تتطرق الحلقة الثالثة من ندوة المستقبل الى ظاهرة الانسحاب من الاحزاب وعدم فرز قيادات جديدة، الامر الذي يؤدي الى الاحتكار السياسي. "الوسط": هل يمكن ربط هشاشة الوضع الحزبي العام في مصر، كما يتبين من الندوة حتى الآن، بسيادة لون من ألوان الثقافة السياسية غير الديموقراطية؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف نفسر تقدم الممارسة الحزبية في بلاد أخرى من جنوب العالم يسود فيها لون غير ديموقراطي أيضا من الثقافة السياسية؟ - عبدالمنعم سعيد: الملاحظ أن الحديث في الندوة متصل، وفيه درجة من التكامل، وقد بدأ من النقطة الأولى التي أثارها د. عمرو حول وضع الأحزاب في العالم الآن. وأنا في الحقيقة أتفق مع ما قيل من أن الأحزاب لا تضعف. على العكس أنا أرى أن الأحزاب تقوى، وستقوى مستقبليا. ولكن نحن نشاهد في العالم، الذي يعرف درجة أعلى من الديموقراطية، تغيراً في وظائف الأحزاب وفي طبيعة تركيبتها، أو مفارقة للوضع التقليدي الذي تعودنا عليه. كما لا أتفق مع القول بأن الترويج لهذه الفكرة يستهدف إضعاف الأحزاب. فهي فكرة موضوعية يجب ان نناقشها. وعندما نقول إنه حدث تغير في دور الحزب في العالم، فليس مقصودا بها غرضا خبيثا. هناك شيء حقيقي يحدث، وينبغي التعلم منه، وهو أن الأحزاب تكونت لحماية وتجميع مصالح اقتصادية وسياسية وإيديولوجية، هذه المصالح تغيرت بحكم أن الطبقات التي ارتبطت بها تغيرت طبيعتها. وضع الطبقة العاملة في البلاد المتقدمة الآن تغير، وجود وسائل الإعلام غيّر في طريقة مخاطبة الجماهير. وعلى كل حزب الآن أن تكون له مراكز أبحاث وتفكير وإعادة تحليل إحصاءات ليعبر عن مناطق جغرافية ومصالح اقتصادية، كما زاد دور التكنوقراط في الحياة الإنتاجية بشكل عاممما جعل المشاركة وحتى عملية التنشئة وتدريب الأفراد تتغير، فلم يعد أي خطيب قادر على إلهاب حماس الجماهير. وأصبح على السياسي أن يتعلم كيف يقدم الإحصاءات أو معلومة معينة في 30 ثانية، وهو ما يفتقده السياسيون في مصر، حيث يحتاج الواحد منهم إلى نصف ساعة قبل أن يدخل في جوهر الموضوع. والجمهور نفسه أصبح يتلقى الرسالة السياسية بشكل مختلف. فالمسألة إذن معقدة جداً وتحتاج عملية تجميع مصالح في ظل التفتت. الدكتور رفعت السعيد أشار إلى مسألة الهروب الفردي، وهذا حاصل في العالم كله. وبالتالي عملية تجميع مصالح الافراد اصبحت اصعب من تجميع مصالح جماعات. الآن عليك أن تتعامل مع أفراد، وبالتالي مع الأحياء السكنية، وهي تختلف خارج المدينة عنها داخل المدينة، وتؤلف من هذا كله كمية مصالح للفوز في الانتخابات. فالهروب الفردي موجود في العالم كله، ومرتبط بالتطور التكنولوجي وثورة الاتصالات. والأحزاب تتكيف مع هذا عالميا، لكن كل دول العالم لم تشهد هذا التطور، لأن علاقة المجتمعات المختلفة بهذا التطور العالمي ليست متساوية وليست عند اللحظة الزمنية نفسها. وبالتالي ففي تصوري ينبغي أن نقيس حالة مصر على مدى التعامل مع هذا. هناك جانب من هذا التطور موجود عندنا بالفعل، مثل دخول محطات تلفزيون خاصة تبث برامجها، كما أن عندنا مستويات للتكنولوجيا متعددة، فالشاب الذي درس الكومبيوتر يجد فرص عمل أفضل. عندنا ملامح من التطور العالمي لكنها لم تتعمق وتتجذر في المجتمع. وبالتالي الأحزاب عندنا لا زالت على الطابع القديم نفسه، أي أحزاب سياسية بشكل أساسي مع خصوصية مصرية تظهر عند إجراء تحليل معرفي حقيقي لكل الأحزاب المصرية، فهي من ناحية المصالح تعبير عن الطبقة الوسطى المصرية وبقيادة "الأفندية" مع بعض التنويعات. والطبقة الوسط فيها شرائح عليا وشرائح دنيا. لكن جوهر الأحزاب المصرية هو الطبقة الوسطى بتعبيراتها السياسية والفكرية المختلفة، فكل حزب فيه جزء ليبرالي وجزء قومي وجزء إسلامي، أو إسلامي على عروبي. ولذلك