"المركزي الروسي" يخفض سعر صرف الروبل مقابل العملات الرئيسية    ماتياس: لهذا السبب استبعدت «فيرمينيو»    أكثر من 40 ألف مشارك من 100 دولة يجتمعون في ماراثون الرياض 2025    انخفاض درجات الحرارة ورياح نشطة مثيرة للأتربة على عدة مناطق في المملكة    نهر بلون الدم في الأرجنتين !    ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يخضع لوضع سوار إلكتروني لتعقب تحركاته    الأردن.. مقتل عائلة كاملة إثر استنشاق غاز مدفأة    تحويل منزل فيروز «القديم» متحفاً في لبنان    تراجع معدل الخصوبة في السعودية إلى 2.7    أمريكا: العثور على الطائرة المفقودة في ألاسكا ومقتل جميع ركابها    «فائق وشريفة»: رفع علم المملكة حلم لكل رياضي    «إيلون ماسك» يشارك تغريدة قائد فريق النصر    جون دوران يدخل تاريخ النصر    24 مليون مشاهدة تجسد تأثير كريستيانو رونالدو    ورشة التوعية برؤية واستراتيجية وزارة الموارد البشرية بالمدينة    الهلال يُحافظ على سالم الدوسري    على كأس خادم الحرمين الشريفين سباقات القدرة والتحمل العالمي في العُلا    انطلاق بطولة VEX IQ لصُنّاع المستقبل في تصميم وبرمجة الروبوتات    "الأونروا" تؤكد تعرض سكان غزة لعملية تهجير ممنهجة    جوجل تضيف علامات مائية خفية للصور للكشف عن التعديلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي    ترودو يدعو إلى أخذ تهديد ترامب بضم كندا على «محمل الجد»    إيمري يتطلع للتحدي الضخم بإعادة ماركوس راشفورد لمستواه    فعالية "حكاية شتاء" تجمع أكثر من 14,000 زائر في قاعة مكة الكبرى    جامعة أمِّ القُرى تستضيف الاجتماع التَّشاوري الثَّامن لرؤساء الجامعات    إنجاز أكثر من 80% من مشروع الطريق الدائري الأوسط في الطائف    الوحدة يُعلن عن تعرض أنظمة الشركة المشغلة لمتجر النادي ل «الاختراق»    ضبط شخص في جازان لتهريبه (60) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر        فريق الوعي الصحي بجازان يشارك بمبادرة "سمعناكم" لذوي الإعاقة السمعية    «تعليم الرياض» يحصد 39 جائزة في «إبداع 2025»    تتويج السعودي آل جميان بلقب فارس المنكوس    درجات الحرارة الصفرية تؤدي لتجمد المياه في الأماكن المفتوحة بتبوك    وزير الصناعة يختتم زيارة رسمية إلى الهند    أمير القصيم يهنئ تجمع القصيم الصحي بفوزه بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    خطيب الحرم المكي: كل من أعجب بقوته من الخلق واعتمد عليها خسر وهلك    "احمِ قلبك" تنطلق لتعزيز الوعي الصحي والتكفل بعلاج المرضى غير المقتدرين    خطبة المسجد النبوي: من رام في الدنيا حياةً خالية من الهموم والأكدار فقد رام محالًا    مفتي عام المملكة ونائبه يتسلمان التقرير السنوي لنشاط العلاقات العامة والإعلام لعام 2024    النمر العربي.. مفترس نادر يواجه خطر الانقراض    العُلا.. متحف الأرض المفتوح وسِجل الزمن الصخري    ملامح الزمن في ريشة زيدان: رحلة فنية عبر الماضي والحاضر والمستقبل    «الشورى» يوافق على 5 مذكرات تفاهم مع دول شقيقة وصديقة    «حصوة وكرة غولف» في بطنك !    أمانة المدينة تدشّن نفق تقاطع سعد بن خيثمة مع "الدائري الأوسط"    ما العلاقة بين لقاحات كورونا وصحة القلب ؟    أضرار الأشعة فوق البنفسجية من النافذة    الأردن: إخلاء 68 شخصاً حاصرهم الغبار في «معان»    سبق تشخيصه ب«اضطراب ثنائي القطب».. مغني راب أمريكي يعلن إصابته ب«التوحد»    لماذا لا يجب اتباع سنة الأنبياء بالحروب..!    كيف كنا وكيف أصبحنا    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس الجزائر في وفاة رئيس الحكومة الأسبق    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    الملك وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    ثبات محمد بن سلمان    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أضخم سيل من المهاجرين المنبوذين منذ أيام جنكيرخان 7 أيها المحتلون الروس ارحلوا
