سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ندوة "الوسط" في القاهرة عن السياسة الأميركية في الشرق الاوسط . أجهزة أميركية تحمي "الأفغان العرب" وحقوق الانسان تحولت الى سلاح سياسي للتدخل في شؤون الدول 4 من 4
في الحلقة الثالثة من ندوة "الوسط" عن السياسة الاميركية في الشرق الاوسط طرحت تساؤلات عن فرص الولاياتالمتحدة في النجاح في تطبيق سياسة "الاحتواء المزدوج" للعراق وايران، وامكان ايجاد آلية خاصة بأمن الخليج، في الوقت الذي "ضبطت" واشنطن مسار النزاع العربي - الاسرائيلي من خلال مفاوضات السلام. وفي هذه الحلقة الرابعة والاخيرة تطرح "الوسط" محور العلاقة بين ادارة الرئيس بيل كلينتون وانظمة عربية تواجه تهديد ظاهرة الارهاب والعنف، وسط تنامي التيارات الاسلامية ومعها القوى المتطرفة التي تسعى الى قلب أنظمة الحكم بالقوة. ويناقش المشاركون في الندوة تجربة مصر، ويرى بعضهم ان اجهزة اميركية تؤمّن الحماية لپ"الافغان" وأن قوى دولية تتبنى الدفاع عن حقوق الانسان ذريعة للتدخل في شؤون الدول، وتستخدمها بالتالي سلاحاً سياسياً. شارك في الندوة السادة: صلاح بسيوني رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط في القاهرة، مؤسس المعهد الديبلوماسي التابع لوزارة الخارجية المصرية، واللواء احمد فخر مدير المركز عضو الوفد المصري الى لجنة ضبط التسلح المنبثقة من المفاوضات لمتعددة الاطراف، والسفير اشرف غربال مستشار الرئيس السابق انور السادات سفير مصر سابقاً لدى واشنطن، وجميل مطر مدير المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل، وتحسين بشير مندوب مصر لدى الجامعة العربية، سفيرها الى كندا سابقاً، والكاتب الصحافي محمد سيد أحمد. المحور الاخير في هذه الندوة هو العلاقة بين الولاياتالمتحدة والأنظمة الصديقة في المنطقة في مواجهة بعض التحديات الداخلية، وأولها ظاهرة العنف والارهاب، فهل تعين الولاياتالمتحدة دولاً صديقة في مواجهة مثل هذه الظاهرة من دون شروط؟ - تحسين بشير: سأستعير من محمد سيد احمد لفظ اشكالية، لأن هناك اشكالية بين الولاياتالمتحدة والعالم الاسلامي. الاسلام يطرح مشكلة متعددة الاطراف بالنسبة الى الغرب يصعب فهمها والتعامل معها. في الخمسينات كان التيار الاسلامي شيئاً جميلاً جداً لأنه ضد الاشتراكية والقومية، وأحلاف كحلف بغداد كانت مهمة جداً لأنها كانت مثل استخدام الموروث في محاربة الجديد، وحين دخل التيار الاسلامي افغانستان كان شيئاً جميلاً جداً، والاميركيون تعاونوا في تدريب المجاهدين ودعمهم. ان يكون نظام الدولة اسلامياً بالمعنى التقليدي شيء مقبول للغرب، والمصدر الرئيسي للاشتراع في الدستور المصري مثلاً هو الاسلام، لكن الظاهرة الجديدة هي بروز قوى محلية لا تعتمد على اي قوى اجنبية، تسعى الى قلب نظام الحكم الموالي للغرب وتسيطر عليه وتعادي الغرب. وكانت اول تجربة مريرة للولايات المتحدة هي ايران التي تختلف عن دول عربية تواجه الآن مشكلة التطرف. ايران كانت دولة غنية والشاه تركها وفي خزينتها عشرة بلايين دولار، وأميركا كانت تدرب فيها رجال الاستخبارات والجيش والأمن الداخلي ولها يد في التعليم والجامعات. لكن هذه التجربة فشلت، وإيران ما زالت مصدر مشكلة، ولو كان هناك تمييز بين رفسنجاني ومنتظري وأحمد خميني فالمشكلة قائمة. والسؤال المطروح ماذا يحدث في العالم الاسلامي اذا وصلت الى الحكم جماعات متطرفة؟ انقسم الخبراء الاميركيون الى مدرستين: مدرسة تقول ان قيام نشاط اسلامي سيؤدي الى تقليص سلطة الحكومة المركزية ويحصل حوار، والدليل ما حدث في الاردن حيث سمح بقيام احزاب اسلامية ولم تحدث مشكلة، والعكس ما حصل في الجزائر حيث تفوق الاسلاميون في الانتخابات واضطرت الحكومة الى ان تتدخل بالقوة وتبطل نتائج الانتخاب، وسكتت اميركا كأنه لم يحدث اعتداء عنيف على الحريات الفردية. هذه اشكالية بالنسبة الى اميركا. وهناك اتجاه اميركي آخر يدعم عدداً من المتطرفين الصهيونيين، يرى ان الاسلام خطر جديد وانه سيقلب الشرق الاوسط، وان جميع الاسلاميين مثل "حماس" يرفضون السلام ولا بد من محاربتهم محاربة كاملة، وأن كل الحركات الاسلامية معتدلة كانت ام متطرفة ترفض التعاون مع الخارج، وبالنسبة اليها العالم منقسم الى دار سلام ودار حرب. وبين هذين الاتجاهين تقول السياسة الاميركية انها ليست ضد الاسلام بل ضد التطرف. والاشكالية الآن ماذا يحدث لكل افكار الأمن اذا جاء الخطر من داخل جماعات اسلامية، علماً ان بعض الجماعات الاسلامية التي تدعي حقوق الانسان ترفضها بالمفهوم الغربي. يحدث ذلك في الوقت الذي لا تطرح التيارات الاسلامية المعتدلة فكراً، فلا يوجد مثلاً محمد عبده والكلام الصادر عن الدوائر الاسلامية التقليدية والازهر والمعاهد الدينية لا يؤثر في اجيال جديدة نشأت في ظل تجربة 1967. 11 اشكالية بعض المفكرين الاسلاميين المعتدلين يطرح برامج سياسية فيها قدر من التماسك. في مصر مثلاً مجموعة كمال ابو المجد وطارق البشري وفهمي هويدي، وطرح ابو المجد برنامجاً سياسياً لمثل هذه المجموعة. - تحسين بشير: انا اتحدث عن التطور في المفهوم الاميركي، وكما قلت هناك مدرستان، احداهما ترى جوانب ايجابية في الظاهرة الاسلامية لتطوير الديموقراطية والحد من السلطة المركزية، والأخرى ترى في الظاهرة خطراً تحاول ان تستغله كبديل من الخطر السوفياتي الاحمر، والمجموعة الاسلامية التي اشرتم اليها - وكل افرادها اصدقائي - لم تقترح حلاً لأي مشكلة. هم يطلبون التفكير في المشاكل، وسألت كمال ابو المجد اين حلولك؟ حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الاسلامية صديق لي طرحت عليه عندما جاء الى مصر 11 اشكالية فأقر بوجودها، فقلت له: اذاً اين حلولك؟ فرد قائلاً: انضم الينا لنحاول حلها معاً. المشكلة ان هذه الجماعات تريد الحكم اولاً ثم البحث عن الحلول الاسلامية، لكن ما طرح ايام الافغاني ومحمد عبده كان مختلفاً، ولو وجد هذا الفكر الاسلامي الذي يجدد في اطار العصر للقي تأييداً غربياً واسعاً. الآن هناك نظم تستند الى مفهوم اسلامي تقليدي يتحداه جيل جديد او اجيال وأطراف منها تستخدم الارهاب. والارهاب مرفوض، لكن معالجة الدول العربية لمشكلته بالوسيلة الامنية فقط تعتبر غير مقبولة لدى الولاياتالمتحدة. ما المقصود بعدم قبول الجانب الاميركي؟ - تحسين بشير: درست بدقة اسلوب معالجة الاعلام الاميركي لأعمال الارهاب في مصر، ووجدت ان فيه نوعاً من الانحياز غير أمين، تحدثت اخيراً في ندوة مجلس المراسلين الاجانب في نيويورك وقلت لهم انهم يمارسون انحيازاً من خلال طريقة الطرح. فالقول ان هناك تهديدات من جماعات متطرفة لا غبار عليه، لكن ان تطرحها بطريقة إما وإما، فهذا خطأ وفيه انحياز يرجع جانب منه الى انهم محتاجون الى عدو، وربما عاد جانب منه الى كونه موضوعاً جديداً مثل الشيخ عمر عبدالرحمن الذي اصبح في اميركا اشهر شخصية مصرية بعد انور السادات. لكن هناك جانباً آخر، فالاعلام المصري اساء طرح عملية الارهاب والاعتداء على سياح، فلم يكن هناك داع لاظهار ان السياحة في خطر، لأن وكالات الانباء نقلت ذلك، ففي دول مثل اسرائيل واسبانيا وفي فلوريدا الاميركية مات اشخاص اكثر مما حدث في مصر. الاعلام المصري اساء معالجة الموضوع في الوقت الذي لا يؤيد الشعب المصري بكل طبقاته الارهاب، بل يؤيد القضاء على الارهاب. فشل... وحاجة الى مراجعة والولاياتالمتحدة لا تريد زعزعة نظم الحكم الصديقة فلا مصلحة لها في ذلك، لكن هناك تخوفاً اميركياً من ان هذه الانظمة قد لا تستطيع حل هذه المشاكل بالطريقة التي تتبعها. مثلاً فشلت اعلامياً في ان تطرح على العالم انها حققت "معجزة" هي استيعاب زيادة في السكان بلغت 14 مليون شخص منذ عام 81، والآن استوعبنا عدداً يفوق عدد سكان اسرائيل والفلسطينيين تحت الاحتلال وفي الخارج وسكان الاردن ولبنان ومع ذلك لم يحدث توتر في مصر، ولكن فشلت اجهزة الاعلام وأجهزة الخارجية في ان تطرح على العالم "المعجزة" المصرية. مصر لها رسالة حضارية تؤديها، حتى في خلافاتنا هناك الكثير من الانسانية، لكن التشنج ضد الارهاب لا يعني ان الادارة الامنية ناجحة، الادارة الناجحة لا تستخدم التشنج. اذاً نحن نحتاج الى مراجعة مصرية، مراجعة اميركية لفهم سبل التعامل مع الاسلاميين. اعتقد ان مصر - بصرف النظر عن الاخطاء - لا تواجه خطر استيلاء المتطرفين على الحكم، فهذا وهم اميركي. الدولة في مصر اقوى بكثير من جماعات المتطرفين، لكن هناك قصوراً في استشعار الدولة لهذه الظاهرة منذ بدأت اواخر عهد السادات، ونحن في حاجة، كما قال الرئيس حسني مبارك الى ان ننزل الى الشارع. يطرح بعض الاميركيين فكرة ان كل مسلم هو عربي وكل عربي هو مسلم، في اطار ما ذكر الآن عن النظريات التي تطرح بقوة في مراكز البحوث وبعض وسائل الاعلام الاميركية وتحاول تصوير الاسلام باعتباره العدو الجديد الذي يمكن ان يحل محل الشيوعية. كيف يمكن تفسير تلك الفكرة؟ - أشرف غربال: الولاياتالمتحدة دخلت تجربة مريرة جداً في عهد جيمي كارتر عندما حاول ان يتقرب من الحركات الاسلامية في ايران، واعتقد انه سيجد ارضية للتفاهم معها وبالتالي يحصل تغيير هادئ، بخلاف ما حدث وكان العامل الأول في عدم فوزه بولاية رئاسية ثانية. وأكثر من يعرف هذا الموضوع عن كثب هو الوزير وارن كريستوفر الذي كان المفاوض الرئيسي في هذه العملية مشكلة الرهائن الاميركيين الذين احتجزوا في طهران وأعتقد ان الولاياتالمتحدة خرجت بنتيجة واقتنعت بضرورة التعرف الى اهداف هذه التنظيمات والجماعات قبل السعي الى التفاهم