هل ان منظمة الدول المصدرة للنفط "اوبك" هي الخاسر الوحيد من انهيار اسعار النفط في الاسواق العالمية؟ التقرير الذي اعده خبراء صندوق النقد الدولي عن اوضاع الاسواق النفطية وتطور حركة الاسعار يقول ان الدول المصدرة هي الخاسر الكبير الا انه يعترف ايضاً بوجود خاسرين آخرين كبار ايضاً، معتبراً ان التقلبات الحادة التي تشهدها الاسعار النفطية ليست في مصلحة احد، لا في مصلحة الدول المصدرة، ولا في مصلحة الدول المستهلكة. اما الأسباب فهي ان الهبوط الواسع والسريع، لا بد ان يستتبع في المقابل، صعوداً واسعاً وسريعاً، وهو الامر الذي غالباً ما يؤدي الى ارباك المؤسسات الصناعية والانتاجية ومنعها من تحديد سياسات سعرية ثابتة ومستقرة. ويستشهد التقرير بما حصل في السبعينات والثمانينات، خصوصاً في النصف الثاني منها، عندما عاودت اسعار النفط الانهيار. وكانت ردة فعل الاطراف المستهلكة مهللة. على اعتبار ان اسعاراً متدنية ستساعد على تخفيض مستويات الكلفة. الا ان النتائج الفعلية اظهرت مزيداً من الفوضى في الاسعار ومزيداً من المصاعب امام الشركات والمؤسسات الانتاجية. وظهرت في حينه النظرية القائلة بضرورة الربط بين اسعار النفط كمصدر أساسي للطاقة وامكانات الوضع الاقتصادي العالمي، فيما اعتبرت فلسفة اقتصادية اخرى، ان افضل الاسعار هي تلك التي تستقر عند مستوى عادل للطرفين: الدول المنتجة والدول المستهلكة. وثمة سبب ثان، هو ان انهيار الاسعار الى مستويات غير اقتصادية سيدفع على المديين المتوسط والطويل الى ازمة فعلية تتمثل في عدم كفاية الانتاج لتغطية الطلب العالمي، الامر الذي سيعني ان الاسواق ستكون مدفوعة مرة جديدة باتجاه مستويات غير مقبولة اقتصادياً. وبالفعل يجمع معظم التقديرات النفطية على ان كلفة رفع الطاقة الانتاجية لدول "اوبك" الى 36 مليون برميل يومياً في نهاية العقد الحالي ستحتاج الى ما لا يقل عن 125 مليار دولار، منها 80 مليار دولار ستنفقها دول الخليج العربي لتطوير طاقاتها الانتاجية، اضافة الى ما ستنفقه فنزويللا وايران، وخصوصاً العراق الذي لا تشمل هذه الارقام اكلاف اعادة تأهيل قطاعه النفطي. وفي الندوة التي اقيمت اخيراً في لندن لعرض الآفاق النفطية حتى نهاية العقد الجاري، ظهر اجماع على ان اسعاراً هابطة للنفط لن تكون في مصلحة احد. اما الامين العام لمنظمة "اوبك" الدكتور سوبراتو، فكانت مداخلته في الندوة تحت عنوان "حاجة الدول الاعضاء في المنظمة الى ضمانات لتشجيعها على استثمار المبالغ الضخمة التي تحتاجها عملية تطوير قطاعها النفطي". تغطية اكلاف الاستثمارات ووجهة نظر سوبراتو تستند الى معادلة بسيطة، هي ان الاسعار الهابطة ستكون عاجزة عن تغطية اكلاف الاستثمارات الضخمة التي تنوي الدول الاعضاء في "اوبك" توظيفها في مجال زيادة طاقاتها الانتاجية، الامر الذي يعني ان العالم سيواجه في خلال سنوات ازمة انتاج في الدرجة الأولى. ويستند الامين العام للمنظمة الى التقديرات التي تتحدث عن نمو في