نشر في الحياة يوم 31 - 01 - 1994

كانت هذه المرأة الروسية التي تسمى آنا، على مدى عشرين سنة، أستاذة في جامعة غروزني عاصمة الجمهورية الشيشانية الواقعة على المنحدرات الشمالية لسلسلة جبال القوقاز7 وكان الكثيرون من المارة يعرفونها وهي عائدة الى منزلها بعد القاء محاضراتها ويسلمون عليها رافعين قبعاتهم احتراماً7
وبعد أن أعلنت الجمهورية الشيشانية استقلالها سنة 1991 باعت آنا بثمن بخس شقتها الواقعة في وسط غروزني وغادرت الى روسيا مع غيرها من اللاجئين الروس7 واليوم تضطر الى استئجار غرفة متواضعة عند أطراف موسكو، وترى أنها محظوظة جداً لأنها استطاعت بواسطة اعلان نشر في إحدى الصحف ايجاد عمل كخادمة عند أسرة تاجر ناجح من الروس الجدد7 وتقضي آنا سحابة يومها في غسل الثياب وتحضير الطعام وجلي الأواني7 وفي المساء تكتب الرسائل إلى مكاتب الاستخدام الأوروبية والأميركية. وقالت: اني مستعدة للسفر ولو في الغد، إذا قبلتني جامعة ما7 فأنا اعرف لغات قوقازية نادرة ولكن لا حاجة لأحد الى هذا في روسيا اليوم7
أمثال آنا في روسيا اليوم يناهز عددهم المليونين، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد زيادة كبيرة قريباً، فمع انهيار الاتحاد السوفياتي في أواخر 1991 بقي في الدول المستقلة التي تشكلت على أنقاضه أكثر من 25 مليون روسي كانوا حتى أمد قريب يشعرون أنهم في بيوتهم، أيا كان مكان إقامتهم في الامبراطورية الضخمة، ولكنهم في الدول الجديدة أصبحوا بين عشية وضحاها غرباء ومواطنين من الصف الثاني وسيضطرون، على ما يبدو، الى تشكيل أضخم سيل من المهاجرين عرفه العالم ربما منذ أيام جنكيز خان7
كيف نشأت الامبراطورية؟
مع أن القوميين الراديكاليين في الجمهوريات السوفياتية السابقة لا يزالون حتى الآن يتهمون الكرملين بكل ما حل بهم من مصائب، لم تكن روسيا في يوم من الأيام امبراطورية استعمارية بالمعنى الذي ينطبق في بريطانيا أو فرنسا7 فموسكو، خلافاً لهاتين الأخيرتين، لم تكن تعتبر الأراضي الملحقة بامارتها مجرد مصدر للمواد الخام الرخيصة، بل على العكس كانت تستثمر في تطويرها أموالا غير قليلة وتبعث إلى هناك القوة العاملة المختصة7 ونتيجة ذلك أصبحت بعض الأطراف القومية مع الوقت أغنى من المتروبول، وكانت جمهوريات كثيرج من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق لا تتخلف في عدد الحاصلين على التعليم العالي عن البلدان الأوروبية المتطورة، بل كانت تفوق المناطق المركزية من روسيا نفسها7
ولن تبدو عناية المتربول هذه بمستعمراتها غريبة، إذا أخذنا في الحساب ان أداة التوسع الروسي الرئيسية كانت منذ البداية المحراث وليس السيف، ومع القوزاق الذين أرسلهم القيصر ايفان الرهيب الى الشرق من القرن السادس عشر لتطويع خانات التتر كان يذهب دائماً الفلاحون والحرفيون الذين أقاموا في الأراضي الجديدة واختلطوا بسكانها المحليين7
