حصة الشرق الاوسط من الحركة السياحية العالمية العام الماضي جاءت أقل بكثير من التوقعات المتفائلة التي سادت المنطقة في اوائل العام الماضي بعد انتهاء حرب الخليج وبدء المفاوضات العربية - الاسرائيلية. واظهرت التقديرات التي اعدتها منظمة السياحة العالمية ان حصة دول الشرق الاوسط من النشاط السياحي العالمي تراجعت الى حوالي 2،7 مليون سائح في نهاية العام 1993، وبما نسبته 5،8 في المئة عما كانت عليه في العام 1992، في حين تراجع الانفاق السياحي الى 9،4 مليار دولار، أي بما يقل بنسبة 4،7 في المئة. وجاء تحقيق هذه النتائج المخيبة لآمال العديد من دول المنطقة، على رغم انجازات واسعة حققتها دول الشرق الاوسط، سواء على صعيد تطوير منتجاتها السياحية، ام على صعيد الاوضاع العامة. كما جاء تحقيق هذه النتائج السلبية في الوقت الذي حققت فيه الحركة السياحية العالمية تحسناً واضحاً تجاوز بسهولة التحسن الذي كانت سجلته في العام 1992. اوروبا الاولى وبالفعل سجلت الارقام التي اعدتها منظمة السياحة الدولية تقدما على جبهتين: الاولى ان عدد السياح في العالم زاد العام الماضي بنسبة واسعة لم تقل عن 8،3 في المئة، عندما بلغ العدد الاجمالي حوالي 500 مليون سائح. اما الجبهة الثانية فهي ان التحسن الاهم الذي امكن تحقيقه تركز بصورة رئيسية على حجم الانفاق السياحي الذي ارتفع بنسبة 9 في المئة، اذ زاد الى 324 مليار دولار في مقابل 296 مليار دولار، هو حجم الانفاق الذي تحقق قبل عام، وهو ما تعتبره المنظمة تقدماً نوعياً. وحسب ارقام المنظمة العالمية استمرت اوروبا نقطة الجذب الاولى في العالم، بما نسبته 2،59 في المئة، أي بمجموع سياح بلغ 5،296 مليون سائح العام الماضي. الا ان ثمة تفاوتاً واسعاً تحقق على الصعيد الاوروبي، اذ في مقابل النمو الواسع الذي سجلته الحركة السياحية في بلدان اوروبا الشرقية، سجلت بلدان اوروبا الشمالية تراجعاً. ولعل التبرير الاكثر ملامسة للواقع هو ان اوروبا الشمالية، عانت بصورة اساسية من ارتفاع معدلات الركود الاقتصادي، وزيادة معدلات البطالة. وهي اشارات بلغت ذروتها في دول رئيسية مصدرة للسياح، مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا، كما ان رخص الاسعار، في الدول الشرقية شكل هو الآخر سبباً اضافياً لتحويل المنطقة الى نقطة جذب سياحية رئيسية. ومع ذلك فإن المنطقة التي حققت اكبر نمو سياحي العام الماضي، كانت منطقة شرق آسيا وحوض المحيط الهادئ، وحسب تقديرات المنظمة العالمية للصحة، فإن التحسن القياسي الذي سجلته هذه المنطقة بلغ 8،11 في المئة بالنسبة الى عدد السياح 5،68 مليون سائح، و2،15 في المئة بالنسبة الى الانفاق السياحي الذي ارتفع الى 6،52 مليار دولار. كذلك حققت دول اميركا الشمالية والجنوبية نمواً قياسياً هي الأخرى، اذ بلغت نسبة التحسن 6،5 في المئة بالنسبة الى عدد السياح و3،14 في المئة بالنسبة الى الانفاق السياحي الذي ارتفع الى 5،65 مليون سائح. واللافت انه باستثناء منطقة جنوب آسيا التي سجلت هي الاخرى معدلات نمو سالبة 4،1 في المئة، فإن المنطقة التي حققت أعلى نسبة من التراجع كانت منطقة الشرق الاوسط، وتركز منظمة السياحة العالمية على الربط بين هذا التراجع والانعكاسات التي خلفتها حرب الخليج، اضافة الى الهجمات التي استهدفت السياح والاجانب في بعض الدول، خصوصاً مصر والجزائر الى جانب الانتفاضة الفلسطينية في الاراضي المحتلة ما دفع المزيد من القوافل السياحية الى زيارة مناطق اخرى. ومع ذلك فإن ثمة زيادات واضحة في معدلات النمو سجلتها بعض بلدان الشرق الأوسط، فقد حققت الحركة السياحية في سورية، وهي دولة ناشئة، زيادة قياسية تجاوزت بسهولة 17 في المئة، عندما ارتفع عدد السياح من 7،1 الى مليوني سائح في خلال سنة واحدة، وقد اعتبر هذا التحسن نتيجة مباشرة لتحسن كفاءة القطاع السياحي السوري الى جانب تحسن الظروف الاقتصادية والحوافز والتسهيلات التي وفرتها الحكومة، سواء على صعيد تأشيرات الدخول وقوانين الصرف وضبط الاسعار، ام على صعيد الترويج السياحي في الاسواق المصدرة للسياح. كذلك حقق الاردن زيادة واضحة في حجم الحركة السياحية التي تجاوزت 4،1 سائح، كما استعادت تونس المستويات التي سجلتها قبل حرب الخليج، عندما قارب عدد السياح الذين زاروا البلاد 3 ملايين سائح، ولو ان قسماً كبيراً من هؤلاء هم من الليبيين والجزائريين بين الذين تحرص تقديرات تونسية غير رسمية على اعتبارهم زواراً ومقيمين يدخلون الى البلاد لأغراض مختلفة، ابرزها المتاجرة. كذلك استعاد المغرب بريقه السياحي بعد التراجع الذي تحقق في العامين الماضيين، وكان من المقدر ان يحقق هذان البلدان ارقاماً افضل لولا الركود الاقتصادي المستمر في دول اوروبا الغربية، وهي الدول الرئيسية المصدرة للسياح الى المغرب العربي. وتجمع تقديرات اقليمية ودولية على ان تراجع النشاط السياحي في الشرق الاوسط يرتبط الى حد بعيد بحاجة هذه المنطقة الى استعادة اجواء اكثر استقراراً، وهو ما لم يتوافر حتى الان بصورة كافية. كما ان الانتعاش السياحي الذي تسعى اليه دول المنطقة ربما احتاج الى تسهيلات وحوافز غير متوافرة حتى الآن. في ظل المنافسة القوية القائمة حالياً بين مناطق الجذب السياحي في العالم، وتحول السياحة الى صناعة متكاملة لتقديم افضل الخدمات بأقل الاسعار. حصة الشرق الاوسط من الحركة السياحية العالمية لا تزال حتى الآن اقل بكثير مما يمكن لها ان تكون كما ان مستوى الانفاق السياحي في المنطقة لا يزال من بين ادنى المستويات، اذ لا يزيد حالياً عن 5،680 دولار للسائح الواحد، في حين انه يصل الى 768 دولاراً في منطقة جنوب آسيا و897 دولاراً في اميركا، الأمر الذي ينظر اليه على انه يعكس حاجة دول المنطقة الى تحسين القدرة التنافسية لمنتجاتها السياحية في الاسواق الخارجية.