خلال الاسابيع الاخيرة، قام أكثر من اتحاد كتاب في العالم العربي بعقد مؤتمره الدوري. وتمخض أغلب هذه المؤتمرات عن انتخاب أمناء عامين، وتشكيل هيئات ادارية جديدة، فكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك الى استعادة مجموعة من التساؤلات والسجالات المطروحة منذ زمن على الساحة الثقافية. تناولنا بعض عناصر النقاش الدائر فوق هذه الصفحات، من خلال مقالة بعنوان "الشرعية المفقودة" راجع العدد 101 أثارت ردود فعل متباينة. وننشر هنا رأي كاتب وناقد مغربي معروف، هو عضو في المكتب التنفيذي الجديد ل "اتحاد كتاب المغرب"، ومن المساهمين في القسم الثقافي لمجلة "الوسط". كانت العادة كلما اقترب موعد انعقاد مؤتمر من مؤتمرات "اتحاد كتاب المغرب"، أن يشرع بعض المهتمين في التعبير عن آرائهم وانتقاداتهم حيال التجربة الماضية، بدرجات متفاوتة من النزاهة والمصداقية والعمق. وغالباً ما كان يتركز ذلك النقد حول مظهرين أساسيين يتميز بهما الاتحاد: طبيعة استقلاليته الفعلية عن السلطة وحدودها، واستقلاليته أيضاً عن الأحزاب المعارضة من جهة... ومستوى العمل الديموقراطي الذي يتحكم في دينامية الاجهزة وممارسات الأعضاء، وفي علاقتهم بالكتاب المغاربة من جهة أخرى. ولهذا كان المؤتمر يتحول، كل مرة، حلبة صراع تتواجه فوقها الآراء والمواقف. وكانت غلبة هذا الاتجاه أو ذاك تنعكس، في نهاية المطاف، على موازين القوى، بصورة رمزية أو حقيقية، باجراء تسوية ممكنة تتجسد غالباً في انتخابات المكتب المركزي، وتجد لها بعض الصدى أحياناً في المقررات النهائية التي تتوج أعمال المؤتمر. أما عشية انعقاد المؤتمر الاخير، وهو الثاني عشر في عمر الاتحاد تشرين الثاني/ نوفمبر 1993، فلوحظ عزوف شبه جماعي عن الخوض في كل ما يتصل بالاعداد لهذا الموعد المهم، بخلفياته وأبعاده. هذا الامساك الواضح عن النقد، رأى فيه البعض تجاوباً، على نحو ما، مع الانجازات الاخيرة لهذه الهيئة، ومع طبيعة الجهود التي بذلها المكتب المركزي المنبثق عن المؤتمر الحادي عشر في تسيير أعمال الاتحاد، وخاصة في مجالي النشر والتنشيط الثقافي... ولكن سرعان ما تبين أن ذاك الهدوء كان، في الحقيقة، بمثابة ترقب صامت في انتظار موعد اختتام المؤتمر، ومضمون النتائج التي ستترتب عنه. بدليل أن ردود الفعل على نتائج المؤتمر لم تتوقف حتى الآن في بعض الصحف والدوريات، وفوق بعض المنابر الثقافية، متجاوزة كل الصيغ المعهودة في هذا النوع من الحوار. ومن الطبيعي أن نرى في مثل هذا الزخم وتلك الحماسة النقدية عناية واهتماماً من قبل الكتّاب بجمعيتهم الخاصة، واصراراً من جانب البعض على مواصلة الاتحاد للدور الذي تميز به حتى الآن على الساحة الثقافية المغربية. لكن ذلك لا ينبغي أن يدفعنا الى التقليل من أهمية ظاهرة جديدة ملفتة فرضت نفسها، وهي أن النقد - بصرف النظر عن منطلقاته ودوافعه - إتخذ هذه المرة طابعاً شمولياً، متجاوزاً الى حد بعيد ما درج من قبل على كشفه واستجلائه. وفي هذا الاطار يمكن أن نسجل بوضوح أن الدور الذي يضطلع به الاتحاد، أصبح هو نفسه موضع تساؤل ونقد. هذا ما عبرت عنه بطريقة مباشرة مقالات ومداخلات عديدة. ف "اتحاد كتاب المغرب" - كما لا يخفى على أحد - مثل منذ بداية الستينات اطاراً "جمعوياً" توحدت في اطاره مختلف تيارات الحياة الثقافية في البلاد. كما أنه أعتبر باستمرار "آداة بيد المعارضة"، يحقق لها الشخصية الثقافية الرمزية المبتغاة. وعلى الرغم من المحاولات التي بذلت في السابق لتحجيم هذه الخصوصية والضغط على هذا الاختيار، بما في ذلك التلويح ببناء اتحاد آخر يقضي على الهيمنة، فالاغلبية العددية التي يمثلها المثقفون المعارضون ضمنت له، في شروط صريحة نسبياً، مواصلة مسيرته بحرية بناء على الاختيارات المعهودة. ولذا كان السؤال المطروح، بعد المؤتمر الاخير، هو: هل يملك الاتحاد استراتيجية ثقافية جديدة، بوسعه اقتراحها على أعضائه، وعلى كتاب المغرب عامة، للتحرك في المجال الثقافي، على ضوء المتغيرات التي فرضت نفسها على أكثر من صعيد؟ والواقع أن الانتقادات الاخرى جاءت امتداداً لهذا السؤال: من انتخاب الشاعر محمد الأشعري للمرة الثالثة في سدة الرئاسة الى غياب الحوار الديموقراطي، مروراً بمحدودية الأشعاع الثقافي والهيمنة السياسية لقوى المعارضة، وغير ذلك. فكل هذه المآخذ، بدت تنويعاً على الهاجس نفسه، وبحثاً - بصيغ متباينة - عن العنصر الناقص في المعادلة. إحتفل الاتحاد منذ فترة بمضي ثلاثة عقود على وجوده، تتالت خلالها على المكتب المركزي أجيال من الكتاب. ولكنه، على الرغم من ذلك، لم يحقق لنفسه طوال هذه المدة أية بنية قانونية أو هيكلية يستند اليهما، ومن هنا مطالبته المتكررة بالحصول على امتياز "جمعية ذات نفع عام". ولكن كيف يمكن للاتحاد ان يزاوج بين دوره الثقافي المعارض، وهو دور ثقافي وسياسي في آن، وتحوله الى مؤسسة قائمة بذاتها تنتج معرفة ثقافية، وتقيم علاقة موضوعية مع الكتاب الأعضاء؟ من الطبيعي إذاً، أن يكون الجواب عن هذا السؤال، بالسلب أو بالايجاب، هو العنصر الحاسم الذي سيتحدد على أساسه مصير الاتحاد، خلال السنتين المقبلتين اللتين تفصلانه عن موعد المؤتمر المقبل.