بعد تلك الفترة أصبح هدير المدافع يعلو بمقدار ما كانت تتسع رقعة الدولة الروسية عرضاً، ولكن إذا كان ساحل البلطيق ابتلعته روسيا في أيام بطرس الأكبر، في أثناء الحرب مع السويد، من اجل الخروج الى بحر البلطيق، فإن جورجيا وأرمينيا المسيحيتين اللتين أنهكهما الصراع ضد الباب العالي وإيران فتشتا بنفسيهما عن حماية عند جارتهما الشمالية وأصبحتا محميتين لها طوعاً واختياراً7
وكانت عودة أوكرانيا الى الاتحاد بروسيا طوعاً واختياراً أيضا في سنة 1654 عندما وجد الاوكرانيون أنفسهم محاصرين بين العثمانيين في الجنوب والبولونيين في الشمال الغربي ومعرضين لخطر فقدان كامل استقلالهم كدولة7 أما في المواجهة التاريخية بين موسكو وجاراتها الاسلامية فكان السيف أصدق أنباء من الكتب في معظم الحالات، مع أن فتح الروس لآسيا الوسطى لم يؤد الى القضاء على امارتي خوي وبخارى اللتين بقيتا محميتين حتى الانقلاب الشيوعي سنة 71917
كان عدد الروس المقيمين في الاقاليم القومية في وسيا القيصرية غير كبير نسبياً وينحصر في موظفي الادارات المحلية والمهندسين والأطباء والمعلمين7 ومنعت الحكومة المركزية منعاً باتاً كل عمل يمس العادات المحلية، بل شجعت الموظفين على دراسة اللغات المحلية وأعطتهم على ذلك علاوات على مرتباتهم7 والى ذلك كان سكان الأطراف القومية يعتبرون مواطنين روساً بصرف النظر عن قوميتهم أو دينهم ويستفيدون من الحقوق نفسها التي يتمتع بها الروس7
لكن بعد انتهاء الحرب الأهلية في روسيا، في بداية العشرينات، أعلنت الحكومة الشيوعية انتهاج سياسة قومية جديدة تقضي بإنشاء جمهوريات أو كيانات ذات حكم ذاتي للشعوب غير الروسية في الامبراطورية الروسية السابقة7 ونتيجة ذلك ظهرت، الي جانب جورجيا أو ارمينيا الموجودتين منذ عصور قديمة، جمهوريات على حدة للشعوب التي لم يكن لها من قبل نظام دولة خاص بها7
ولتطوير الاقتصاد والثقافة في الجمهوريات الجديدة بعثت موسكو الي هناك بآلاف الاختصاصيين والعمال الروس7 لكن مهاجري الموجة الجديدة، بخلاف المستوطنين الأوائل، لم يهتموا إلا نادراً بلغة وثقافة الشعوب التي اصبحوا يعيشون بين ظهرانيها، وكانوا أحيانا لا يرون من الضروري اخفاء شعورهم بالتفوق عليها7 زد على ذلك ان مفهوم الروس كأخ أكبر في أسرة الشعوب السوفياتية، وهو المفهوم الذي رسخ في زمن الادارة الشيوعية، كان يثير الانزعاج وحت النفور من الروس عند الخوان الصغار7
وقبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وفي إطار الاتفاقيات السرية مع هتلر، ضم يوسف ستالين دول البلطيق، لتوانيا ولاتفيا واستونيا، كما ضم إلى الاتحاد السوفياتي أيضا جزءاً من أراضي رومانيا كان في ما مضى تابعاً لروسيا، وأسست عليه جمهورية مولدوفا السوفياتية7 وبعد الحرب مباشرة تدفقت موجة أخرى من المهاجرين من روسيا الى هناك لتعمير الاقتصاد الذي دمرته الحرب، ونتيجة لذلك قفزت نسبة الروس بين سكان جمهوريات البلطيق، التي لم تتجاوز قط25 في المئة الى 40 في المئة في استوانيا و48 في المئة في لاتفيا التي أصبح الروس هم الأكثرية في عاصمتها ريغا7 وفي هذا الاطار قالت رئيسة وزراء لوانيا السابقة كازيميرا برونسكيني لالوسط ان الاتحاد السوفياتي كان منذ البداية ابن زواج عن غير حب7 ولهذا اتخذ الطلاق تلك الأشكال غير المتحضرة7
طلاق على الطريقة السوفياتية
على رغم ان البرلمان السوفياتي سن في سنة 1990 قانوناً يعين اجراءات انفصال الجمهوريات عن الاتحاد السوفياتي وأجرى بمبادرة من الرئيس ميخائيل غورباتشوف استفتاء أكد رغبة أكثرية السكان في الحفاظ على الدولة الموحدة، انهارت الامبراطورية الضخمة كبيت من الورق في أواخر 1991، وتبين ان تقاسم تركته بين أفراد الأسرة السوفياتية مؤلم ودموي7
