ان تعارض الجمهورية الاسلامية في ايران "أي تحرك ينتهك وحدة أراضي الدول"، في دعوتها الى انهاء التوغل التركي في شمال العراق، فذاك مبرر. وأن تتمسك في اللحظة ذاتها باعتبار طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى "جزءاً لا يتجزأ من أراضيها"، فذاك مجرد "مصادفة"، تتكرر كما في الدعوة الايرانية الى "تحرير كل الأراضي العربية المحتلة". وأبعد من تعريف الاحتلال والتعامل معه. بمكيال واحد، طالما طلبته ايران من العالم لانصافها على مدى عقدين، فإن اعترافها بوجود "مشكلة" مع الإمارات تتطلب حلاً، نصف خطوة كبيرة. وما صدر من طهران عشية اجتماع اللجنة الثلاثية الخليجية اليوم، لوضع آلية مفاوضات مباشرة بين ايرانوالإمارات على الجزر، بدأ رافضاً وساطة مجلس التعاون الذي يسعى الى تأمين مظلة لهذه المفاوضات، ثم "تراجع" ليقبل دوراً للجنة في "تشجيع الإمارات" على بدء محادثات، كأنها هي التي ترفضها. وإذ يختصر الفارق بين المفاوضات والمحادثات نوع النزاع بين البلدين، ومنحى الأزمة المتجددة، تواجه اللجنة السعودية - القطرية - العمانية اختباراً شاقاً في ابتكار الآلية الخليجية التي ستقنع طهران بأن الوقت حان لمعالجة النزاع على الجزر، وتطمئن الإمارات الى أنها لن تكون وحيدة، كما في البيان الوزاري الأخير. لم يكن من الحكمة في هذه المرحلة ان تهدد دول مجلس التعاون بوقف التقارب مع إيران - خاتمي إذا لم تستجب دعوات الإمارات الى التفاوض أو اللجوء الى التحكيم، فلغة التهديد لا تنسجم مع بناء الثقة، بعدما عانت العلاقات الخليجية - الإيرانية سنوات من التوتر والتأزم والشكوك. والتهدئة لإعادة التوازن الاقليمي الصعب في الخليج يفترض أن يقابلها ابتعاد طهران عن التشدد في ملف الجزر، مثلما انحسر هذا التشدد في موقف الجمهورية الاسلامية من عملية السلام، وبالتالي افسح في المجال أمام تطبيع العلاقات الايرانية مع دول عربية، أو التمهيد لتطبيعها عبر الفصل بين مقتضيات التقاء المصالح، وارتباط هذه الدول كالأردن ومصر بالتسوية في الشرق الأوسط. قادة ايران أقروا بأنهم تذوقوا ثمرة التعاون والتنسيق مع السعودية، فأثمرا في لجم هبوط أسعار النفط، لمصلحة البلدين والدول المصدرة عموماً. بالتالي تصلح تلك التجربة نموذجاً في معالجة أزمات المنطقة، حيث الجميع مقتنع بأن أهل الخليج وحدهم دفعوا ثمن غياب الأمن الاقليمي، واستعادة التوازن ليست "صفقة" من طرف واحد. لذلك يأمل الخليجيون بأن ترد ايران على سياسة التقارب التي يعتمدها مجلس التعاون، عبر مزيد من الحوار لحماية الاستقرار في المنطقة من رياح الخارج، وطي صفحة الشكوك وانعدام الثقة. لذلك أيضاً، ان قبول طهران حواراً مع اللجنة الثلاثية التي قد تدرس لقاء الرئيس محمد خاتمي، سيكون محكاً عملياً لاختبار جديتها في انهاء النزاع على الجزر الذي لم ترَ فيه أكثر من "سوء تفاهم" ثم أقرت ب"مشكلة". وإذ نجحت دول مجلس التعاون في طمأنة الإمارات الى عدم تجاهل الانفتاح على ايران قضية الجزر، أو القفز من فوقها، وتأكيد ابقائها تحت مظلة المجلس، يبقى ان تدرك حكومة خاتمي ان سياسة اليد الممدودة من الضفة الجنوبية للخليج فرصة للجمهورية الاسلامية لتصفية النزاعات مع الجيران، على قاعدة الاعتراف بمصالحهم.