984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    «مهاجمون حُراس»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    قبل مواجهتي أستراليا وإندونيسيا "رينارد" يستبعد "العمري" من قائمة الأخضر    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    حديقة ثلجية    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    جودة خدمات ورفاهية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الغرب والقرن الأفريقي    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    الدولار يقفز.. والذهب يتراجع إلى 2,683 دولاراً    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ليل عروس الشمال    التعاطي مع الواقع    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاطعة العربية لاسرائيل : هل فقدت جدواها أم تجاوزها السلام الواقعي ؟
نشر في الحياة يوم 21 - 03 - 1994

يبحث مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية يوم 26 آذار مارس الجاري في انهاء المقاطعة غير المباشرة لاسرائيل التي أدرجت بنداً في جدول الاعمال بناء على طلب من الأمين العام للجامعة الدكتور عصمت عبدالمجيد بعد محادثات اجراها مع وزيري الاقتصاد الاميركي والخارجية الالماني.
وقال الأمين العام للجامعة في تصريحات الى "الوسط": "ان انهاء المقاطعة غير المباشرة متروك لقرار المجلس في هذا الشأن وان لكل دولة عربية الحق في اتخاذ ما تراه مناسباً لمصلحتها".
ويأتي ادراج انهاء المقاطعة غير المباشرة بسبب اسناد الدول الغربية الى شركات مدرجة في القائمة السوداء عمليات ستتولى تنفيذها في قطاع غزة وأريحا.
وشدد الامين العام للجامعة على التزام المقاطعة الاقتصادية المباشرة لاسرائيل، وقال: "ان انهاء المقاطعة المباشرة غير مدرج في اعمال مجلس الجامعة وان زوالها مرتبط بانتهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية".
"الوسط" تقدم لمحة عن تاريخ المقاطعة وآثارها في الصراع العربي - الاسرائيلي.
تخضع الدول العربية، منذ افتتاح مؤتمر السلام العربي - الاسرائيلي في مدريد اواخر العام 1991 لضغوط مثلثة اميركية وأوروبية واسرائيلية من اجل وضع حدٍ للمقاطعة العربية لاسرائيل المستمرة منذ اوائل الخمسينات. وغالباً ما تُبررُ هذه الضغوط بالقول ان العرب مطالبون باظهار حسن النية تجاه تل أبيب مثلما اظهرت الدولة العبرية نيتها الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وبالتالي العيش بسلامٍ في محيطها.
الرد العربي حتى الآن يتلخص بالقول ان الغاء المقاطعة رهن بالغاء حالة الحرب، وأن ذلك مرتبط بتحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط وتراجع اسرائيل الى حدود العام 1967.
وأمام الحاح الضغوط الدولية - الاسرائيلية عقد مجلس الجامعة العربية اجتماعاً على مستوى المندوبين في 22/11/1993 بناء على طلبٍ عاجل من المندوب الليبي ابراهيم البشاري، ونوقشت نقطة واحدة هي المقاطعة العربية لاسرائيل. وبعد مداولات خرج المجلس بقرار ينص على أن المقاطعة فرضت لأسباب معروفة وأن زوالها مشروط بزوال أسبابها. وهو ما عبّر عنه الدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام للجامعة عندما اكد في تصريحات متكررة ان الأمر مرهون بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك اقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس.
لكن التصميم الظاهر في قرار مجلس الجامعة وفي تصريحات الدكتور عبدالمجيد لا يعكس بدقة حقيقية المداولات التي تدور خارج الاجتماعات الرسمية. فقد صرّح وزير التجارة الاميركي رونالد براون اثر جولة شاملة في الشرق الاوسط امتدت لعشرة أيام، بأنه تلقى تأكيدات من امانة الجامعة أن الاجتماع الوزاري المقبل آذار - مارس سيبحث في الغاء مقاطعة الشركات المتعاملة مع اسرائيل.
وقال الوزير الأميركي 26- 1 - 94 ان استمرار المقاطعة يترك تأثيراً سلبياً على الفلسطينيين ويحرم العالم العربي من استثمارات متنوعة، وأن هذه الحجة اقنعت الدكتور عبدالمجيد الذي وعد براون باعادة النظر في المقاطعة في الاجتماع الوزاري المقبل لدول الجامعة.