معها. هذا ما يحكم تصرف الاميركيين الآن، وهم في حيرة. والتجربة الجزائرية ذات دلالة بالنسبة اليهم، من حيث اتباع طريق ديموقراطي يؤدي الى تقويض الديموقراطية. فكيف يمكنهم ان يساندوا مثل هذه الحركة وهذا التطور، لذلك يغمضون عيونهم عما هو حاصل في الجزائر لجهة حقوق الانسان، لأن الهدف الرئيسي في النهاية هو المحافظة على هذه الحقوق في اطار استقرار، وليس استغلال حقوق الانسان لقلب نظام الحكم وادخال التطرف. اما التجربة الاردنية فتمثل نموذجاً آخر قد ينجح في دول اخرى. دولة عظمى... ساذجة؟ وهناك سؤال لا شك في انه يحير كثيرين من المصريين، ويتعلق بموقف اميركا من الارهاب في مصر ومن الشيخ عمر عبدالرحمن قبل توقيفه وأنا من الذين تساءلوا: هل من المعقول ان يخطئ الاميركيون اربع مرات، مرة باعطائه تأشيرة من مصر، وثانية بمنحه تأشيرة من السودان، وثالثة بالسماح له بالدخول ومرة رابعة باعطائه البطاقة الخضراء الخاصة بالاقامة. واذا كان هناك من يريد ان يحسن الظن بالاميركيين يقول ربما ارادوا ان يراقبوا شبكة اتصالات عبدالرحمن ويتعرفوا الى تفكيره وأيديولوجيته. طرحنا هذه الفكرة على بعض الاميركيين وسألناهم هل هذا تفكيركم، فقالوا هذا وارد، لكن السؤال الثاني المطروح هو ألم يكن لديهم اي تقدير لتأثير ذلك على الشخص نفسه وعلى اتباعه، وهل يمكن ان يحمله على التفكير في ان تحتضنه اميركا وتحتضن حركته، وبالتالي تحويله الى دور يمكن اللعب به في المستقبل. لا اتصور ان اي دولة خصوصاً دولة عظمى، في مثل هذه السذاجة. والأقرب الى الظن انهم في الاطار العام يريدون ان يعرفوا كيف يتفاهمون في حال وجدت ارضية للتفاهم، والدليل الموضوع المطروح في الندوة: التفاهم مع الدول الاسلامية المعتدلة، فما هي درجة الاعتدال التي يريدون الوصول اليها؟ اعتدال في المحافظة على حقوق الانسان وسلوك اسلامي لا يتعارض مع النظم الديموقراطية في العالم ومع الاستقرار، ام هي عملية ثورة تطيح النظام القائم وتقلب الامور رأساً على عقب وتحكم بأفكار متطرفة اكثر منها افكار دينية ترمي الى الخير والابتعاد عن الشر؟ انا اعتقد ان الولاياتالمتحدة لم تجد بعد رداً على هذا السؤال، وتسعى الى الحصول على ردود تتجمع في النهاية للكومبيوتر لتعطيه صورة اوضح، ولو كان على اميركا ان تختار بين حقوق الانسان والدفاع عنه وتأخير الديموقراطية بمعنى مواجهة الحركات الاسلامية المتطرفة فهي تختار إغماض العين عن حقوق الانسان في هذه المرحلة لأن الأولوية هي للاستقرار. اما الخلط بين العرب والاسلام فأسميه خلطاً متعمداً، وفي كثير من الاحيان ينبني على عدم معرفة او جهل. وهناك النظرة التقليدية الى العرب باعتبارهم متخلفين، وهي الصورة التي تضعها الاستوديوهات مثل هوليوود، وما زالت تسيطر على التفكير الاميركي لبساطته. التباسات وسوء ادراك كيف يقوّم محمد سيد احمد العلاقة بين الموقف الرسمي الاميركي وموقف وسائل الاعلام الاميركية، علماً ان بعض الدوائر الرسمية العربية يعتقد بتطابق الموقفين؟ - محمد سيد احمد: ارى ان هذا اسقاط على اميركا لممارسات مألوفة عندنا تؤدي الى عجز عن تصور امكان وجود تمايز، علماً أن اللعبة الاميركية ليست كذلك. نحن في صدد سوء تفاهم مع اميركا في الظروف الحالية. سوء تفاهم أم سوء فهم؟ - محمد سيد احمد: اعني التباسات، وكل طرف لديه سوء ادراك، ويفترض نوعاً من سوء النية لدى الطرف الآخر. مثلاً قد تتصور مصر الآن، خطأ او صواباً، أن الادارة الاميركية الجديدة وهي تواجه مشاكل اقتصادية قد تتساءل هلا كان الاستثمار في مصر يحقق العائد وتربطه بالاستقرار وفق الحد الادنى الذي تراه، خصوصاً ان هناك حديثاً عن خفض المعونة الاميركية. طبعاً هناك ما يبرر هذا الاحساس، والمبرر الأساسي للمعونة في الفترات السابقة استند الى ان مصر كانت استثناءً، وفي حال سلام مع اسرائيل. الآن كل الاطراف العربية تفاوض اسرائيل، ومصر لم تعد استثناء يكافأ. صحيح ان هدف المكافأة الاميركية لم يكن الاستقرار في مصر بل الحفاظ على عملية السلام - وهذه ما زالت مهمة قائمة خصوصاً ان احداً لا يستطيع ان يطمئن الى حتمية نجاح عملية السلام - لكن هناك احساساً بأن اميركا قد تفكر في هذا المحور. ولديها الآن مشاكل ازاء مصر، وترى ان الشكوك المصرية في سياستها بلا اساس. ربما كانت هناك علاقات في الماضي بين جماعات اسلامية في مصر واميركا بسبب افغانستان، وكانت لأجهزة اميركية ادوار في ترحيل بعض العناصر، اذ كان يهم الاميركيين اعطاء صورة أن المواجهة مع السوفيات لا تقتصر على باكستان وأفغانستان بل تشمل شعوباً اسلامية كثيرة عبر متطوعين. فنشأت علاقات بين اجهزة اميركية وأطراف متطرفة في المنطقة لمواجهة السوفيات، وعندما انتهى هذا الموضوع ظلت اطراف تملك علاقات او اتصالات سابقة، وهذا ما يعتقد بعضهم أن المقصود به خدمة مخططات اميركية في المستقبل. الخطر الآن ليس استيلاء قطاعات من التيار الديني المتطرف على السلطة، فهذا مستحيل، الخطر يكمن في مضاعفات التوتر القائم الآن، فهي من العوامل غير المحسوبة التي قد يكون لها وزن في تقرير العلاقات السياسية، وربما ترتب عليها سوء تفاهم او سوء فهم. باختصار، مضاعفات الجميع في غنى عنها في مثل هذه الظروف. اميركا تفرق بين اعتدال وعنف هل يمكن أن تحبذ الولاياتالمتحدة وصول حركات اسلامية معتدلة الى الحكم في بعض الدول العربية مستقبلاً، من خلال انتخابات توافقاً مع نموذج الديموقراطية؟ - جميل مطر: انوه بالعرض الممتاز الذي قدمه السفير اشرف غربال وأؤيده فيه تماماً. وأعتقد ان اميركا تفرق بين العنف والاسلام المعتدل ولا يمكن ان تؤيد عنفاً وارهاباً. هذا ليس من مصلحتها كدولة عظمى. وكلمة اميركا لا بد ان نأخذها ببعض التحفظ وان نحدد ما نعنيه بها: السياسة ام الدولة ام بعض اجهزتها. فأحياناً يفصل بعض الاجهزة في قطاعات معينة في امور لا تتعلق بالسياسة العامة الاميركية. واذا جئنا الى مسألة الاسلام السياسي أظن ان اميركا لا تقبل بفكرة الاشتراكية العالمية والدولة التي تنشر الاشتراكية في الخارج، لكنها تقبل الاشتراكية في قطر معين وتعاملت كثيراً معها كما مع النظرية الصينية القائلة باشتراكية داخل الصين. وايام القومية العربية تعاملت اميركا مع نظم قومية داخل اقطارها ما دام انها لم تسعَ الى نشر القومية. امتداداً لذلك قد تقبل نظماً اسلامية معتدلة داخل قطر او آخر، ولو اكتملت