مقارنة بالقمة الخليجية الثالثة عشرة التي عقدت في ابو ظبي والتي اعقبها هجوم اعلامي ايراني عنيف على دول المجلس فان رد الفعل الايراني على مقررات القمة الخليجية الاخيرة التي عقدت في الرياض كان ايجابياً او أقل حدة. ويعود هذا اساساً الى روح "الموقف الوسط" التي اتسم به بيان قمة الرياض تجاه ايران. فهو وان شدد على دعم موقف دولة الامارات العربية من السيادة على الجزر الثلاث المتنازع عليها مع ايران أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى الا انه رحب بالدعوة الايرانية الى الحوار حول الجزر. كما ان واشارة القمة الى الاستعداد لخفض انتاج النفط لانقاذ الاسعار اثارت ارتياحاً لدى ايران وهي من "صقور" "اوبك" ومن دعاة انتهاج سياسة صارمة لتحسين اسعار النفط. هذا التطور سواء في لهجة القمة الخليجية او في رد الفعل الايراني لا يعني في الضرورة امكان التكهن ب "صفحة جديدة" في العلاقات بين دول الخليج العربية وايران. بل ربما بخلاف ذلك يمكن القول ان حالة الجمود النسبي التي تقف في هذه العلاقات ليست مرشحة للتغير لأن العوامل التي قادت اليها ترجح استمرارها خلال العام الجديد. ويمكن الحديث عن مجموعتين من العوامل تفسر هذا الوضع المعقد للعلاقات الايرانية - الخليجية: المجموعة الأولى تتعلق بحال "عدم الثقة" والشك المتبادل بين الطرفين والناتجة من حساسيات تاريخية ونزاعات ثنائية وتفاوتات سياسية وثقافية. المجموعة الثانية تتعلق بالصعوبة التي تعترض قيام دول المجلس، لأسباب واقعية، ببلورة موقف موحد من ايران في كل القضايا خصوصاً لجهة درجة الاقتراب والتعاون معها في هذه المرحلة. أولاً - المطامع والشكوك وحال عدم الثقة: لم تنجح مرحلة التقارب "النسبي" بين دول المجلس وإيران التي اعقبت حرب الخليج الثانية وشهدت اعادة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض والكويت من جهة وطهران من جهة ثانية وزيادة نمو الاتصالات الثنائية بين المسؤولين في دول المجلس والمسؤولين الايرانيين، وكذلك الاشارات الى ان الطرفين قد يتفقان على ترتيبات اقليمية امنية مشتركة خصوصا في ما يتعلق بحماية حرية الملاحة في الخليج... كل هذه لم تنجح في ازالة الشكوك وحال عدم الثقة التي تسيطر على العلاقات بين ضفتي الخليج. وكان اندلاع النزاع بين دولة الامارات العربية المتحدة وإيران على الجزر الثلاث مجدداً عام 1992 الحادث الذي كرس هذا الوضع وحال اساسا دون حدوث أي تطوير "جماعي" في علاقات مجلس التعاون الخليجي ككيان اقليمي بالجمهورية الاسلامية. عناصر عدم الثقة ويمكن اجمال بعض عناصر حال عدم الثقة في العلاقات في النقاط الآتية: 1 - المطامع التاريخية: ترى مجموعة مجلس التعاون الخليجي عموما ان ايران لم تتخل عن مطامعها التاريخية في منطقة الخليج وفي الدول العربية الواقعة على الضفة الغربية منه، وهي المطامع التي عبرت عن نفسها في الفترات التاريخية القديمة في الغزوات الفارسية المستمرة لعدد من الدول والجزر العربية الخليجية. وعبرت عن نفسها في التاريخ المعاصر بمطامع الشاه الراحل بالسيطرة على المنطقة ولعب دور الشرطي فيها ومطالبه الاقليمية الجموحة، وبمحاولات الجمهورية الاسلامية الايرانية لاحقاً لتصدير ثورتها الى دول المنطقة وكذلك عدم التنازل عن مطالب الشاه الاقليمية. وترتبط هذه المطامع التاريخية بالرواية الايرانية التي تكرر ان الامبراطورية الايرانية القديمة كانت تسيطر على معظم ضفتي الخليج في معظم الحقب التاريخية وان التكوين الحديث لبعض دول المنطقة انبثق من تفاهم سياسي مع بريطانيا قبل انسحاب الاخيرة من المنطقة نهائياً في العام 1971. 