وعلى رغم اصرار الامانة العامة للجامعة على موقفها السابق وبالتالي رفضها التعليق على تصريحات وزير التجارة الاميركي، فان مصادر عربية موثوق بها اكدت لپ"الوسط" ان النية تتجه الى الغاء المقاطعة الثانوية للدولة العبرية، اي ما يعتبره براون "الشركات الاجنبية" التي تتعامل معها. وقالت المصادر ان هذا النوع من المقاطعة فقد معناه لأن احداً لا يحترمه منذ بعض الوقت.
ويشار هنا الى نوعين من اجراءات المقاطعة المعتمدة ضد اسرائيل: نوع مباشر ينص على امتناع الدول العربية عن التعامل الاقتصادي والثقافي والسياسي الشامل مع الدولة العبرية. والنوع الثاني ينص على الامتناع عن التعامل مع شركات ومؤسسات اجنبية تعمل في اسرائيل - راجع الكادر.
الراهن ان مبدأ المقاطعة نفسه تعرض لهزات فرعية منذ العام 1967 ولهزة أساسية منذ أن شرعت الدول العربية بالتفاوض مع اسرائيل في مؤتمر مدريد. وخرجت الى العلن لقاءات على مستوى رفيع بين مسؤولين عرب واسرائيليين للبحث في مشاريع اقتصادية مشتركة كما هي الحال بالنسبة الى اللقاءات القطرية - الاسرائيلية المتصلة بمشروع الغاز القطري المرجح تصديره الى اسرائيل ومنها الى دول المنطقة وأوروبا راجع المقابلة مع الدكتور ترزيان اضافة الى مؤتمر اليهود المغاربة الذي عقد مطلع شباط فبراير الماضي في المغرب وكشفت فيه مشاريع تعاون مغربية - اسرائيلية سابقة ولاحقة، فضلاً عن التعاون الاقتصادي المصري - الاسرائيلي واكتشاف بضائع ومنتجات اسرائيلية في كثير من الدول العربية.
اهم انجاز عربي
هل تعمد الجامعة العربية، في ضوء ما سبق، الى الاعتراف بالواقع القائم واتخاذ قرار يُشرّع حالة التعاون غير الشرعي خلال الاجتماع المقبل، أم انها ستتمسك بقراراتها السابقة وبالتالي تنتظر انهاء حالة الحرب مع اسرائيل، لانهاء المقاطعة؟
لا بد من العودة الى الوراء، للرد على هذا السؤال، وبالتالي التعريف بالمقاطعة العربية لاسرائيل، فمن المعروف ان العرب تمكنوا خلال اكثر من ثلاثة عقود، من فرض حصار اقتصادي وثقافي فعّال على الدولة العبرية. ويجمع الخبراء في هذا الحقل على الاعتراف بأهمية هذا الامر والقول ان المقاطعة هي اهم انجاز عربي في ازمة الشرق الأوسط. ولعل ذلك ما يفسّر الضغوط الكثيفة التي يتعرض لها العرب للتخلي عن آخر اوراقهم القوية قبل الأوان.
صدرت قوانين المقاطعة العربية لاسرائيل في العام 1950، اي بعد مضي عامين على تأسيس الدولة الاسرائيلية وبدأ تنفيذها في العام 1951، ثم طرأت عليها تعديلات في العام 1954. وظلّت هذه القوانين تخضع للتطوير طوال السنوات اللاحقة مع استمرار التزام الشروط الأساسية للمقاطعة.
اعتمد العرب على القانون الدولي في اتخاذ قرارات المقاطعة فهي "تشريع لزمن الحرب"، وكل الدول تمنع التجارة مع العدو في حالة الحرب" وفق وثائق الجامعة العربية في هذا المجال التي تشير الى امثلة عدة من بينها اصدار فرنسا في أول ايلول سبتمبر 1939 قرارات تمنع كل انواع التجارة مع العدو الألماني ومع الاشخاص الموجودين على أرض معادية أو أرض يحتلها العدو.
ويُشارُ هنا الى ان كل الاتفاقات التي وقّعتها الدول العربية مع الجماعة الاقتصادية الاوروبية تتضمن فقرة تقول ان هذه الاتفاقات "لا تمنع اي طرف من اتخاذ اجراءات يرى انها ضرورية بالنسبة الى أمنه في حالة الحرب أو التوتر الدولي الخطير".