وفي الوقت الذي عمت في عواصم الجمهوريات السوفياتية السابقة فرحة نيل الاستقلال بسهولة غير متوقعة، شعر السكان الروس في هذه الجمهوريات بأنهم سيكونون كبش الفداء عن كل الشرور التي جلبها النظام الشيوعي لشعوب الاتحاد السوفياتي السابق وأوضح لالوسط أحد اللاجئين الروس من لاتفيا قائلاً: لم أصدق عيني لدى رؤيتي شعارات أيها المحتلون الروس اخرجوا من هنا!7 فابنتي متزوجة من لاتفي وكنا نعتبر هذه البلاد وطننا7
ومع أن النظرة الى السكان الروس كانت مختلفة من جمهورية الى أخرى في الاتحاد السوفياتي، إلا أن قاسماً مشتركاً بدا بين معظمها وهو أن فكرة الدولة القومية حلت محلها بعد الاستقلال فوراً فكرة الدولة الاثنية الساعية الى ازاحة الغرباء أو جعلهم أقليات من الدرجة الثانية7 واعتمدت اللغات القومية المحلية تشريعياً في كل مكان لغات رسمية، وعلى الروس من الآن فصاعداً أن يقدموا امتحانات في اللغة لكي يحصلوا على عمل، وفي بعض الجمهوريات حتى على المواطنية7 زد على ذلك أن عدد المدارس الروسية والمعاهد التعليمية العالية خفض كثيراً كما خفض عدد ساعات الإرسال التلفزيوني والاذاعي باللغة الروسية في كل جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق7 وتدرس اللغة الروسية في المدارس المحلية الآن كلغة أجنبية، ويصل عدم التسامح مع الروس في دول البلطيق وجورجيا أحيانا الى حد من اللامعقول بحيث تستبدل اللافتات الروسية على المتاجر والدوائر بأخرى انكليزية، مع أن العثور على انكليزي حي في هذه المناطق - كما لاحظ الصحافي الروسي ليونيد كاربوف بحدة ذكاء - صعب كالعثور على صيني أو مصري من أيام الفراعنة7
ونجد أكثر المواقف تشدداً حيال الروس في استونيا ولاتفيا اللتين عادتا الى دستوري أواخر الثلاثينات وبموجبهما أصبح مليون ونصف مليون روسي من سكانهما من دون أية حقوق مدنية7 ويسمى الروس في هذين البلدين ببرابرة الشرق ويتجاوز الكره لهم أحيانا ليس فقط حدود التفكير السليم بل حتى قواعد الأخلاق البدائية7 وقال الطبيب اللاتفي ايفار سلوتسيس: أديت في حينه يمين ابقراط، ولكني لا أريد معالجة اللاتفيين والروس بالتساوي لأن كل روسي هو بالنسبة إلي مسمار في نعش استقلال لاتفيا الوطني7
الروس في محيط اسلامي
يشبه مطار دوموديدوف في موسكو، الذي يستقبل الطائرات الآتية من المناطق الجنوبية والشرقية للاتحاد السوفياتي السابق، مخيماً ضخماً للاجئين7 ومع ان مشاعر العداء للروس ليس من صفات دول آسيا الوسطى الاسلامية وتشريعاتها الجديدة، خلافاً لما يحصل في استونيا أو لاتفيا، وهي متسامحة جداً حيال السكان السلافيين، فمن هناك وليس من جمهوريات البلطيق تتدفق سيول النازحين الأساسية الى روسيا7
ومن الناحية الروسية لا تنهج أية جمهورية إسلامية اليوم سياسة طرد الروس، ولا تزال اللغة الروسية لغة دولية في المنطقة، بل اكثر من ذلك فإن القادة المحليين معنيون ببقاء السكان الناطقين بالروسية الذين هم العمود الفقري للنخبة التكنولوجية ويشكلون القسم الأكبر من القوة العاملة في الصناعة7 وفي هذا الصدد يقول ايغور روتار الخبير في شؤون آسيا الوسطى: إذا خرج الروس بأعداد كبيرة فمعنى ذلك انهيار اقتصاد الجمهوريات الاسلامية الجديدة، ولدى القيادة الحالية والمعارضة ما يكفي من تفكير سليم لعدم اثارة هذه الكارثة7
