عن محادثات السلام مع اسرائيل واحتمالات تقدمها على المسار السوري. وتريد طهران، في ضوء هذه المعطيات، حرق كل أوراقها دفعة واحدة. لذلك تصر على توسيع اطار علاقاتها التجارية مع بغداد في الاتجاهات كلها.
وبدا قرار اغلاق الحدود أمراً لا بد منه، على رغم الشعور الايراني بأهمية العلاقات التجارية مع العراق. اذ ان القيادات الأمنية العليا اجتمعت بعدما تأكدت لها اهداف مخطط التفجير في مشهد وقتل ثلاثة قساوسة ايرانيين، ورفعت الى مرشد الثورة توصية باغلاق الحدود مع العراق الى اجل غير مسمى، ريثما تتضح الصورة عن العلاقة بين البلدين. وكان تأكد لهذه القيادات ان الكثير من عمليات التسلل التي نفذها أعضاء من "مجاهدين خلق" من الأراضي العراقية تمت في محور قصر شيرين - مندلي الذي كان يشهد عبور عشرات الشاحنات والصهاريج يومياً وهي تنقل من ايران الغذاء والدواء والمعدات والأجهزة الكهربائية، ومن العراق الاسمدة الكيماوية والنفط والاسمنت. كذلك فإن محور الشلامجة - خرمشهر شهد هو الآخر عمليات تسلل، اذ استغلت المعارضة حركة التجارة المفتوحة بين اقليم خوزستان والبصرة، ونفذت تفجيرات استهدفت آباراً وأنابيب للنفط في خوزستان.
واعترف المدير العام للأمن الداخلي في ايران موسوي نجاد بأن تفجيرات خوزستان كانت تسهدف ارباك الاقتصاد الايراني، فيما كانت عمليات التسلل في محور قصر شيرين - مندلي تستهدف اشعال نار فتنة طائفية.
قرار صعب
من هنا كان القرار باغلاق الحدود مع العراق، قراراً صعباً، لهذا حاولت قيادات ايرانية رفيعة التذكير بپ"المعروف والاحسان الايرانيين" للعراقيين في محاولة لرأب الصدع في العلاقات واعادة خط التجارة المفتوح الى ما كان قبل حادث مشهد الأخير.
وليس غريباً ما قاله احد ابرز مساعدي الرئيس هاشمي رفسنجاني الدكتور عطاء الله مهاجراني، عندما ذكر أمام رئيس الوفد البرلماني الأردني الذي زار طهران الشهر الماضي، ان البضاعة الايرانية كان متوافرة في بغداد وغالبية المدن العراقية قبل قرار وقف التجارة.
وتساءل مهاجراني: "من المتضرر أولاً من وقف التجارة؟ ألا يعاني العراق من حظر تجاري دولي وأزمة في علاقاته الخارجية؟ فلماذا يسمح اذن لجماعة "مجاهدين خلق" بتخريب العلاقات النامية بين البلدين ووقف مسلسل التجارة الذي كان مستمراً".
واللافت ان طهران ارسلت الى الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي رسالة يوم 27 حزيران الماضي ابلغته فيها رفع سفن عراقية العلم الايراني اثناء عبورها المياه الاقليمية والدولية في اتجاه البصرة، وقالت ان ذلك يعد انتهاكاً صريحاً لسيادتها والحظر التجاري الدولي المفروض على العراق. وقبل ذلك لم تكن طهران تفضح الخرق العراقي للحظر التجاري الى ان وقع الانفجار في مشهد. اذ تحدثت المصادر الأمنية الايرانية ان التحقيقات في الحادث "كشفت مخططاً كبيراً يقف العراق خلفه". ويأتي قرار طرد ديبلوماسيين عراقيين بعد لقاء المسؤولين الايرانيين مع رئيس الوفد البرلماني الأردني وما قيل عن رغبة طهران في طي ملف الخلاف مع بغداد وتجاوز عقدة "مجاهدين خلق" ليبعث مخاطر بقاء التجارة على الحدود مفتوحة.
وأبلغت مصادر ديبلوماسية رفيعة "الوسط" ان ايران سمحت للعراق بالتجارة عبر موانئها سواء في الجنوب على الخليج او في بحر الخزر قزوين لنقل البضائع من نفط وأسمدة وغيرها الى عدد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. وأشارت الى ان لطهران اهدافاً غير اقتصادية من تجارتها التي كانت مفتوحة مع العراق.
وتبقى الاشارة الى عقود نفطية ابرمتها طهران والخرطوم وبغداد تقضي بتزويد ايران السودان كميات من النفط تصل قيمتها الى 300 مليون دولار سنوياً في مقابل ان يزودها العراق هذه الكميات لاحقاً بعد رفع الحظر النفطي عنه. وقد قاد المفاوضات من الجانب الايراني المستشار في الخارجية الايرانية محمد كاظم خنساري، ولكن لم يتم العمل بتلك العقود، بسبب خوف ايران من غضب الادارة الاميركية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.