في المقابل تعمد الدول الى انهاء حالة المقاطعة مع انتهاء حالة الحرب. تماماً كما حصل بين مصر وإسرائيل حيث تضمن اتفاق السلام بينهما فقرة تقول "تلتزم مصر وقف كل مقاطعة اقتصادية ضد اسرائيل بعد وقف حالة الحرب بين البلدين". ما يعني ان من حق العرب التزام السابقة المصرية، وبالتالي عدم انهاء المقاطعة قبل انهاء حالة الحرب.
مجالات المقاطعة والاضرار
ويذكر هنا ان المقاطعة العربية ألحقت، وما زالت تُلحق اضراراً بالاقتصاد الاسرائيلي وبالشركات الدولية التي فضّلت التعامل مع اسرائيل على حساب التعامل مع الاسواق العربية.
ولقياس هذا الضرر تكفي الاشارة الى مجالات المقاطعة وهي تتوزع على ميادين عدة وتشمل التعاون المباشر وغير المباشر مع الدولة العبرية. ومن بين هذه الميادين:
1 - امتناع العرب عن التعامل مع كل المؤسسات والشركات الاجنبية الرسمية والخاصة التي لا تلتزم قوانين مقاطعة اسرائيل راجع القسيمة الخاصة بهذا الشأن. وعدم الالتزام يبدأ من "منح شركة اسرائيلية حق استخدام الاسم التجاري" لشركة اجنبية ويمر بالاستيراد من اسرائيل والتصدير اليها، ويشمل كل انواع المساهمة في أسهم في شركات اسرائيلية، وكل الاشخاص المتعاطفين مع الصهيونية وينتهي بحظر كل عمليات الاستيراد من العالم العربي واعادة التصدير الى اسرائيل. باختصار تقضي المقاطعة بالامتناع عن التعامل مع كل شركة اجنبية تمارس نشاطاً اقتصادياً مع اسرائيل، أياً كان نوعه.
2 - امتناع العرب عن استقبال كل الطائرات المتجهة الى الدولة العبرية او الآتية منها، ومقاطعة كل شركة تنظم رحلات الى القدس، ومقاطعة كل المصارف والمؤسسات المصرفية والسياحية التي تتعامل مع اسرائيل... الخ.
3 - امتناع العرب عن السماح بدخول اراضيهم لكل فيلم أو عمل ثقافي اجنبي متعاطف مع الدولة العبرية وكل عمل فني او ثقافي يشوه تاريخ العرب ويؤذي مشاعرهم الدينية او القومية، وكل المنشورات والانتاج الثقافي الصادر في اسرائيل.
4 - يمتنع العرب عن التعامل المباشر مع اسرائيل بكل انواعه ووجوهه. وهو ما يعرف بالتعامل المباشر وفي كل المستويات، لذا تشترك اسرائيل في كل التظاهرات الدولية بوصفها دولة منتمية الى أوروبا وليس الى الشرق الأوسط، كأس العالم في كرة القدم - الألعاب الاولمبية... الخ.
وللسهر على حسن تطبيق قوانين المقاطعة انشأت الجامعة العربية مكتباً رئيسياً في دمشق ومكاتب فرعية في الدول العربية والعالم مكلفة رفع تقارير دورية الى مجلس الجامعة، وإجراء تحقيقات في وضع الشركات الاجنبية المتعاملة مع العالم العربي والتي تخرق قوانين المقاطعة من خلال تعاملها مع اسرائيل.