الطلب العالمي على النفط بما لا يقل عن 5،1 في المئة. وقد ترتفع هذه النسبة الى 2 في المئة سنوياً مع انتهاء مرحلة الركود الاقتصادي في الدول الصناعية، واستئناف وتيرة الانتعاش بمعدلات مقبولة اعتباراً من العام 1995. وثمة اسباب أخرى للاعتبار القائل بأن اسعاراً هابطة هي ايضاً في غير مصلحة الدول المنتجة خارج "اوبك"، اذ من المعروف ان الازمة التي تعاني منها صناعة النفط الاميركية منذ العام 1986، ترتبط اساساً بعجز هذه الصناعة عن تغطية اكلاف الانتاج، من دون الحديث عن حاجتها الى تحقيق الارباح التي يفترض تحقيقها نتيجة ضخ مليارات الدولارات على شكل استثمارات نفطية جديدة، وعن طريق زيادة اعمال المسح والتنقيب. ووفقاً للتقديرات التي اعدها معهد البترول الاميركي، فان اسعاراً تقل عن 22 دولاراً للبرميل، تعتبر اسعاراً غير مجزية بالنسبة الى صناعة النفط الاميركية، في حين ان سعر 20 دولاراً للبرميل يعتبر اقصى ما يمكن ان تتحمله هذه الصناعة. اما التراجع الى ما دون هذا المستوى فيعني خسارة مؤكدة، لم تجد الشركات الاميركية حتى الآن، صيغة كافية لاستيعابها. اما في أوروبا، خصوصاً في الحقول النفطية في بحر الشمال، فان من غير المعروف ما اذا كانت الشركات العاملة في هذه الحقول قادرة على الاستمرار في تحمل اسعار متدنية، كما هي الحال في الوقت الحاضر. واذا كانت الاجراءات التي لجأت اليها الحكومتان البريطانية والنروجية لدعم اوضاع الشركات النفطية ساعدت هذه الشركات على التوسع في الاستثمار، فانه من غير الواضح بعد ما اذا كانت تسهيلات جديدة قد تحصل عليها ستكون كافية لتغطية الخسائر الناتجة عن هبوط الاسعار. ومن المعروف ان كلفة انتاج النفط في منطقة الخليج العربي لا زالت الادنى في العالم، وهي تصل احياناً الى 4 دولارات للبرميل، في مقابل 16 دولاراً في الدول المنتجة الاخرى. ويجمع معظم التقديرات النفطية على اعتبار ان استمرار الاسعار المتدنية في الاسواق العالمية سيدفع معظم الشركات النفطية الى مراجعة استراتيجيتها الاستثمارية والتوجه نحو البلدان التي تتميز بتدني اكلاف الانتاج فيها، على حساب فرص الاستثمار في البلدان ذات الكلفة المرتفعة، وهو ما بدأ يحصل منذ ثلاث سنوات تقريباً عندما باشرت كبريات الشركات النفطية العالمية التركيز على مناطق تتميز باحتمالات نفطية كبيرة، خصوصاً في دول الكومنولث الجديد الاتحاد السوفياتي سابقاً وفي منطقة الخليج العربي. ويعترف تقرير صندوق النقد الدولي بأن الدول المصدرة في اطار "اوبك" ستكون الخاسر الكبير على المدى القصير نظراً الى اهمية النفط على صعيد اوضاعها الاقتصادية واعتمادها بصورة شبه رئيسية على العائدات النفطية لتغطية نفقاتها العامة، الا ان التقرير نفسه ينتهي الى خلاصة مفادها ان الخاسر الاهم على المديين المتوسط والطويل سيكون الدول المستهلكة وحتى الدول المنتجة الاخرى. وهو الامر الذي يستدعي تفاهماً بين جميع الاطراف المعنية بالنفط: انتاجاً وتصديراً وحتى تسعيراً.