أقول إن هذه الأحزاب تكونت بقيادة طبقة الأفندية بشكل عام للتعبير عن الطبقة الوسطى التي نسميها طبقة المتعلمين والمهنيين. وبدأ رجال الأعمال يظهرون ويؤثرون. لكن لا تجد بينهم قائد حزب مثلاً. الوطنية انفصالية وفي هذا الإطار توجد قواسم مشتركة بين الأحزاب لكن ربما يكون العنصر الغائب عن معظم التحليل هو العنصر الخارجي، أي التعبير عن الوطنية المصرية. وهذا عنصر تاريخي ما زال يعوق فكرة التعددية. وأرجو ألا يساء فهم كلامي على أنني ضد الوطنية. فما أريد قوله هو أن الفكرة الوطنية بشكلها العميق الذي بزغ من مراكز الصراع مع الاستعمار تؤدي إلى نزعة ذات طبيعة مركزية بالضرورة. وهي نزعة انفصالية عن العالم، أو انقطاعية عن العالم على المستوى الفكري والتكنولوجي، وفي حالة خوف من العالم الخارجي. وهي موجودة في الطبقة الوسطى بغض النظر عن الأحزاب. ويتم التعبير عنها من خلال الخوف من العالم الخارجي والشك فيه. وحتى الوفد الذي هو حزب ليبرالي وعلماني يهجو أحياناً النظام العالمي الجديد والغرب. فالفكرة الوطنية هنا ذات تعبيرات مختلفة قومية واشتراكية وليبرالية، لكن المهم هو أن فيها جزءا مركزيا، وكذلك خوف تاريخي من تفتت الأمة. وهذا جزء من تراث الثقافة السياسية المصرية. ونجد في كلام الاستاذ عادل حسين، وهو صديق عزيز ومن أكثر الأصدقاء الذين اختلف معهم، معاني لا تنسجم مع التعددية. فهو يقول تحالف القوى الوطنية، بما يعني ضمنيا أن الآخرين ليسوا وطنيين. فهناك صفة معينة لمن هو وطني، أو لمن هو إيماني، ومن ثم تحدث التفرقة بين الإيمانيين وغير الإيمانيين، عملية فرز موجودة. كما يقال إن التعددية تناسب مجتمعاً معيناً في ظرف تاريخي معين، ومن ثم مرتبطة بزمان ومكان محددين وليست موقفا ثابتا. وبالتالي لا يوجد تناقض إطلاقا عند عادل حسين عندما يؤيد ما يحدث في السودان أو في العراق أو في ليبيا أو في إيران، لأن الفكرة القومية أو الوطنية هي الأساس عنده. وبالتالي صمود إيران وصمود العراق وصمود السودان وصمود ليبيا، مجرد الصمود هو المهم، مهما كان تدهور النظام الاقتصادي، والمخالفة لحقوق الإنسان. فهذا ليس مهما عنده، لأن القيمة العليا هي المقاومة، وليست التعددية، ولا الحريات العامة. وأريد بالمناسبة هنا أن أقدم مثالا وهو أنه في بعض الدول في العالم الثالث التي تبدو ديموقراطية مثل الهند، فإن الكثيرين من علماء السياسة لا يعتبرون الهند مجتمعاً ديموقراطياً لأن حزب المؤتمر قام على فكرة الوطنية، أي فكرة قومية تجمعية للهند ككل، تتوارثها عائلة نهرو، ومعنى ذلك أن حزب المؤتمر قام على فكرة مركزية، وبالتالي هناك شكوك قوية حول مدى ديموقراطية الهند لأنها لا تمثل تعدداً في المصالح، ولأنها تقوم على فكرة سياسية قائمة على القومية. وينطبق هذا على حزب الوفد المصري أيضا، لأنه قام في بدايته على تجميع الأمة وليس على التعددية. وأنا أتفق مع د. رفعت في أنه لا ديموقراطية من دون تداول للسلطة. لكن يجب أيضا أن نعترف بأن الفكرة الديموقراطية فيها رحاب أوسع، الى جانب تداول السلطة. ويقودنا هذا إلى تقييم مأزق الأحزاب المصرية، والسؤال هنا: هل توجد مساحة يمكن التحرك فيها أم لا؟ أنا أعتقد بأن هناك مساحة ما تكونت من خلال القضاء، فهل نستطيع تجاهل قدرة القضاء على إلغاء مجلسين للشعب؟ في أيام عبدالناصر كان القضاء هو نفسه الذي يتعرض للالغاء، الآن بدأ القضاء يقوم بدور أساسي ويعطي المشروعية لأحزاب تلجأ إليه بعد رفض تأسيسها. وهناك أيضا تقدم في حرية الصحافة لكنني أعتقد بأن الأحزاب في صورتها الحالية لم تقم بدورها كاملا في عملية تجميع المصالح، ولم تستثمر المساحة المتاحة من حرية الحركة. وسأعطي مثالا من التجربة الوحيدة التي احتككت فيها بموضوع الانتخابات احتكاكا مباشرا، في الانتخابات النيابية لعام 1990. فقد جاءني أحد المرشحين يطلب مشورتي كخبير في السياسة حول أسلوب الحملة الانتخابية، فكان أول ما فكرت فيه هو سجل التصويت في دائرته الانتخابية خلال الانتخابات الثلاث السابقة. ففوجئنا بأن من يشاركون في التصويت يتراوح عددهم بين 1700 و2500، أي في حدود ما بين 5 في المئة و10 في المئة من مجموع المقيدين، ولذلك كانت نصيحتي الأولى له هي العمل على إحضار ألفي ناخب آخرين من هؤلاء المقيدين ليصوتوا، ما دام الذين شاركوا في الانتخابات السابقة يصوتون في اتجاه معين. وأعتقد بأن هذا ينطبق على الكثير من الدوائر الحضرية في المدن، حيث أن كل ما تحتاجه أحزاب المعارضة هو تعبئة ألفي صوت جديد، وليس هذا تحدياً كبيراً ولا يحتاج إلى تلفزيون، فقط يحتاج الى جهد سياسي لفهم طبيعة الدائرة. أما الحزب الوطني فلم يخض معركة نضالية تبلوره كحزب، ولذلك أتحدث عمن يطلق عليهم المستضعفون الذين يخوضون معركة ديموقراطية ومع ذلك يفقدون عملية تداول السلطة داخل الأحزاب. وأقول ذلك ليس من منظور المصداقية وعدم المصداقية، وإنما من منظور عملية التجديد، لأن ما يحدث يهدد النظام الحزبي. فالاجيال الجديدة لا تستوعب في القنوات السياسية الموجودة بالفعل والشرعية وإنما عليها أن تعمل خارجها، فأنا مثلا ليبرالي وقريب من حزب الوفد، لكن لا أستطيع الانضمام إليه لسبب بسيط، وهو أن لديه ثأرا مع ثورة تموز يوليو وأنا لا أرى مبررا لهذا الثأر. ديموقراطية اصحاب النفوذ "الوسط": طُرحت حتى الآن في هذه الندوة أفكار كثيرة، والقاسم بينها في الواقع هو الحديث عن القيود التي تعوق الاسهام الإيجابي للأحزاب في بناء حياة حزبية سليمة في مصر. لكن هل هذه القيود مبرر كاف للحديث عن الانفجارات التي تحدث في الأحزاب المصرية من الداخل؟ وهل هي مبرر كاف للحديث عن التراجع الحاد في عضوية كثير من الأحزاب المصرية؟ وهل هي مبرر كاف لقيام بعض الأحزاب بتأجير صحفها لكل من يدفع؟ - صلاح عبدالمتعال: سعدت بالكلام المتتابع الذي يكمل بعضه بعضا، وهو نموذج لحوار على مستوى راق جدا، وقد تكون فرصة أن نفكر بصوت عال. وعلى رغم وجود تيارات مختلفة يمكن الاتفاق على حد أدنى مشترك، وأبدأ هنا بالإشارة إلى خصوبة التجربة الديموقراطية المصرية التي أسميها منقوصة قبل سنة 1952، حيث كان يشاع دائما أن المال كان يلعب دورا في عملية الانتخابات، وكان هناك تزوير أيضا، وكان أصحاب النفوذ يستطيعون الهيمنة على الدوائر. ومع ذلك أتاحت تلك التجربة فرز تيارات سياسية تُوجت بثورة أو بحركة 1952. وهنا أقول إنه إذا كانت التجربة الديموقراطية منقوصة في مصر، فلا توجد ديموقراطية كاملة في العالم، هناك نسبية في هذا الموضوع، وحتى في الولاياتالمتحدة الأميركية نجد المصالح المترابطة بين القوة العسكرية وأصحاب المال وأصحاب النفوذ، وحتى على مستوى القرابة، أو مستوى العائلات، ففي بعض الولايات وبعض المدن هناك عائلة معينة واحدة، أو أربعة أخوة يهيمنون على كل مقدرات هذه المدينة، بحيث لا يستطيع إنسان أن يقترب من بنك أو يلحق ابنه بالمدرسة إلا إذا وافقت هذه الأسرة. وإذا نظرنا للوضع في مصر، سنجد أنه بعد 1952 حدثت فعلا محاولات للتحرر من الاحتكار الاقتصادي. لكن حدث سقوط في بئر الاحتكار السياسي. وأخطر ما نعاني منه الآن هو حرمان المواطن من المشاركة السياسية، بعد أن كان يشارك قبل 1952، فقد كان هناك مناخ نسبي فيه نوع من الحرية أدت إلى فوز الوفد مرات عدة. كما توافرت حرية الصحافة والتعبير. لكن انتهى ذلك المناخ عندما حدث الاحتكار السياسي. والسؤال الآن هو: هل تفككت أوصال هذا الاحتكار؟ رأيي أنه حدث نوع من الدهاء السياسي لاستمرار نموذج الاحتكار والشمول، على رغم وجود قدر من المساحة التعددية، لكن هناك تزوير في الانتخابات، والأخطر من هذا أن القهر السياسي الذي كان موجودا في فترة سابقة جرى تقنينه بدءاً من السادات الذي وضعه في إطار القانون، بحيث يستطيع أن يفعل كل شيء وأن تكون الديموقراطية لها أنياب، حتى صل الأمر إلى الحفاظ على مجال القهر والتسلط والقسوة خلال عمليات الاعتقالات. وربما الفارق هو أن عبدالناصر كان يعتقل بالجملة، والآن بالتقسيط المريح، وهذا الوضع لا يمكن أن يؤدي إلى مناخ سليم بالنسبة الى موضوع التعددية. نعم هناك تعددية ومساحة أكبر للاختلاف. ولكن كيف يمكن أن نصل إلى نتيجة بالديموقرطية المنقوصة؟ أعتقد بأن النتيجة تكون سلبية. فنحن نجد أن الاحتكار السياسي مستمر وأنه الوسيلة المستحبة للسلطة الدائمة، ليس فقط على مستوى رئيس دولة أو رئيس حزب، وإنما يبدو أن الوزراء أيضا مستمرون مدى الحياة، فبعضهم مستمر لمدة 18 أو 20 سنة، فمهما كانت عبقرية الوزير ومهما كان إبداعه لا يمكن تصور ذلك، لأنه لا بد أن يكون هناك نوع من التجديد في هذا الزمن. نقطة أخرى أثارها الدكتور عبدالمنعم في ما يتعلق بأهمية ربط هذا الموضوع بالمتغيرات الدولية، وحيث أن النظام العالمي القديم كان يقوم على ثنائية قطبية، وأصبح الآن أحادي القطبية، فهو يؤثر في الديموقراطيات في كل البلاد. فكما نرى على الساحة أن الولاياتالمتحدة الأميركية ترفع لواء الديموقراطية وتريد أن تحارب من أجل الديموقراطية إلا عندما تصطدم مع مصالحها، حيث أنها تبارك القهر والتسلط أيضا عندما ينسجم مع مصالحها. ونجد هذا على مستوى العالم العربي في تجربة الجزائر. ففي المرحلة الأولى للانتخابات، عندما ظهر فوز جبهة الانقاذ، حدث التدخل السريع، لكن بأيد جزائرية لإجهاض هذه التجربة. وبالنسبة الى حالة مصر، واضح أن المعارضة، تمثل حساسية أو "ارتيكاريا" غير عادية، بدرجات مختلفة. فمعارضة الوفد الآن ليست مثل معارضة حزب العمل أو معارضة التجمع، فبالنسبة الى بعض الأحزاب قد تصل حساسية الحكم تجاهها إلى حد اتهامها بالخروج عن الخط العام إلى درجة العمالة والخيانة، وكانت تجربة مؤتمر السكان نموذجاً لهذا، فقد حدث خلط للأوراق بين نقد بعض قوى المعارضة لوثيقة المؤتمر وبين انعقاده في مصر. وأصبحت أية معارضة لوثيقة المؤتمر ينظر إليها على أنها تهدف الى افشاله. والقضية الثانية تتعلق بالخصوصية المصرية، فكيف يمكن أن اتخلص من سيكولوجية مركزية السلطة التي استقرت آلافا من السنين؟ هذا نوع من المرض ولا يوجد فقط في الأجهزة الحاكمة، بل أيضا في العمل الحزبي، فكرة مركزية السلطة والحرس القديم تلعب دورها دائماً في هذا المجال. ويكمل هذا الموضوع أن الشعب المصري بمختلف فئاته، وخصوصاً الفئات والقواعد الشعبية لديها مفهوم معين لفكرة الشرعية، بحيث أن من يحوز السلطة يصبح شرعيا بغض النظر عن أي اعتبارات. ويرتبط هذا ويتحد بمفهوم الخوف عند المواطن البسيط، فيؤدي إلى نوع من التراجع والسلبية، والعزوف عن المشاركة. فالمعوقات القائمة تدفع الناس الى اليأس سريعا، ومن أهم هذه المعوقات القيود على إنشاء الأحزاب، وغياب ضمانات نزاهة الانتخابات سواء كانت فردية أو بالقائمة، ويؤدي هذا إلى أن الكثيرين يفقدون الثقة في جدوى التصويت الانتخابي، ولا يشاركون. "الوسط": ألم يكن هذا كله واضحا في أذهان القائمين على حزب العمل الاشتراكي حين دخلوا في اتفاق تاريخي مع سلطة لها هذه الصفات نفسها التي ذكرتها الآن من أجل الحصول على "كوتا" تمثلت في 30 مقعدا في انتخابات مجلس الشعب عام 1979 في بداية المرحلة التعددية؟ - صلاح عبدالمتعال: في أيام السادات؟ "الوسط": نعم، اتفاق مع سلطة لها هذه السمات التي ذكرتها الآن من باب الهجاء، فلماذا لم يكن اتصافها بهذه السمات عائقا دون دخول حزب العمل معها في اتفاق من هذا النوع؟ - صلاح عبدالمتعال: الحقيقة أنني لم أكن عضوا في حزب العمل وقتها، وأحيل هذه النقطة إلى الاستاذ عادل حسين. وأعود إلى القيود المفروضة على الأحزاب. وأضيف الى ما قاله الدكتور رفعت في ما يتعلق بالاتصال الجماهيري، والقبض على من يوزع تهنئة بالعيد في منشور، أن أخطر ما في الموضوع أيضا أن الموارد المالية للأحزاب مقيدة بشدة، فقانون الأحزاب يمنع قيام الأحزاب بأي عمل تجاري، ويقصر التمويل على اشتراكات الأعضاء وتبرعاتهم، بينما يمنع أي مؤسسة ولو كانت مصرية من التبرع، ويضع حداً أقصى للتبرع لا يتجاوز 500 جنيه، وإذا زاد على ذلك ينشر في صحيفة يومية واحدة على الأقل. والحقيقة أن مثل هذه القيود تدفع الإنسان الى ان ييأس ويترك الساحة. لكن في اعتقادي أن هناك وسيلة يمكن التحايل بها على القيود والمعوقات الحزبية، وهي التعددية الاجتماعية، أي القيام بأنشطة مختلفة لها طابع خيري أو اجتماعي أو نقابي أو صحي أو تعليمي إلى غير ذلك، ولكن مع الأسف يصطدم هذا أيضا مع القانون 32 لعام 1964 المسلط على رقاب الجمعيات الأهلية والذي يقيد التعددية الاجتماعية. "الوسط": ما الذي ينبغي على الأحزاب أن تقوم به للخروج من مأزقها الراهن، وهل بامكانها تحديث بنياتها وبأي الطرق، وهل تستطيع الأحزاب المصرية التفاهم عن قواعد وأسس للعملية السياسية تلتزمها وتمتنع عن القيام بما يخالفها أو ينتهكها بحيث تكون بداية لنظام حزبي متماسك؟ - مصطفى الفقي: الواضح أن حديثي عن الدور الراهن للأحزاب فُهم خطأ، كما لو كنت أنا صاحب مقولة أن الأحزاب السياسية بالضرورة ستتوارى ويضعف دورها، إلى الحد الذي وصل بالدكتور رفعت السعيد الى ان يعتبر الترويج لهذه المقولة محاولة لاستمرار صاحب السلطة في مواجهة الجماهير. بالعكس أنا في حديثي لو تذكرون، وعندي حتى كلمات مكتوبة، لم أتكلم عن زوال الأحزاب، ولكن عن ضرورة تطويرها، وقلت، وبشيء من الأسى، إن جماعات الضغط وقوى خفية تتجه للسيطرة على المسرح السياسي وبالتالي تنتقص من دور الأحزاب، وقلت وبوضوح إن هذا مرتبط بالإعلام الدولي ووسائل الاتصال. وهذا يجعلني أقول الآن وبوضح أكثر إن الخطاب السياسي للحزب مفهومه تغير، حيث انتهى عصر الخطاب الفصيح، والبيان المتوقف على شخصية الزعيم أو "الكاريزما"، فقد أصبح نشاط الأحزاب، أو هكذا افترض، يقوم على اسس علمية محسوبة حيث يحتاج صاحب القيادة في الحزب إلى مجموعة من المستشارين والمتخصصين، أو من يسمونهم في الإعلام الغربي "صانعي صورة الحزب"، أي الذين يقدمونه بالطريقة الأفضل في المناسبة الأفضل، من خلال خطاب مركز، ورسالة محددة، وأظن جورج بوش كان نموذجا لهذا في بعض الفترات، ونيكسون أيضا كانت عنده براعة في هذا إلى حد كبير جدا. فأنا لم أقل إذن إن الأحزاب ستختفي، على العكس أقول إن الأحزاب تواجه مرحلة مختلفة في العقد الأخير تدعوها وتدعونا إلى أن نفكر بشكل مختلف في طبيعة عملها. وهنا لا ينبغي لأحد أن يعتقد بأن رأيه هو الصواب المطلق أو يملك الحقيقة الكاملة. وأريد أن أقول ردا على الدكتور وحيد، وهو عزيز عليّ لأسباب تاريخية مرتبطة بعلاقتنا الأكاديمية، إننا انتقلنا من مرحلة حشد الجماهير إلى مرحلة أخرى في العالم كله، وليس عندنا فقط. وأعطيك كمثال نموذج التجربة النازية من 1933 إلى 1939، وكيف حققت التعبئة المرتبطة بإحياء بعض النعرات الذاتية لدى الجنس الآري والتفوق الألماني. وأزيد على هذا أنني رأيت في العراق قبل أزمة الخليج تجربة لبناء دولة في غاية القوة، دولة غير مسبوقة في المنطقة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية، لكن صدام حسين أضاع كل ذلك برؤية خاسرة وبعجز عن التفكير في البدائل. إذن حتى في ظل الديكتاتوريات أمكن القيام بعملية تعبئة أدت إلى تقدم ضخم جدا في بعض التجارب في غياب الديموقراطية. وهناك نقطة ثانية عن الانتقال بين