يواجه "بنك البركة الدولي المحدود"، المصرف الاسلامي الرئيسي العامل في اوروبا، ازمة كبيرة تهدد باقفاله بعد اكثر من عشر سنوات على انشائه كبنك بريطاني مُرخص له. اذ بعدما تبنى بنك انكلترا المركزي مقررات بازل المصرفية في تموز يوليو الماضي التي تشترط وجود رقابة مزدوجة على أي بنك اجنبي تمارسها السلطات المصرفية في البلد الأم بالتعاون مع السلطات المضيفة، اضطر بنك البركة الى تطبيق القوانين المصرفية الخاصة بالبنوك البريطانية لأنه ليس بنكاً سعودياً او فرعاً لبنك سعودي. لذلك تعين على رئيسه السيد صالح كامل ايجاد شركاء للبنك لأن بنك انكلترا المركزي لا يرضى بملكية فرد واحد لبنك مُرخص له بتسلم الودائع تجنباً لتكرار مشكلة المخالفات المالية التي أدت الى انهيار بنك الاعتماد والتجارة. وفي حال عدم عثور بنك البركة على شركاء، سيضطر الى اقفال ابوابه في نهاية شهر حزيران يونيو المقبل، وذلك بعد اعلانه اخيراً "التوقف عن قبول أية ودائع في المملكة المتحدة... واعادة جميع الودائع ابتداء من اول نيسان ابريل 1993". "الوسط" التقت رئيس "بنك البركة الدولي المحدود" ورئيس "مجموعة دلة البركة" السعودية السيد صالح كامل وحاورته عن المشكلة التي يواجهها البنك وسبل الحل المتاحة له. وهنا نص الحوار: بنك البركة الدولي بنك بريطاني مرخص له منذ العام 1981. هل تعتبر ان تبني بنك انكلترا المركزي لمقررات بازل المصرفية هو سبب الازمة التي تواجهكم الآن؟ - ان تبني مقررات بازل هو السبب الذي يعلنه بنك انكلترا المركزي، على رغم اننا لا نعتبر انه ينطبق علينا لأننا بنك انكليزي. نحن لم نقل ابداً ان "بنك البركة" بنك سعودي، ولا ندير اعمال البنك من السعودية، كما ذكرت مصادر بنك انكلترا اخيراً. وأنا صححت هذه المعلومات في الصحف البريطانية وقلت إنني أتحدى بنك انكلترا المركزي ان يثبت انني ادير "بنك البركة" من جدة في اي وقت كان. "بنك البركة" موجود هنا في لندن وله مجلس ادارة وعضو منتدب، وبالتالي فهو ليس بنكاً اجنبياً تُطبق عليه مقررات بازل. هل ترى ان انهيار بنك الاعتماد والتجارة قبل نحو سنة ونصف السنة، هو من الأسباب التي أدت الى زيادة الضغط عليكم؟ - قبل الاجابة على هذا السؤال أريد ان اوضح ان بنك الاعتماد والتجارة ليس بنكاً اسلامياً، ولكن انهياره اثر علينا بشكل غير مباشر. اذ كان من الطبيعي ان يؤدي اقفال هذا البنك الى قيام السلطات المصرفية بالتشدد في الرقابة ووضع معايير للعمل المصرفي. ولكن للأسف، فان مقررات بازل قد تؤدي الى تكرار مآسٍ، من النوع الذي واجهه بنك الاعتماد والتجارة، بدل ان تمنعها من الحدوث لأنها لم تحدد ان مسؤولية الرقابة على اي بنك تقع على عاتق السلطات المصرفية في البلد الذي يعمل فيه. وأنا اخترت اسلوباً للعمل عندما بدأت في "بنك البركة الدولي" قبل نحو عشر سنوات يمنع حصول مشكلة كتلك التي أدت الى اقفال بنك الاعتماد والتجارة. وعندما أردت ان اعمل في لندن قررت ان يكون "بنك البركة" بنكاً انكليزياً خاضعاً لرقابة بنك انكلترا المركزي. كذلك عندما أسست بنكاً في تركيا كان بنكي خاضعاً لبنك تركيا المركزي. ولدي 20 بنكاً لكل منها شخصية مستقلة ومجلس ادارة، وهي جميعاً تابعة للسلطات النقدية في البلد الذي تعمل فيه. ولهذا السبب لا يمكن لأسلوب العمل الذي اخترته ان يؤدي الى حصول تلاعب كالذي حصل في مسألة