تتجه الحكومة الجزائرية قريباً الى تخصيص 5 من الفنادق الدولية التي تملكها، في خطوة تعكس التوسع في سياسة الاصلاح واجتذاب استثمارات جديدة لدعم النمو الاقتصادي في البلاد. وأهمية عملية بيع الفنادق ليست في حجم الفنادق التي من المقرر بيعها بالكامل الى القطاع الخاص، بل في كونها جزءاً من سياسة تخصيص أكثر شمولاً قررت الجزائر انتهاجها في السنوات الثلاث المقبلة، وتستهدف بالدرجة الأولى اعادة الحياة الى مئات المصانع والمؤسسات المتوقفة عن العمل جزئياً أو كلياً، أما بسبب النقص في قطع الغيار والمواد الأولية نتيجة الافتقار الى السيولة الكافية، أو بسبب سوء الادارة والبيروقراطية التي منعت حتى الآن حسن استثمارها. ويعترف مسؤولون ماليون جزائريون بأن القطاع الانتاجي لا يعمل حالياً بأكثر من 50 في المئة من طاقته الفعلية، فيما نسبة ال 50 في المئة، معطلة لكنها قابلة للاستغلال، اذا ما تم ادخال اصلاحات جذرية واساسية الى صيغة ادارتها، أو حتى ملكيتها. وفي الواقع شملت خطط التخصيص وتفعيل القطاع الانتاجي في الجزائر، مجموعة صيغ سيصار الى اعتمادها، من بينها صيغة البيع الكامل للقطاع الخاص، أو بيع جزء من الملكية، الى جانب بقاء جزء آخر ملكاً للحكومة التي ستخرج من ملكية الادارة او الاستثمار لمصلحة الشركاء الجدد. كما تشتمل الخطط الجديدة على فتح الباب امام ابرام عقود ادارة واستثمار لبعض المؤسسات والمصانع الحكومية، بحيث تتولى شركات متخصصة مسؤولية الادارة والاستثمار في مقابل نسب محددة من الأرباح، ولفترة زمنية محددة، يصار الى الاتفاق عليها بين الطرفين. ويبرر مسؤولون جزائريون اللجوء الى مثل هذه الصيغ المتحركة بأنه يتجاوب مع امكانات السوق المحلية على استيعاب مئات المصانع الحكومية المطروحة للبيع، كما يأخذ في الاعتبار الامكانات المالية والتقنية المتوافرة لدى الشركات المحلية، في اشارة غير مباشرة الى امكان فتح الباب امام شركات اجنبية للمساهمة في عقود مشاركة او استثمار في الجزائر، على غرار ما حصل في قطاع النفط والغاز. وكان الدينار الجزائري حقق في الأشهر الماضية تحسناً واضحاً تجاه العملات الاجنبية في اسواق الصرف الحرة، اذ ارتفع الى 60 ديناراً للدولار الاميركي والى 12 ديناراً للفرنك الفرنسي، بما لا تقل نسبته عن 40 في المئة في خلال اقل من سنة واحدة. ويقدر وزير المال الجزائري النمو المتوقع للعام الجاري بنسبة 2 في المئة سترتفع العام المقبل الى 6 في المئة، وهي نسبة تتطابق مع التقديرات التي اقرها صندوق النقد الدولي، في حين ان معدل التضخم الذي يبلغ حالياً 30 في المئة، قد يتراجع الى 3 في المئة حداً أقصى في نهاية العام 1997، بينما من المتوقع ألا يزيد العجز في الموازنة العامة للدولة عن 2.58 في المئة في نهاية العام المقبل في مقابل 9.2 في المئة حالياً. ويعترف المسؤولون الجزائريون بأن اتفاقات اعادة الجدولة التي توصلت اليها الحكومة مع الجهات الدائنة ساعدت بصورة واضحة على توفير قدر أكبر من العملات الاجنبية لتمويل الواردات من السلع الأساسية، كما ساعدت على تخصيص كميات أكبر من عائدات النفط والغاز لتوفير احتياجات الأسواق المالية، وتغطية طلبات القطاعات الانتاجية من الموارد الأولية وقطع الغيار لاستئناف نشاطها. ويقول وزير المال الجزائري الذي كان التقى مجلس أرباب العمل الفرنسيين في اطار سعي لتشجيع الشركات الاجنبية على زيادة اهتمامها بالاستثمار في الجزائر، ان برامج الاستثمار في قطاع النفط والغاز التي طبقتها حكومته في خلال السنوات القليلة الماضية بدأت تعطي ثمارها، في اشارة مباشرة الى الاكتشافات الجديدة التي تم تحقيقها، اضافة الى زيادة الطاقة الانتاجية للبلاد من النفط والغاز ما سيسمح لها بتنفيذ الالتزامات التي ارتبطت بها للسنوات المقبلة، خصوصاً في مجال تصدير الغاز الى أوروبا وبعض الدول الأخرى. وكانت الاصلاحات الاقتصادية والمالية التي طبقتها الجزائر أثارت ارتياحاً لافتاً لدى صندوق النقد والبنك الدوليين، كما حظيت بدعم لافت من الشركاء التجاريين الأساسيين، وهم اليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأقرت غالبية الجهات الدائنة والمانحة للقروض بضرورة التوسع في التسهيلات التي يمكن منحها للجزائر ومكافأتها على أدائها الاقتصادي الناجح. وفي الواقع تعترف الحكومة الجزائرية باستفحال قضية البطالة، وتقول تقديرات شبه رسمية، ان عدد العاطلين عن العمل زاد في السنوات الثماني الاخيرة بواقع 1.2 مليون شخص، اضيفوا الى حوالى مليوني شخص آخر، ما يعني ان معدل البطالة الفعلية قد يكون زاد فعلياً عن 45 في المئة من اجمالي قوة العمل في البلاد. ويتساءل خبراء اقتصاديون عما اذا كانت الاستثمارات التي تأمل الحكومة باجتذابها في السنوات القليلة المقبلة ستكون كافية لخلق فرص العمل التي يحتاجها آلاف الشبان الجزائريين، والتقليص من حجم البطالة الحالية، أم ان المشكلة الأكثر تعقيداً ستبقى قضية آلاف العاطلين عن العمل؟