بولندا التي قادت دول أوروبا الشرقية في معركة التخلص من الحكم الشيوعي في 1989 عادت في الانتخابات الأخيرة فأعطت اتحاد اليسار الديموقراطي الذي تشكل ليخلف الحزب الشيوعي السابق الصدارة في حياة البلاد السياسية. ولم يكتف الناخب البولندي بذلك بل أعطى المرتبة الثانية لحزب المزارعين حليف الشيوعيين المزمن في السلطة سابقاً، تاركاً الأحزاب اليمينية والدينية ومرشحي نقابة "تضامن" التي قادت معركة الثمانين ضد الشيوعية خارج البرلمان. ولم يسلم من الكارثة من القوى التي تعاونت لاطاحة الشيوعية، وبشق النفس، سوى الاتحاد الديموقراطي بقيادة رئيسة الوزراء هانا سوخوتسكا التي تقضي أيامها الأخيرة في السلطة. وشفع للمجموعة الليبرالية أنها قطعت علاقاتها تماماً مع "تضامن"، الا أنها لم تحز على رغم ذلك الا على نحو عشرة في المئة من الأصوات، مقابل أكثر من عشرين في المئة للشيوعيين السابقين و15.5 في المئة لحزب المزارعين. وكان العنصر الحاسم في التحول عن اليمين والليبرالية المصاعب التي تلاقيها قطاعات واسعة من البولنديين بسبب برنامج الاصلاح الاقتصادي والتحول الى اقتصاد السوق، وما يرافقه من انتشار البطالة وانحسار المستوى المعيشي للكثيرين. والمفارقة ان الانتخابات جاءت في الوقت الذي بدأت الاصلاحات في انعاش الاقتصاد، حيث يتوقع له أن يسجل في نهاية السنة نمواً بنسبة 4.5 في المئة، وهي النسبة الأعلى في أوروبا. ويعني فوز الشيوعيين السابقين انهم سيحصلون في البرلمان الذي يتكون من 460 مقعداً على 173 مقعداً، مع 128 مقعداً لحزب المزارعين و42 مقعداً لتنظيم اتحاد العمال اليساري المرشح للتحالف مع الحزبين في حال موافقتهما على الائتلاف وتسلم السلطة. وعلى رغم هذه الغالبية النظرية المريحة يرى المراقبون ان تشكيل ائتلاف يساري لن يكون بالأمر السهل بسبب الخلافات بين الأطراف، خصوصاً ان المزارعين يطالبون بالعودة الى دعم أسعار المنتجات الزراعية. كما ان تحالفاً يسارياً سيحتاج الى غطاء لييرالي يضمن استمرار تدفق القروض والاستثمارات الغربية الى اقتصاد بولندا. وبادر الاتحاد الديموقراطي الى قطع الطريق أمام احتمال كهذا بتأكيده عدم المشاركة في أي ائتلاف، محملاً الأحزاب اليسارية مسؤولية "ايقاظ تطلعات اجتماعية يستحيل تلبيتها في الظروف الراهنة"، في اشارة الى وعود الشيوعيين السابقين برفع مستوى الاعانات للعاطلين عن العمل وصيانة المستوى المعيشي للعمال، خصوصاً في القطاع العام.