الاردن لا يمكن ان يكون بلداً زراعياً بسبب طبيعته الجغرافية وقلة موارده المائية. الاّ أن امامه ايضاً مسافة طويلة لكي يصبح بلداً صناعياً قادراً على التصدير الى الخارج، ومنافسة السلع الاجنبية. وفي الواقع، تركز الخطط الاقتصادية التي تحاول الحكومة الاردنية تطبيقها منذ سنوات على زيادة كفاءة القطاع الصناعي عن طريق تشجيع المؤسسات الصناعية على زيادة قدرتها التنافسية، وتوفير الحوافز الكافية لجذب استثمارات جديدة، الى جانب تبسيط الاجراءات التي تحتاجها الرساميل الاجنبية للعمل في البلاد. وفي هذا السياق أنشأت الحكومة الاردنية اخيراً مديرية لتشجيع الاستثمارات، كما باشرت اعادة النظر بالقوانين الضريبية التي تحكم عمل الشركات في البلاد باتجاه تخفيفها، واختصار المراحل التي يتوجب على المستثمر المرور بها، اضافة الى التركيز على تثبيت المناخ الاستثماري وفق قوانين واضحة، توفر للرأسمال الاجنبي المزيد من الثقة. ويبدي المسؤولون الاردنيون تفاؤلاً واضحاً بالنسبة الى المرحلة المقبلة، مع متابعة تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي، وتقليص خطر الديون الخارجية 6.6 بليون دولار، وانهاء العجز في الموازنة العامة عند مستويات مقبولة اقتصادياً، اضافة الى استئناف الحصول على المساعدات والمنح من الخارج، وهي مسألة تأثرت بصورة واضحة في السنوات الثلاث الماضية نتيجة الاتهامات التي وجهت الى عمان بتأييد موقف بغداد في حرب الخليج الثانية، وساهمت هذه الاتهامات في وقف المساعدات التي كانت تحصل عليها بصورة دورية، اضافة الى عودة عشرات آلاف الاردنيين الذين كانوا يعملون في الدول الخليجية وتشكل تحويلاتهم من العملات الاجنبية إحدى أهم القنوات لدخول القطع الاجنبي الى البلاد. ويقول المسؤولون الاردنيون ان المرحلة المقبلة ستشهد تطورات اساسية على ضوء النتائج التي ستؤدي اليها عملية السلام في الشرق الاوسط، واتجاه الاردن الى الانضمام الى اتفاقية "الغات" ما يمكن ان يساهم في جذب المزيد من الاستثمارات، خصوصاً الاستثمارات الصناعية التي ستحاول الافادة من الموقع الاستراتيجي للاردن كبوابة الى الاسواق المجاورة، خصوصاً الاسواق الخليجية وأسواق العراق بعد رفع الحظر الدولي عنه. وفي الواقع بدأ الاردن يشكل نقطة جذب للشركات الصناعية التي تسعى الى دخول اسواق الشرق الاوسط، او تحسين موقعها في هذه الاسواق، واللافت انتقال القطاع الصناعي الاردني من مرحلة الشركات الصغيرة الى مستوى الشركات الكبرى. ففي الاشهر الثلاثة الاولى من العام الجاري أمكن ملاحظة تسجيل 10 شركات جديدة لا يقل اجمالي رساميلها عن 80 مليون دينار 116 مليون دولار بمتوسط 11.6 مليون دولار للشركة الواحدة، في مقابل 137 الف دينار متوسط رأسمال الشركات سابقاً. ويعتبر هذا النوع من الاستثمارات الصناعية الكبرى في بلد مثل الاردن مؤشراً الى انتقال القطاع الصناعي المحلي من "هموم" توفير احتياجات السوق المحلية بالدرجة الاولى الى دخول الاسواق الخارجية، مع ما يعنيه مثل هذا التحدي من حاجة واسعة الى توافر مواصفات فنية كافية، وقدرات تنافسية واسعة. ومن المعروف أن الطابع العام للقطاع الصناعي في الاردن لا يزال حتى الآن يأخذ طابع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في أفضل الحالات، إذ لا تزيد الرساميل المسجلة حتى نهاية العام 1993 لما مجموعه 6261 مؤسسة مصنفة صناعية عن 860 مليون دينار 1.247 مليار دولار. لكن هناك تفاوتاً واضحاً على صعيد القطاعات. فمتوسط رأس مال لمؤسسة في قطاع التعدين يبلغ 27 مليون دينار وينخفض الى ما يصل الى 22.7 الف دينار في قطاع الصناعات الجلدية الذي يضم 303 مؤسسات لا يزيد اجمالي رساميلها عن 6.9 مليون دينار في حين يصل متوسط رأس مال المؤسسة الواحدة في قطاع الصناعات الهندسية الى 87.2 الف دينار اذ تبلغ قيمة الرساميل المستثمرة في هذا القطاع ما يصل الى 172.5 مليون دينار موزعة على 1978 مؤسسة متفاوتة الحجم والامكانية. اما قطاع الاثاث والصناعات الخشبية، يشتمل على 1240 مؤسسة، لا تزيد رساميلها عن 15.09 مليون دينار. ويوظف قطاع الصناعات الانشائية رساميل اجمالية تصل الى 132.6 مليون دينار موزعة على 708 مؤسسات، في حين تصل قيمة الرساميل الموظفة في قطاع الصناعات الغذائية الى 106 ملايين دينار ل 380 مؤسسة. وطبقاً للاحصاءات التي أعدتها غرفة صناعة عمان، فإن القطاع الصناعي يستوعب حالياً حوالي 91 الف عامل موزعين بصور متفاوتة على مختلف المجالات الصناعية، وان كانت الصناعات الهندسية الاكثر استيعاباً، اذ يصل مجموع العاملين فيها الى 19.8 الف شخص، بمعدل 10 عمال للمؤسسة الواحدة. ومع ذلك، وعلى الرغم من التوسع الذي حققه القطاع الصناعي الاردني حتى الآن، إلاّ أن هذا التوسع لم يتحقق من دون صعوبات، كما ان افق المستقبل لا يخلو من الكثير من التحديات. وبالفعل لا تزال المشكلة الاساسية في قدرة المؤسسات الصناعية الاردنية على الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير بسبب تركيزها على السوق المحلية من جهة، ومحدودية الامكانات من جهة ثانية، كما ان تدني امكانات المنافسة في الاسواق الخارجية هو أحد العوائق التي يواجهها الصناعي الاردني. وفي هذا السياق، عمدت الحكومة أخيراً الى إنشاء مؤسسة للمواصفات والمقاييس، تتركز مهمتها بصورة أساسية على التأكد من التزام الصناعيين المحليين تطبيق القواعد المطلوبة لدخول الاسواق الخارجية. ويتفق الخبراء الاقتصاديون في عمان على مشكلة أخرى تعاني منها المؤسسات الصناعية، وهي مشكلة فقدان التمويل الميسر لآجال متوسطة او طويلة، بسبب تركيز المصارف التجارية على التسليفات ذات الطابع التجاري وقصر الاجل، والتي تمثل ما يزيد على 60 في المئة من اجمالي التسليفات المصرفية في البلاد، في حين ان المصارف المتخصصة هي، إما غير موجودة، او قائمة بالفعل بإمكانات محدودة للغاية، ولا تغطي احتياجات النمو والتوسع لدى المؤسسات الصناعية. المسؤولون الاردنيون يحرصون على ابداء تفاؤلهم، ولو أنهم لا يخفون الاعتراف بوجود مصاعب، لكن من النوع الذي يقبل الحل.