الأحزاب، وهو ما استهجنه د. رفعت. ورأيي أن هذا أمر مشروع جدا، فحينما تتطور الأفكار من الطبيعي أن تتطور المواقف، ولقد عشت في بريطانيا، وهي قلعة ديموقراطية، ورأيت انتقال سياسيين كبار من الأحرار الى العمال ومن العمال الى المحافظين، وخذوا مثلا نموذج عادل حسين سياسيا، حيث أن له دورة فكرية تستحق التأمل في الستينات والسبعينات والثمانينات، لكنني أرى أنها دورة مسبوقة، فانتقال كاتب أو مفكر أمر طبيعي، بغض النظر عن تقييمي له أو رأيي فيه، إنما من الطبيعي من الناحية المنهجية النظرية أن ينتقل. لكن ما يستحق الاستهجان هو تغيير الحزب لإطاره الفكري الذي بدأ به، وهذا يجرنا الى موضوع التحالفات، يعني أنا لا أتصور أن الوفد، كحزب الليبرالية والوحدة الوطنية وما يمكن تسميته بالعلمانية، يرتبط بتيار ديني له وجهات نظر أخرى مختلفة تماماً وجذريا. فهذا ليس انتقال فرد وإنما تحول حزبي، حيث أصبح شيئاً مختلفاً تماماً. بريق الشخصيات التاريخية واخيرا أجيب عن السؤال في شكل محدد في ثانية واحدة، وهو الخروج من المأزق الراهن للأحزاب. الحزب يعني بالنسبة إليّ أموراً عدة: فهناك الأفراد، لأنه جماعة تسعى، وفقا لبرنامج، الى للوصول الى السلطة، والنخبة محتاجة لتغيير والبرنامج يحتاج لتغيير، وآليات الوصول للسلطة تحتاج لتغيير، فبالنسبة الى النخبة لا بد من فرز جديد للقيادات، وأتذكر أنني حضرت مؤتمر حزب المحافظين في منتصف السبعينات ورأيت كيف يتم التقاط القيادات بشكل يسترعي الانتباه، أين نحن من هذا؟ لقد التقطت ثاتشر من الصفوف الخلفية، وبدا أنها هي فرس الرهان المتقدم مع آخرين على الساحة، كما رأيت كيف تنزوي بعض القيادات، وكيف تتقدم قيادات اخرى، ليست لدينا عملية صحية طبيعية تسمح بهذا. وليس عندي مانع من استمرار قيادة معينة إذا كانت قادرة على الاستمرار، لكن المشكلة هي أن لدينا عجزاً حقيقياً داخل الأحزاب عن إفراز وتقديم قيادات بشكل متواتر ومنتظم. ولذلك قضية القيادة التاريخية تطرح بشكل مضلل، لأنها تقود الى نوع من إعدام التطور في ميكانيزم الحزب نفسه، ومؤداها وقوف الحزب وراء بريق الشخصية التاريخية ليصبح فجأة عاجزاً، وهناك تراث لذلك منذ النزاع على قيادة الوفد بعد رحيل سعد زغلول حيث كان هناك من يريد فتح الله بركات بدلا من النحاس، ودور صفية زغلول، وصولا الى ما بعد وفاة عبدالناصر وتقديم أنور السادات كشخصية مرحلية رؤي ألا يطول بقاؤها إلى شهور فبقيت وتسيدت. وهذا يعكس غياب ميكانيزم حقيقي، يقدم لك القيادات، فمسألة الأفراد هي أول عنصر إذا أردنا أن نخرج من المأزق الراهن للأحزاب، وترتبط بذلك التربية السياسية والكوادر المختلفة التي تسمح بالتقدم والتقهقر على أسس موضوعية. والقضية الثانية هي قضية البرامج. وبرامج الأحزاب المصرية الآن كلها متداخلة وفيها درجة من درجات التشابه. وهذا يعني ضعف الخصوصية، بينما الأصل هو أن تجد قدرا من الخصوصية يسمح لك بأن تكون حزبا سياسيا، يجب أن تعود حتى إلى بعض مظاهر الجذور وتتكلم فيها، فمثلاً موقف الوفد من قضية العروبة موقف مبهم للغاية، ويكتفي ببعض الأحداث التاريخية مثل القول بأنهم شاركوا في تأسيس جامعة الدول العربية. ظلال الفكر النازي - محمود أباظة: الوفد أسس الجامعة بالفعل. - مصطفى الفقي: يمكن الحديث هنا عن دور الإنكليز في تأسيسها. المهم أن في التاريخ ما يبرر لكل واحد أن يقول ما يريده، مثل مدرسة الشرح على المتون. لكن السؤال هو: أين موقف الوفد المحدد؟ فالواضح أن الوفد له قضية أساسية، وهي أنه بشجبه لفترة عبد الناصر وإسقاطها من التاريخ تماما بكل ما لها وما عليها، وقع في مطب علاقات حساسة غير مفهومة بالمنطقة العربية. ووقع أيضا في بعض المواقف الأخرى غير المحسومة من الصراع العربي - الإسرائيلي. فالموقف من مرحلة ما معها أو ضدها، يجب ألا يبعدك عن موقف موضوعي انتقالي لاختيار الإيجابيات التي تراها والابتعاد عما تنتقده. والنقطة الثالثة هي آليات الوصول إلى السلطة، وسأذكركم - كما قال د. رفعت السعيد - بنموذجين للأحزاب السياسية في الفترة من 1919 - 1952. فكانت هناك أحزاب لها وضع مختلف مثل "الإخوان المسلمين" و"الشيوعيين" و"مصر الفتاة"، وهي أحزاب الخارجين عن المألوف في وقتها، أولئك الذين كانوا يرفضون كل ما هو قائم، لا يريدون الوفد ولا أحزاب الأقلية التي خرجت منه، فكان أمامهم أحد هذه البدائل: الحركة اليسارية، والتيار الديني "الإخوان المسلمين"، أو "مصر الفتاة" التي كان فيها - مع الاعتذار للأخ عادل - بعض ظلال الفكر النازي في مرحلة معينة في بدايتها، يعني كتاب "إيماني" لأحمد حسين كان على نسق "كفاحي" لهتلر. فقد كان هناك إتجاه في المنطقة كلها للتأثر بالحركة الألمانية، مثل "الكتائب" والشيخ بيار الجميل في لبنان. أحمد حسين كانت عنده بعض الأحاسيس من هذا النوع إلى حد ما. وكانت هذه الاحاسيس تلقى رواجا ضخما لدى الشباب في ذلك الوقت. كما أن آليات الوصول الى السلطة اختلفت لدى تلك القوى. فهي لم تكن أحزابا ترى أنها ستصل إلى السلطة أو تتداولها، وإنما كانت أحزابا تمثل إلى حد كبير ضمير العصر والمستقبل من منظورهم، فكانوا مختلفين عن الوفد وعن السعديين وعن الأحرار الدستوريين. كانت أحزابا لتغيير الموازين في الساحة السياسية. ولذلك أنا متفق مع ما قاله عادل حسين من أنه حتى إذا لم يُتح للمعارضة في مصر طموح الوصول الى السلطة، فعلى الأقل يجب أن يتاح لها الطموح لتغيير موازين التركيبة القائمة في هذا الجيل بشكل يفتح لأجيال أخرى مجرد الأمل في الطموح إلى السلطة وتداولها. في تصوري أن الخروج من المأزق الحالي يتوقف على هذه العناصر الثلاثة: عنصر الأفراد أو النخبة القائدة للحزب، وبرامج الأحزاب، وآليات الوصول إلى السلطة. - محمود أباظة: أريد أن أرد على بضع نقاط أثيرت: أولا: إن تحالف 84 يختلف عن تحالف 87، تحالف الوفد مع "الإخوان" في 84 لم يكن له برنامج مشترك، كان اتفاقا انتخابيا. وكان مفهوما في ذلك الوقت أنه رد على نظام الانتخاب بالقائمة. وتاريخيا على رغم خلاف الوفد الشديد مع الإخوان المسلمين إلا أن هذا الخلاف لم يبلغ حد مناقشة وجودهم على الساحة، والدليل إلى ذلك أنه عندما وصل الوفد الى الحكم عام 1950 أعادهم الى الوجود وأعاد إليهم مقراتهم، ولذلك لم يكن هناك ما يمنع حدوث تحالف انتخابي من دون برنامج مشترك، وهذا هو جوهر اختلافه عن تحالف حزب العمل مع "الإخوان" عام 1987. والنقطة الثانية، قال د. رفعت إن الوفد لم يكن حزبا منظما، وهذه مسألة موضع شك، صحيح أنه كان جبهة وطنية، إنما كان جبهة تقوم على تنظيم ثورة 1919. وسأعطي مثلا على ذلك في انتخابات 1925 كان تكتيك الوفد هو تقديم إثنين من المرشحين في كل دائرة، أحدهما وفدي ظاهر، والآخر وفدي مستتر، ونجح معظم الوفديين المستترين بحيث أنه عندما اجتمع المجلس كانت الحكومة متأكدة أن الوفد ليست لديه "غالبية" وفوجئت بانتخاب سعد زغلول رئيس الوفد. هذه الواقعة التاريخية تفترض تنظيما قويا جدا، وبعد ذلك وفي عام 1984 كنا نجد داخل المعركة الانتخابية للوفد أناسا من بقايا هذا التنظيم، استفاد بهم الوفد، وايضا كان لهذه الاستفادة ثمن، لأن هؤلاء ممن يسمون الحرس القديم الذي يوجد خلاف على دوره، لكن على أي حال الأساس التنظيمي لحزب الوفد كان هو نفسه تنظيم ثورة 1919 واستمر على الأقل حتى 1952. والنقطة الثالثة تتعلق بما أثير حول الحوار الوطني في مصر والانسحاب منه لتسجيل مواقف، هذا الحوار في حقيقة الأمر كان مناورة سياسية. وكان رد الوفد عليها عدم المشاركة فيها، لكن شاركت أحزاب أخرى من المعارضة، ومع ذلك فمن شاركوا