بنك الاعتماد والتجارة. اذ كان ذلك البنك مُسجلاً في اللوكسمبورغ ويعمل في نحو ستين بلداً مختلفاً، وظنت السلطات المصرفية في اللوكسمبورغ ان بنك انكلترا يراقب نشاطات بنك الاعتماد والتجارة بينما اعتبر بنك انكلترا ان ذلك يقع على عاتق السلطات في اللوكسمبورغ. لذلك فأنا أحذر مرة اخرى من ان مقررات بازل لم تضع حداً لهذه المشكلة لأنها لم تحدد أن المسؤولية على عمل البنوك تقع على عاتق السلطات المصرفية في البلد الذي تمارس فيه هذه البنوك نشاطاتها. هل تظن ان خسارة بنك البركة مبلغ 8،6 مليون جنيه استرليني، قبل حسم الضرائب عام 1991، هو السبب الذي دفع بنك انكلترا للضغط عليكم؟ - لا أظن ذلك لأننا بدأنا مفاوضاتنا مع بنك انكلترا قبل اعلاننا سير عملياتنا للعام 1991. وفي جميع الاحوال، فان المبلغ المذكور لم يكن خسارة فعلية بل احتسب احتياطاً لتغطية الديون. ومما يؤكد عافية البنك اننا استعدنا نحو ثلاثة ملايين جنيه استرليني في العام 1992. ولو كانت خسارة اي مصرف بعض امواله سبباً لاقفاله لكان بنك انكلترا اقفل عدداً من البنوك الانكليزية الكبيرة التي خسرت اخيراً بلايين الجنيهات الاسترلينية. هل تشعر بنوع من خيبة الامل لأن بنوكاً اسلامية اخرى لم تساعد "بنك البركة" على تجاوز ازمته من خلال المساهمة في ملكية رأسماله؟ - نعم، ومن دون شك. واعتقد ان موقف هذه البنوك سببه الانانية والنظرة الضيقة الى الربح. فهي لم تنظر الى المسألة بأنها عمل اسلامي، ويجب علينا ان نتكاتف كي يبقى للمسلمين موطئ قدم مصرفي اسلامي في اوروبا. وأنا لم استطع اقناع بعض البنوك السعودية بالمشاركة في ملكية "بنك البركة" بسبب تدني الربح في لندن مقارنة بالربح الخيالي الذي يمكن تحقيقه في السعودية. وأما مجموعة البنوك الاسلامية التي قررت عدم المساهمة في ملكية رأسمال البنك فكانت خيبة املي بها "ركبة جمل" كما يقولون. فمن جهة قررت هذه البنوك عدم النظر في موضوع المساهمة، ومن جهة اخرى سحبت كل ودائعها عندما علمت اننا نجري مفاوضات مع بنك انكلترا، على رغم اننا نشارك معها في كثير من العمليات. هذه البنوك تعرف ان ودائعها لا تشكل قطرة في بحرنا، بحمد الله، وهي مبالغ صغيرة لا تتجاوز في مجموعها مبلغ 20 مليون دولار اميركي. ما هي تلك البنوك؟ - انا لا أبيح لنفسي التحدث عنها وتسميتها. كيف سيتغير الوضع في حال قبول بنك انكلترا المركزي العرضين اللذين قدمهما بنك حبيب الباكستاني. وبنك "ساوث بنك كوربوريشين" الاميركي للمشاركة في رأسمال بنك البركة؟ وماذا عن اقتراحكم الرامي الى فتح باب المساهمة في البنك امام الجميع؟ - نحن سننقل الملكية مباشرة بعد موافقة بنك انكلترا على احد هذه العروض، وعلى رغم ان موضوع فتح باب المساهمة للعموم يحتاج الى وقت اطول لتنفيذه فأنا مستعد الآن للمباشرة به لأن لدينا نحو مئة مودع طلبوا ان يصبحوا من المساهمين في ملكية البنك. هل تعتقد ان فتح باب المساهمة في البنك امام العموم، من مسلمين وغير مسلمين، قد يؤثر على صورة البنك كمصرف اسلامي؟ وهل تظن ان المساهمين من غير المسلمين سيبدون حماساً للمشاركة في بنك يعمل بنظام المرابحة؟ - الاسلام ليس لديه عنصرية ضد الاديان الاخرى، خصوصاً في النواحي المالية. وعندما منع الاسلام التعامل بالربا منعه بين جميع الناس، ولم يسمح بالربا مع غير المسلمين، كما تسمح اليهودية بالربا مع غير اليهود. وعندما تُوفي النبي محمد صلعم كانت لديه معاملة مالية مع يهودي، اذ رهن درعه عنده. والرهن معاملة مالية بحتة. اما بالنسبة الى موضوع العمل من دون فوائد، اي بالمشاركة او المرابحة او التأجير، فهذا عمل اقتصادي بالدرجة الاولى نطبق فيه الشريعة الاسلامية. ولكنه من دون شك انجح من العمل بالفوائد. ولو طُبق هذا النظام بدقة في جميع انحاء العالم لاختفت من القاموس الاقتصادي ثلاثة الفاظ هي: الكساد والتضخم والبطالة. ما هي اهم البنوك الاسلامية العاملة في اوروبا الآن؟ وهل تشعر أن هناك مستقبلاً لهذه البنوك في ظل المشاكل التي تواجهها نتيجة تعارضها احياناً مع القوانين الوضعية المحلية؟ - لا يوجد في اوروبا بنوك اسلامية مُرخص لها على حد علمي عدا بنك البركة. هناك شركات استثمار اسلامية، من بينها دار المال في سويسرا، وبنك التقوى في لوغانو وهو بنك "أوفشور" مؤسس في جزر البهاما. كذلك يوجد بيت التمويل الاسلامي في اللوكسمبورغ ونحن شركاء فيه. وأظن ان في الدنمارك بنكاً اسمه البنك الدنماركي الاسلامي، لكني لست على علم بطبيعة التعاملات التي تتم فيه. ان بنك البركة هو البنك الاسلامي الوحيد المرخص له في اوروبا واعتقد ان ما جرى كان بهدف منعنا من الانتشار في اوروبا بعد العام 1992. ونحن لدينا ثلاثة فروع في لندن وفرع في مدينة برمنغهام البريطانية، وكنا نخطط لفتح ستة فروع جديدة، ولكن الازمة التي نواجهها جمّدت كل خططنا. وفي حال اقفال بنك البركة في بريطانيا فاننا سنبدأ من جديد لايجاد مركز بديل لنا في اوروبا. ولكني اشعر ان فقدان المسلمين لهذا الموطئ في القارة الاوروبية سيجعل من الصعب عليهم استعادته من جديد في مكان آخر. واذا سُمح للبنوك الاسلامية بالعمل في اوروبا فستنجح نجاحاً كبيراً باذن الله، ليس في اوساط الجاليات المسلمة فقط بل في اوساط الغربيين غير المسلمين الذين يفكرون تفكيراً اقتصادياً صافياً. أعرب النائب العمالي البريطاني كيث فاز اخيراً عن قلقه ازاء توقف البنوك الاسلامية عن العمل في بريطانيا. هل ستعمل مع بنوك وحكومات اسلامية لايجاد مزيد من التفهم لمبادئ العمل المصرفي الاسلامي في الغرب؟ - انا اعتبر وجود بنك البركة جهاداً احتسبه عند الله تعالى. ولن اتوقف عن المحاولة لمساعدة المسلمين على ممارسة اعمالهم التجارية من دون الوقوع في شرك الربا، وشرط ان لا اخرق قوانين الدول التي يعمل بنك البركة فيها. وأنا أرى أن استمرار بنك البركة هو وسيلة لتوعية غير المسلمين بأن في الاسلام ثروة هائلة من التراث الاقتصادي الذي يستطيع تخليص العالم من مشاكله لو اتبعت تعاليمه بدقة. ما هي طبيعة التحرك الذي تقومون به الآن؟ - نحن نركز على ايجاد حل، وامتنعنا اخيراً عن قبول الودائع. ولكن بفضل الله لم يتجاوز عدد الذين جاؤوا لسحب ودائعهم الثلاثين شخصاً خلال أول يومين، لأن الناس بحاجة الى بنك اسلامي. وجميع مودعينا وضعوا اموالهم لدينا عن قناعة، ويكفيني ما شعرت به من تعاطف الناس وثقتهم بنا. وأنا أود ان أشير الى اننا استطعنا اقناع بنك انكلترا بالاعتراف بأننا بنك اسلامي، ونحن نتبادل رسائل معه منذ ثلاث سنوات تتحدث عن العمل المصرفي الاسلامي. وقد اعرب النائب البريطاني فاز عن دهشته لموقف بنك انكلترا من قضيتنا، خصوصاً ان المسؤولين فيه اعتبروا سابقاً ان بنك البركة "نموذج" للبنوك الاسلامية.