2 - مصاعب التعامل مع حكومة دينية: واجهت دول المنطقة مصاعب في التعامل مع الحكومة المحافظة في ايران في عهد الشاه بسبب علاقاته الوطيدة باسرائيل ودوره العسكري الاقليمي الطموح الذي رسم مع الغرب في اطار الصراع الدولي الذي كان قائماً. وواجهت دول المجلس صعوبات في التعاون مع الحكومة "الثورية" في ايران في عهد الجمهورية الاسلامية. بل ربما زادت هذه الصعوبات. ويمثل التعامل مع حكومة او سلطة دينية او يسيطر عليها رجال الدين مشكلة لعدد من حكومات الدول المجاورة ليس فقط بسبب الطابع "الايديولوجي" لهذه الحكومة ولضعف العنصر السياسي "الاحترافي" في تقاليد تعاملها الخارجي ولكن ايضاً لاتصاله بمسألتين او ظاهرتين حساستين: الأولى تفاوت، بل أحياناً تناقض، المواقف التي تخرج من طهران حيث تختلف لهجة المسؤولين الحكوميين خصوصا بعد تولي الرئيس هاشمي رفسنجاني قيادة الاتجاه البراغماتي بعد وفاة الامام الخميني عن لهجة الأئمة ورجال الدين وأعضاء مجلس الشورى البرلمان تجاه قضايا السياسة الخارجية وتجاه دول المجلس خصوصاً. ووصل الأمر بأحد اعضاء مجلس الشورى العام الماضي بعد بيان قمة ابو ظبي الى التشكيك في شرعية دول المنطقة ووجودها السياسي والتلويح بسلاح التفوق السكاني! اما الظاهرة الثانية الحساسة المرتبطة بالتعامل مع سلطة دينية فتتمثل في وجود مخاوف حقيقية لدى بعض دول المنطقة خصوصا مع ملاحظة النمو الملموس لظاهرة التطرف الديني وعدم الاستقرار في مصر والجزائر من ان تكون الحكومة الدينية في ايران وراء دعم الحركات الاصولية المتطرفة في العالم العربي والمنطقة. 3 - النزاعات وسباق التسلح: اهم مصادر عدم الثقة في العلاقات الايرانية - الخليجية النزاعات القائمة والكامنة على الحدود والمياه والجروف الاقليمية بين ايران وعدد من دول المنطقة. وإذا كان النزاع على شط العرب والحدود البرية مع العراق هو اكبر هذه النزاعات بدليل انه قاد الى الحرب الطويلة بين العراقوايران، الا ان النزاع على الجزر الثلاث مع الامارات العربية المتحدة ونقاط اخرى معلقة يثبت ان هذه النزاعات ذات طبيعة معقدة وقادرة على توليد الشكوك وعدم الثقة باستمرار. وقد ضاعف من هذه الحالة في العامين الاخيرين ما سجله بعض الجهات الخليجية من قلق ازاء تصاعد عملية التسلح الايراني في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية والتي شملت انفاق مليارات عدة من الدولارات على شراء طائرات متطورة وغواصات. ومن المعروف ان سباق التسلح الاقليمي كان ولا يزال مصدراً لتكريس مشاعر الشك وعدم الثقة بين دول منطقة معينة. ثانياً - تفاوت مواقف دول المجلس من طهران: تتفق دول المجلس كمجموعة اقليمية في الحد الادنى او المواقف الاساسية من ايران ويعتبر دعم الدول الاعضاء موقف الامارات وحقها في السيادة على الجزر الثلاث نموذجاً واضحاً على ذلك. لكن هذه الدول تملك تصورات مختلفة لمدى "جدية" المخاطر التي تمثلها الجمهورية الاسلامية الايرانية على امن دول المنطقة ومصالحها، والوسائل التي ينبغي اتباعها في التعامل معها وفي درجة "التعاون" معها في هذه المرحلة. كما تتفاوت التصورات ايضاً في ما يتعلق بنمط العلاقات الثنائية معها. ويمكن بلورة دوافع التفاوت في الرؤية ثم عناصرها ونتائجها من النقاط الرئيسية الآتية: اختلاف الخبرة التاريخية: هناك اختلاف ملحوظ في نوع الخبرة التاريخية خصوصا المعاصرة التي كونتها كل دولة من دول المجلس مع ايران. ويقود هذا الاختلاف بالتالي الى "ادراك" مختلف لنمط علاقة كل دولة مع الجمهورية الاسلامية. اختلاف الموقع ودرجة القرب: على رغم مجاورة ايران كل دول المجلس، الا ان الحاح عنصر الجغرافيا على العلاقات التي تربط ايران بسلطنة عمان التي تقع على مرمى حجر منها وتتشارك معها في الاشراف على مضيق هرمز الدولي الذي يعتبر اهم مضيق استراتيجي في العالم بسبب صادرات النفط التي تعبره يومياً، يختلف عن الحاح العلاقات التي تربط ايران بدول اخرى. حجم المصالح المشتركة: يتأثر هذا البعد الى حد ما بدرجة القرب الجغرافي وحجم المصالح المشتركة بين ايران ودولة كقطر تقع اهم حقول الغاز الطبيعي التابعة لها في مناطق بحرية قريبة من الايرانيين. كذلك فان المصالح التجارية الكبيرة للامارات، خصوصا امارات دبي من تجارة اعادة التصدير والتي تجعلها اهم شركاء ايران التجاريين هي مصالح كبيرة مقارنة بمصالح او المبادلات التجارية للجمهورية الاسلامية مع دول اخرى. مستوى تقنين العلاقات: تتفاوت دول مجلس التعاون الخليجي كذلك في