تجربة الانتخابات في الجزائر لربما قبلت اميركا نتائجها وقيام نظام اسلامي معتدل، لكنها لا تقبل نظاماً على النمط الايراني. لكن الموضوع في الجزائر مختلف حسبما كانت توحي به ممارسات جبهة الانقاذ. - جميل مطر: ربما، ولكن اذا جاء مثل هذا النظام ولم يمارس عنفاً قد تقبله الولاياتالمتحدة وفرنسا، وكان هناك استعداد لقبوله. اعتقد ان الاميركيين مستعدون للتعامل مع النظام السوداني لو اثبت انه لا يصدّر التيار الاسلامي والمشكلة في النهاية هي في هذه الدول نفسها، حيث هناك تناقض في التعريف. كلمة اسلام سياسي او حكومة اسلامية لا اساس لها في التاريخ، والاسلام داخل قطر واحد لم يوجد في التاريخ، بل كان دائماً دولة كبيرة. انتهاءً بالدولة العثمانية لم يكن هناك نظام اسلامي في قطر معين، فهذه ظاهرة جديدة منذ ايام الاستقلال. الاسلام عالمي لا يعرف حدوداً سياسية. عندما تتحدث الولاياتالمتحدة عن وضع شرط للاستمرار في تقديم مساعدات الى دول في الشرق الاوسط، مثل مصر او مصر واسرائيل، هل تطرح الفكرة نتيجة عجز هذه الدول عن التأثير في السياسة الاميركية بما يضمن استمرار المساعدات، ام ان اميركا كانت ستصل الى هذه النتيجة في كل الاحوال؟ - احمد فخر: كنت في واشنطن اخيرا وشعرت تماماً بالمدرستين اللتين تحدث عنهما السفير تحسين بشير في ما يتعلق بالموقف من العامل الاسلامي والجماعات الاسلامية المتطرفة. وادارة الرئيس بيل كلينتون، عندما تتحدث في جلسات الاستماع امام الكونغرس تتبنى المدرسة التي تشير الى جماعات التطرف الاسلامي في الشرق الاوسط، وليس العامل الاسلامي او نظم الحكم الاسلامية. وأشارت في ذلك الى حركة "حماس" التي كانت الولاياتالمتحدة اجرت حواراً معها الى ان حدثت الازمة الاخيرة فأوقفته، كما اشارت الى حركة "النهضة" في تونس والجماعات الاسلامية في مصر والجبهة الاسلامية للانقاذ في الجزائر. وهذا يؤكد قبول الولاياتالمتحدة التعامل مع نظم اسلامية معتدلة موجودة في المنطقة بدءاً من ماليزيا، ولن تقبل باستخدام العنف للاستيلاء على السلطة، واسقاط نظم صديقة سواء بطريقة ديموقراطية او عبر استخدام القنابل. فالمصالح الاميركية هي الأساس وستغمض واشنطن العين فترة قصيرة عن حقوق الانسان اذا اقتضت ذلك مصالحها. المساعدات لتحقيق المصالح نعود الى السؤال الخاص بالمساعدات ونتساءل هل يمكن اللوبي العربي ان يحافظ على مستواها ولا يسمح بأن تتقلص؟ لا اتصور ان ذلك ممكن. المساعدات الخارجية احدى وسائل تحقيق المصالح الاميركية، وأول ما فعلته ادارة كلينتون انها غيّرت رئيس الوكالة الدولية للتنمية وطلبت حصر اهداف الوكالة التي تدخل تحت 32 بنداً لئلا تزيد اكثر من خمسة او ستة بنود تتماشى مع التصور الاميركي الجديد. وأحد اهداف كلينتون ان يدافع عن مصالح مؤسسات الاعمال والتجارة الاميركية في اطار الصراع الاقتصادي المتوقع. من هنا فان خفض المساعدات يجب ان يكون مطروحاً في اذهاننا في كل الاوقات وعلى كل المستويات. اذكر هنا ان الولاياتالمتحدة تقدم قرضاً الى مصر لاستيراد القمح، وهذا القرض بفائدة بسيطة جداً تصل الى 2 أو 3 في المئة ويسدد بالعملة المصرية على مدى 30 - 40 سنة. انما