ومن لم يشاركوا انتهوا إلى النتيجة نفسها، وهي أن جدول أعمال هذا الحوار كان محدداً سلفاً، وكذلك المشاركين فيه. كما أريد أن أرد على حكاية "البوليتيكا"، فهذا تعبير موجود في كل اللغات، فالسياسة من وقت ما عرفت كعلم، أي من أيام مكيافيللي، ينظر إليها على أنها غير أخلاقية، بينما يرى الوفد أن العمل السياسي هو عمل مثالي إلى حد كبير جدا، وأن ما تتعرض له الأحزاب من آن الى آخر يزكي النظرة السلبية الى السياسة على أنها عمل غير كريم، وهذا هو الذي يفتح الطريق للشمولية، وهو ما حدث عندنا، وانتهى الأمر في بداية الثورة بضرب الأحزاب والهجوم على السياسي المحترف أو السياسيين المحترفين كما لو كانت سبة، فإذا بنا نجرب ما هو سياسي غير محترف وندفع الثمن غاليا. النقطة الرابعة: في أزمة الأحزاب هناك عدم اتفاق على قواعد اللعبة، فنحن نتكلم عن تعدد الأحزاب ودور الأحزاب، ومعروف أن أول دور من أدوارها وأحد أهم أنشطتها هو المشاركة في الانتخابات. لكننا نقترب الآن من انتخابات عامة بعد سنة واحدة ولا ندري حتى الآن إذا كانت ستجري بالطريقة الفردية أم بالقائمة، وبالتالي يستحيل على الأحزاب أن تستعد للانتخابات، وهي لا تدري ما هو القانون الذي ستجري على أساسه هذه الانتخابات. والواقع أن النظام الشمولي لا يسمح بإرادة غير إرادة الحاكم، وإذا سمح النظام بظهور إرادة أخرى لا يكون شموليا. وأنا لم أقل لا توجد لدينا تعددية سياسية، وإنما أنه لا يوجد عندنا نظام حكم تعددي. ونقطة أخيرة: بالنسبة الى عناصر الحزب الثلاثة التي ذكرها الدكتور مصطفى: الأفراد وآلية الوصول الى السلطة والبرامج، بالطبع تجدد الأجيال مهم، ليس فقط في الأحزاب وإنما في كل مجال من المجالات. ففي أي مؤسسة من المؤسسات التي لها دور بشكل أو بآخر في الحياة العامة المصرية نجد أنها جميعها يجلس على قمتها أشخاص أعتقد بأنه كان من المفروض أن يحل محلهم آخرون من عشر سنوات على الأقل، وهذه الأزمة التي يعاني منها الجيل الوسيط هي أزمة عامة تدل على شيخوخة النظام. "الوسط": تقصد شيخوخة نظام المجتمع؟ - محمود اباظة: نعم، وهذه الشيخوخة تنعكس على كل العناصر الموجودة. وبالنسبة الى البرامج، ربما لا يعرف الدكتور مصطفى أن قانون الأحزاب يفرض على الأحزاب أن تكون لها برامج مختلفة عن بعضها البعض ومتفقة في الوقت نفسه في ما يسمى القيم الأساسية للمجتمع، يعني إذا اتفقت فلا تصلح لتشكل حزبا، وإذا اختلفت تصبح خارجا عن القيم الأساسية للمجتمع. فهناك قيود على برامج الأحزاب أيضا، وقد تساءل د. عبدالمنعم: أين النخبة السياسية؟ النخبة السياسية في أي بلد في العالم تتكون في مكان ما، في إنكلترا مثلا تتكون النخبة السياسية من داخل البرلمان وفي إطار لجانه. في فرنسا تتكون النخبة من مدرسة الإدارة العليا ومنها إلى البرلمان. لكن عندنا لا نجد المكان الذي تتكون فيه الكوادر السياسية حتى تتعلم كيف تدير الدولة، فكيف تستطيع الأحزاب القيام بهذا الدور، وهي تخوض صراعا مستمرا، بدءا من جداول الانتخاب واستبعاد المتوفين منها، ورفع دعاوى قضائية والحصول على أحكام لا تستطيع تنفيذها. وهذه المسائل الأولية التي تستغرق جهد الأحزاب كلها، لا تترك لها وقتاً كما أنها لا تستطيع أن تحصل على معلومات ولا تستطيع أن تجذب مثقفين أو فنيين لسبب بسيط جدا هو السبب الذي يجعلك تحجم عن دخول أي حزب لأنه لا جدوى منه. فمن يعمل في الأحزاب الآن هو إما شخص عنيد جداً وإما شخص محدود الذكاء جدا، لأنه ينفق وقتاً وجهداً بلا جدوى ولا نتيجة، فالنقص الموجود في الأحزاب هو أيضا نقص ناتج عن الإطار الحديدي الذي يوضع نظام الأحزاب فيه، وأنا لا أوافق على فكرة أن هناك مساحة لحرية حركة، أعتقد أن كل المساحة الممكنة مستغلة من خلال الصحف الحزبية، أكثر من هذا ليس هناك شيء.