حجم الخروق
ويُستفاد من تجربة المقاطعة ان الدول العربية اظهرت عموماً التزامها وتقيدها النسبي بهذه القرارات على رغم الخروق التي كانت تسجّل هنا وهناك خصوصاً بالنسبة الى المقاطعة غير المباشرة. وهنا تتباين آراء الخبراء في حجم الخروق المسجلة. ففي حين يؤكد خبراء الجامعة العربية أن التعامل المباشر بين العرب وإسرائيل لم يسجل حالات ذات شأن يُذكر، وان هذا المجال ما زال حتى الآن صامداً، فان الخبراء الاسرائيليين والاجانب يميلون الى التقليل من اهمية المقاطعة في المجالين المباشر وغير المباشر. فما هو حجم الخروق المسجلة وهل تستدعي التخلي عن القوانين المذكورة؟
في هذا السياق يرى البروفسور غاد جيلبر وهو عضو في مركز "دايان للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل ابيب" وخبير في هذا الحقل، ان الدولة العبرية استطاعت ان تلتف على قوانين المقاطعة وانها تبيع سنوياً في العالم العربي صادرات غير دفاعية تتراوح قيمتها بين 400 و1500 مليون دولار، اي حوالى عشرة في المئة من حجم الصادرات الاسرائيلية الى الخارج. وهذا الرقم لم تؤكده اية جهة محايدة ويعتبر خبراء اوروبيون انه رقم دعائي.
ويعتقد غيلبر ان المقاطعة الثانوية غير المباشرة كانت عديمة الجدوى من الناحية الاقتصادية طوال السنوات الثلاثين الماضية باستثناء بعض الشركات اليابانية. ويستند في تأكيداته الى تقارير المكتب الدائم للمقاطعة العربية التي تقول "ان اعداداً متزايدة من الشركات الاجنبية التي كانت تخشى في السابق انتقام مكتب المقاطعة بدأت تتجاهله خصوصاً ان بعض الدول العربية كان يغض النظر عن شركات تتعامل مع اسرائيل".
ويضيف غيلبر: "ان الشركات المعنية كانت تؤسس شركات وهمية همها الوحيد هو التحايل على المقاطعة العربية. ويقول ان هذين العاملين، اضافة الى المعارضة الاميركية الدائمة لقوانين المقاطعة، كل ذلك جعل المقاطعة الثانوية عديمة الجدوى، وهنا ايضاً يجب الحذر في حديث الخبير الاسرائيلي لأن الدولة العبرية تميل الى تضخيم الخروق في المقاطعة لتسهيل الغائها.
ويعترف غيلبر ان المقاطعة المباشرة للمنتجات الاسرائيلية كانت أبعد نجاحاً الى درجة كبيرة، وأنه كان لا بد من انتظار العام 1967 حتى تظهر حالات الخرق الأولى لهذا المستوى من المقاطعة. فقد أدى احتلال اسرائيل الضفة الغربية وما نجم عنه من سياسة الجسور المفتوحة مع الاردن حيث وقع تصدّع كبير في "الجدار" العربي المواجه لاسرائيل.
ممرات ومعابر
ويقول: "تحول هذا الصدع الى ممر ومعبر عندما أصبحت الضفة الغربية بمثابة نقطة عبور لتصدير السلع والبضائع الاسرائيلية الى الدول العربية الاخرى الى الشرق من الاردن".
هكذا طلب الاردن مسح كل العلامات التي كتب عليها "صنع في اسرائيل" واستبدالها بعبارة "مصنوع في الضفة الغربية" أو "صناعة قطاع غزة" وهو ما وافقت اسرائيل عليه.
كذلك أدى فتح "الجدار الطيب" بين اسرائيل ولبنان عام 1975 الى ايجاد طريق اخرى لعبور الصادرات الاسرائيلية الى الأسواق العربية وفي الدرجة الأولى الى لبنان ثم الى سورية. اذ كانت الشاحنات الاسرائيلية المحملة بالفاكهة والخضار والمواد الغذائية المصنّعة والأدوات المنزلية وما الى ذلك من المنتجات الاسرائيلية الاخرى تصل الى نقطة رأس الناقورة على الحدود مع لبنان، حيث يعاد تحميل تلك البضائع في شاحنات عربية تتجه بدورها الى لبنان وسورية. وكان الجميع يعرف انها منتجات اسرائيلية. ولكن نظراً الى ازالة علامة "صناعة اسرائيلية" عنها فانه لم يكن هناك اي اكتراث بمصدرها.
وفي منطقة "الحزام الأمني" التي تحتلها اسرائيل في جنوب لبنان تباع المنتجات الاسرائيلية علانية. ويقول غيلبر ان المنتجات والبضائع الاسرائيلية تباع في العالم العربي "من خلال الشركات الوهمية التي اقيمت في قبرص واليونان وإسبانيا وغيرها".