واتصف بالتسامح مع الروس كل من طرفي الحرب الأهلية الناشبة في طاجيكستان7 وحتى في اللحظة التي بلغت فيها الكراهية المتبادلة حدها الأقصى عندما راح الطاجيكيون من العشائر المختلفة يقتلون بعضهم بعضاً على الهوية، كما حدث في لبنان في وقت مضى، كانت كتابة هنا يسكن روس على باب المنزل تنقذ ساكنيه من كثير من الاحيان من الاعتداء7
ومع ذلك تأتي طاجيكستان في طليعة الجمهوريات السوفياتية السابقة التي بلغ هروب الروس منها حده الأقصى. فحسب معطيات مصلحة الهجرة الفيديرالية الروسية غادر هذه الجمهورية حتى اليوم 300 ألف شخص من اصل 388 ألفا كانوا يعيشون هناك قبل بدء الاضطرابات7 ومن المرجح جداً ألا يبقى من اثر ل التواجد الروسي هناك قبل نهاية السنة7 ويقول معظم الروس أن الخوف هو السبب الرئيسي للهرب من طاجيكستان7 فالسكان الروس أعربوا في السابق عن تأييدهم للقوى الموالية للشيوعية ضد الاسلاميين، واليوم يخشى الكثيرون ان يتهدد الخطر حياتهم إذا وصلت المعارضة الى الحكم7 ثم ان السلطات الطاجيكية الحالية لم تستطع القضاء على الانفلات المتزايد للاجرام الذي يذهب الروس ضحيته على الأغلب بسبب عدم وجود جذور عميقة وصلات قربى لهم في المجتمع المحلي وبالتالي لا يوجد عملياً من يحميهم7 المهندس فيكتور لافروف الذي غادر دوشانبه في أواخر السنة الماضية قال ل الوسط: كان الناس في أثناء الحرب الأهلية يبيعون بيوتهم ب200 ألف روبل حوالي 400 دولار بسعر ذلك الوقت ويدفعون هذا المبلغ نفسه تقريباً ثمناً للحاوية من اجل نقل المتاع ورشوة لادارة السكة الحديد وللمبتزين الذين يقتحموه عربة القطار في كل محطة تقريباً مطالبين بالمال والفودكا لقاء السماح بمتابعة الطريق بلا عائق7 ونتيجة لذلك كنا لا نصل الي الحدود الروسية الا بعد أن نفقد كل شيء معنا، بل ان بعض الأسر لم يبق عندها ما تشتري به خبزاً7
ودفع الخوف على الحياة أيضا كثيرين من الروس إلى ترك بيوتهم والهرب من اذربيجان والجمهورية الشيشانية وابخازيا، واليوم ينضم الأرمن الهاربون من أذربيجان باستمرار إلى سيل اللاجئين الروس في المناطق الجنوبية من روسيا بحيث يمكن، في رأي الخبراء، أن ينشب في كل لحظة حريق الاقتتال بين القوميات7
ومن الجمهويات الاسلامية الأخرى التي لا يزال الوضع فيها مستقراً، يهرب الروس لا بدافع الخوف، بل بسبب الشعور بالغربة وعدم القدرة على التكيف مع نمط الحياة الجديد7 قال أحد المهاجرين الروس شاكياً: لم أكن من قبل أرى فرقاً كبيراً بين اوزبكستان وروسيا، إما اليوم فنشعر بأننا غرباء7 ومع ذلك فإن خروج الروسي من اوزبكستان وقيرغزستان وتركمانستان التي هي الأكثر استقراراً من الناحية السياسية، بخلاف الهرب من النقاط الساخنة، يجري بهدوء، ويغادر هذه الدول الإسلامية كل سنة بين 4 و5 في المئة من سكانها الناطقين بالروسية7 ومما يكبح هجرة السلافيين الزاحفة من آسيا الوسطى إلى حد كبير من أكثرهم يلاقون صعوبات بالغة في إيجاد العمل في روسيا، ومع ذلك فإن مجمع عدد المهاجرين الروس من الجمهوريات الإسلامية قد يزيد في وقت قريب، حسب تقدير الخبراء، على المليون7
وتزداد تعقيداً مشكلة نزوح الروس من الدول الجديدة التي نشأت على انقاض الاتحاد السوفياتي، لأن أكثرهم من سكان المدن ويفضلون الاقامة في موسكو أو في المدن الكبيرة الأخرى في الجزء الأوروبي من روسيا، في حين ان النقص في المساكن في روسيا يبلغ اليوم حد الكارثة، وقيمة الايجار الشهري لشقة متواضعة جداً تزيد بمرتين وحتى بثلاث مرات عن متوسط الاجر الشهري7