مستويات تقنين علاقاتها مع ايران. ففيما نجد ان هذا التقنين صريح جدا ومستقر في صورة معاهدة حدود دولية للجرف القاري مع عمان وقعت في تموز/يوليو 1974 في عهد الشاه وأقرت في ايار/مايو 1975، وفي صورة بيان مشترك في 7 آذار مارس 1974 صدر بعد زيارة قام بها السلطان قابوس لطهران ووضع اسس التعاون المشترك لتأمين سلامة الملاحة في مضيق هرمز، لا نرى التجربة ذاتها بالنسبة الى دولة الامارات فالاتفاقية نفسها الموقعة بين الشارقة وايران كانت موضع تفسيرات متناقضة. فيما اكدت الشارقة سيادتها على جزيرة ابو موسى تمسك شاه ايران ومن بعده الجمهورية الاسلامية بادعاء السيادة على ابو موسى. استمرار وجود نزاعات جوهرية: بينما انهت دول خليجية كعمان والى حد ما قطر نزاعاتها الجوهرية مع ايران لم يحصل الامر نفسه بالنسبة الى دول اخرى كالامارات. واستمر بعض الملفات عالقا بين الجمهورية الاسلامية ودول اخرى. بين التشدد والاعتدال هذا التفاوت الطبيعي في رؤى دول المجلس للعلاقات مع ايران قاد الى تعدد وجهات النظر في المسائل الآتية: درجة جدية المخاطر او الاطماع الايرانية: فيما تسلط الامارات الضوء على حجم هذه المخاطر، وربما بسبب ازمة الجزر، تقلل عُمان والى حد ما قطر من هذه المخاطر، وترى انها لن تصل أبداً الى حد "تصور ان تقوم ايران بغزو عسكري لمنطقة الخليج" وترى انه من "قبيل تضييع الوقت السماح بتصديق مقولات تاريخية عن مطامع لن يعود التاريخ اليها مرة اخرى". التفاوت في تفسير الخطوات او المواقف الايرانية: وضعت دول خليجية تحركات ايران ومواقفها تحت المجهر فاعتبرت مثلاً اعلان البرلمان الايراني في شهر نيسان ابريل الماضي ان المياه الاقليمية الايرانية تمتد لمسافة 12 ميلاً بحرياً بمثابة اعلان غير مباشر للسيطرة او السيادة على مدخل الخليج وبحر عُمان. نظرت اليه دول خليجية اخرى كالسلطنة التي تشارك ايران في امن مضيق هرمز على انه غيرذلك. وفي حين ابدت دوائر خليجية قلقها البالغ من التسلح الايراني المتزايد، وصفته دوائر اخرى بأنه يأتي في اطار عملية التسلح المتزايدة في المنطقة كلها بفعل شعور كل دولة ب "ثقل الاخطار الامنية واتجاهها الى اقتناء ما يمكن اقتناؤه من اجل الدفاع عن المصالح التي قد تعتبر مهددة". وسائل التعامل: في حين سعى بعض دول المجلس الى التأكيد على فكرة الربط بين تحسين العلاقات الخليجية مع ايران وحل مشكلة الجزر، سعت دول اخرى الى التركيز على ضرورة اعتماد وسائل الحوار وبناء الثقة واعطاء الاشارات الايجابية لطهران سواء على مستوى قضية الجزر "التي لا حل لها سوى التفاوض" او على مستوى مجمل العلاقات الخليجية - الايرانية. ودعا مسؤول عُماني مثلاً "الى مواصلة الاتصالات ومواصلة الحوار مع ايران حتى مع وجود اختلافات في وجهات النظر على بعض القضايا لأن من المفيد ان يستمر الاتصال والحوار بما يمكن من الاتفاق على ما يمكن الاتفاق عليه وبقاء ما هو مختلف عليه مختلفاً عليه". الدعوة الى تطوير المصالح: ليس في دول المجلس من يختلف مع الآخر على وجود مصالح اقتصادية ونفطية وسياسية وأمنية مهمة مع ايران ينبغي الاهتمام بها وتنميتها، لكن الخلاف هو هل ينتظر مسار تطوير هذه المصالح حل المشاكل السياسية العالقة وازالة مناخ عدم الثقة ام يتم البدء به على امل ان يساعد هو بما سيخلق قاعدة مصالح وروابط في تسهيل تسوية الخلافات الحدودية وغيرها. ويرى بعضهم ان ثمة فرصة كبيرة لدول الخليج تتمثل في السوق الايرانية الواسعة ذات القدرة الاستهلاكية الكبيرة التي يمكن الصناعات الخليجية وتجارة اعادة التصدير من دول الخليج تحقيق منافع مهمة منها. كذلك يمكن دول المجلس الحصول على واردات زراعية رخيصة من ايران كدولة منتجة للفواكه والخضروات. وهناك ايضاً الافادة منها معبرا للتجارة الخليجية الى السوق الواسعة في دول آسيا الوسطى الاسلامية الجديدة. ولكن في انتظار تقارب التصورات الخليجية ومؤشرات ايجابية من طهران "وما لم تحدث تغييرات مفاجئة غير متوقعة"، يتوقع ان يستمر النمط الحالي للعلاقات الخليجية - الايرانية خلال العام الجديد.