لكن الستار الذي كان يغطي هذه التجارة السرية اخذ يرتفع الآن. ويقول غيلبر: "في الماضي كان القليلون يعرفون عن هذه التجارة. لكنها اصبحت في العام الماضي سراً مكشوفاً". ففي معرض "التكنولوجيا الزراعية" الذي أقيم أخيراً في تل أبيب على سبيل المثال كشف المشترون العرب هوياتهم بعدما كانوا في الماضي يصلون متنكرين. كما ان الشركات الاسرائيلية التي كانت تبقي زبائنها العرب سراً بدأت تكشف صادراتها الى العالم العربي.
واضافة الى الطرق البرية تشحن الشركات الاسرائيلية بضائعها عن طريق الموانئ. وكذلك عن طريق اطراف ثالثة في أوروبا وتركيا. ومن الذين لهم خبرة طويلة في هذه التجارة يوسف مخالدة وهو عربي اسرائيلي من الضفة الغربية. فبعد توقيع معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية اصبح وكيلاً للرشاشات المستخدمة في مياه الري التي تنتجها احدى المستوطنات. ومن خلال وسطاء عرب وصلت تلك الرشاشات الى الاردن عبر الجسور بعدما بيعت الى رجال اعمال فلسطينيين في الأراضي المحتلة، ومن الأردن وصلت الى سورية والعراق ودول عربية اخرى. وكذلك كانت هناك تجارة اسرائيلية مع مصر التي قامت بدور الوسيط للدول العربية الاخرى التي كانت راغبة في شراء المنتجات المختلفة شريطة عدم وجود عبارة "صناعة اسرائيلية" عليها.
وبلغ من نجاح مخالدة ان حجم تجارته يصل اليوم الى ملايين الدولارات سنوياً. وهو يبيع المنتجات الى وكلاء فلسطينيين او مباشرة الى زبائن في عدد من الدول العربية بينها العراق الذي استخدم مثلاً الباذنجان المعلّب في اسرائيل لاطعام جنوده خلال الحرب العراقية - الايرانية.
على رغم الصورة السوداوية التي يرسمها غيلبر لحال المقاطعة العربية لاسرائيل، فان مسؤولين اسرائيليين كانوا في السابق يعبّرون عن تذمرهم من ضآلة حجم التبادل التجاري والثقافي بين مصر واسرائيل وذلك على رغم الغاء حال المقاطعة بين البلدين. وتجمع المصادر المصرية والاسرائيلية على ان حجم التبادل الثنائي لم يتجاوز 50 مليون دولار سنوياً وأن مصر هي المستفيدة من التبادل وليست اسرائيل. ما يعني ان السوق المصرية ما زالت تمارس مقاطعة واقعية ضد الدولة العبرية، ولم تتأثر بالغاء المقاطعة في اتفاق كمب دايفيد.
واذا كانت الحالة المصرية دليلاً على نوع علاقات التبادل بين بلد عربي واسرائيل في ظل المقاطعة العربية فما بالك بالتبادل غير الشرعي والمزعوم الذي يتحدث عنه غيلبر ويقدر حجمه بمئات الملايين من الدولارات؟
ان التبادل التجاري بين العرب وإسرائيل من خلال "التهريب" او ما يسميه غيلبر "نزع عبارة صنع في اسرائيل" عن البضائع اليهودية، لا يشكّل اساساً لالغاء المقاطعة ولا يبرر مثل هذا الاجراء ما دام ان الاسباب التي استدعته ما زالت قائمة. ما يعني ان لا شيء يستدعي تخلي العرب عن هذه الورقة قبل حلول السلام الشامل في الشرق الأوسط وانسحاب اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس.
يبقى ان الرهان الاسرائيلي يطاول ما هو أبعد من الغاء المقاطعة العربية للدولة اليهودية. فقد عبّر المسؤولون الاسرائيليون مراراً، عن رغبتهم في قيام نوع من العلاقة الايجابية بين ما يسمى "التكنولوجيا الاسرائيلية" و"الرساميل واليد العاملة العربية" ولعل هذا الرهان يصبح عديم الجدوى اذا استمرت المقاطعة أقله في المدى المنظور، ما يعني ان المقاطعة نفسها، على رغم من الصعوبات التي اعترضت تطبيقها والخروق التي انتابتها ما زالت احد اهم الأوراق التي يمكن العرب استخدامها في مبادلة الأرض بالسلام.