والوضع ليس أفضل في ما يتعلق بإيجاد عمل7 فبموجب القانون الصادر في العهد الشيوعي لا يملك الحق في الحصول على عمل غير المواطنين الذين عندهم إقامة رسمية في مكان ما، في الوقت الذي يسهل الحصول على حق الإقامة لمن يحصل على عرض بالعمل7 وبذلك تنشأ حلقة مفرغة يمكن الخروج منها بالحصول على وضعية المهاجر7 ولكن هذا ليس سهلاً في أغلب الأحيان لأن الكثيرين هربوا من النقاط الساخنة على مسؤوليتهم من دون أن يسجلوا أنفسهم في مصلحة الهجرة الفيديرالية، وعليهم أن يبذلوا كثيراً من الجهد والوقت لكي يشرحوا الأسباب التي حملتهم الى المجيء الى روسيا7
وهناك سبب آخر لصعوبة حصول الروس على عمل في وطنهم، هو الأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا اليوم7 فعلى رغم ما أعلنه الرئيس يلتسين من تأييده للسكان الروس في الجمهوريات القومية ووعده جميع الراغبين في العودة الى روسيا، لا تستطيع الحكومة أن تخصص لهذا الهدف ما يكفي من أموال، ويضطر عشرات بل مئات الألوف من المشردين والعاطلين عن العمل للاهتمام بمستقبلهم بأنفسهم7 وفي هذا الصدد تقول الأستاذة آنا من جمعة غروزني بمرارة: خلافاً لما يجده اليهود في إسرائيل لا تفتح روسيا أحضانها لاستقبال أبنائها الضالين7 فليس هنا من يحتاج إلينا وينتظرنا7
وفي رأي علماء الاجتماع ان عدم جاهزية روسيا لاستقبال اللاجئين قد يؤدي قريباً الى ازدياد التوتر الاجتماعي7 إن ملايين المهاجرين الذين بقوا بل مورد للعيش هم مادة مشتعلة، ويحسن بالحكومة أن تعكف فوراً على حل مشاكلهم، كما قال لالوسط بوريس اوفتشينكيوف الذي جاء إلى موسكو من باكو منذ ثلاث سنوات، ولا يزال حتى الآن يأوي مع زوجته وولديه في بناية سكنية للعمال الموقتين مكتظة بالناس7 لكنه بعد أن يئس من مساعدة السلطات الرسمية انضم في بداية هذه السنة الى احدى منظمات القوميين الروس حيث يعمل الآن لتطهير موسكو من الأذربيجانيين والأرمن وغيرهم من الغرباء الذين على حد تعبيره ليسوا لاجئين وانما أرسلتهم المافيا القوقازية الى هنا لشراء الأموال غير المنقولة في روسيا7
إن اليأس الذي يرمي المهاجرين الروس الشباب أغلب الأحيان في أحضان الأحزاب والحركات القومية المتصرفة اصبح في الفترة الأخيرة مبعث قلق في الأوساط الاجتماعية7 ويقول أحد علماء الاجتماع الروس: لا ينبغي ان ننسى ان الألمان القادمين من بولونيا ولدول البلطيق شكلوا في وقت سابق الركيزة الاجتماعية لنشوء النازية في المانيا7 وإذا لم نتخذ الاجراءات السريعة فليس من المستبعد أن يحدث شيء شبيه بهذا عندنا7
لكن صعوبة حل مشاكل اللاجئين تزداد بسبب استمرار مجيء لاجئين الى روسيا، عدا الروس، من أبناء قوميات المناطق السوفياتية السابقة التي تعصف بها النزاعات القومية وحتى من بعض دول آسيا وأفريقيا وتصبح روسيا التي هي منذ القدم عاصمة القياصرة الروس، مدينة ضخمة كوسموبوليتية لا يندر أن تسمع فيها اللغة الصينية أو الفيتنامية أو العربية، ما دفع أحد الصحافيين إلى القول مازحاً ان الكرملين يزداد شبهاً ببرج بابل7
ويبد،و ان قصة بابل تتكرر في أراضى الاتحاد السوفياتي السابق المأخوذ اليوم بسيول متقاطعة من الهجرات الجماعية والتنقلات الواسعة7 ويظهر أن عملية التحرر من الماضي اصعب بكثير وأشد دراماتيكية مما كان يتصور ميخائيل غورباتشوف الذي باشر في ربيع سنة 1985 اعادة بناء المجتمع بشكل جذري7 ومفهوم في هذا الصدد لماذا يسمي الكثيرون من اللاجئين الروس أنفسهم برهائن البيريسترويكا7


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.