من شروط القرض انه كلما قل القمح كان ذلك مؤشراً الى نجاح الولاياتالمتحدة في تنشيط زراعة القمح في مصر، ومع ذلك نعتبر ان اي خفض في المساعدات او القروض يعني تغيراً في السياسة الاميركية. وكما تفضل السادة في الندوة كانت المساعدات الاميركية مرتبطة بالسلام، وعملية المساعدات تدخل حوالي 26 مرحلة في الكونغرس غير مستويات الادارة، وكل مرحلة تبدأ بهذه العبارة: الادارة الاميركية تطلب من الكونغرس اعتماد مساعدات خارجية لكل من مصر واسرائيل لأنهما وقعتا على اتفاق سلام. ولكن في المرحلة المقبلة ستكون هناك عائدات لأطراف اخرى ستقيم سلاماً مع اسرائيل، اذاً اسرائيل موجودة ايضاً في المعادلة الجديدة لأنها طرف في السلام الجديد، ونقول ان لا خفض في المساعدات لعام 1994، فحين سئل وزير الخارجية الاميركي امام لجنة الاعتمادات التابعة للكونغرس هل زيادة المساعدات لروسيا ستؤدي الى خفض المساعدات لمصر واسرائيل اجاب بالنفي مستنداً الى خفض نفقات الدفاع الاميركي. مع ذلك اتوقع اعادة صياغة اميركية لمستويات المعونة الخارجية في المستقبل، وشروطها وأين تذهب، وهنا تأتي النقطة التي اشار اليها محمد سيد احمد عن القلق الاميركي من الاستثمارات التي وضعت في مصر في ظل مخاوف من عدم الاستقرار، والتصور الاميركي المبالغ فيه ان الجماعات الاسلامية قد تستولي على السلطة وبالتالي تأتي نظم تعارض المصالح الاميركية، وهذا يحمل اميركا على معاودة التفكير في مقاييس جديدة لأسلوب استخدام المعونات. المعونة الاميركية لمصر بدأت بمبلغ 815 مليون دولار مساعدات اقتصادية و500 مليون للبنية الأساسية و200 مليون للسلع و115 مليوناً مساعدة نقدية لدعم ميزان المدفوعات، والآن تم تحويل 200 - 300 مليون دولار للقطاع الخاص ما دام هناك تحول الى اقتصاد السوق. اذاً توجد مقاييس جديدة، وعلى قدر النجاح في فتح الاسواق الاميركية ومساندة التجارة الاميركية في السوق المستهلك فان سلعهم وفرص عملهم تزيد، والمصلحة الاميركية هي التي ستحدد. اذا وجدت الولاياتالمتحدة ان اقتصاد السوق والقطاع الخاص في مصر سيساعدان على تنشيط الاقتصاد الاميركي في مواجهة قوى اخرى في اطار الشرق الاوسط الجديد ما بعد تحقيق السلام، مثل اليابان وأوروبا الموحدة، ربما زادت المساعدات، لكنها في ظل الوضع القائم الآن ستحاول تغيير توجهاتها. فاذا تحقق سلام ولم تعد هناك تهديدات امنية قد تقل المساعدات العسكرية الاميركية وتزداد المساعدات الاقتصادية لتواجه ظاهرة التطرف الاسلامي التي يتردد ان البطالة وتدني مستوى الحياة يؤديان الى نموها. أياً يكن الامر، وبسبب المشاكل الاقتصادية الاميركية والحرب الاقتصادية المقبلة اعتقد ان المساعدات لدول العالم الثالث اذا لم تحقق مصالح اساسية مباشرة للولايات المتحدة سيتم التخلص منها تدريجاً بدءاً من عام 1996. افكار المجتمع المدني التي تجتهد دوائر اميركية كثيرة في الحديث عنها بوصفها وسيلة للاصلاح السياسي في المنطقة، هل يمكن ان تمثل دوافع داعمة للديموقراطية وحقوق الانسان في دول المنطقة؟ - صلاح بسيوني: الحديث عن حقوق الانسان والديموقراطية ومواجهة الاحزاب الدينية يذكرني بالتجربة اليمنية التي اعتقد انها فريدة. فالنظام اليمني فتح الباب خلال ثلاث سنوات امام التعددية الحزبية، وخرج الى جانب حزبي الجنوب والشمال الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام حزب الاصلاح الذي اعلن ان الاسلام هو الحل، واكتسب شعبية كبيرة جداً في البداية، لكنه اخذ يفقدها تدريجاً بل حدث فيه انقسام. وكانت النتيجة في الانتخابات ان الحزب لم يحصل الا على 20 في المئة تقريباً من مقاعد البرلمان، واذا تحدثنا عن الموقف الاميركي من الديموقراطية وحقوق الانسان، هذه التجربة اليمنية كانت محل متابعة دقيقة من الحزبين الجمهوري والديموقراطي اللذين بعثا بلجان لمتابعة الانتخابات. - تحسين بشير: بدعوة من الحكومة اليمنية؟ - صلاح بسيوني: نعم، ونتيجة المتابعة كانت ايجابية الى حد كبير. وبالنسبة الى مصر اعتقد ان الوقت حان لادخال تعديل على الدستور المصري والقوانين التي تحدد التعددية الحزبية، خصوصاً قانون الاحزاب، وأمام القيادة المصرية فترة سنتين حتى نهاية ولاية مجلس الشعب البرلمان الحالي لتفتح الباب امام التعددية وتسمح لكل من يريد حزباً ان ينشئه ويتحرك في العلن، وهذا كفيل بتصفية كل الاتجاهات المطروحة على الساحة السياسية، لتكون الانتخابات لاختيار مجلس شعب جديد في اطار ديموقراطي مختلف عن الاوضاع الحالية. لا بد من تعديل الدستور وتعديل قانون الاحزاب، وليس هناك وقت افضل من المرحلة الحالية. هناك اصوات تقول ان مصر تخوض مواجهة، نعم نحن في مواجهة لكنها لا تعني ان نستمر على المنوال ذاته والا سيطول بنا الوقت وتزداد الاتهامات بأن هناك خرقاً لحقوق الانسان. زوال مبدآ عدم التدخل قضية اخرى ايضاً لا بد من توضيحها، فحقوق الانسان لم تعد قضية داخلية نتيجة المواثيق الدولية التي تسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية، بل فرض العقوبات على الدول التي تخرق نصوص هذه المواثيق. وبالتالي حقوق الانسان اصبحت سلاحاً تستطيع من خلاله القوى المسيطرة على قرارات الشرعية الدولية ان تتدخل بصورة او بأخرى في الشؤون الداخلية لأي دولة وفرض عقوبات على الدول التي تخرق حقوق الانسان. اذاً لم يعد هناك مبدأ مطلق في القانون الدولي اسمه عدم التدخل في الشؤون الداخلية، هذا المبدأ انكسر وأتوقع تطورات تجعل حقوق الانسان متوازية تماماً مع الديموقراطية في السنوات المقبلة. وهنا يطرح السؤال: لماذا لم تتعاون الاجهزة الاميركية مع الاجهزة المصرية او اجهزة دول عربية اخرى في شأن العناصر التي تسمى "الافغان" وتعتبر مسؤولة عن عمليات الارهاب في مصر؟ ارى ان هناك قدراً من الحماية الاميركية لهؤلاء الاشخاص باعتبارهم كانوا عملاء للأجهزة الاميركية. - تحسين بشير: هناك ضعف في اجهزة الدولة المركزية في مصر. انا مع الاصلاح الدستوري والانتخابي، وهناك افكار صادرة عن جماعات لها علاقة بالسلطة سواء في البنك الدولي او برنامج المساعدات التابع للأمم المتحدة او مؤسسة فورد، قد تكون جيدة تستحق حواراً، لكنها تمارس تدخلاً دعائياً في مصر. حرية الرأي شيء وحرية الرأي المدعومة بتمويل خارجي وبتنظيم خارجي يعرض امن مصر لخطر شديد شيء آخر، فليس عمل الأممالمتحدة التدخل في شؤون الدول.