لقد انتهج العرب سياسة المقاطعة ضد الدولة العبرية بعد اعلان الحرب وانطلقوا في ذلك من القانون الدولي ويحق لهم بوصفهم اسياد قراراتهم التمسك بهذه السياسة الى ان تنتهي الاسباب التي أدت الى انتهاجها سواء رضي اصدقاء اسرائيل في الكونغرس الاميركي او الحزب الديموقراطي الحاكم في واشنطن ام لم يرضوا.
استجواب
نموذج لاستمارة استقصاء كان على الشركات الاجنبية الراغبة في دخول الاسواق العربية، ان تملأها الزامياً. ويأمل الكثير من هذه الشركات اليوم ان تزول هذه الاستمارة بزوال قوانين المقاطعة:
1 - هل لديكم الآن او كان لديكم في الماضي شركة أو مصنع فرعي أو رئيسي في اسرائيل؟
2 - هل لديكم الآن أو كان لديكم في السابق وكالات أو مكاتب عامة في اسرائيل لادارة اعمالكم في الشرق الأوسط او العالم؟
3 - هل منحتم وكالة او شهادة تتصل باستخدام اسمكم او ماركتكم التجارية او براءة اختراع او انتاج تابعة لكم او لأحد فروعكم؟ هل منحتم ذلك لأشخاص او مؤسسات اسرائيلية؟
4 - هل انتم مساهمون حالياً او كنتم في الماضي او تملكون الآن حصصاً في مؤسسات او انشطة اسرائيلية في اسرائيل او خارجها؟
5 - هل تمنحون اليوم او منحتم في الماضي خدمات استشارية او مساعدة تقنية لمؤسسات اسرائيلية؟
6 - هل مثلتم اليوم أو في الماضي مؤسسة اسرائيلية في اسرائيل او الخارج؟
7 - ما هي اسماء وجنسيات كل الشركات التي تساهمون فيها؟ وما هي نسبة اسهمكم قياساً برأسمال كل شركة؟
8 - ما هي اسماء وجنسيات الشركات المساهمة في شركتكم او فروعها؟ وما هي نسبة الاسهم بالقياس الى الرأسمال العام للشركة؟
اللائحة السوداء
تضمنت المقاطعة العربية لاسرائيل، على رغم شمولها ميادين التبادل التجاري والصناعي والزراعي والثقافي... مع اسرائيل، لائحة تشمل مواد ومنتجات خاصة اعتبرها العرب عناصر مساهمة في المجهود الحربي الاسرائيلي والمواد هي:
1 - الاسلحة والذخائر الحربية وقطع الغيار العائدة لها والمتفجرات من كل الانواع.
2 - المعادن الخام ونصف المصنعة او القابلة للتصنيع.
3 - الوقود من كل الانواع: النفط ومشتقاته، الفحم الخشبي والزيت... الخ.
4 - المنتجات الكيماوية.
5 - القطن، الحرير الطبيعي، الكتّان، الصوف الخام او المصنّع.
6 - المطاط الطبيعي، الاطارات المطاطية الكبيرة الحجم.
7 - الخشب بكل انواعه.
8 - الحجارة الصناعية.
9 - البواخر عموماًَ.
10 - المواد العازلة.
11 - أدوات المختبرات الكيماوية.
12 - معامل توليد الكهرباء، البطاريات.
13 - الانابيب والمضخات المستخدمة في التمديدات المائية والنفطية.
14 - الجرارات الزراعية والجرافات والرافعات وقطع الغيار التابعة لها.
15 - القاطرات وكل متفرعاتها.
16 - التجهيزات العسكرية: مطابخ وملابس وخيم وأغطية.
17 - الطائرات وقطع غيارها.
18 - المواد الالكترونية والاتصالات والحاسبات على انواعها وأجهزة البث والالتقاط الطبوغرافية.
19 - المركبات العسكرية.
20 - قطع العملة وسبائك الذهب والفضة والأوراق المصرفية وكل ما يلزم لتصنيعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.